{myadvertisements[zone_1]}
الفاصلة اليوحناوية
Fadie غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 447
الانضمام: May 2007
مشاركة: #23
الفاصلة اليوحناوية
الشق النصى

بدايةً , التأكيد على وجود نص العهد الجديد فى شواهد نص العهد الجديد , هو تأكيد غالبية علماء النقد النصى اليوم. كرت و بربارا آلاند ليسوا بهذه السذاجة ولا بهذه المنزلة المتدنية , حتى أراك تُحقر من رأيهم امام رأى ايرمان!! ففى نفس كتابهما المُشار اليه ايضاً , نراهما يؤكدان قائلين:"إنتقال التقليد النصى للعهد الجديد , يتميز بدرجة مؤثرة من التماسك الى ابعد حد" (نص العهد الجديد , ص 291) , "حتى بعيداً عن مخطوطات كتب القراءات الكنسية , فهناك برهان 3200 مخطوطة تقريباً لنص العهد الجديد , دون ان تُذكر الترجمات القديمة و الإقتباسات الآبائية. نحن نستطيع ان نتأكد انه بداخلهم (اى الشواهد) , يُوجد مجموعة من الشواهد و التى تحتفظ بالشكل الأصلى للنص" (السابق , ص 292). بل استمع لهذا التصريح المُدهش لكرت حينما يقول ان تاريخ نص العهد الجديد "نستطيع ان ندرسه فى أصوله" , مُشيراً الى ان الشكل الأصلى للعهد الجديد موجود فى البرديات و مخطوطات الحروف الكبيرة بين القرنين الثالث و الرابع (فى مقالته: الفترة الفاصلة فى القرن العشرين للنقد النصى للعهد الجديد). هكذا فهم ايلدون ايب ايضاً , مُوضحاً أن آلاند فى أماكن اخرى كثيرة , يُساوى بين "النص الأصلى" و نيستل آلاند و يو بى اس!!! ( Prespectives On New Testament Textual Criticism , P. 558) , و لست بحاجة لأن أُعيد ثانيةً , أن دانيال والاس , يؤمن ان نص نيستل آلاند هو نص العهد الجديد الأصلى , و الذى جاء على ذكره فى مقالته التى أضمنتها فى كتابى.

و لكن انا لى إعتراض شديد , على حصرك لـ "التقليد النصى" الذى أخبر به آلاند , فى المخطوطات اليونانية فقط!!! عبارة آلاند تقول:" أن اى قراءة وردت فى التقليد النصي للعهد الجديد , بدايةً من الأصول و ما يليها , حُفظت فى فى التقليد (النصي) و فقط تحتاج الى تحديدها" , فعلى اى اساس حصرت "التقليد النصى" فى المخطوطات اليونانية فقط؟! بل ان التقليد النصى هو كل مصادر نص العهد الجديد , و ليس الشواهد اليونانية فقط!!! قس على ذلك الآن ان نكتشف ان احدى قراءات الآباء غير الواردة بالمخطوطات اليونانية , هى القراءة الأصلية. او لم نكن نمتلكها قبل هذا الإكتشاف؟! و بالتالى , فنحن حينما نتحدث عن "التقليد النصى" للعهد الجديد , فنحن نتحدث عن كل مصادر نص العهد الجديد , و ليس مصدر واحد فقط.

حسناً , انا اعرف تماماً ان فترة القرن الثانى هى فترة حرجة فى تاريخ النص , لأن غالبية القراءات نشأت بها. و لكن السؤال الجوهرى: ما هو تأثير ذلك على إعادة تكوين النص و تاريخ النص؟! بمعنى مُبسط: هل ننتظر ان يُقدم لنا القرن الثانى أكثر من 400000 قراءة لنص العهد الجديد؟! او هل يُمكن ان تكون القراءة الأصلية لنص العهد الجديد بأكمله , اختفت فى القرن الثانى الميلادى؟! كل هذا ليس سوى إحتمالات , لا يشهد لها التاريخ النصى , حتى انك فضلت ان تأتى لنا بنموذج نصى من العهد القديم لا العهد الجديد (النص الخاص بمزمور 96) , الأمر المُثير للسخرية حقاً! أتذكر أحدهم كان يسألنى:"ما هى أقدم مخطوطة للديداكية؟" , ولا أعرف هل من حقى ان اسأله الآن:"ما هى أقدم مخطوطة لرسالة برنابا؟". انه فقط , "توضيح للمنهجية"!!

إعتماداً فقط على ان كل القراءات نشأت فى القرن الثانى , هو دليل يعجز على إثبات ضياع القراءة الأصلية. لأن هذه القراءات , وجدت لها طريق الى التيار النصى فى الشواهد المتوفرة الآن. و أرد على أدلتك فى احتمال ضياع القراءة الأصلية بالتالى:

1. وجود إقتباسات آبائية لقراءات غير موجودة فى المخطوطات اليونانية , يشهد على براعة حفظ التقليد النصى لهذه القراءات. أرى ان هذا الإستدلال , هو أحد وجوه الفهم الخاطىء لعبارة كرت آلاند. و حتى ان وُجدت قراءات معينة فى كتابات الآباء , فإن هذا لا يعنى بالضرورة انها هى القراءة الصحيحة. و بما اننا نبحث فى إمكانية فقدان القراءة الصحيحة , فإن هذا يتطلب معرفة القراءة الصحيحة فى الأوتوجراف نفسه , و بهذا نحن ندور فى داخل دائرة!!

2. تعبير "أفضل المخطوطات" , لم ياتى من فراغ , كى نقول ان المخطوطات الأقدم عرضة لوقوع الخطأ لدرجة فقدان القراءة الأصلية. بل ساهم البرهان الداخلى فى تحديد أفضل المخطوطات , بدرجة عالية من الحيادية. فعن طريق تفعيل البرهان الداخلى فقط على القراءات دون البرهان الخارجى , ينتج لدينا قراءة واحدة هى المُفضلة. فإذا ذهبنا لتفعيل دور البرهان الخارجى , و وجدنا ان المخطوطات الأقدم فى غالبية الحالات , تُؤيد القراءة المُفضلة التى توصل لها البرهان الداخلى , فإن هذا يعنى بحق ان هذه المخطوطات هى الأفضل. و بالتالى , فالمساواة بين خطأ مخطوطة من النص البيزنطى , و خطأ مخطوطة من النص السكندرى , هو أمر غير علمى على الإطلاق. لست بحاجة لذكر , ان علماء النص النقدى يرون بالفعل فى مخطوطات النص السكندرى هى الأفضل , و انها تحتفظ بالقراءة الأصلية. هل يُوجد أكثر من ان رائد النقد النصى فى القرن العشرين يؤمن بوجود النص الأصلى فى هذه المخطوطات؟!

3. الإتجاه الى التحرر من قيد الحرف فى القرن الثانى , كنت انا اول من آشار له بالعربية , و انا اؤمن بهذه الحقيقة. و لكن هذه الحقيقة لا تعنى ان كل النُسخ المتوفرة مُتحررة نصياً ولا تملك القراءة الأصح. فرغم اننا الآن فى خارج إطار العصمة اصلاً , و لكن رغم هذا فأستطيع الإستدلال على حفظ القراءة الاصلية فى المصادر المتوفرة. فمن المستحيل , ان يكون كل نُساخ الأرض بأجمعهم , وقعوا فى نفس الخطأ. ما فائدة التوزيع الجغرافى إذن؟! فلو ان ناسخ فى اورشاليم وضع قراءة ليست صحيحة , فمن غير المعقول منطقياً و بكل المقاييس العقلية , أن يكون كل النُساخ فى بقية الأنحاء وقعوا فى نفس الخطأ!! و هذه هى فائدة كثرة النُسخ , و هذا هو الغرض وراء تباهى المسيحيين بكثرة النُسخ! ايرمان نفسه يُؤكد هذا قائلاً:" أنه من الآمن ان نقول ان نسخ النصوص المسيحية القديمة كانت عملية مُحافِظة جداً. النُساخ ....... كانوا مُتعمدين الحفاظ على التقليد النصى الذى كانوا يدونوه. كان تركيزهم الجوهرى ألا يغيروا التقليد , و لكن الحفاظ عليه لهم و للذين يتبعونهم. بلا شك , فإن معظم النُساخ حاولوا بإيمان ان يتأكدوا ان النص الذى أنتجوه مثيل الذى إستلموه" (سوء اقتباس يسوع , ص 177). كما ان ذكرك أن كل البرديات هى من النص السكندرى هو غير صحيح , فلدينا عدد من البرديات يشهد لأنواع النصوص الاخرى. أتذكر منهم الآن البردية 5 التى تتفق مع النص الغربى.

4. التعامل العقيدى مع النص , له حدود و اطارات معينة. إن أكبر استدلال يستطيع الفرد ان يطمئن له لوجود هذه الحدود , هو ان يقرأ ما كتبه ايرمان نفسه , خاصةً فى الإفساد الارثوذكسى للكتاب المقدس , ليرى مدى المحدودية التى تفرع لها هذا التعامل , او ليقرأ النسخة الشعبية منه "سوء اقتباس يسوع". فلم نرى ناسخاً مثلاً , حذف قراءة "و كان الكلمة الله" , لأنه لا يؤمن بلاهوت المسيح. بل و حتى الامثلة التى وضعها ايرمان للتدليل على التعامل الغير ارثوذكسى مع نص المخطوطات , تتضارب مع الحقيقة. فكيف سأرى مخطوطة يؤمن ناسخها بأن يسوع تُبنى من قِبل الله , و يعمد الى تغير النص الى مُعتقده بتبنى يسوع من قبل الله يوم معموديته , فى الوقت الذى تشهد فيه هذه المخطوطة للاهوت المسيح من الأزل؟!!! بل دعنى أتخذ المثال لو 24 : 42. فلو أننا أتخذنا موقف إضافة النص من قِبل أحد النُساخ لصالح اللاهوت الطقسى للكنيسة , فإن هذا ببساطة ربط بين المعمودية و قيامة الرب من مُنطلق إيمان كتابى كنسى. فهذه عادة كنسية مُستمرة حتى يومنا هذا , عند إتمام المعمودية. و يُراجع كتاب الأب متى المسكين "المعمودية" فى إيصاح الربط الكتابى الكنسى بين المعمودية و قيامة الرب. و لعلنا نُلاحظ هنا هشاشة التدخل الأرثوذكسى فى النص , فهو لم يتدخل ليُثبت عقيدة قيامة الرب , و إنما لأجل إضافة لمسة طقسية رائعة على إيمان سليم!!

5. أشرت سابقاً , الى ان قراءة صلاح الآب , هو تفسيرى عقيدى آبائى , معمول به من قِبل الآباء , و حتى يومنا هذا!!! فلو افترضنا صحة هذه العبارة , فنحن نؤمن بإستقامة مُحتواها حتى اليوم , بل انه التفسير الرئيسى للكنيسة المسيحية الآبائية. غير ان مثالك هذا يتعارض مع موقفك بأن الكنيسة مُتمثلة فى الآباء , كانوا يعرفون بعدم أصالة الفاصلة , ثم معرفتها بين حين!! فهذا التفسير مُنتشر بكثرة فى كتابات الآباء , فكيف تُفسر اختفاؤه و هو ثابت فى التعليم الآبائى؟!! هذا يحتاج الى شرح مُفصل. رغم هذا , فإن هذا النص ثابت فى مخطوطتين لاتينيتين (و قد اخطأت فى المدخل اذ نفيت هذا) , و بالتالى فالقراءة ثابتة فى التقليد النصى فى مصدرين: الترجمة , الآباء!! و المُلاحظة التى يجب الإلتفات لها , هى ان حتى ثبوت هذه القراءة فى اى مخطوطة , لا يعنى ببساطة انها هى القراءة الصحيحة , حتى نفترض أنها كانت مقبولة لاهوتياً ثم رُفضت , بغض النظر عن خيالية هذا الرفض المزعوم!!

6. لا يُوجد اى تغيير لاهوتى فى نص العهد الجديد , كان هدفه إثبات عقيدة جوهرية غير موجودة فى اساس النص نفسه. بمعنى , أننا لا نجد ان التعليم المسيحى فى لاهوت المسيح او الثالوث او صلب الرب يسوع...إلخ من العقائد الأساسية , هو نتيجة إستحداث نص يهدف لإرساء هذه العقيدة. لذلك انا اؤمن ان إضافة الفاصلة اليوحناوية , لم يكن لإستحداث عقيدة الثالوث فى الألفية الثانية!! و لست بحاجة لذكر الترديد الدائم للعلماء , أنه لا توجد عقيدة تتعلق بإختلاف قرائى ابداً , انا شخصياً مللت من كثرة تكرار هذه العبارة!!!

7. إستخدامى للبرديات كعامل هام فى إثبات ان إكتشاف الأقدم لا يُؤثر على على النص , يبدو انه قد فُهم خطأ من جانبك. فأنت تقول بكل بساطة:"البرديات لم تكتشف لنا نصاً جديداً" , و كأن هذا يُحسب ضد نص العهد الجديد!! بل إن إكتشاف الأقدم , و ها هو نموذج أمامنا , يكون لصالح نص العهد الجديد لا عليه. إذا قمنا بعمل مُقارنة بين نص ويستكوت و هورت الذى لا يعرف البرديات , ونص نيستل آلاند الذى يعرف البرديات , فالنتيجة لصالح نص العهد الجديد ام ضده؟! هذا هو السؤال. و بيترسين يقول فى نفس المقالة:" بإختصار , السبب فى ان البردي سجلت أهمية يصعب المغالاة فى تقديرها , هو انهم يُؤكدون إتجاهنا - بكلمات أخرى , يؤكدون توجهاتنا" New Testament Textual Criticism, Exegesis, and Early Church History , P. 139. و بالتالى , فإن شهادة برديات القرن الثانى و الثالث , هى لصالح نص العهد الجديد لا عليه , فلا عجب إذن ان نجد رائد النقد النصى فى القرن العشرين , يؤمن ان النص الأصلى موجود بهذه الشواهد.

8. إستخدام الإحصائيات , و بالأخص التى قدمتها كشاهد على إستقرار النص عبر الألفية الأولى , لا يندرج تحت ما تُسميه "عدم إستقرارية النص". لأن الإحصائية بالفعل هى بين وثائق من القرن الثانى و الثالث و وثائق من نهايات الألفية الاولى و بدايات الثانية. و القارىء إذا قرأ المقالة التى أرفقتها , و سأقوم بترجمتها للعربية قريباً , سيرى ان كل مقارنات روبينسون (و هو ليس كبرجون و ميلر كما زعمت) , هى بين برديات القرن الثانى و الثالث و بين النص البيزنطى نفسه!! فنتخيل مثلاً , ان الإختلاف بين نص العهد الجديد فى القرن الثانى ضمن الوثائق المتوفرة , و بين نص العهد الجديد فى القرن العاشر ضمن الوثائق المتوفرة ايضاً , هو متوسط 9 – 10 % , فكم ستكون نسبة الخلاف بين البرديات و النص النقدى؟!!! لم أحسبها بالضبط , و لكنها لن تزيد بأى حال عن 5 – 3%!!! فالمساواة بين إحصائيات برجون و ميلر من ناحية , و بين إحصائية موريس روبينسون من ناحية , هى مُساوة ساقطة لا تصح.

9. من العجيب حقاً , أن تعطى مثالاً تُدلل به على عدم إستقرارية نص العهد الجديد فى القرن الثانى , بنموذج من العهد القديم!! لا أملك تعليق عليه , لأنه نموذج لا يصح ولا يستقيم مع الإفتراض الواجب تدليله. و من العجيب ايضاً ان تستدل بمثال واحد , على المجموع , و كأنه امر واقع. فأنا لا أريد ان اتحدث عن حالات فردية , و إلا , فكم تتوقع ان تكون نسبة نجاح مقصدك , امام نسبة نجاح مقصدى , اذا أتيت بالنصوص البردية , و التى تتفق مع النص النقدى و أخذ بها العلماء؟! لا داعى لهذا الإسلوب فى الطرح , لأنه يُفهم خطأ و كأن هذا هو الحال فى كامل النصوص البردية. بل إنك إذا أتيت بكل النصوص التى اختلف فيها العلماء بين البرديات و النص النقدى , و إذا أتيت انا انا بكل النصوص التى إتفق فيها العلماء بين البرديات و النص النقدى , فنسبة نصوصك ستكون شبه مُنعدمة!!

هذه هى إستدلالاتى على خطأ إستدلالتك فى نظرى , وبالطبع كل منا له حرية الفكر.

فى المشاركة السابقة , بينت بإستدلالين ان القراءة الأصلية يستحيل ان تُفقد من بين الشواهد المتوفرة. و فى هذه المُشاركة , سأضع بعض الإستدلالات الاخرى , و أُحب ان ابدأ بعرض السيناريو الإيرمانى.

الإستدلال الأول: لا تأثير لخلاف عقيدى على النص

تبدأ القصة بموت يوحنا , و يبتدأ القرن الثانى حيث تظهر للوجود بعض الحركات الفكرية , التى ترفض يسوع إلهاً. و يظل الصراع بين آباء الكنيسة و هذه الحركات الفكرية عبر قرنين من الزمان.يُمثل فكر هذه الحركات , بحسب السيناريو الإيرمانى , أبوكريفا العهد الجديد , و التى تعكس تطورات الفكر العقيدى فى هذه المرحلة. و يُمثل فكر الأرثوذكسية كتابات الآباء بدايةً من المرحلة التى سبقت عصر مُعلمى العقيدة. فتتسلح الأرثوذكسية بالإمبراطور الرومانى , لأجل القضاء على الفكر المُخالف فى هذا العصر. و هكذا , تنتصر الأرثوذكسية!

هذا الفكر لا يخص بارت ايرمان وحده , و إنما هو يخص بالدرجة الاولى , المُتخصصين فى الأدب الأبوكريفى المسيحى , من أمثال ألين باجيلز و فى الشرق ابراهيم الطيالسى. و لكن إيرمان الوحيد , الذى يُنادى بإنعكاس هذا الفكر على نص العهد الجديد. و بتنقلات سلسة , إستطاع ان يقلب التوجه النصى , من وجود تدخلات هرطوقية فى النص , الى وجود تدخلات أرثوذكسية فى النص. هدفى من هذا السرد , هو فى عرض الإستدلال الأول: لا وجود لتأثير خلاف عقيدى على النص. سآخذ مثال: أثناسيوس و آريوس.

مرحلة أثناسيوس و آريوس , نستطيع تسميتها بتاج الصراع الفكرى بين الأرثوذكسية , و الحركات الفكرية الأخرى. ففيها ظهرت كل معالم التيارين. و رغم هذا , و رغم الحرب الشعواء بين الأرثوذكسية و الآريوسية , لم تُسجل لنا السجلات و الوثائق و كتابات أثناسيوس و آريوس أنفسهم , أنه كان هناك تأثير للخلاف العقيدى على نص العهد الجديد. كلى إيمان و ثقة , أن نُسخ العهد الجديد المُستخدمة فى مجمع نيقية , كانت تحتوى على قراءات , لا تقل عن القراءات الموجودة فى نُسخ القرن الرابع و الخامس. و مع هذا , لم نجد إتهاماً واحداً , سواء من أثناسيوس لآريوس , او من آريوس لأثناسيوس , بوجود تأثير خلافى فى العقيدة على نص العهد الجديد!! و قد حرصت منذ فترة , على قراءة أعمال مجمع نيقية كاملةً , و قراءة القوانين الصادرة عنه , و قراءة أعمال علمية كثيرة حول هذا المجمع , و لم اقرأ تصريحاً واحداً بوجود خلاف عقيدى أثر على نص العهد الجديد!!! فأيهما أقرب الى الحقيقة ان يتم: وجود تأثير لخلاف عقيدى من قِبل التبنويين على النص , ام وجود التأثير من قِبل الأريوسيين على النص؟! أى خلاف هو بالحقيقة أشرس فى الهجوم و الدفاع؟!!! العقل و المنطق يقولان , بأن لو كان لهذا المجال وجود , لكان ظهر بقوة فى مرحلة الصراع الكريستولوجى , الأمر الذى لم يحدث , و به ينتفى وجود هذا المجال!!

الأمر نفسه ينطبق على الصراع الكيرلسى – النسطورى , و الصراع الخلقيدونى! و بالمناسبة , سيكون هناك ردود كثيرة مُشتركة مع القمص بسيط لتخصصه المشهود له فى تاريخ العقيدة المسيحية , حول هذا المنظور.

الإستدلال الثانى: وجود النص الأصلى فى المتن او الهامش

لقد بينت سابقاً , كيف ان نسبة عدم ورود القراءة الأصلية فى مصادر نص العهد الجديد , تكاد تكون منعدمة و ذلك فى مقالى "التحريف و العصمة فى ضوء النقد النصى". رغم هذا , فإن كل قراءة لها وزن , قد تكون وُجدت فى احدى المصادر , فإنها موجودة حتماً فى النصوص اليونانية الأشهر اليوم. فإذا فتحت نص نيستل آلاند , فستجد أمامك نص الخاتمة بالعدد الثامن فى مرقس , و نص الخاتمة الطويلة , و نص الخاتمة القصيرة. لنفترض أن أحدهم يؤمن بأن خاتمة مرقس جزء قانونى من انجيل مرقس , فهل هذا يعنى ان نصه اليونانى "نيستل آلاند" لا يحوى الخاتمة الطويلة , فقط لأن مُعديها لا يؤمنون بأصالتها؟!! كلا , إفتح اى نُسخة نقدية للعهد الجديد اليونانى , و ستقرأ به الخاتمة الطويلة. فالنص الأصلى موجود , و لكننا فقط لا نستطيع تمييزه هل هو فوق الخط ام تحت الخط كما عبر والاس؟!

من هذا الإستدلال , نخرج بنتيجة صلبة: إجماع علماء النقد النصى اليوم , على ان القراءة الأصلية موجودة. و كما أشرت سابقاً , فالتنقيح الحدسى لا يفترض عدم وجود القراءة الأصلية فى النُسخ المتوفرة , و انما يفترض عدم صحة اى منهم ضمنياً و ليس نصياً , و هو لا يوجد سوى فى مكانين فقط على الأكثر. الأسباب المنطقية , التى تُؤكد هذا الإعتقاد , شرحتها بالتفصيل قبلاً.

و يبقى المفتاح الرئيسى , لهذا السؤال هو عدد النُسخ و زمنها. فلو اننا لدينا نُسخة واحدة فقط نُسخت عن الأصول , ففى هذه الحالة يستحيل علينا ان نتأكد من مدى دقتها. و لكن , لو أننا لدينا مئة مخطوطة , فهذا يعنى ضمناً أن القراءة الأصلية موجودة بلا أى نزاع. السبب بسيط جداً , فلو ان واحد اخطأ , فيستحيل على التسعة و تسعين الآخرين ان يخطأوا نفس الخطأ!! بل بكل تأكيد , أحتفظ الكثير منهم بالقراءة الأصلية.

سأشرح هذا الإستدلال بتوسع أكثر و أكثر عبر الحوار , و سأذكر فى مشاركات تالية عدة إستدلالات أخرى , تُفيد بان القراءة الأصلية محفوظة عملياً فى مصادر نص العهد الجديد.

هذه أدلتى , لك و للقارىء ان يقبلها , و لكم ان ترفضوها.

نهايةً لردى , أود ان أُلفت النظر الى اننا لا نتحدث عن عصمة الكتاب المقدس , فنحن الآن خارج إطار عصمة الكتاب , بعدما بينا ان حرفه لا قدسيه له. لكننا الآن نتحدث بطرق علمية و عملية , على ان حتى هذا الحرف الغير مُقدس , فهو محفوظ فى التقليد النصى للعهد الجديد. الحوار إنتقل بهذا الموضوع الى سيناريو إنتصار الأرثوذكسية , بالتشكيك فى إستقرارية النص فى القرن الثانى. بهذا , اكون قد أتممت عملى , و بينت أن النقد النصى لا يُوجه اية شكوك لعصمة الكتاب المقدس الجوهرية الروحية الفكرية المعنوية. لينتقل الحوار من التشكيك فى عصمة الكتاب المقدس عن طريق النقد النصى , الى التشكيك فى عصمة العقيدة المسيحية فى القرن الثانى و الثالث و الرابع. و انا أثق , كما نجحنا فى شرح المفاهيم الصحيحة للوحى و عصمة الوحى فى الإيمان المسيحى , نستطيع ايضاً ان نشرح المفاهيم الصحيحة لمراحل نُضج الإيمان المسيحى من القرن الثانى و حتى القرن الرابع!!

مرة أخرى , لا يُوجد مخطوطة واحدة تُشكك فى اى عقيدة مسيحية راسية اليوم , ولا أى تعليم كتابى مسيحى مُستقيم. و أقول , لا يُوجد اى مخطوطة تُشكك فى عصمة الكتاب المقدس , بمفهومها الصحيح على الإطلاق. نعم هناك اخطاء , نعم لا نملك الأصول , نعم هناك نصوص ليست من نص العهد الجديد أُدخلت فى المخطوطات , نعم هناك أخطاء لاهوتية. و لكن , كل هذا لا يعنى , ان يسوع الأصول ليس هو يسوع نيستل آلاند , هذه هى القضية!! يسوع الأصول هو هو يسوع نيستل آلاند , هو هو يسوع عبر التاريخ المسيحى بأكمله. كل هذه الاخطاء الموجودة بالمصادر النصية , لا ترتقى لأن تظهر حتى الى سطح النقاش , حول يسوع الأصول و يسوع نيستل آلاند!!! كما قال أحدهم , أن وجود آلاف التغييرات فى وثائق تاسيتوس , لا يعنى على الإطلاق ان تاسيتوس كتب شعراً يتغزل به فى نيرون!!! تماماً كما ان آلاف التغييرات فى وثائق مرقس , لا تعنى ابداً ان مرقس كتب قصة رفع عيسى ابن مريم الى السماء و كيفية إحلال الشبيه بدلاً منه!!!

هذا هو مربط الفرس...

تحياتى للجميع
11-03-2008, 11:56 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 10-28-2008, 07:03 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 10-28-2008, 07:27 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 10-28-2008, 08:12 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة alpharomio - 10-29-2008, 07:46 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة مؤمن مصلح - 10-29-2008, 10:13 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 10-29-2008, 10:21 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 10-30-2008, 12:23 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 10-30-2008, 12:54 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 10-30-2008, 09:15 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 10-30-2008, 12:23 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 10-30-2008, 12:24 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-01-2008, 08:27 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة اسحق - 11-01-2008, 11:09 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة اسحق - 11-01-2008, 11:38 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة اسحق - 11-01-2008, 11:42 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة alpharomio - 11-01-2008, 01:40 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-02-2008, 04:42 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة fancyhoney - 11-02-2008, 07:17 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-02-2008, 10:25 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-03-2008, 11:52 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-03-2008, 11:54 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-03-2008, 11:56 AM
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-03-2008, 01:06 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-04-2008, 07:48 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-09-2008, 12:51 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-09-2008, 12:53 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-09-2008, 01:53 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-09-2008, 02:15 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة Fadie - 11-09-2008, 02:21 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة أنا مسلم - 11-09-2008, 02:25 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة اسحق - 11-09-2008, 11:37 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة اسحق - 11-09-2008, 11:41 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة fancyhoney - 11-11-2008, 05:52 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة fancyhoney - 11-11-2008, 06:46 PM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة وائل انور - 12-18-2008, 04:36 AM,
الفاصلة اليوحناوية - بواسطة fancyhoney - 01-14-2009, 09:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  من وجوه الاعجاز في الفاصلة القرآنية احمد زكريا 6 2,108 10-02-2010, 03:13 PM
آخر رد: ((المسافر))

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS