الإنجيل : سرد تاريخي علمي ام سرد تاريخي تأويلي ؟

يقول عبد المسيح بسيط ابو الخير في كتابه ( الإنجيل الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا؟ ) :
( الإنجيل هو ما عمله وعلمه السيد المسيح )

ويقول تادرس يعقوب ملطي في تفسيره:
(( فالإنجيليون في الحقيقة ليسوا عارضين لحياة السيّد ولا مؤرّخين له بالمعنى العلمي للتاريخ، إنّما هم شهود حق، ))

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدي حدود تلك الشهادة ؟
فهل هي شهادة لفظية حرفية ام شهادة معني ؟

فإذا كانت لفظية حرفية فإلي أي حد إلتزم الإنجليين بالتقييد الحرفي في نقلهم لكلام يسوع ؟
وإذا كانت شهادة معني فهل تقيد الإنجليين بنفس إنتهاج يسوع للألفاظ ام إختاروا من الألفاظ ما يناسب كرازتهم ؟

تلك المرحلة هي مرحلة ماقبل المخطوطات وعالم النقد النصي
إنها مرحلة إنجيل / كرازة يسوع الضائعه

امثله - ترجمة الفاندايك - :
مرقس 3/35 (( لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي ))
متي 12/50 (( لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي ))

فهل كان يسوع يستخدم ( ابي / الله ) بنفس الدلالة ام ان أحد البشيرين كان له وجهه لاهوتيه في إحدي اللفظين ؟

متي 16/16 (( أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! ))
مرقس 8/29 (( أَنْتَ الْمَسِيحُ! ))

فهل ( متي ) كانت له رؤية لاهوتيه في إضافة ( ابن الله الحي ) ام ان ( مرقس ) كانت له نظرة مخالفه فحذفها ؟

متي 10/32-33 (( 32فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 33وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ))
لوقا 12/8-9 (( ! 8وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ . 9وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ . ))

تلك الأمثلة وغيرها الكثير والكثير تثبت إذا أن الإنجليين لم يتقيدوا بالنقل اللفظي الحرفي ليسوع
بل عدلوه وأضافوا إليه لدواعي مختلفه
وهو الأمر الذي أقلق مضاجع علماء الكتاب المقدس لأن حصر ذلك التحرر اللفظي عند الإنجليين قد يكون صعب
إن لم يكن مستحيلاً

ولا يختلف الأمر كثيراً في التقيد بالمعني فمن خلال الأمثلة يمكننا إدراك ان الإنجليين لم يتقيدوا أيضاً بذلك

أمثلة:
متي 28/19 ( اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. )
مرقس 16/15 ( اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. )

لعل ذلك يفسر قول بطرس ( أعمال 2/38 ) : وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أو ( أعمال 19/5 ) : فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.

فصيغة التثليث ليست ( لفظ ) يسوع بل هو ( لفظ ) البشير ليسوق القارئ إلي معني لاهوتي

وغير ذلك من الأمثله الكثير والكثير مما لم يتقيد فيها الإنجليين بالمعني المقصود في كلام يسوع
مضفين ومعدلين فيه وفق ماتقضيه الحاجه ويطلبه الجمهور

لكن المشكلة لا تتمثل في المفاضلة بين إنجليين - بإعتبار ان كلاهما صحيح - بل قد يمتد الأمر إلي التوقف التام في معرفه لفظ ماقاله يسوع
مثال:
متي 27/49 ومرقس 15/34 (( إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ ))
يوحنا 19/30 (( فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ:«قَدْ أُكْمِلَ ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ))
لوقا 23/46 (( وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي ». ))

هنا إستخدم كل إنجيلي رؤيته الخاصه في الجملة الأخيره قبل موت يسوع للحد الذي يجعله يضيف كلمات من عنده !!

ذلك المنهج لعله أيضاً لا يقتصر علي الإنجليين بل قد يمتد في ظاهره إلي رجال الكنيسه الأولي
حيث نري ما يسمي ( الإقتباسات الحره )
فالقديسين لم يكونوا يرون ان أقوال يسوع في حاجه إلي التقيد بلفظها
بل بما يقتضيه حاجه السياق في الحوار والإيمان
وهو مايظهر بشكل واضح جدا في كتابات الشهيد ( جستن مارتر ) ق2
ولعل ذلك هو ماجعل علماء النقد يقول عن إقتباسات الأباء بأنها مخزية / مخجلة ( نستل )

وهو الأمر الذي تم تعريفه فيما بعد بإسم ( الكذب المادي )
والذي ( أشار ) القديس أوريجانوس بأن الإنجليين ساروا علي دربه قائلاً:
(( كانوا يتكلمون عن شيء حصل في مكان ما وكأنه حصل في مكان آخر وعن أمر حدق في زمن ما وكما لو أنه حدث في وقت آخر ويدخلون بعض التغيرات في الكلمة التي نطق بها فعلاً. كان قصدهم قول الحقيقة بوجهيها المادي والروحي، وفي حال استحالة ذلك كانوا يفضلون قول الوجه الروحي. والحق يقال بان الحقيقة الروحية كانت تنتقل أحيانا بما يسمى الكذب المادي ))

وهوالفعل الذي فسره صاحب كتاب ( المسيح في الأناجيل والكنيسة والنقد الكتابي الحديث ) بالقول:
(( ولان هاجس الإنجيليين كان دائماً إيضاح معنى بعض الأحداث وربط كل شيء بالظهور الإلهي في المسيح يسوع وفي شرح معانيه وليس معرفة زمان ومكان الحدث، فقد عمد الإنجيليون في بعض الأحيان إلى التضحية بالتسلسل الزمني. لقد كتب اوريجانس انه لا يجب إدانة بعض الإنجيليين حتى ولو عدلوا بعض الأشياء. .... ))
http://web.orthodoxonline.orgbrary/theo...tgioc/part4.htm

نحن إذا امام مشكلة ضياع ألفاظ يسوع تحت ستار مايسمي ( بالحقيقة الروحية ) والمبنيه أصلاً علي منهج ( الكذب المادي )

المشكلة لا تتمثل في إستخدام المرادفات وإنما حقيقة المشكلة هو التوجه اللاهوتي في إستخدام تلك المرادفات
هذا المرض كان هو الدافع الاول عند النساخ للتدخل في عملية نسخ الأناجيل
فالأمر ليس مرتبطاً بلفظ وإنما مرتبط بفكره ( لاهوت ) يسوع
تلك الفكرة هي هاجس الكنيسه حتي ولو تم تعديل أقوال يسوع نفسه إلي النقيض من أجلها

يتبع...
شكراً

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	مسخرة الاعجاز العددي في القران للزعم بانه كلام الله !	JOHN DECA	5	1,173	01-20-2014, 10:02 PM آخر رد: JOHN DECA
	تلفيق النبؤات : كيف لفق كتبة الاناجيل نبؤات تتنبأ عن يسوع رغم انف النصوص اليهودية	سواح	150	36,721	05-28-2013, 03:35 PM آخر رد: ABDELMESSIH67
	رؤية موسّعة في التوسل ونزعات الهدم المادية والفكرية	فارس اللواء	2	512	02-14-2013, 07:56 PM آخر رد: فارس اللواء
	كلام فى الروح	رضا البطاوى	1	579	02-06-2013, 07:49 PM آخر رد: إسم مستعار
	رؤية في تجديد علم الكلام الإسلامي	فارس اللواء	5	1,558	11-07-2012, 11:24 PM آخر رد: فارس اللواء