أنا ابن مكة. ولدت و ربيت فيها. من أب مكي و جد كذلك. نحن نسمى في مكة "أولاد بلد". كانت هذه الجملة تثير حفيظني منذ نعومة أظافري حين كنت صبيا ثم يافعا و شابا. المثير في هذه الجملة أن كل من كان من أصول غير مكية و تحديدا مصرية هو "ابن بلد"..!! و لرغبتي في معرفة أبناء مكة الأصليين, و لعلاقتي بجغرافية المكان, فقد تعرفت على كثير من القرشيين أي الذين يحملون لقب قرشي, فاقتربت منهم لأعرف اذا كانوا هم أهالي مكة الأصليين, فكانت المفاجأة أن أصولهم جميعا من الطائف و ليسوا من مكة..!!

ولكن الأمر ازداد عموضا بالنسبة لي, حين عرفت أننا "مطوفون" و هم القائمون على رعاية الحجاج. و الغموض هنا أن كل من هم من أصول مصرية مطوفون. و حتى من هم ليسوا من أصول مصرية, اكتشفت أن جداتهم مصريات و ليست من أي بلد آخر..!!

حتى الآن قد يكون في ذلك صدفة لحركة التاريخ الجغرافية بين ضفتي البحر الأحمر. لكن ما ذهلني فعلا و جعلني أكتب هذا الموضوع, أنني اكتشفت أن لنا أوقاف (العقار الممنوع بيعه) كثيرة في مكة. وكلها تعود الى أجدادي المكيين..!! و كون أخي هو ناظر أوقافنا فقد سألته عن أصحاب الأوقاف في مكة. فكان جوابه كالقنبلة "كلهم بدون استثناء من أصول مصرية, وقليل منهم من أصول تركية و تحديدا "عثمانلية"..!!

كل العقار في مكة المحيط بالحرم يعود لمصريين منذ أكثر من قرنين. و كل أولاد البلد من أصول مصرية..!!

سنة 1932 حين دخول الملك عبد العزيز مكة و ضم الحجاز الى نجد و باقي الأقاليم كان في حينها عدد سكان مكة لا يزيد عن الحمسين ألف مكي. فكم كان عدد سكان مكة سنة 1832..؟؟!!

قد يقول البعض أن حركة التاريخ لا تتوقف, وهذا كلام صحيح لا غبار عليه. ولكن من كان في مكة قبل المصريين؟..لا أحد..لا أحد..وأنا مسئول عن كلامي هذا حتى تاريخ اللحظة..

عدت الى ناريخ ما قبل آل سعود, وهو حكم الأشراف للحجاز. و كنت اعتقد أنني ساجد جوابا شافيا لسؤالي المحير. فوجدت أن الأشراف قد حكمو الحجاز فترتين, في مدتين قصيرتين متتاليتين, وكان حاكم الحجاز حين دخول بن سعود هو الشريف حسين, ولكن المفاجأة أيضا, أن الشريف حسين الذي يمتد نسبه الى النبي مجمد كما يدعي الأشراف, اقصي الى فلسطين و دفن في مسقط راسه "....................نابلس.."!!!!

اي أنه حتى الأشراف ليسوا من مكة...!!

قبل أسابيع قليلة طرح أحد الزملاء هنا, أن هناك عالم اسلامي يعيش في ألمانيا "يشكك" في وجود محمد تاريخيا. و لكن الموضوع لم ياخذ صدى أبعد من أي موضوع الحادي آخر. لكن الموضوع داعب داخلي شكوكي عن تاريخ مكة ليضيف الى شكي شكا أكثر عمقا..

حتى الآن لم أصل الى يقين ما بخصوص هواجسي عن صحة تاريخ مكة المكتوب و المطبوع في ملايين الكتب. لكنني و بأعلى صوتي أقول أنه لا يوجد حتى تاريخ هذه اللحظة أي دليل مادي يؤكد وجود شيء في مكة قبل القرن التاسع عشر..

هذا رايي..
فمن يدخضه أكون له شاكرا ممتنا..

تحياتي للجميع

حسام راغب..