كل إنجيلي من الأربعة، كتب إنجيله في مكان مختلف عن الآخرين، ووجهه إلى جماعة تختلف في تفكيرها عن الآخرين.

لذلك اختار كل إنجيلي الأسلوب الذي يريد أن يكتب به إنجيله، وانتقى الكلمات التي كتب بها إنجيله، وانتخب من كلمات يسوع ما ارتأى أنه الأنسب والأصلح للجماعة التي يوجه إليها إنجيله، واضعاً نصب عينيه في كل هذا مضمون الرسالة التي ينقلها وهي أن يسوع المسيح الذي أحبوه وتبعوه لأنه نبي من الله ورسول، تعلقت به أنفسهم وأحسوا بسلطته عليهم، لم يكن مجرد رسول من الله أو نبي، بل كان هو كبمة الله الحي تجسد بشراً في الزمان والمكان، جاء إلى بيت أهله، فما قبله أهله، بل نبذوه وعذبوه وقتلوه، لكن بما أنه سيد الحياة، ما كان للموت عليه من سلطان، فدحر الموت بالموت وقام من القبر وبعد أن ظهر للعديد من التلاميذ، صعد من حيث أتى إلى حضن الآب السماوي.

فأن يكون متى قد قال كذا بينما مرقس قال عنه أنه قال كذا، لا يشير بالضرورة إلى تناقض، بل يشير إلى انتقاء وانتخاب لبعض الأقوال أو للطريقة التي يعبر بها التلميذ عن هذه الأقوال. فيسوع قال على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني" بحسب متى لأن متى معجب إلى حد الهوس بكل كلمات يسوع المقتبسة من العهد القديم؛ ولكنه قال أيضا أن كل شيء قد تم بحسب يوحنا وذلك ليوضح أن يسوع أتم ما جاء لأجله وأن حياته و/أو أعماله وتعاليمه لم تنقص لأنه مات مثلا قبل الأوان، بل مات بحسب الموعد الذي يريد. ولذلك نجد إشارات كثيرة إلى أنه "لم تحن ساعته بعد" ثم "ها قد أتت الساعة".

وقس على ذلك.

تحياتي القلبية