{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 2 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
العقــل الأسيــر .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #3
العقــل الأسيــر .
( 2 من 2 )
" إني لا أتحدث نيابة عن الهندوس ،و لكن عن الملايين الصامتين الكادحين الجائعين ، الذين يشكلون أكثر من 85% من الشعب الهندي " المهاتما غاندي .


هناك جهود حثيثة في العالم الإسلامي الآن لمقاومة التغريب ، و لكن مما يثير التعجب أن هذه الجهود تتجه لإجتثاث كثير من الأفكار التي لا تنتمي للفكر الغربي تحديدا ، بل هذه الجهود تعادي غالبا أفكارا تشكل جزءا من ماضينا الكوكبي المشترك لا يتميز به الغرب وحده ، فأفكار مثل حقوق الإنسان و حرية التفكير و التعبير و التنوع الفكري تلاقي هجوما متصلا كونها دخيلة على تقاليد الشرقيين ، كذلك أصبح الإهتمام بالعلوم و الرياضيات و الثقة بها نوعا من المادية الغربية و تحدي الذات الإلهية ، و يكفي أن تسمي أية قيمة مهما كانت سامية بكونها غربية ، حتى يندفع الفقهاء المسلمون و متبعيهم إلى إتخاذ موقف معادي منها ، فهناك قناعات راسخة بأن المسلم الصادق لابد أن يكون معاديا للغرب ، و هكذا أصبحت العقلية الإسلامية أسيرة هاجس واحد هو الغرب و فكره ، و من الجدير بالملاحظة المدققة أن هذا الهاجس هو مزيج من الإعجاب الضمني و النفور المعلن ، هذا الهاجس يلعب دورا سلبيا في حياة أصحاب العقلية الأسيرة ، ولهذا لابد من مكافحته و التغلب عليه ، إذا أريد للمسلمين وغيرهم أيضا من الشعوب الشرقية أن تساهم في الحياة الإنسانية كشركاء متساويين مع الغرب ، فليس من المعقول أو المفيد أن ينظر الإنسان إلى نفسه كمجرد سليل للضحايا ، حتى لو كان ذلك صحيحا في جانب كبير منه ، و حتى لو اتخذ هذا الهاجس شكلا إيجابيا أحيانا ، كدافع للتفوق و التغلب على الغرب ذاته في مجال تفوقه المادي ، لأنها ستجعل هوية الإنسان تابعة لعلاقاته بالآخرين ، فلا يفعل شيئا إيجابيا او سلبيا إلا خلال علاقته بالغير ، بل يجب أن يكون هذا التفوق استجابة للوجود الإنساني المتفرد ، و نابعا من الشخصية المستقلة كما فعلت اليابان و تفعل كوريا و غيرها من النمور الأسيوية ، فيقول لي كوان يو السياسي الفذ و رئيس وزراء سنغافوره التاريخي :" سنغافورة ليست دولة تابعة لأمريكا " ، وهو بذلك يعني ما هو أبعد من التبعية السياسية ، إنه يعني أن سنغافورة و غيرها من شعوب الهند الصينية قد تجاوزت ماضيها الإستعماري (الكولونيالي) ، أما الجوانب السلبية لظاهرة العقلية الإسيرة فهي ضخمة و مدمرة ، و يمكن تحديدها في 3 عناصر .
أولا : دعم الأصولية الدينية و الإرهاب العالمي .
محاولة الثأر من الغرب بسبب جرائمه السابقة ، ذريعة مناسبة تماما لتعبئة المسلمين ضد كل ما هو غربي بما في ذلك أكثر نماذج الغرب ليبرالية و معاصرة ، و هذا ما يفعله الإرهابيون دائما ، مع إشارات مباشرة أو ضمنية لجرائم العصر الإستعماري ، هذه التعبئة ليست ضد الغرب فقط ، بل تتجاوزه إلى أنظمة الحكم التقليدية في العالم الإسلامي ، فهناك توصيف دائم لتلك الأنظمة بكونها عميلة و خائنة ، لمجرد تعاونها مع الغرب ، حتى لو كان ذلك في إطار التنمية ، و تحت مظلة الأمم المتحدة و ميثاقها ، فالأصوليون في فلسطين يتهمون أبو مازن بالتبعية و العمالة ، لمجرد ارتياده طريق الحلول التفاوضية ، و يعتبرونه مسؤولا عن الجرائم الإسرائيلية منذ بداية الحركة الصهيونية ، هذا الموقف يتم اتخاذه تجاه كل الزعماء العرب و المسلمين المعتدلين بلا استثناء ، هناك فرق واضح بين مكافحة الإستعمار و التحرر من براثنه ،و بين أن تعيش الشعوب أسرى لتاريخها المؤلم تستحضره على الدوام ، هو نفس الفرق بين أن يعالج الإنسان نفسه من المرض حتى يبرأ منه ،و بين أن يجتر على الدوام مشاعر الألم المر .
في الفترة من القرن 7 حتى القرن 17 و لمدة 10 قرون كاملة ، كانت الدولة الإسلامية هي المهيمنة على العالم ،و تحتل مركز القلب من التاريخ الإنساني ، كان إنتشار الإسلام و تفوقه خصما بالطبع من الديانات الأخرى كالمسيحية و الهندوسية و البوذية ، بالرغم منذ ذلك لم ير المسلمون أنفسهم ذلك الآخر الذي يكرس حياته كي يقوض المجتعات المخالفة حتى الموت .. موته و موتهم ، و لكنهم كانوا منشغلين ببناء مجتمعاتهم وممارسة وجودهم الإنساني بطريقة رائدة ، لم يكن هناك ذلك الإصرار على اتخاذ موقف عدائي موحد من الغرب ، و إلزام جميع المؤمنين بحربه ، باعتباره قوى الإستعلاء أو الكافرين أو الشيطان الرجيم ، فلم يكن هناك حاجة للعقلية الأسيرة ،و لم تكن الهوية الإرتجاعية لها معنى في أيام عظمة المسلمين .
اليوم أيضا لم تعد هناك تلك الأهمية الكبيرة للهوية الدينية ، هناك فقط متطلبات فضفاضة للإلتزام الديني داخل نسقه الوظيفي ، بعد ذلك يمكن أن يكون للمسلمين أفكارهم المختلفة حول القضايا العلمانية ،و يمكنهم أن يصيغوا حياتهم وفقا لنماذج متعددة ، وهذا ما يفعله الأغلبية العظمى للمسلمين في العالم المعاصر ، و لكن الأصوليون المسلمون يفسدون المشهد كله ، فهم يصرون على جعل الدين هوية شمولية ضيقة للمسلمين ، في تلك الهوية يلعب الغرب دور العدو المركزي الذي يجب أن تدور الحياة حوله ، وهذا ما يجب أن يرفضه العقلاء منا بكل جلاء .
ثانيا : تشويه قراءة التاريخ الفكري و العلمي للعالم .
إن العقلية الأسيرة تخلط دائما ما هو غربي وما هو تراث كوكبي مشترك بين الجميع ، و نتيجة ذلك تقوم برفض التراث الحضاري كله باعتباره غربي المنشأ ، و لعل أوضح مثال لذلك هي العلوم المادية ، ولأن الكثيرين من المسلمين يعتقدون أنها منتج غربي ، يتم التقليل من شأنها لصالح الروحانيات الشرقية الإفتراضية ، و هناك قليلون في العالم يؤمنون بالفعل أن العلوم و الرياضيات منتجات عالمية ، ساهم العرب و الهنود و الصينيون بجهود كبيرة فيها ، إن الأصولي المسلم الذي يحقر من قيمة العلوم و يصفها بالنجاسة ، ذلك الذي يلعن الطب الحديث و يتغنى بفوائد بول الإبل ، هذا الغافل يجهل بشكل يدعوا للحزن أنه حفيد مجموعة من ألمع العلماء الذين أنجبتهم البشرية ،و أن فضل الأطباء و العلماء العرب على الغرب كبير ، لا ينكره الغربيون أنفسهم اللهم باستثناء قلة لا يعتد بها ، و يشير د . عبد الرحمن بدوي في دراسته الشيقة عن ( دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي ) إلى عملية تخصيب تاريخية كبرى بين الفكر العربي البالغ كمال تطوره و بين العقل الأوروبي في منطقتين هما إسبانيا و بالتحديد في مدينة طليطلة ، و الثانية صقلية و جنوب إيطاليا ، و يمتد تأثير الفكر العربي ليشمل كافة الأنشطة الحضارية ، من الفلسفة و العلوم الطبيعية و الفيزياء و الطب و الرياضيات ، بل و امتد ليشمل المعمار و الموسيقى ، مرورا بالشعر و القصص ، و لن استفيض في هذه الجزئية ، فقط أدعوكم لتامل حقيقة أن الخوارزمي هو أستاذ الرياضيات الذي علمها أوروبا ، حتى أنهم أطلقوا على الجداول الرياضية الخوازميات ، أما أحفاد الخوارزمي العرب المعاصرون ، فقد أعادوا نقلها من الغرب باسم مضحك هو جداول اللوغاريتمات ، و من الخوارزمي تعلمت أوروبا الصفر ،وهو في العربية ترجمة لكلمة هندية هي سونيا أي خال أو خاو ،و قد نقلت كلمة صفر إلى اللاتينية سيفرا ، بمعنى صفر ،ة ثم أطلقت بعد ذلك على الأرقام عامة ، و بعبارة موجزة يجب ان نعرف أن العلوم هي منتج بشري تراكمي نساهم فيه جميعا لمصلحتنا المشتركة ، و من العار أن ندير ظهرنا للعلم كنجاسة لا تليق !.
ثالثا : تشجيع عداوات لا ضرورة لها لكثير من الأفكار الإنسانية العظمى .
باعتبارها منتجا غربيا يحارب الأصوليون الأفكار البشرية العظمى ، مثل حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحريات الشخصية ، و تلك نتيجة مشؤومة لرؤية المسلم نفسه باعتباره الآخر ، فهو في هذه الحالة يسلم بلا مقاومة لمصادرة الغرب لملكية التراث العالمي من الأفكار العظمى ، و هذا يؤدي بالتالي إلى اضعاف تأييد الحرية و الديمقراطية في العالم غير الغربي ، بل ربما الأمر أخطر من ذلك كثيرا ، عندما يؤدي مثل هذا الموقف إلى التشكيك في الموضوعية العلمية ، باعتبارها منتجا معاديا يقدمه لنا الغرب الذي لا نثق فيه ، و لعل أسوأ مثال ذلك ، الموقف التي اتخذته القيادات الإفريقية لجنوب إفريقيا بعد انتهاء سياسة الفصل العنصري ، عندما رفضت الإعتراف بمرض الإيدز و انتشاره ، معللة ذلك بالنهب و الفقر الإستعماري ، نتيجة التشكيك في الطب الغربي !، و قد استغرق الأمر سنوات طويلة و ألوف الضحايا حتى بدأت الأمور في التحسن نتيجة الإعتراف بالعلم الغربي و احترامه ، شيئا مشابها أصاب سياسات تحديد النسل في بلد تجتاحه الأصولية المتغولة مثل مصر ، فالحسابات و الحلول العلمية يتم تجاهلها لأنها صليبية المنشأ ، و يجري العبث بأفكار ترى تحديد النسل حرام و غير دستوري ! ، و يؤكد مفكر هام يجري اقتباسه على نطاق كبير هو د . أمارتيا صن Amartya Sen في كتاب شهير له هو ( وهم المصير ) The Illusion Of Destiny ، أنه لا توجد حضارة واحدة يمكن أن ينسب لها الفضل كله في إعلاء قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان ، و أن باقي الحضارات الأسيوية مثلا كانت تركز بديلا عن ذلك على التنظيم الجماعي ، فقد شهدت حتى تلك الحضارات الأسيوية إسهامات عديدة في تنمية تلك القيم الكوكبية ، أما أن تثمر كل تلك الجهود و تؤتي أكلها خلال الحضارة الغربية ، فذلك طبيعي كون تلك الحضارة الغربية هي وارثة الحضارات السابقة كلها ، أما الإسلام الذي يحاول الأصوليون تحويله إلى سجن تاريخي لكل المسلمين ، فقد شهد انتفاضات عنيفة من أجل الحرية ، و هناك ثورة الحسين و ثورات الزنج و القرامطة ، كلها مع اختلاف الأهداف كانت حركات ثورية من أجل الإنسان و كرامته الفردية .
هكذا نجد أن بروز مفاهيم الهوية الإرتجاعية و تركيزها على العداء للغرب ، تؤدي إلى محاولات عديدة لتأكيد الهويات اللاغربية ، أكثر كثيرا من التفكير بحرية و استكشاف مناطق أخرى هامة من الذات الإنسانية ، هذه العقلية الأسيرة تقف خلف الكثير من المصاعب التي تواجه إلتحاق المسلمين بالعالم المعاصر ، كما تساهم في تضليل ردود الأفعال التي يواجه به الغرب التحدي الإسلامي .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 08-04-2008, 11:44 PM بواسطة بهجت.)
08-04-2008, 11:42 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-01-2008, 05:40 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة حمزة الصمادي - 08-01-2008, 07:42 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-04-2008, 11:42 PM
العقــل الأسيــر . - بواسطة سهيل - 08-05-2008, 02:07 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-05-2008, 02:59 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-11-2008, 04:39 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة ابن نجد - 08-11-2008, 06:06 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة حمزة الصمادي - 08-11-2008, 07:06 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة عمر أبو رصاع - 08-11-2008, 07:54 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-13-2008, 05:46 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة jafar_ali60 - 08-14-2008, 02:54 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-15-2008, 06:17 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-19-2008, 03:41 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة Yusuf - 08-19-2008, 04:36 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-19-2008, 03:09 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS