استطرادرا لتعليقي السابق ، أود أن أوضح ما يمكن أن يؤدي إلى التشوش في فهمنا للقيم الأخلاقية في الحضارة الغربية ، هذا التشوش ناتج عن التداخل في وعينا بين ما هو غير أخلاقي immoral و ما هو غير قانوني illegal ، فليس كل ما هو غير أخلاقي يجري تجريمه ، وعدم التجريم لا يعني القبول الأخلاقي بالسلوك ، و لكنه يعود لأسباب مختلفة و عديدة ، هناك مثلا الحالات التي لا يمكن فيها إثبات العمل الخاطئ ، فالثقافات المختلفة تجمع على أن الكذب غير أخلاقي ، و لكن الكذب لا يجرم - إلا أن يكون حنثا في يمين تحت القسم - هذا ليس من أجل التساهل في الكذب ، و لكن لإستحالة إثبات الكذب ، فقد يكون عدم ذكر الحقيقة ، نتيجة الإلتباس و المعرفة الخاطئة ، و ليس محاولة إنكارها ( الكذب ) ، وربما يكون أيضا نتيجة النسيان و ضعف الذاكرة و هكذا ، هناك أحيانا تكون مستتبعات التجريم أخطر من عدم التجريم كلية ، كما حدث عند السماح بالشذوذ الجنسي في بريطانيا في الستينات ، نظرا لما ارتبط بالتجريم من محاولات إبتزاز الشواذ التي انتشرت في المجتمع ، لهذا وجد المشرع أن عدم تجريم الشذوذ أفضل . هناك أيضا مبدأ تفاضل القيم ، فعندما تتعارض الحرية الفردية المؤكدة مع مصلحة محتملة للجتمع ، غالبا ما تكون الأسبقية للحقوق الفردية ، و عندما تقول إمرأة شابة لهذا المجتمع إني أحب هذا الرجل المسن،و أريد أن اتزوجه فلن يقول لها القانون :" هذا الرجل يستغلك جنسيا و يشتريك بماله أيتها العبدة الجديدة " ، حتى لو كانت تلك هي الحقيقة ، فهو لن يمنع العواطف ولا يستطيع الحكم عليها ، و لكن الثقافات السائدة هي ضد مثل تلك الإرتباطات المناقضة للمنطق ، و بالقطع سيحكم عليها أنها غير أخلاقية ، لو كان المال بارزا في هذه العلاقة ، ولو أصبحت تلك الممارسات ظاهرة ، سيتم إدانتها أخلاقيا على نطاق واسع ،و ربما تبدأ التشريعات في تصحيح تلك الأوضاع ، و لن يبررها أحد عندئذ أن المسلمين يشترون النساء ، فلم لا نفعل نحن ؟.
هناك قلة يمكن أن تنكر بضمير مستريح ، أن الحداثة الغربية هي التي أعطت المرأة حقوقا مساوية للرجل لأول مرة في التاريخ الإنساني ، بما في ذلك الحقوق الجنسية ، أكثر من ذلك فهي وحدها التي أعطت الإنسان كل ذلك القدر الهائل من الحقوق ، و اعتبار الإنسان مركز الكون و أن سعادته رفاهيته هو الهدف الرئيس للتشريع ، و في هذا المجال لعل مذهب المنفعة العامة ( Utilitarianism) يقدم لنا أهم مدرسة في تفسير الأخلاق ، وهو مبدأ " أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس " ، و إذا نظرنا إلى التراث التشريعي المتراكم في البرلمانات الليبرالية في العالم الأنجلو سكسوني خاصة ، لتبين لنا أن الإيمان بالرفاهية الاجتماعية هو السمة الأساسية التي تميز النشاط التشريعي في هذه البرلمانات .
................
بالطبع الرواية 11 دقيقة ، لهذا سوف أبقي 49 دقيقة الباقية لمداخلة اخرى.
60 دقيقة هو برنامج تلفزيوني شهير أتابعه منذ سنوات طويلة ،و قد أصدر منتجه كتابا هاما عن مستقبل البشرية خلال السنوات 50 القادمة ، شارك فيه 60 من كبار العلماء و الفلاسفة ( منهم احمد زويل ) ،و لأن الكتاب امامي الان ، فسهوا كتبت 60 دقيقة ، فشكرا للزملاء البارعين في تصحيح الرقام !.:aplaudit: