{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
دراسات نقدية في تاريخ القرآن وفي إعجاز القرآن البياني
وليد غالب غير متصل
عاشق سرداب المهدي
****

المشاركات: 453
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #2
دراسات نقدية في تاريخ القرآن وفي إعجاز القرآن البياني
الأحرف السبعة والقراءة بالمعنى




المقصود بالقراءة بالمعنى هوإبدال كلمة أو أكثر من القرآن بحيث تؤدي ذات المعنى، وقد مارس النبي والصحابة ذلك، لأن النبي لم يهتم بالشكل بل بالمضمون. والقراءة بالمعنى هو المقصود من الأحرف السبعة، ولكن بسبب رفض علماء المسلمين المسبق للقراءة بالمعنى على الرغم من أنها المفهوم الصريح الظاهر من حديث الأحرف السبعة، بسبب ذلك تخبطوا أيما تخبط في تحديد المراد من الأحرف السبعة، بحيث وصلت أقوالهم إلى أربعين قولاً، بل وصل الحال ببعض العلماء كالسيوطي إلى إعلان الأحرف السبعة من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله.
إن الذي أدى بعلماء المسلمين إلى رفض القراءة بالمعنى، هو القدسية الخيالية الحرفية التي جعلوها لنص القرآن والتي لم تكن معروفة في عصر الإسلام الأول، وكذلك اعتقادهم بإعجاز القرآن اللغوي، والذي أيضاً لم يكن معروفاً في عهد النبي، فتحدي القرآن كان في الهدي والمضمون لا في اللغة والبلاغة، وهذا ما سيتم تناوله بالتفصيل في الدراسة عن الإعجاز البياني، ويكفيك أن تعلم الآن أن القراءة بالمعنى ستكون من أبرز الدلائل على ذلك.

نزول القرآن على سبعة أحرف هو خبر متواترورد عن 21 صحابياً، قال السيوطي في الإتقان 1/129:
((ورد حديث نزل القرآن على سبعة أحرف من رواية جمع من الصحابة أبي بن كعب وأنس وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسليمان بن صرد وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمرو بن أبي سلمة وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبي بكرة وأبي جهم وأبي سعيد الخدري وأبي طلحة الأنصاري وأبي هريرة وأبي أيوب فهؤلاء أحد وعشرون صحابيا وقد نص أبو عبيد على تواتره)) اهـ.
وانظر "تاريخ القرآن" لشاهين ص51 ملاحظات في أسانيد روايات الحديث، ومع الكتاب ملحق فيه كل روايات الأحرف السبعة.

نموذج من هذه الروايات من صحيح البخاري:
2419 - ... سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِيهَا ، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا ، فَقَالَ لِى « أَرْسِلْهُ » . ثُمَّ قَالَ لَهُ « اقْرَأْ » . فَقَرَأَ . قَالَ « هَكَذَا أُنْزِلَتْ » . ثُمَّ قَالَ لِى « اقْرَأْ » . فَقَرَأْتُ فَقَالَ « هَكَذَا أُنْزِلَتْ . إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ » .وفي صحيح مسلم رقم 1941 يقول النبي لأبي بن كعب:
((يَا أُبَىُّ أُرْسِلَ إِلَىَّ أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِى. فَرَدَّ إِلَىَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ.
فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِى. فَرَدَّ إِلَىَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا. فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِى. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِى. وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَىَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ -صلى الله عليه وسلم- )).اهـ

ما معنى سبعة أحرف؟، اختلفوا في ذلك حتى أوصلها السيوطي إلى أربعين قولاً، وقد سبق في المقدمة الإسلامية ذكر التأويل الذي حاز على الأكثرية، وسنعود إليه لاحقاً، أما الآن فسأتطرق إلى التأويل الثاني قبولاً بين العلماء، والذي يلخصه أبو شهبة في المدخل لدارسة القرآن، فيقول ص189:
((القول الخامس: أن المراد بالسبعة الأحرف: الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات، وقد ورد في هذا آراء متقاربة لأربعة من العلماء، وسنعرض هذه الآراء الأربعة ثم نناقشها بمرة، إذ جميعها تجمعها رابطة قوية، ووشيجة متشابكة.
قال ابن قتيبة في أول تفسير(مشكل القرآن) :
((وقد تدبر وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة:
الأول: ما تتغير حركته، ولا يزول معناه ولا صورته مثل (ولا يضار كاتب ولا شهيد) بفتح الراء وضمها.
الثاني: ما يتغير بتغير الفعل مثل قوله تعالى: (ربنا بعّد بين أسفارنا)، و(ربنا باعَد بين أسفارنا)، الأول بصيغة الطلب والثاني بصيغة الماضي.
الثالث: ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل (ثم ننشرها.. ثم ننشزها) الأولى بالراء المهملة والثاني بالزاي.
الرابع: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج من الآخر مثل (طلح منضود) و(طلع منضود).
الخامس: ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل: (وجاءت سكرة الموت بالحق) (وجاءت سكرة الحق بالموت).
السادس: ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل: (وما خلق الذكر والأنثى) (والذكر والأنثى).
السابع: ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل (كالعهن المنفوش) (كالصوف المنفوش).
قال ابن قتيبة: وكل هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين على رسول الله.)) اهـ
ثم ينقل أبو شهبة أقوال الرازي والباقلاني وابن الجزري، أكتفي بنقل ما قاله الرازي فقط وبإمكانك الرجوع إلى الكتاب:
((القول السادس: ما قاله في بيان وجود الاختلاف الإمام أبو الفضل الرازي في كتاب "اللوائح". قال: الكلام لا يخرجع عن سبعة أوجه في الاختلاف.
الأول: اختلاف الأسماء من أفراد وتثنية وجمع، أو تذكير وتأنيث.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث: وجوه الإعراب. الرابع: النقص والزيادة. الخامس: التقديم والتأخير. السادس: الإبدال. السابع: اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك.)) اهـ
ثم يذكر أبو شهبة انتقاداته لهذه الآراء فيقول ص194:
((يمكننا إجمال النقد فيما يأتي:
1- إن القائلين بهذا الرأي – على اختلاف أقوالهم- لم يذكر واحد منهم دليلاً، إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع. وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلاً على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات. ولا يقال: كيف لا يُعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراءاً؟، لأنا نقول: إنه استقراء ناقص، بدليل أن طريق تتبع ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن الطيب والرازي. وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع، ولم يذكره واحد من الثلاثة الآخرين، بل برر ابن الجزري إهماله، مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع، وأن الوجه الأول عند الرازي، والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري، مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض، وأن تعينها إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح. وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به،ولا متعين، فهو مبني على الظن والتخمين.
2- إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول، أو العكس،ولا في إبدال فتحة بضمة، أو حرف بآخر، أو تقديم كلمة وتأخيرها، أو زيادة كلمة أو نقصانها، فإن القراءة بأحدهما دون الآخر لا توجب مشقة يسأل النبي منه المعافاة، وأن أمته لا تطيق ذلك، ويراجع جبريل مراراً، ويطلب التيسير فيُجاب بإبدال حركة بأخرى، أو تقديم كلمة وتأخيرها، فالحق: أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة.
3- إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها.)) اهـ

والاختلاف في تأويل الأحرف السبعة بين القول السابق والقول الآخر صاحب "اللغات"، تنبني عليه قضية مهمة وهى هل المصحف العثماني يشتمل على الأحرف السبعة أم على واحد منها، يقول أبو شهبة ص217:
(( والتحقيق أن كون المصاحف مشتملة على الأحرف السبعة أو بعضها متوقفة على معرفة المراد بالأحرف السبعة، فمن قال أن المراد به سبع لغات في كلمة واحدة، تختلف فيها الألفاظ وتتفق فيها المعاني كابن جرير الطبري ومن وافقه، قال: إن ما بقي في المصاحف منها هو حرف قريش.
ومن قال: إن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات على ما ذهب إليه ابن قتيبة ومن لف لفه، قال: أن المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسم المصحف منها، بمعنى أنها اشتملت على كل واحد منها على ما وافق رسم المصحف منه، ولم تخل عن وجه منها بالكلية، وإن كان بعض هذه الوجوه قد نسخ بعضه.))اهـ

أما التأويل الذي حاز على تأييد الأكثرية من العلماء هو:
((أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وإن شئت فقل: سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة، تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني، أو تقاربها، وعدم اختلافها وتناقضها، وذلك مثل: هلم، وأقبل، وتعال، وإليَّ، ونحوي، وقصدي، وقُربي، فإن هذه ألفاظ سبعة مختلفة يعبر بها عن معنى واحد، وهو طلب الإقبال. وليس معنى هذا أن كل كلمة كانت تقرأ بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد: أن غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في تأدية المعنى هو سبع، فالمعنى هو سبع، فالمعنى الذي تتفق فيه اللغات في التعبير عنه بلفظ واحد يُعبر عنه بهذا اللفظ فحسب، والذي يختلف التعبير عنه بلفظين، وتدعو الضرورة إلى التوسعة يعبر عنه بلفظين، وهكذا إلى سبع.
ومن أمثلة ذلك من القرآن قوله تعالى: ((إن كانت إلا صيحة واحدة))، وقد قرأ ابن مسعود ((إن كانت إلا زقية واحدة)) يس/29، وقوله: ((فاسعوا إلى ذكر الله)) ، فقد قرأ عمر بن الخطاب ((فامضوا إلى ذكر الله)). )) اهـ. أبو شهبة ص176
ثم يقول ص178: ((وإلى هذا الرأي ذهب الجماهير من سلف الأمة وخلفه. فذهب إليه الأئمة سفيان بن عيينة وابن جرير الطبري ودافع عنه دفاعاً حاراً في مقدمة تفسيره، والطحاوي وابن وهب وخلائق كثيرون، واختاره القرطبي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء، وهذا هو الرأي الذي أختاره وأميل إليه.)) اهـ.

ولكن هؤلاء العلماء الذين قالوا بذلك لم يقصدوا أن التغيير في اللفظ على ما يوافق المعنى هو من عند القاريء، بل الأوجه المختلفة كلها صادرة من النبي، يقول أبو شهبة ص172 ((هذه التوسعة والإباحة في القراءة بأي حرف من الحروف السبعة إنما كانت في حدود ما نزل به جبريل وما سمعوه من النبي، وذلك بدليل أن كلا من المختلفين كان يقول ((أقرأنيها رسول الله)) ،وأن النبي كان يعقب على قراءة كل من المختلفين بقوله ((هكذا أنزلت)) كما في حديث عمر وهشام وما يفيده لفظة الإنزال الذي جاءت به جميع روايات الحديث. وليس ذلك إلا التوقيف بالسماع من الرسول، وسماع الرسول من جبريل. ولا يتوهمن متوهم أن التوسعة إنما كانت باتباع الهوى والتشهي؛ فذلك ما لا يليق أ، يفهمه مسل، فضلاً عن عاقل؟ إذ الروايات الواردة ترده وتبطله؛ ولو كان لكل أحد أن يقرأ بما يتسهل له من غير تلق وسماع من النبي وأن يبدل ذلك من تلقاء نفسه لذهب إعجاز القرآن، ولكان عرضة أن يبدله كل من أراد حتى يصير غير الذي نزل من عند الله، ولما تحقق وعد الله سبحانه بحفظه، واللوازم كلها باطلة؛ فبطل ما أدى إليها، وثبت نقيضه وهو أن التوسعة كانت في حدود ما أنزل الله.)) اهـ.

وقد اتفق العلماء على أن الغاية من الأحرف السبعة التيسير ورفع المشقة عن الناس، يقول أبو شهبة ص171:
((لو نزل القرآن على حرف واحد لشق ذلك على الأمة العربية؛ فقد كانت متعددة اللغات واللهجات، وما يتسهل النطق به على البعض لا يسهل على البعض الآخر، وكانت تغلب عليها الأمية، فلا عجب أن حرص النبي على الاستزادة من الحروف حتى بلغت سبعة أحرف.)) اهـ
إذاً، التأويل الذي ذهب إليه أكثر العلماء خلاصته أن الرسول تيسيراً على الأمة المختلفة اللهجات، كان يقرأ العديد من الآيات بأشكال مختلفة توافق لهجات مختلفة من لهجات العرب، وغاية ما تنتهي إليه القراءات المختلفة للموضع الواحد هو سبعة أوجه.
وفي الحقيقة، فإن هذا التأويل بدوره تعرض لانتقادات كثيرة من علماء المسلمين، فعرض أبو شهبة لأهم هذه الانتقادات ورد عليها، ولكن كان التكلف واضحاً في بعض ردوده، فمن أهم ما يعترض هذا التأويل للأحرف السبعة هو أن المختلفين في القراءة في رواية البخاري هما عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم، وكلاهما قرشيان لسانهما واحد، فكيف يختلفان في اللغة؟. أجاب أبو شهبة على ذلك ص181:
((أن العبرة في القراءة بالحروف هو السماع من النبي لا أن يقرأ كل واحد بهواه على حسب ما يتسهل له من لغته، وإنكار بعضهم على الآخر لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس من لغته فأنكره، وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي، وجائز جداً أن يكون أحدهما سمع من النبي حرفاً بغير لغة قريش فحفظه، وسمع الآخر حرفاً بلغة قريش فحفظه، فمن ثم اختلفا مع كونهما قرشيين.))اهـ

ويقع هذا التأويل للأحرف السبعة في مأزق كبير حين نصل إلى ما ينتج عنه من اعتبار مصحف عثمان حرفاً واحداً فقط وهو حرف قريش، وأن بقية الأحرف أُسقطت، فإن كان الأمر كذلك، لماذا إذاً احتوى القرآن على كلمات غير قرشية؟، انظر مثلاً كتاب (لغات القبائل الواردة في القرآن) للقاسم بن سلام وفيه عدد كبير من الكلمات التي تنفرد بها قبائل بعينها من بين القبائل العربية الأخرى. كان جواب أبي شهبة ص182:
((الجواب عن هذا:
1- أن ما ورد من هذه الألفاظ، وإن كانت في الأصل من غير لغة قريش، لكن قريشاً أخذتها واستعملتها حتى صارت قرشية بالاستعمال. ومعروف أن مركز قريش هيأ لها أن تأخذ من اللغات الأخرى أعذبها وأسلسها.
2- أن هذه الكلمات التي ذكرتموها مما توافقت فيه لغة قريش وغيرها، إلا أنها عند غير قريش أشهر وأعرف، وتوافق اللغات في بعض الكلمات أم غير متسنكر ولا مستغرب، وأياً كان الحال فوجود هذه الكلمات في القرآن لا ينافي كون القرآن بلغة قريش.)) اهـ

ولأن أبا شهبة يعلم بأنه من غير المعقول أن تنطبق تخريجاته على كل ما ورد في القرآن من مفردات غير قرشية، أنهى كلامه بأن وجود هذه الكلمات لا ينافي كون القرآن بلغة قريش!. وبغض النظر عن ذلك، فإن الإشكال يتلقى دفعة قوية حين نستحضر وجود قراءات من القراءات العشر تختلف فيها اللهجات، أي نجد الكلمة بقراءة توافق لغة غير قرشية، وفي قراءة أخرى قرشية، وهذا كثير في القراءات، وكمثال عليه البقرة/265 (بِرَبْوَةٍ) حيث قرأها عاصم وابن عامر بالفتح وهى لغة بني تميم، بينما قرأها الباقون بضم الراء (رُبوة) وهى لغة قريش (حجة القراءات لابن زنجلة ص146) ، فهنا لدينا أن القرآن نزل أولاً بالقراءة الثانية، فإذا كانت القراءات العشر تعود كلها إلى حرف واحد وهو حرف قريش، فكيف يكون لكلمة قرشية قراءة أخرى غير قرشية داخل هذا الحرف؟. وقد أوقعهم تأويلهم في إشكالات وتناقضات أخرى، حيث نجد أن أبا شهبة في نقده لتأويل الأحرف السبعة بأنها الوجوه التي ترجع إليها اختلافات القراءات، نجد مما اعترض به أن الكثير من اختلافات القراءات لا يتبين منها وجه للرخصة والتيسير الذي بسببه نزل حديث الأحرف السبعة، ولكن هل يسلم تأويل أبي شبهة للأحرف السبعة من معضلة الغاية من اختلاف القراءات؟، بل الإشكال أعمق عندهم لأنهم فسروا الأحرف السبعة بأنها اختلاف في اللغات، وغالبية اختلافات القراءات لا علاقة لها باللغات – راجع "تصنيفات في القراءات"- ، فلم يجد أبو شهبة حلاً إلا التفريق بين اختلاف القراءات وبين الأحرف السبعة كما مر معنا في قوله رداً على أصحاب التأويل الآخر ((إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها.)) اهـ .
فوقعوا في تناقض بجعلهم القراءات تابعة للأحرف السبعة، دون أن تنطبق عليها الغاية من الأحرف السبعة!.
أما ذهاب ستة أحرف مما نزل من الوحي فظل دائماً العقبة الأكبر أمام تأويلهم، حيث استنكر أصحاب التأويلات الأخرى أن تضيّع الأمة أحرفاً لم تُنسخ نزل بها الوحي وقد أُمرت بحفظ القرآن، وكان الجواب على ذلك عند الطبري أن الأمة خُيّرت في قراءته وحفظه بأي حرف ولم يوجب عليها. (تفسير الطبري1/58)، ولكن لنستمع إلى ما يقوله الزرقاني في (مناهل العرفان في علوم القرآن) ص123-125:
((ثانيها أن أصحاب هذا المذهب على جلالة قدرهم ونباهة شأنهم قد وضعوا أنفسهم في مأزق ضيق لأن ترويجهم لمذهبهم اضطرهم إلى أن يتورطوا في أمور خطرها عظيم إذ قالوا إن الباقي الآن حرف واحد من السبعة التي نزل عليها القرآن، أما الستة الأخرى فقد ذهبت ولم يعد لها وجود ألبتة، ونسوا أو تناسوا تلك الوجوه المتنوعة القائمة في القرآن على جبهة الدهر إلى اليوم، ثم حاولوا أن يؤيدوا ذلك فلم يستطيعوا أن يثبتوا للأحرف الستة التي يقولون بضياعها نسخا ولا رفعا وأسلمهم هذا العجز إلى ورطة أخرى هي دعوى إجماع الأمة على أن تثبت على حرف واحد وأن ترفض القراءة بجميع
ماعداه من الأحرف الستة
وأنى يكون لهم هذا الإجماع ولا دليل عليه هنالك احتالوا على إثباته بورطة ثالثة وهي القول بأن استنساخ المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه كان إجماعا من الأمة على ترك الحروف الستة والاقتصار على حرف واحد هو الذي نسخ عثمان المصاحف عليه مع أننا أثبتنا لك فيما مر بقاء الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية حرفا حرفا ومثلنا لذلك
وقصارى ما استطاعوا أن يسوغوا به مذهبهم وتورطاتهم هذه أن الأمة على عهد عثمان رضي الله عنه قد اختلفت في قراءات القرآن إلى حد جعلهم يتنازعون ويترامون بتكفير بعضهم بعضا حتى خيفت الفتنة فرأى الصحابة بقيادة خليفتهم الحكيم عثمان رضي الله عنه أن يعالجوا المشكلة ويطفئوا الفتنة بهذه الطريقة من جمع الناس على حرف واحد ونسخ المصاحف على حرف واحد وإهمال كل ما عداه من الحروف والمصاحف المنسوخة عليها.
وهذا لعمرك استناد مائل واحتجاج باطل، فقد تنازع الناس على عهد الرسول أيضا في قراءات القرآن على حروف مختلفة كما رأيت في الروايات السابقة ومع ذلك أقرهم الرسول على هذه الحروف المختلفة وقررها فيهم وحملهم على التسليم بها في أساليب متنوعة، وجعل ذلك هو الحل الوحيد لمشكلتهم والعلاج الناجع لنزاعهم، وأفهمهم أن تعدد وجوه القراءة إنما هو رحمة من الله بهم بل بالأمة كلها، وقرر في صراحة وهو يسأل مولاه المزيد من عدد الحروف أن الأمة لا تطيق حصرها في مضيق حرف واحد وقال وإن أمتي لا تطيق ذلك إلى آخر ما عرفت، وأنت خبير بأن أمة محمد باقية إلى يوم القيامة، وهي لا تطيق ذلك كما قرر رسولها المعصوم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه، كما نشاهد نحن الآن من أن بعض الألسنة في بعض الشعوب الإسلامية لا يتيسر لها أن تحسن النطق ببعض الحروف ولا ببعض اللهجات دون بعض فكيف يسوغ للصحابة وهم خير القرون أن يغلقوا باب الرحمة والتخفيف الذي فتحه الله لأمة الإسلام مخالفين في ذلك هدي الرسول عليه الصلاة و السلام في عمله للتخفيف بطلب تعدد الحروف وعلاجه للنزاع بين المختلفين بتقرير هذا التعدد للحروف ألا إن هذه ثغرة لا يمكن سدها وثلمة يصعب جبرها وإلا فكيف يوافق أصحاب رسول الله على ضياع ستة حروف نزل عليها القرآن دون أن يبقوا عليها مع أنها لم تنسخ ولم ترفع وعلى حين أن الرسول قرر بقوله وفعله أنه لا يجوز لأحد أيا كان أن يمنع أحدا أيا كان من القراءة بحرف من السبعة أيا كان، فقد صوب قراءة كل من المختلفين وقال لكل هكذا أنزلت وضرب في صدر أبي بن كعب حين استصعب عليه التسليم بهذا الإختلاف في القراءة، الى آخر ما شرحنا في الشاهدين الثالث والخامس من الشواهد الماضية. وقصارى القول أننا نربأ بأصحاب رسول الله أن يكونوا قد وافقوا أو فكروا فضلا عن أن يتآمروا على ضياع أحرف القرآن الستة دون نسخ لها.)) اهـ

ثم يذكر الزرقاني ملاحظة قوية جداً:
((ثم كيف يفعل عثمان ذلك وتوافقه الأمة ويتم الإجماع ثم يكون خلاف في معنى الأحرف السبعة مع قيام هذا الإجماع أي كيف تجمع الأمة على ترك ستة أحرف وإبقاء حرف واحد ثم يختلف العلماء في معنى الأحرف السبعة على أربعين قولا ويكادون يتفقون رغم خلافهم هذا على أن الأحرف السبعة باقية مع أن الإجماع حجة عند المسلمين وبه ينجلي ظلام الشك عن وجه اليقين.
ولنفرض جدلا أن نزاع المسلمين في أقطار الأرض أيام خلافة عثمان رضي الله عنه قضى عليه أن يجمع المسلمين على حرف واحد في القراءة فلماذا لم تسمح نفسه الكريمة بإبقاء الستة الأحرف الباقية للتاريخ لا للقراءة مع أن الضرورة تقدر بقدرها وهذه الستة الأحرف لم تنسخ لا تلاوة ولا حكما حتى تذهب بجرة قلم كذلك ثم يبخل عليها بالبقاء للتاريخ وحده في أعظم مرجع وأقدس كتاب وهو القرآن الكريم
على حين أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حفظوا للتاريخ آيات نسخت تلاوتها ونسخت أحكامها جميعا، وعلى حين أنهم حفظوا قراءات شاذة في القرآن ثم نقلت إلينا وكتب لها الخلود إلى اليوم والى ما بعد اليوم
بل نقلوا إلينا أحاديث منسوخة وتناقل العلماء أحاديث موضوعة ونصوا على حكم كل منها وعلى إهمال العمل بها، ثم إن من عرف تحمس الصحابة لدينهم واستبسالهم في الدفاع عن حمى القرآن يستبعد كل البعد بل يحيل كل الإحالة أن يكونوا قد فعلوا ذلك أو أقل من ذلك، عاود ما قررناه في الشاهد السادس من شواهدنا الماضية وانظر إلى موقف عمر من هشام))اهـ
ثم يذكر الزرقاني اعتراضاً وجيهاً:
((أمر ثالث هو أن هؤلاء الذين شايعوا ذلك المذهب يلتزمون أن يقولوا إن اختلاف القراءات الحاصل اليوم يرجع كله إلى حرف واحد وهكذا شاء لهم رأيهم أن يجعلوا تلك الكثرة الغامرة القائمة الآن حرفا واحدا على ما بينها من اختلاف في الوجوه والأنواع وعلى رغم أن من القراءات الحاضرة ما يكون وجه الاختلاف فيه ناشئا عن وجود ألفاظ مترادفة في كلمة واحدة ومعنى واحد ومنها ما هو من لغات قبائل مختلفة كما نص على ذلك السيوطي في النوع السابع والثلاثين))اهـ
وملاحظة الزرقاني مهمة للغاية بل هى دليل قاطع على بطلان تأويلهم الاحرف السبعة، إذ لا يمكن أن تكون القراءات العشر منتمية إلى حرف واحد على الرغم من أنها تحقق معنى الاختلاف بين الأحرف السبعة وتحقق ما ضربوه من أمثلة لذلك: هلم وأقبل وتعال.
وإليك أمثلة على القراءات المتواترة التي حصل فيها مثل هذا الترادف:
البقرة/219 (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (كَثِيرٌ) حمزة والكسائي.
البقرة/259 (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) (نُنْشِرُهَا) نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
نُنْشِزُهَا: نرفعها. نُنْشِرُهَا: نحييها.
النساء/ 94 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) ومثله في الحجرات/6 (فَتَثَبَّتُوا) حمزة والكسائي وخلف.
يونس/22 (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (يَنْشُرُكُمْ) ابن عامر وأبو جعفر.
العنكبوت/58 (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا) (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) حمزة والكسائي وخلف.
الأحزاب/68 (رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا) (كَبِيرًا) عاصم.

وينتهي تأويلهم للأحرف السبعة تماماً حين نجد روايات متواترة تبين أنه مما يدخل في الأحرف السبعة تبديل النهايات التقليدية للآيات، على سبيل المثال جاء في سنن أبي داود:
1479 - ... عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أُبَىُّ إِنِّى أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِى عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِى مَعِى قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ. قُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِى عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِى مَعِى قُلْ عَلَى ثَلاَثَةٍ. قُلْتُ عَلَى ثَلاَثَةٍ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْهَا إِلاَّ شَافٍ كَافٍ إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ». صححه الألباني.اهـ
فالنبي هنا يجعل من الأحرف السبعة إبدال "سميع عليم " بـ "عزيز حكيم" وما شابهها، ومثل هذا ليس له أي علاقة باختلاف اللهجات والتيسير على الناس لاختلاف لغاتهم، كما أنه ليس فيه ترادف، فالمعنى هنا يختلف.

أما المثال الشهير الذي ضربوه على المراد من الأحرف السبعة، والذي يعود إلى ابن مسعود بل وجعلته بعض الروايات من قول النبي نفسه، وهو أن الأحرف السبعة كقولك: ((هلم، وأقبل، وتعال، وإليَّ، ونحوي، وقصدي، وقُربي))، فهذا لا يظهر منه اختلاف اللغات بل الظاهر أنها ترادفات قد تقع داخل اللغة الواحدة، وكإشارة على ذلك نجد أن القرآن الذي هو اليوم بحرف قريش فقط عند أصحاب التأويل محل النقاش، نجد القرآن قد استخدم الكلمتين (هلم) و (أقبل) لطلب المجيء، وذلك في القصص/31 (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ) وفي الأحزاب/18 (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا).
ويتضح ذلك أكثر فيما سبق أن ذكره أبو شهبة كمثال على الأحرف السبعة وهو إبدال "فاسعوا" بـ "فامضوا" من قول القرآن (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الجمعة/9 ، وهى قراءة ابن مسعود، فهنا ليس الأمر معنى واحداً بكلمتين مختلفتين لاختلاف اللغات، فالكلمة الأولى تفيد المشي السريع، ولكن الثانية لا تفيد ذلك، وقد صرح ابن مسعود بنفسه بمعرفته بالفرق بين اللفظين ولماذا يقرأ بالثانية حيث أنه قال: « لو كانت : ( فاسعوا ) لسعيت حتى يسقط ردائي » (هـ كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد حديث رقم 562).

بعد كل ما سبق، فإن التأويل الذي ذهبت إليه الأكثرية بأن المراد من الأحرف السبعة هو سبع لغات في الكلمة الواحدة متفقة المعنى، هو تأويل غير صحيح، لأدلة ملخصها:
1- وردت روايات كثيرة بين فيها النبي أن تبديل (سميع عليم) بـ (عزيز حكيم) هو من الأحرف السبعة ، ما يناقض تأويلهم بأن التغير في الألفاظ مع اتفاق المعنى.
2- احتواء القرآن على كلمات غير قرشية على الرغم من زعمهم بأن القرآن اليوم على حرف قريش فقط.
3- وجود كلمات قرشية لها قراءة بلغة أخرى على الرغم من زعمهم انتماء القراءات العشر إلى حرف قريش فقط.
4- التناقض في جعل القراءات العشر منتمية إلى الأحرف السبعة دون أن تنطبق عليها الغاية من نزول الأحرف السبعة.
5- إجماع الأمة على إسقاط ستة أحرف من القرآن يتناقض مع واقع اختلاف المسلمين في معنى الأحرف السبعة.
6- القراءات العشر تحوي اختلافات ترادف على الرغم من انتماءها إلى حرف واحد، أي أنها تحوي وجوه اختلاف مطابقة لتأويلهم لوجوه اختلاف الأحرف السبعة.


إذاً رأينا فشل أبرز تأويلين للأحرف السبعة، ورأينا كيف ينقض التأويلات علماء المسلمين أنفسهم، فما هو التأويل الصحيح؟
لقد مر معنا في إحدى الروايات أن النبي قال لربه عن القراءة بحرف واحد "لا تطيقه أمتي"، فما معنى ذلك؟ لقد جاءت روايات أخرى بينت مراد النبي من ذلك وفصلته، إحدى هذه الروايات:
عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَقِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِبْرِيلَ فَقَالَ « يَا جِبْرِيلُ إِنِّى بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالرَّجُلُ الَّذِى لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ ». قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. (الترمذي 3196 وقال: هذا حديث حسن صحيح وقد رُوي من غير وجه عن أبي بن كعب.)) اهـ (لمزيد من هذه الأحاديث راجع الملحق)
لو كان الداعي الأساسي إلى الأحرف السبعة هو التيسير لاختلاف لهجات العرب لقال النبي شيئاً يشير إلى ذلك، كأن يقول "إني بُعثت إلى أمة مختلفة الألسن"، ولكن، وبشكل بعيد عن ذلك نجد النبي يقول شيئاً مهماً للغاية، نجده يتحدث عن "الأمية" وعن الشيخ الذي لم يقرأ كتاباً في حياته، إن النبي بذلك يشير إلى واقع حال العرب حينها من الندرة الشديدة للقادرين على القراءة من المكتوب، وبأن التعويل عندهم في الحفظ على الذاكرة والتناقل الشفوي، وبذلك يتبين الوجه الحقيقي للتخفيف عن الناس ونزول الأحرف السبعة: فلأن القرآن يتلوه كل الناس ويصل ذلك إلى الوجوب في الصلوات، ولأن عامة الناس كانوا أميين غير قادرين على القراءة من المكتوب باستثناء فئة قليلة جداً، في بيئة كهذه فإن إلزام الجميع بشكل واحد متحجر للنص لا يحيدون عنه سيكون صعباً وثقيلاً عليهم، وسيصبح مدعاة إلى النفور من تلاوة القرآن، فأُسقطت هذه القيود عنهم، وسمح لهم النبي بألا يلتزموا بحرفية النص، فالمهم هو روح النص لا شكله ، فيجوز لهم أن يغيروا في الألفاظ والمعاني طالما أن ذلك لا ينال من روح النص ولا يصل إلى درجة التناقض، وهذا كان واضحاً في قول النبي ((إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ)) فالنبي هنا يضرب مثالاً على تغيير النص بما يحافظ على روحه، فلا بأس أن يستبدل القاريء الخواتيم التقليدية للآيات فإن قلت (سميعاً عليماً) أو قلت (عزيزاً حكيماً) فالله كذلك، ولكن التغيير مشروط بألا يصل إلى التناقض وإفساد روح النص فيختم آية عذاب برحمة مثل "غفور رحيم" أو يختم آية رحمة بعذاب.
ومما يزيد كثيراً من المشقة في حمل الناس على نص واحد هو أن القرآن نثر وليس بشعر، فما يُقال عن حافظة العرب القوية وحفظهم للمعلقات الطوال يعود في جوهره إلى طبيعة الشعر المساعدة على الحفظ بسبب الوزن، ولذلك كان قليلاً جداً ما وصلنا من الأدب الجاهلي النثري على عكس ما حصل مع الشعر، والقرآن نثر ليس فيه وزن، لذلك لا ينطبق عليه ما يُقال عن إتقان العرب حينها لحفظ الشعر بكميات ضخمة، بل وحتى هذا الشعر له روايات كثيرة مختلفة تطال المعلقات نفسها، حيث كثيراً ما ترى فيها استبدال كلمات بكلمات أخرى على وزنها.
وسهولة نسيان القرآن يشهد لها النبي نفسه حين يقول كما ورد في البخاري ومسلم: « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا » (مسلم رقم 1880 ، ورواه البخاري رقم 5032 بلفظ ((وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ))
ويشهد لذلك أيضاً واقع النبي نفسه، حيث ثبت في البخاري ومسلم أن قراءة رجل ذكرته بآيات نسيها، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِى الْمَسْجِدِ. فَقَالَ « رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِى آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا ». (مسلم رقم 1874 والبخاري رقم 2655)
النبي الذي نزل عليه الوحي والذي هو أكثر الناس تلاوة للقرآن والذي كان يقوم ثلث الليل يقرأه، إذا كان مع ذلك ينسى آيات من القرآن، يتبين لك إذاً صحة ما قاله عن شدة تفلّت القرآن من الذاكرة، وما ذلك إلا لطبيعته النثرية. وبذلك يتبين لك أكثر لم خفف النبي عن الناس الالتزام بشكل واحد متحجر للنص، وهذا في الحقيقة مما يُحسب للنبي ودليل على إعراضه عن الشكليات والقشور، بخلاف حال المسلمين اليوم الذين لو رأى النبي حالهم وتشددهم في القرآن لتملكه الذهول.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من تفسير الأحرف السبعة بأنها القراءة بالمعنى، ما قاله ابن مسعود:
((إني قد سمعت إلى القَرَأةِ، فوجدتُهم متقاربين فاقرأوا كما عُلِّمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.)) اهـ (تفسير الطبري 1/50 فضائل القرآن لأبي عبيد رقم 617)
وقول محمد بن سيرين كما في تفسير الطبري 1/53:
... عن محمد، قال: نُبئت أن جبرائيل وميكائيل أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبرائيل: اقرأ القرآن على حرفين. فقال له ميكائيل: استزده. فقال: اقرإ القرآن على ثلاثة أحرف. فقال له ميكائيل: استزده. قال: حتى بلغ سبعة أحرف، قال محمد: لا تختلفُ في حلال ولا حرام، ولا أمرٍ ولا نهي، هو كقولك: تعال وهلم وأقبل، قال: وفي قراءتنا { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً } [سورة يس: 29، 53]، في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة). اهـ

يتبين من كل ما سبق المراد الصحيح بالأحرف السبعة، وهو: السماح بأن يغيّر القاريء في النص إلى أوجه مختلفة من المعاني أقصاها سبعة، بشرط ألا يحدث تناقض.
وهذا التأويل للأحرف السبعة يتميز بأنه المفهوم الأبسط والأوضح والأكثر توافقاً مع مختلف الروايات، على عكس تأويلات المسلمين المتخبطة والتي وصلت إلى أربعين قولاً، هم لم يقروا بصريح ما تفيده الروايات لتهربهم من الإقرار بالقراءة بالمعنى وأن النبي كان لا يكترث بشكل النص بل بمضمونه، وهذا عندهم ينافي ما يعتقدونه من إعجاز القرآن اللغوي، وينافي القدسية الحرفية التي يعتقدونها لنص القرآن.
يقول أبو شهبة ص201:
((وإن لنا لوقفة عند هذا الرأي الأخير، المجوّز لتبديل فواصل الآي بعضها ببعض مما هو من صفات الرب، فإن هذا خلاف الإجماع، ويؤدي إلى ذهاب بعض الإعجاز، فإن من إعجاز القرآن هذا التناسب والترابط القوي بين الآية وخاتمتها، فلو جاز إبدال خاتمة بأخرى لعاد بالخلل على إعجاز القرآن.))اهـ

ويقر الباقلاني في كتابه "الانتصار للقرآن"، وهو كتاب مرجعي في رد الإشكالات عن القرآن، يقر بأن التبديل بين خواتم الآي كان مسموحاً به، ولكنه مُنع ونُسخ بعد ذلك، يقول في الانتصار تعليقاً على روايات تبديل خواتم الآي 1/370:
((إن هذه الرواية إذا صحّت أو ثبتت؛ وجب أن يُحمل الأمر فيها على أن ذلك كان شائعاً مطلقاً ثم نُسخ ومُنع وأُخذ على الناس ألا يبدّلوا أسماء الله تعالى في آية وموضع من المواضع بغيره، مما هو بمعناه أو مخالف لمعناه، لأن ذلك مما قد اتفق المسلمون عليه، ولذلك لم يسغ أن يُقال قل أعوذ برب البشر مكان الناس، وقل أعوذ بخالق الناس مكان رب الناس، وتبارك الله أحسن المقدرين أو المخترعين أو المنشئين مكان قوله الخالقين، في أمثال ذلك مما قد اتُفق على منعه وحظره، فثبت أن هذا مما كان مطلقاً مباحاً، ونُسخ.
ويجوز أن يكون قد شُرع في صدر الإسلام أن يُجعل مكان الحرف الواحد مثل مكان عليم قدير، وأن يجعل مكانه مثله مثل مكان غفور رحيم، ثم نُسخ ذلك من بعد، فأما أن يُجعل مكانه ضده مثل مكان غفور شديد العقاب، فلم يكن ذلك جائزاً بالإجماع.)) اهـ
ويزيد الباقلاني الأمر وضوحاً حين يوسّع ذلك إلى دائرة التبديل إلى خارج خواتم الآي 371-372:
((... فقال بكير: وذُكر لي أنه قيل لسعيد بن المسيب: ما سبعة أحرف؟ فقال: كقولك هلم وتعال وأقبل، وكل ذلك سواء. وهذا التفسير وإن كان مما لا يلزمنا قوله والقطع على صحته لكونه مذهباً وقولاً لسعيد بن المسيب ولا سأل بكير عن ذلك سعيداً، وقوله: بلغنى أن سعيداً قيل له، ولم يذكر من بلّغه ذلك عن سعيد، فإنه يمكن أن يكون صحيحاً، وأن يكون الله سبحانه قد كان أباح للقاريء في صدر الإسلام أن يجعل مكان اسم الشيء المذكور في الآية غيره من أسمائه التي هى بمعنى ذلك الاسم، أو أباح ذلك في سبعة أسماء فقط، إما من أسماء الله تعالى أو من أسماء غيره، أو أباح ذلك في سبع كلمات ليس بأسماء له، معنى كل واحدة منها معنى الأخرى، وأطلق القراءة بأيها شاءوا وخيّرهم في إبدال الاسم والكلمة بما ه بمعناها في تلك السبع الكلمات أو الأسماء المخصوصة، ثم إنه سبحانه حظر ذلك بعد إباحته ومنع على بيّناه من قبل.)) اهـ
إذاً، لم يعد محل الخلاف هل أباح النبي القراءة بالمعنى أم لا، بل فقط هل استمر ذلك بعد وفاة النبي ولم يُنسخ، إذاً الباقلاني يتفق معنا في جوهر الموضوع.
أما إشارة الباقلاني إلى احتمال عدم صحة روايات تبديل خواتم الآي بقوله "إن هذه الرواية إن صحّت"، فأقول إن هذه الروايات متواترة حيث أنها وردت عن سبعة من الصحابة، وهم مع ذكر الرواة الذين نقلوا عنهم:
أبي بن كعب: سليمان بن صرد الخزاعي، وقتادة.
أبو هريرة: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والمقبري.
أبو طلحة: ابنه عبد الله.
أبو بكرة: ابنه عبد الرحمن.
أنس بن مالك: عبد العزيز بن صهيب،وثابت، وحميد الطويل.
ابن عباس: مولاه عكرمة.
عبد الله بن مسعود: همام.
فهؤلاء سبعة من الصحابة روى عنهم 11 راوياً، وقد تأكدت من تواتر الطبقات الأخرى، إذاً فالخبر بتبديل خواتم الآي متواتر، ولا سبيل للتشكيك في صحته. راجع ملحق الأحاديث للإطلاع على الروايات التي جمعتها.

نصل الآن إلى حادثتين على قدر كبير من الأهمية، فبسبب ممارسة النبي للقراءة بالمعنى، ارتد صحابيان من كتبة القرآن:
المرتد الأول: لا توجد بيانات عن اسمه، كان نصرانياً من بني النجار، وأسلم، وكان شأنه في القرآن كبيراً عند الصحابة:
روى البخاري في صحيحه:
3617 - ... عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا . فَأَلْقُوهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ ، فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ . فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ ، وَأَعْمَقُوا لَهُ فِى الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ .اهـ
قلت: بغض النظر عن الخرافة التي أضافها الرواة للنص للنيل من الرجل، فإن ما حصل مع هذا الصحابي المرتد توضحه روايات أخرى كثيرة، أصحها ما جاء في مسند أحمد:
12236 - ... عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ كَانَ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا - يَعْنِى عَظُمَ - فَكَانَ النَّبِىُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يُمْلِى عَلَيْهِ غَفُوراً رَحِيماً فَيَكْتُبُ عَلِيماً حَكِيماً فَيَقُولُ لَهُ النَّبِىُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ « اكْتُبْ كَذَا وَكَذَا اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ ». وَيُمْلِى عَلَيْهِ عَلِيماً حَكِيماً فَيَقُولُ اكْتُبْ سَمِيعاً بَصِيراً فَيَقُولُ اكْتُبِ اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ. فَارْتَدَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِمُحَمَّدٍ إِنْ كُنْتُ لأَكْتُبُ مَا شِئْتُ فَمَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الأَرْضَ لَمْ تَقْبَلْهُ ».
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين اهـ (قلت: أي أن الشروط التي وضعها كل من البخاري ومسلم لقبول الروايات ووضعها في صحيحهما تنطبق على هذه الرواية)
قلت: وروى الأثر أيضاً كل من: مسلم في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، وعبد بن حميد في مسنده، والبيهقي في سننه الصغرى ودلائل النبوة، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، والطيالسي في مسنده، والهيثمي في موارد الظمآن.

المرتد الثاني: عبد الله بن أبي السرح، ارتد وعاد إلى مكة، ويوم الفتح كان من الذين أهدر دمهم النبي، فتوسط له عثمان عند النبي وتاب وأسلم.
نزلت فيه الآية التالية من سورة الأنعام:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
(أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) نزلت في عبد الله بن أبي السرح، ذهب إلى ذلك عكرمة والسدي وقتادة ، ووافقهم الطبري ، انظر تفسيره للآية في ملحق الأحاديث.
وجاء في صحيح مسلم:
4086 - ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِى سُورَةِ النَّحْلِ (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ) إِلَى قَوْلِهِ (لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فَنُسِخَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ الَّذِى كَانَ عَلَى مِصْرَ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. اهـ

ولكن لماذا ارتد؟ تخبرنا روايات أخرى بذلك، منها ما أورده الطبري في مقدمة تفسيره 1/54:
((حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيّب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره [أنه قال] { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [سورة النحل:103] إنما افتُتِن أنه كان يكتب الوحيَ، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميعٌ عليمٌ، أو عزيزٌ حكيمٌ، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عَلى الوحي، فيستفهمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيمٌ، أو سميعٌ عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ ذلك كتبت فهو كذلك. ففتنه ذلك، فقال: إن محمدًا وكَلَ ذلك إليّ، فأكتبُ ما شئتُ. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة .))اهـ

ومنها ما أورده ابن أبي حاتم في تفسيره:
7656 - ... سمعت أبا خلف الأعمى ، قال : كان ابن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي ، فأتى أهل مكة فقالوا : يا ابن أبي السرح ، كيف كتبت لابن أبي كبشة القرآن ؟ قال : كنت أكتب كيف شئت ، فأنزل الله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا (1) ) اهـ

وفي طبقات ابن سعد 1/302
((وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد أسلم قديما ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فربما أملى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سميع عليم (1) فكتب « عليم حكيم » فيقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : « كذلك الله » . ويقره . فافتتن عبد الله بن سعد وقال : ما يدري محمد ما يقول ، إني لأكتب له ما شئت ، هذا الذي كتبت يوحى إلي كما يوحى إلى محمد . وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا))اهـ

ولكن يبرز هنا سؤال كبير: هل يعقل أن صحابيين من كتبة القرآن، وأحدهما كان شأنه كبيراً عند الصحابة، هل يعقل أنهما لم يكونا على علم بحديث الأحرف السبعة؟ ولم يعلما أن التغييرات التي كانوا يفعلونها تندرج داخل الأحرف السبعة؟ هذا مستبعد جداً، فإذا كان الذي يقوم بعمل بهذه الأهمية والخصوصية بالقرآن لا يعرف بحديث الأحرف السبعة، فمن هذا الذي سيعرف إذاً؟
هنا نصل إلى نقطة مهمة للغاية، وأدين بالفضل فيها إلى الدكتور عبد الصبور شاهين الذي ج
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-17-2008, 09:29 PM بواسطة وليد غالب.)
12-17-2008, 09:27 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
دراسات نقدية في تاريخ القرآن وفي إعجاز القرآن البياني - بواسطة وليد غالب - 12-17-2008, 09:27 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS