{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
كتاب يكشف سرقة وثائق تنسف دعوى اليهود في فلسطين
فضل غير متصل
لو راح المغنى بتضل الاغانى
*****

المشاركات: 3,386
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #4
كتاب يكشف سرقة وثائق تنسف دعوى اليهود في فلسطين
من المنطقي الافتراض انه سيصاب بالدهشة عند قراءة هذه الوقائع المعروف منذ وقت طويل لعلماء الآثار الذين ينقبون في ارض "إسرائيل"، ليس فقط مواطنو "إسرائيل" وابناء الشعب اليهودي، بل الكثير من سكان العالم أيضا. وفي السنوات العشرين الأخيرة حدثت ثورة فعلية في تعامل الباحثين "الإسرائيليين" مع التوراة بوصفها مصدرا تاريخيا. فمعظم المنشغلين في المداولات العلمية في ميدان التوراة، علم الآثار وتاريخ شعب "إسرائيل"، الذين كانوا يبحثون حتى الآن ميدانيا عن أي إثباتات لصدقية قصص التوراة، يتفقون حاليا على ان مراحل تشكل شعب "إسرائيل" كانت مغايرة تماما للصورة الموصوفة في التوراة.
من العسير تقبل ذلك، ولكن من الواضح للباحثين اليوم ان شعب "إسرائيل" لم يقم في مصر، ولم يته في الصحراء، ولم يحتل البلاد بحملة عسكرية ولم يورثها لاثني عشر سبطا "إسرائيليا". كذلك اصعب من هذا ان نستوعب حقيقة تتبدى وهي ان المملكة الموحدة لداوود وسليمان، الموصوفة في التوراة كقوة عظمى اقليمية، كانت في افضل الاحوال مملكة قبلية صغيرة. وعلاوة على ذلك، من الممكن ان ينتاب القلق كل من سيضطر للعيش مع فكرة ان يهوه، اله "إسرائيل" كانت لديه زوجة، وان الدين "الإسرائيلي" الاقدم تبنى الوحدانية فقط في هوامش عهد الملوك، وليس على جبل سيناء.

وكإبن للشعب اليهودي، وكتلميذ للمدرسة التوراتية، فانني ادرك عمق الاحباط النابع من الفجوة بين التوقعات واثبات التوراة كمصدر تاريخي وبين الوقائع المكتشفة على الارض.
وقد خبرت هذه التجربة "على لحميم" وانا افحص، انتقد واصحح اولا وقبل كل شيء تفسيراتي واستخلاصاتي السابقة، إلى جانب انتقاد وتفسير اعمال نظرائي بشكل مجدد.
واود ان اعرض امامكم باختصار التاريخ القصير لعلم الآثار في ارض "إسرائيل"، والتشديد على مراحل الازمة والثورة الحادثة في العقد الأخير. وفي النهاية سأحاول استيضاح لماذا لا تتغلغل الوقائع المتبدية في اذهان الجمهور الواسع.

علم الآثار الملتزم

تطور علم الآثار في ارض "إسرائيل" إلى علم حقيقي في مرحلة متأخرة نسبيا، في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين . فالثقافات الإمبريالية لمصر وبلاد ما بين النهرين، اليونان وروما كانت الهدف الاثاري الأول للباحثين الذين كانوا يبحثون عن شهادات مذهلة عن الماضي، وخصوصا لمصلحة المتاحف الكبرى في لندن، باريس وبرلين. وقد قفزت هذه المرحلة عملية عن ارض "إسرائيل" الصغيرة، والتي كانت أيضا متنوعة وممزقة من ناحية جغرافية. ففي هذه البلاد لم تكن هناك ظروف مناسبة لتطور مملكة واسعة، وبالتالي لم يكن بالمقدور إقامة منشآت كبيرة مثل المعابد المصرية الكبرى، أو القصور العراقية.
وكان الدافع الاساسي للابحاث الآثارية في ارض "إسرائيل" دافعا دينيا، وهو يتعلق بارتباط هذه الأرض بالكتب المقدسة. وقامت مدرسة انتقاد التوراة، والتي نشأت في المانيا ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر، بالتشكيك في تاريخية القصص التوراتية وادعت ان التوصيف التاريخي التوراتي صيغ، وبقدرك كبير "اختلق" في أيام النفي البابلي. وقال الباحثون في التوراة، وخصوصا الالمان منهم، ان تاريخ شعب "إسرائيل" كإستمرار احداث، بدءا من أيام ابراهيم، اسحق ويعقوب، مرورا بالهجرة إلى مصر، والاستعباد والخروج من مصر وانتهاء باحتلال البلاد واستيطان اسباط "إسرائيل" - ليست الا استذكارا متأخرا للماضي، ذا هدف ديني.
وفقط بوسع علم الآثار ان يدحض هذه النظرية، ولذلك بدأ علم الآثار "الإسرائيلي". وكان اوائل المنقبين في اريحا ونابلس باحثو التوراة الذين نقبوا في مطلع هذا القرن عن بقايا المدن التوراتية. وقد ازدهرت هذه الابحاث مع وصول ويليام فوكسويل اولبرايت، الباحث في شؤون ارض "إسرائيل" والشرق القديم. واولبرايت اميركي، ابن كاهن من اصل تشيلي، بدأ العمل في ارض "إسرائيل" في مطلع العشرينات وكان يؤمن ان علم الآثار هو الوسيلة العلمية الأساسية لتنفيذ المزاعم الانتقادية ضد تاريخية قصص التوراة، وخصوصا مدرسة فالهاوزن.
وكان اولبرايت يؤمن ان التوراة هي وثيقة تاريخية، وانها تعرضت لبعض التحرير، ولكنها ظلت في اساسها تعبر عن الواقع القديم. وكان على قناعة بأنه اذا تم الكشف عن الاطلال القديمة في البلاد، فان ذلك سيوفر برهانا قاطعا على الصدقية التاريخية للاحداث المتعلقة بشعب "إسرائيل" في ارضه.
وقاد علم الآثار التوراتي الذي تطور بعد اولبرايت وتلاميذه إلى إجراء حفريات واسعة في الوديان التوراتية الهامة: مجيدو، لخيش، جيزر، نابلس، اريحا، القدس، هعي، جبعون، بيسان، بيت شيمش، حاتسور، تعناخ وسواها.

يادين يجول في ارض التوراة

وفي الخمسينات، الستينات والسبعينات ازدهرت اركيولوجيا المدرسة التوراتية، دون ان تتردد ودون ان تناقش قضايا نظرية. وكانت الطريق معبدة وواضحة: كل اكتشاف يسهم في بناء الصورة الكاملة. وكانت الكتب الأساسية في علم الآثار تنسب للتوراة أو لـ""الأرض المقدسة"، وكتب يئال بادين "نظرية الحرب في بلاد التوراة"، وكتب يوحنان اهروني "اطلس عهد التوراة"، وسواهما.
وادى علم الآثار التوراتي هدفه: خلق صورة منسجمة عن الماضي، تستند إلى التوافق بين المصادر الادبية والاكتشافات الاركيولوجية الميدانية، وتخصص الباحثون في جوانب مختارة من الاكتشافات: مثل الاواني الخزفية، الاسلحة، الشهادات المكتوبة، العمارة، المواد الفنية وما شابه.. وعرضوا سلسلة نموذجية مذهلة في تفصيلها ومصداقيتها. وبشكل متواصل كانوا يزعمون انهم يجيدون التمييز بين اواني القرنين العاشر والحادي عشر بعد الميلاد!!
والتناظر بين علم الآثار والتاريخ المصري، على سبيل المثال ذكر رحلة شيشاك إلى ارض "إسرائيل" في التوراة وبابرازات مصرية، اتاح تأسيس التسلسل التاريخي "الإسرائيلي"، وباختصار جرى اكمال الصورة.
وعلماء الآثار الذين تبنوا بحماس التوجه التوراتي كشفوا "عهد التوراة"، الذي حظي باهمية واسعة تجاوزت ميدان التسلسل التاريخي، وفي كتب التمهيد ادرجوا فصولا تتعلق بما قبل تاريخ ارض "إسرائيل" في العهود التي سبقت بمئات الالف السنين ودمجوها بفترة التوراة.
وهكذا، بحثنا، وصفنا وعلمنا عهد الاباء (وايضا، حصون الهكسوس) وتركيبة المدن الكنعانية الهائلة وهدمها على ايدي بني "إسرائيل" في حملة احتلال البلاد، والحدود التي ورثتها اسباط "إسرائيل"، والمستوطنات التي اقاموها وتميزت ب"ابار المستوطنة" و"اباريق المستوطنة" و "بوابة سليمان" في حاتسور، مديدو وجيزر، و "اسطبلات سليمان" و "انفاق سليمان" في تمناع، بل هناك من ذهب ابعد من ذلك فعثر على جبل سيناء في جبل كركوم في النقب، أو مذبح يهوشع في جبل عيبال.

الصورة تتشوش
وتدريجيا بدأت تظهر الثغرات في الصورة. وبشكل مفارقة نشأ وضع بدأت فيه الاكتشافات الكثيرة تقوض المصداقية التاريخية للوصف التوراتي، بدلا من ان تعززه . وبدأت مرحلة الازمة. وهي مرحلة لا تستطيع فيها النظريات ان تحل العدد المتزايد من المجاهيل، وغدت التفسيرات معقدة وغير لبقة، فتشوشت الصورة وتبين انها غير قابلة للاكتمال. وسأعرض هنا عدة نماذج عن انهيار الصورة المنسجمة.
عهد الاباء: تعسر على الباحثين الاتفاق فيما بينهم حول الحقبة الاركيولوجية المناسبة لعهد الاباء. فمتى عاش ابراهيم، اسحق ويعقوب؟ ومتى تم شراء مغارة المكفلا (الحرم الابراهيمي) واستخدامها كمقبرة للاباء والامهات؟ وبحسب التسلسل التاريخي التوراتي فان سليمان اقام الهيكل بعد 480 سنة من الرحيل عن مصر. ولكن يجب ان نضيف إلى ذلك 430 سنة بقي فيها اليهود في مصر، والعمر المديد بشكل مبالغ فيه للاباء، فتحصل على تاريخ في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، موعد هجرة ابراهيم إلى ارض كنعان.

ولم يتم في الحفريات اكتشاف أي شهادة يمكن ان تؤكد هذا التسلسل التاريخي. وقد زعم اولبرايت في مطلع الستينات انه يمكن مقارنة فترة ترحال ابراهيم بالعهد البرونزي (أي القرن العشرين - الثاني والعشرين قبل الميلاد). ولكن بنيامين ميزار، اب الفرع "الإسرائيلي" من علم الآثار التوراتي اقترح ان يتم تشخيص الخلفية التاريخية لعهد الاباء، بالف سنة بعد ذلك، أي بالقرن الحادي عشر قبل الميلاد، أي في أثناء "فترة الاستيطان". ولكن آخرين رفضوا تاريخية هذه القصص ورأوا فيها مجرد اساطير عن الاباء رويت في مملكة يهودا. وبالاجمال جرى التشكيك في الاجماع.
الخروج من مصر، والترحال في الصحراء وجبل سيناء: ان الوثائق المصرية الكثيرة المعروفة لنا لا تذكر البتة مكوث بني "إسرائيل" في مصر، أو حادث الخروج من مصر. وتذكر هذه الوثائق فعلا العادة المعهودة عند الرعاة الرحل (الذين تسميهم شاسو) بالدخول إلى الأراضي المصرية في أوقات القحط والجوع والاستيطان على هوامش دلتا النيل. ولكن لم يكن هذا حدثا فريدا، فاحداث كهذه تقع كثيرا طوال آلاف السنين ولم تكن ظاهرة استثنائية.
وقد حاولت اجيال من الباحثين اكتشاف موقع جبل سيناء ومحطات اسباط "إسرائيل" في الصحراء. ورغم الابحاث الحثيثة لم يتم اكتشاف ولو موقع واحد يمكن ان يتناسب مع الصورة التوراتية كما ان قوة التقليد تدفع حاليا أيضا الباحثين إلى "اكتشاف" جبل سيناء في شمال الحجاز أو كما ذكرت سابقا، في جبل كركوم في النقب، وهذه الأحداث المركزية في التاريخ "الإسرائيلي" لا تحظى باي تأكيد في أي شهادة خارج التوراة، أو في الاكتشافات الاثرية. ويتفق معظم المؤرخين اليوم على انه في اضل الحالات، فان المكوث في مصر والخروج منها كان من فعل عائلات قليلة وقد تمت عملية توسيع لقصتها الخاصة و "اممت" لاغراض الايديولوجيا الدينية.
احتلال البلاد: ان أحد الاسس المبلورة لشعب "إسرائيل" في التوصيف التاريخي التوراتي هي قصة احتلال البلاد من الكنعانيين. وهنا تتبدى المصاعب الاخطر وتحديدا عند محاولة اكتشاف القرائن الاثرية لقصص التوراة عن احتلال البلاد بأيدي بني "إسرائيل".
فالحفريات المتكررة التي أجرتها بعثات مختلفة في اريحا وفي بعي -المدينتان اللتان يذكر وصف احتلالهما بالتفصيل الدقيق في سفر يهوشع- خيبت الآمال جدا. فرغم مساعي الباحثين تبين انه في اواخر القرن الثالث عشر، في نهاية العهد البرونزي المتأخر، وفي الفترة المتفق على انها فترة الاحتلال، لم يتم العثور أبدا في هذين الموقعين على أي اثر لمدينة وبالتالي لم تكن هناك اسوار يمكن هدمها.
ولذلك فان باحثي التوراة اقترحوا منذ يوبيل من السنوات النظر إلى قصص الاحتلال هذه بوصفها مجرد اساطير ليس الا، ولكن وبقدر ما كانت تزداد المواقع التي تكتشف ويتبين ان هذه المواقع السكنية خربت أو هجرت في فترات زمنية، كان الاستنتاج الذي يتعزز هو انه ليس هناك اساس واقعي لقصص التوراة عن احتلال ارض "إسرائيل" على ايدي اسباط "إسرائيل" في حملة عسكرية بقيادة يهوشع.
المدن الكنعانية: تهول التوراة من قوة وتحصينات المدن الكنعانية التي احتلها بنو "إسرائيل". وعمليا فانه في جميع المواقع التي جرى اكتشافها تم اكتشاف اثار مناطق سكنية غير حصينة، وحيث عثر في الكثير من الحالات في هذه المواقع على مبان قليلة هي بيوت الحكام، ولم تكن مدنا بالمعنى الفعلي . كما ان الثقافة المدينية في ارض "إسرائيل" في العهود البرونزية المتأخرة تلاشت في صيرورة استمرت مئات السنين ولم تنبع من احتلال عسكري . وعلاوة على ذلك، فان الوصف التوراتي لا يعترف بالواقع الجيوسياسي في البلاد. فقد كانت ارض "إسرائيل" خاضعة للسلطة المصرية حتى اواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وقد ادار المصريون حكمهم من مراكز ادارية اقاموها في غزة، يافا وبيسان. وتم العثور على اكتشافات مصرية في الكثير من المواقع على كلا ضفتي نهر الاردن. غير ان هذا الحضور البارز ليس له أي ذكر في الوصف التوراتي. ومن الواضح انه لم يكن معروفا لا لمؤلف الوصف ولا لمحرريه.

اذن من نحن؟
بوضوح فان الاكتشافات الاثرية تناقض الصورة التوراتية. فمدن كنعان لم تكن هائلة، ولم تكن حصينة ورأسها لم يكن في السماء. وبطولة المحتلين، القلة مقابل الكثرة، ومآثر اله "إسرائيل" الذي حارب إلى جانب شعبه هي استذكار ديني ليس له أي اساس واقعي.
اصل "الإسرائيليين": ان دمج الاستخلاصات من القضايا السابقة المتعلقة بمراحل تشكل الشعب اليهودي أثارت جدالا حول القضية الاساس - هوية شعب "إسرائيل". فان لم تكن هناك قرائن على الخروج من مصر ورحلة الصحراء، وان كانت القصة حول الاحتلال العسكري للمدن تدحضها وقائع علم الآثار. فمن هم بنو "إسرائيل" ؟
ان الاكتشافات الاثرية برهنت حقيقة هامة: في مطلع الحقبة الحديدية، وفي المرحلة المتناظرة مع "فترة الاستيطان" تأسست في منطقة الجبل المركزي من ارض "إسرائيل" مئات المواقع السكنية الصغيرة، التي عاش فيها مزارعون يعملون في الأرض ويربون المواشي. وإذا كانوا لم يصلوا من مصر فمن أين ظهر هؤلاء المستوطنون؟
يبدو لي انه ليس هناك اليوم مؤيدون للنموذج التوراتي لـ"الاحتلال العسكري " . وقلة من الباحثين لا زالت تتمسك بالرأي القائل ان "الإسرائيليين" كانوا بدوا وصلوا من شرقي الاردن واستوطنوا ضمن عملية استيطان هاديء مناطق الجبل (وهي النظرية التي طورها باحثون المان).
اما الباحثان الأميركيان جورج مندنهول وهنورمان غوتفالد فقد طورا "النظرية الاجتماعية"، وتقضي هذه النظرية بان المستوطنين الجدد هم كنعانيون من سكان القرى في منطقة الساحل ضجروا من استبداد ملوكهم وقد تمرد الفلاحون وتركوا الممالك الساحلية في السهول واستوطنوا منطقة الجبل، التي لم تكن مأهولة قبل ذلك.
وقد اقترح اسـرائيل فينطشتاين النظر إلى المستوطنين بوصفهم الرعاة الذي كانوا يجولون منطقة الجبل في كل الحقبة البرونزية المتأخرة (حيث تم العثور على مقابر بدون مواقع سكنية). ووفق نظريته، فان الرعاة اقاموا في الحقبة البرونزية المتأخرة اقتصادا تبادليا حيث قايضوا اللحوم بالمنتجات الزراعية من سكان السهول. ومع تفكك النظام المديني والزراعي في السهول اضطر البدو لانتاج الغذاء النباتي بانفسهم، الامر الذي حفزهم على الاستيطان .
المملكة الموحدة ومكانة القدس: أيضا احدث علم الآثار تحولا في استعادة الواقع في الفترة الزمنية المسماة "فترة المملكة الموحدة" لداوود وسليمان. فهذه الفترة موصوفة في التوراة وكأنها ذروة الاستقلال السياسي، العسكري والاقتصادي لشعب "إسرائيل" في الماضي، فبعد احتلال داوود امتدت امبراطوريته وامبراطورية سليمان من نهر الفرات إلى غزة. ولكن الاكتشافات الاثرية في مواقع سكنية كثيرة اظهرت ان مشاريع البناء المنسوبة في التوراة لهذه الفترة هي اكتشافات ضعيفة في قوتها وحجمها. فالمدن الثلاث، حتسور، مجيدو وجيزر، المذكورة ضمن مشاريع بناء سليمان حفرت بشكل واسع في الطبقات الملائمة. وقد كانت حاتسور محصنة فقط في النصف العلوي من المدينة وعلى مساحة ثلاثين دونما فقط (من مساحة المدينة وعلى مساحة ثلاثين دنما فقط (من مساحة شاملة للمدينة بلغت 700 دونم)، اما في جيزر فعلى ما يبدو كانت هناك قلعة محاطة باسوار مغلقة (سور مبني من جدارين بينهما فسحة، اقيمت مكان سور كامل في فترات قلة الموارد) وعلى ارض صغيرة. اما مجيدو فلم تكن محصنة البتة.

القدس الصغرى
وتتعقد الصورة اكثر من ذلك في ضوء الحفريات في القدس، عاصمة المملكة الموحدة، فقد حفرت اجزاء واسعة من المدينة في المائة وخمسين عاما الأخيرة. وقد تبين في هذه الحفريات ان هناك اطلالا مذهلة من الحقبة البرونزية الوسطى والحقبة الحديدية الثانية (أيام مملكة يهودا). ومن أيام المملكة الموحدة (أيضا حسب التسلسل التاريخي المعتمد) لم يتم العثور على أي اطلال. وفقط تم اكتشاف حفنة من الخزف. وفي ضوء المحافظة على الاطلال من عهود سابقة واخرى متأخرة، من الواضح ان القدس في أيام داوود وسليمان كانت مدينة صغيرة، وربما كان فيها آنذاك حصن صغير، لكنها في كل الاحوال لم تكن عاصمة الامبراطورية الموصوفة في اسفار التوراة. ولكن مؤلفي هذا الوصف التوراتي عرفوا القدس في القرن الثامن قبل الميلاد، وعرفوا عن اسوارها واطلالها الغنية التي اقيمت في اجزاء مختلفة من المدينة، واسقطوا هذه الصورة المتأخرة على أيام المملكة الموحدة، وقد حظيت القدس بمكانتها المركزية بعد خراب السامرة، منافستها الشمالية عام 722 قبل الميلاد.
وهكذا فان الاكتشافات الاثرية تندرج جيدا في استخلاصات الباحثين الانتقاديين للتوراة. فداوود وسليمان كانا حاكمين لممالك قبلية سيطرت على مناطق صغيرة. الأول في الخليل، والثاني في القدس، وبموازاة ذلك بدأت في التشكل مملكة منفصلة في جبل السامرة وجدت تعبيرا لها في القصص حول مملكة شاؤول، وكانت "إسرائيل" ويهودا من البداية مملكتين منفصلتين مستقلتين، واحيانا كانت الواحدة تعادي الأخرى. من هنا فان المملكة الموحدة الكبيرة في انتاج توصيف تاريخي خيالي جرى تأليفه في اواخر أيام مملكة يهودا كاقصى حد. وربما ان الاثبات الحاسم على ذلك هو حقيقة أننا لا نعرف اسم هذه المملكة.
والى جانب الزوايا التاريخية والسياسية تثار أيضا شكوك بشأن مصداقية المعطيات حول الايمان والعبادة. فالنظريات حول الايمان المتأخر بالوحدانية والعبادة في ممالك "إسرائيل" ويهودا تلقت دعما مع اكتشاف كتابات باللغة العبرية القديمة تذكر زوجا من الالهة: يهوه وزوجته. وفي موقعين، كونتيلا عجرود في جنوب جبل النقب وبحر الكوم في وادي يهودا، تم الكشف عن كتابات بالعبرية تذكر "يهوه واشراتا"، يهوه شمران واشراتا"، "يهوه اليمن واشراتو"، وقد افصحت هذه الكتابات عن وزوج من الالهة: يهوه وزوجته اشراه، وتبريكات باسم زوج الالهة، وتعود هذه الكتابات إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وهي تؤكد الافتراض بان الوحدانية ايضا، كدين رسمي، ليست الا تجديدا في اواخر عهد مملكة يهودا، وبعد خراب مملكة "إسرائيل".

خطر على حقنا

ان علم الآثار في ارض "إسرائيل" يكمل في نهاية القرن العشرين عملية الانتقال إلى الاستقلال العلمي. وهو على استعداد لمجابهة ابحاث التوراة والتاريخ القديم كنظام متساو في القيمة. ولكن بموازاة ذلك تحدث ظاهرة مثيرة وتتمثل بتجاهل المجتمع "الإسرائيلي" له. فالكثير من الاكتشافات المذكورة انفا معروفة ومشهورة منذ عشرات السنين. والادب المهني في علم الآثار، والتوراة وتاريخ شعب "إسرائيل" يكثر من البحث فيها بعشرات الكتب وبمئات المقالات . وحتى لو لم يقبل جميع الباحثين كل الحجج التي اوردتها كامثلة، فان معظم الباحثين يتبنون اساسها.
ومع ذلك، فان هذه الافكار الثورية لا تتغلغل في وعي الجمهور. فقبل عام نشر زميلي، المؤرخ، البروفيسور نداف نئمان في هآرتس مقالة بعنوان "اخرجوا التوراة من خزانة الكتب اليهودية"، ولكن اهل الكتاب لم يتحركوا.
فقد شكل التاريخ التوراتي أحد احجار الاساس في بناء الهوية القومية للمجتمع "الإسرائيلي" اليهودي. اما السكان العلمانيون في "إسرائيل"، الذين رفضوا الاسس التشريعية الدينية لليهودية والقائمة على التلمود، فقد تبنوا جوهر التوراة. والتاريخ التوراتي المعبر عنه في اسفار التوراة، يهوشع، القضاة، الملوك والتاريخ، والتي توحدت كنتاج ايديولوجي ثيولوجي تحول في "إسرائيل" العملانية إلى اساس ثقافي. وتعزيز الارتباط بالارض ومشاهدها يفيد علم الآثار الذي تحول إلى "هواية قومية" وكشف اثار الاباء وملوك شعب "إسرائيل".
ان التواصل التوراتي لسلسلة الاجيال من ابراهيم مرورا بموسى وسليمان وحتى خراب الهيكل الأول يشكل حجر الاساس في دراسات التاريخ والتوراة وهو مكرس في دراسات الادب ومعرفة البلاد في المدارس الابتدائية، كما ان اعياد "إسرائيل" الاساسية، الفصح، نزول التوراة، وعيد العرش، التي يتم الاحتفال بها رسميا من رياض الاطفال تستند إلى الوصف التوراتي لاحداث الخروج من مصر، والتيه في الصحراء ونزول التوراة في جبل سيناء. ومع مرور السنين، وقبل وقت طويل من نشوب السجال حول ارض "إسرائيل" الكاملة، استخدمت التوراة وعلم الآثار كأساس لتعزيز العلاقة مع البلاد، وكقاعدة لمشاعر تملكها.
ان التشكيك في مصداقية التوصيفات التوراتية ينظر إليه بأنه تشكيك في "حقنا التاريخي في هذه البلاد" وكتحطيم لاسطورة الشعب الذي يجدد مملكة "إسرائيل" السابقة، وهذه الاسس الرمزية تشكل مقوما هاما جدا في تشكيل الهوية "الاسرائيلية"، لدرجة ان أي محاولة للتساؤل عن صدقيتها تواجه بالعداء أو التجاهل.
وتجدر الإشارة إلى ان ميلا كهذا في صفوف المجتمع "الإسرائيلي" العملاني يتجاوب مع المزاج القائم في صفوف جماعات مسيحية مثقفة. ففي محاضراتي في الخارج امام جماعات من هواة التوراة المسيحيين شعرت بعداوة مشابهة، وفي حالة كهذه، فان الامر يتعلق بالمساس باساس ايمانهم الاصولي الديني.
ويتبين ان المجتمع "الإسرائيلي" ناضج جزئيا للاقرار بالظلم الذي لحق بالسكان العرب في هذه البلاد وهم على استعداد لتقبل منح المساواة للنساء، ولكنهم ليسوا محصنين بما فيه الكفاية لتبني الوقائع الاركيولوجية التي تحطم كل الاسطورة التوراتية. ففي نهاية المطاف، "إسرائيل" تذكر كقبيلة (بدون أي ارض) في كتابات مصرية قليلة من عهد مرنفتح (1208 قبل الميلاد) وبعد ذلك يختفي هذا الوصف . وتسمية "بيت داوود" تظهر كتسمية لمملكة يهودا في القرن التاسع بكتابة آرامية وبكتابات موآبية. فالوجود التاريخي لمملكة "إسرائيل" ويهودا يمكن اذا البدء به والتعرف عليه ابتداء من القرن التاسع قبل الميلاد. وبالمقارنة مع شعوب اخرى، تنتمي إلى الثقافة الغربية، فان هذه فترة قديمة جدا، وربما ان في ذلك عزاء معينا لمن يحتاج إلى ذلك.

* البروفيسور زئيف هيرتسوغ: مدرس في قسم آثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل ابيب، وكان قد شارك في حفريات حتصور ومجيدو مع ايغال يادين وفي حفريات تل عراد وتل بئر السبع مع يوحنان اهاروني، كما اجرى حفريات في تل ميخال وتل غريسا واخيرا بدأ بالحفر في تل يافا، هيرتسوغ نشر كتب حول باب المدينة في ارض “اسرائيل” وجاراتها، وحول حفريات تل السبع وحفريات تل ميخال، وكتاب اجمالي حول علم اثار المدينة


هاريتس 29101999
02-19-2005, 12:30 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
كتاب يكشف سرقة وثائق تنسف دعوى اليهود في فلسطين - بواسطة فضل - 02-19-2005, 12:30 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  كيف ستحرّر فلسطين الوطن العربي 0 371 09-15-2014, 05:25 AM
آخر رد: الوطن العربي
  الطريق الوحيد للسلام مع اليهود ...... طريق ميكو بيليد فلسطيني كنعاني 18 1,734 06-18-2014, 05:42 AM
آخر رد: فلسطيني كنعاني
  حوار حول مواضيع الفرض الثقافي للثقافة الغربية ، كشف كذبة الحرية في الغرب ، سرقة الغر الــورّاق 0 616 01-03-2013, 02:22 PM
آخر رد: الــورّاق
  من سيجرؤ على الدخول إذا .........وقفت فلسطين .. على باب الجنة Reef Diab 5 1,267 04-21-2012, 06:01 AM
آخر رد: فلسطيني كنعاني
  الولايات المتحدة، عدوة فلسطين الدائمة !!! العلماني 10 2,540 11-07-2011, 03:34 PM
آخر رد: فلسطيني كنعاني

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS