أخي العزيز فلسطيني كنعاني:

شكرا على ردك وأعتذر على التأخير.

تفضلت مشكوراً وقلت:
Arrayبلايين اتفقوا على محمد ، و بلايين على يسوع ، و بلايين على البقرة المقدسة ، و ملايين على زيوس و ملايين على رع ... و بسبب عدم اتفاق هؤلاء صارت الاف مؤلفة من الحروب التي رواها و لم يروها التاريخ ...

و من قال ان اتفاق مجموعة من الناس على شيء يعتبر دليلا نهائيا يعتد به ؟؟[/quote]

الأخ الحبيب: اتفاق الناس على تبعية رسول دعاهم للرسالة شيء واتفاقهم على ما هو متأصل في القلوب منذ المهد بل وما قبل المهد شيء آخر. الإنسان بطبيعته مفطور على الاعتقاد بوجود الله بصرف النظر عن طرق التعريف به أو الوصول إليه. لو قرأت كتابات واحد لا أدري مثل يونغ لوجدت أنه يؤكد كلامي هذا بل أنا أخذته عنه حيث قال في ما معناه أن هناك شيء منذ بلايين السنين موجود في العقل اللا واعي لبلايين البشر. ما الداعي من الأساس لمحاولة نقضه؟! لا تبرير لذلك.

وأمور الإيمان يا أخي العزيز هي ليست أمور "دلائلية" not evidential ولكنها أمور إعلانية revelational. بالبديهة وبالفهلوة لن تجد دليل ينفي أو يثبت ما نحن بصدد الحديث عنه من حين لآخر وهو مسألة الإيمان. لكن الإيمان يدخل في كل شيء. تلك حكمة أعرابية ورثناها كادراً عن كادر لبلايين السنين والتي علمتنا أن "اعقلها وتوكل على الله". هذه الحكمة لم تخرج من فراغ ولكن الناس أقرت بها وخبرتها ووجدت فيها من اليقين القلبي ما وجدت. هناك يقين القلب يا أخي "فلسطيني كنعاني" ونحن بأمس الحاجة إلى مثل هذا النوع من اليقين ولا يمكن الاستخفاف به وكأن الإنسان مجرد "عقل" مجرد mere reason والسلام. هذا ليس صحيح. سيظل هناك بداخلك ما يبعث على الراحة الداخلية ويحركك رغم أن عقلك لا يقدم دليل مادي واحد ملموس عليه. عندي إحساس أنك داخلياً توافقني على ما أقول وسامحني فلا أريد مجرد التقاول أو الافتراض عليك ولكن هذا شعور حدسيّ وسامحني لو قلت لك إنك مؤمن في أعماقك ولسانك العربي لا يقر الإلحاد برمته وإلا لكنت مثلا كتبت تحت معرف اسمك كلمة "ملحد" بالعربية لا بالانكليزية. أنت لست متيقن مائة بالمائة ولا أنا وهذا شيء عظيم. من فينا يعرف كل شيء مائة بالمائة؟! ولا واحد.

Arrayو اسالك الان ؟؟ غذا كنت لا تهتم بكيان الله المزعوم ... ما الذي جعلك تؤمن بيسوع الناصري ؟؟ و على اي طريقة ؟؟[/quote]

حلها بسيط يا أخي العزيز. مادمت ارتضيت أن أؤمن بأن الله له وجوده في ذاته فأيضا أؤمن أن هذا الإله يتكلم وليس بصامت والمسيح هو "نطق الله" وحينما نطق الله في المسيح فلم يجد شيء أكثر من أن يقوله لي ولكل مؤمن بل ولكل مخلوق سوى أن الله ليس إلا حب. أؤمن به على طريقة الحب. هذا هو طريق ابن عربي صاحب القصيدة المشهورة والتي تبين لك بلوغ ناس مراقي الحب الإلهي وأنهم قد خبروه بذلك حق الخبر اليقين. أيتفق ابن عربي وطاغور على ضلالِ؟! بينهم ما بينهم من آلاف الأميال والأميال ومع ذلك قاموا بمناجاة الباريء بطرق بديعة تظل مصدر إلهام لأجيال متعاقبة وإلى يومنا هذا.

Arrayطريقة الاكنائس الشرقية الارثودكسية القديمة ؟؟ ام طريقة الكنائس المنبثقة عن الارثودكسية القسطنطينية ( الروسية و الصربية و اليونانية إلخ ) ؟؟ ام على الطريقة الكاثوليكية على انواعها ؟؟ أم على طريقة مارتن لوثر .... و الطريقة البروتوستانتية ؟؟ ام على طريقة طائفة المورمون الذي قابلوا المسيح في جبال روكي ؟؟ أم على طريقة الانجيليين الصهاينة و المطبلين لخرافة هارمجدون ؟؟[/quote]

هذه طرائق البشر وتناحراتهم على المعبود وكل واحد منهم يريد أن يستحوذ على الحقيقة في أنانية صرفة ولكن هل الله يملكه أحد؟ ألعله له دين يلزم به نفسه؟ كلا ثم كلا. قال ميخائيل نعيمة: الوطن لله والله للجميع. الله للجميع ولا يستحوذ به إنسان دون سواه. وحدهم من يعرفون أن الله طريقه الحب هم من يكونوا قد بلغوا إليه البلوغ الحقيقي. فلندع عنا صراعات البشر وتكالبهم الطائفي وطرائقهم المتكالبة على الله ولنطلب الله ذاته ولذاته هو لا لشيء آخر سواه.


Arrayلا تقل لي ان ذلك لا يعنيك ... لأني لن اصدقك .... فالانسان الطبيعي يبحث عن الحقيقة و يعتقد ان وجدها في مكان ما.[/quote]

الحقيقة كامنة في أعماقك أنت وليست في ما أقوله أنا. عندما تجد بصيص نور في قلبك فاعلم عندها أنه يشير إشارة بديعة للنور الأكمل المطلق وهو الباريء.

وعندما تجد لمسة حنان بداخلك تحرك لك عواطفك فاعلم أنها إشارة لطاقة الحنان الجبارة التي أوجدت هذا الكون وهي حنان مطلق أي الله.

عندما تجد أي صفة جميلة وقادتك في تأملاتك للوصول إلى ما هو جمال مطلق فاعلم إنها إشارة للإله الذي هو جمال مطلق و"الله جميل يحب كل جمال".

هذه أمور نصل إليها يا أخي الحبيب بالتأمل الباطني وليس بالتفلسف العقلي.

Array كون دماغك لا يملك كما كافيا من الادراك و المعطيات لفهم كيفية عمل و نشوء و تطور هذه الاعضاء .. خلقت هذه الشماعة لتعلق عليها عجزك ..

[/quote]


ومن قال يا غالي أننا لا نفهم النشوء والإرتقاء أو ننكره؟ ولكن من يقف وراء النشوء والارتقاء ويجعله يبلغ ذروته؟ من يجعل الحياة تستمر في مسيرة النشوء والارتقاء؟ من يضبط سرعة الإلكترونات والبروتونات بشكل منتظم داخل الذرة والتي لا تراها أعيننا؟ هناك قدرة خفية subtle power وهناك عالم فيزيائي اسمه Paul Davies وقد أسماها الشبح في داخل النواة Ghost in the atom. من هو هذا الشبح في داخل النواة؟ وما هو مدى قدرته؟ قد نكون قد اختلفنا على تعريفه وتسميته ووصف وجوده ولكنه حاضر ويخلق ويعيد الخلق فينا الآن ونحن نطبع هذه الحروف وخلقه لم ينتهي إلى تلك اللحظة بل هو مستمر إلى مالا نهاية.

Array اتمنى ان تريني قدرتك في شرح القدرة الإلهية في موضوع الكلية لطفل مصاب بالفشل الكلوي ؟؟ ربما يموت بسبب ذلك .. ليصبح ايضا في بعض الاوهام عصفورا في جنة وهمية في مكان ما !!!
[/quote]

ما تتحدث عنه هو أمر أتصارع معه داخلياً أحياناً لأني عندي كلية واحدة ولو بحثت في تكويني الفسيولوجي لوجدت أنه تقريباً مجموعة من العاهات الخلقية هنا وهناك. ولكن من قال إننا هنا لنخلد؟ نحن في ترحال نحو الأبدية. لا أحد يمكث في هذه الفانية أكثر مما ينبغي له ولنا رسالة نؤديها في خدمة أخينا من بني الإنسان ونستوفي الغرض وتستوفي الحياة دورتها "ويا بخت من زار وخفف". نحن زوار في هذه الدنيا وهذا الجسم ما هو إلا "خيمة" نقوم بالترقيع فيها من حين لآخر إلى أن نعبر للبيت الأزلي الذي لا ينقض ولا نعرف عنه الكثير. بمناسبة حديثك عن الفشل الكلوي: أنا عندي كلية واحدة وكثيرا ما ارتعبت من مجرد التفكير في ما يحمله المستقبل لي وأريد عندما أموت أن أموت مرة واحدة ولا أشعر بأي شيء. لكني أريد أن أترك أثر في هذه الحياة التي أعيشها. انظر مثلا إلى Stephen Hawking يا أخي العزيز وتأمل معي: هذا رجل معاق من جميع الجوانب ولكنه عالم فيزيائي العالم كله يقف له تعظيم سلام رغم أنه يا حرام مشلول وإرادته مسلوبة...لماذا يارب يحدث كل هذا؟ لا أجد إجابة سوى "لكي تظهر فيه أعمال الله". أسكت عندها وأقول: حكمتك يا رب.

Arrayالالحاد بالنسبة لي تحرر للعقل ، الابتعاد عن القيود المرتبطة بغيبيات لا يدركها عقلي ......[/quote]

ولكن هل حقاً يتحرر العقل يا أستاذي؟ كلا! لن يتحرر العقل. العقل سيظل يبحث دائما عن مسيرة التحرر وهذا ما نشده أفلاطون في بحثه عن الحرية وسجن الجسد وغير أفلاطون وغيره وغيره.

الغيبيات ستظل تباغتنا بشكل أو بآخر. ما رأيك عندما تكون في السرير والطبيب يقول لك إنهم عملوا كل الفحوصات اللازمة ولا يجدون للآن تفسير لما يحدث في جسدك؟ هذا حدث معي. أدركت عندها أنه فوق كل علم عليم والله هو العليم الأوحد. والغيبيات ليست قيود. يمكن أن تكون مسلم وبطريقتك الخاصة لو أردت ولكن لا داعي للإلحاد وسامحني على التطفل. مجرد رأي. وأنت محل احترام شديد عندي في جميع الأحوال وأحترم بحثك الصادق عن المطلق أو الحقيقة وترحالك الحثيث سعياً وراء ذلك.

ليحفظك الباريء من كل مكروه فبه القصد وهو من وراء السبيل وعليه فليتوكل المتوكلون.