خيرالله خيرالله:رفيق الحريري والنجاح... والحسد!

الرأي العام الكويتية GMT 2:30:00 2005 الثلائاء 22 فبراير

عندما اغتيل الزعيم اللبناني كمال جنبلاط في العام 1977، كانت ردة فعل انصاره وابناء طائفته الانتقام من سكان قرى مسيحية في جبل الشوف اللبناني وهو جبل درزي ـ مسيحي الى حد كبير، حصل ذلك قبل ان يتبين لاحقاً ان لا علاقة لاي جهة مسيحية بقتل كمال جنبلاط الذي كان زعيماً وطنياً قبل اي شيء آخر، وفي وقت لاحق ظهر بوضوح ان جهة «شقيقة» كانت وراء اغتيال كمال جنبلاط، واحتاج نجله وليد الى ما يزيد على ربع قرن ليسمي تلك الجهة.
وعندما اغتيل بشير الجميل الذي انتخب رئيساً للبنان في العام 1982، أرسلت اسرائيل ميليشيات مسيحية لتنتقم من الفلسطينيين، فكانت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر من العام 1982 وهي مجزرة اشرف عليها شخصياً ارييل شارون، وتبين لاحقاً ان لا علاقة للفلسطينيين بقتل بشير الجميل وان الموضوع مرتبط بحزب «لبناني» يتلقى اوامره من جهة «شقيقة».
وعندما اغتيل رينيه معوض الرئيس اللبناني الذي انتخبه مجلس النواب بعد توقيع اتفاق الطائف، لم يحصل شيء، استطاع كثيرون بينهم رجل اسمه رفيق الحريري كان العراب الحقيقي للطائف ضمان انتقال السلطة الى موقع آمن عبر انتخاب الياس الهراوي خليفة لرينيه معوض، حصل ذلك في خريف العام 1989. لم ينزل رجل الى الشارع من اجل رينيه معوض الذي كان يستحق الكثير الكثير، لكن ظروف البلد كانت مختلفة كذلك ظروف اللبنانيين، والاهم من ذلك كله ان ظروف المنطقة كانت مختلفة.
في 14 فبراير العام 2005، اغتيل رفيق الحريري، وعلى الرغم من انه لا يمكن توجيه الاتهام الى اي جهة، اقله حتى الان، فان الشعب اللبناني كله نزل الى الشارع وسار في جنازة من ابتكر الحلم اللبناني، وكان اللبنانيون، والمقصود بهذه الكلمة الشرفاء الذين ينتمون الى وطنهم والذين يرفضون ان يكونوا عملاء لاي جهة خارجية، واضحين في توجيه اتهاماتهم الى جهة معينة حملوها مسؤولية اغتيال الحريري ـ والحق يقال ان هذه الجهة وهي سورية ممثلة بنظامها وليس سورية كشعب شقيق ودولة فالنظام قدم عبر الدعم والتغطية للسلطة اللبنانية كل ما يسمح بتوجيه اصابع الاتهام اليها.
ان المشكلة تكمن على الارجح في ان النظام السوري غير قادر على التخلص من عقد الماضي ومن ان السنوات 1982 و 1983 و 1984 ليست السنة 2003 و 2004 و 2005. هناك شيء تغير في هذا العالم في حين ان البقاء في أسر الماضي لن يجلب سوى الكوارث على لبنان وسورية في آن، وبكلام اوضح ان لبنان لم يعد ورقة سورية وان الطريق الى الجولان واستعادته لم تعد تمر ببيروت، بل انها تمر بالخروج من بيروت، والدليل على ذلك ردة الفعل على اغتيال رفيق الحريري، لقد سار الشعب اللبناني كله خلف رفيق الحريري، اي لبنان البشر وليس لبنان البيادق المصنوعة من حجر، ان لبنان الذي سار خلف رفيق الحريري هو لبنان الحقيقي، انه لبنان الذي يعرف من قتل كمال جنبلاط، انه لبنان الذي يرفض مجدداً الغرق في ما يمكن تسميته الحروب الداخلية وحروب الآخرين على ارض لبنان، هذا ما صنعه رفيق الحريري الذي حول لبنان الى وطن بفضل مشروعه الانساني اي مشروع البناء والإعمار.
لعل افضل نصيحة يمكن ان تقدم للذين اغتالوا رفيق الحريري هي ان الرجل سيبقى في قلب كل لبناني وضميره وانه اذا حل الدمار في لبنان، فإن هذا الدمار لن يقتصر على لبنان، وفي النهاية، لم يخدم رفيق الحريري الذي ربما اغتيل لانه صار زعيماً وطنياً اضافة الى انه زعيم سني عربي، لبنان وحده، لقد خدم رفيق الحريري سورية ولبنان والعرب والعروبة ووقف سداً في وجه المطامع الاسرائيلية.
كان النجاح عنوان مسيرة رفيق الحريري منذ انطلق فقيراً من صيدا التي عاد اليها ليبني للاخرين قبل ان يبني لنفسه ولعائلته، كان رجلاً بكل معنى الكلمة، كان كريماً وكان يسعى الى الخير، ربما كانت مشكلته الوحيدة انه لا يعرف الحسد، لم يحسد رفيق الحريري احداً لان نجاحه كان يعوض عن كل شيء، والذين قتلوه صغار صغار لن يعرفوا النجاح يوماً ولن يقتلهم سوى الحسد، اما لبنان فإنه باقٍ لانه اكبر من ان يلغيه اولئك الصغار الذين يعتقدون انه ورقة او مجرد ملف، لبنان الوطن، لبنان الواحد، لبنان الناجح، ذلك ما صنعه رفيق الحريري الذي يستطيع ان يرقد مطمئناً الى ان عين الحسود لا تسود وان لا شيء ينجح مثل النجاح، فقد كان على الذين اتخذوا قراراً بقتله السعي الى تقليده لعلهم ينجحون مثله بدل ان يحسدوه معتقدين ان دمار لبنان يمكن ان يجلب لهم حواراً مع اميركا ورضا اسرائيل!
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن