عزيزي فارس،

ليس كل مدعبل جوز ولا كل ابيض شحم، وليس كل شيء صابون،

وتصورك العجيب أن من يحاورك هو سلفي بالضرورة لا أعرف سنده ولا سببه، إلا أنه قد يجعل المحاور ينأى بنفسه عمن يستبق الأحكام على محاوره.

عزيزي،

نغمة التقدمي والرجعي، نغمة المستنير والظلامي، وسائر النغمات الإقصائية التي برع فريق من اليسار نبز خصومه السياسيين في الستينات قديما، ثم ورثها الليبراليين الجدد لا تختلف أبدا عن نغمة الإقصاء السلفي وما شابهها.

أم عن النهضة وإمكانياتها، والسيف والمنجل والحصادة، وسائر الربط العجيب الذي لا علاقة ضرورية له بالنهضة، فأقول:

الإنسان هو الإنسان، لا يختلف رغم التطور المادي المحيط به والذي هو سبب فيه، الإنسان هو كائن حي له طاقة تحتاج الإشباع، وهذا الإشباع إذ يدفع لسلوك فإنه يحتاج نظاما ومحل إشباع، منذ دب البشر على الأرض وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

حين يكون الإشباع متناغما في المجتمع ضمن قواعد فكرية اقتنع المجتمع بها مسبقا، سواء أكانت هذه القواعد إسلامية أم اشتراكية أم ليبرالية، حينذاك يكون المجتمع مؤهلا للنهضة، كحال حزمة ضوء انتظمت في ليزر.

أما أن نربط استعمال الحصادة بدل المنجل بكون السرقة القانونية مشروعة أم غيرها، كما سرق الرأسماليون العالم في السنة المنصرمة، أو أن نربط الصعود إلى الفضاء بكون المجتمع مشاعا جنسيا، أو أن نربط استعمال السيارة بدل الجمل للتنقل بكون أكل مال الناس بالباطل صار مشروعا، فهو ربط لا صحة فيه.

التطور في استعمال مادة الكون لا يجعل للإنسان حاجة جديدة ولا غريزة جديدة، هي الحاجات ذاتها دوما، والغرائز نفسها ابدا ما دام من نتحدث عنه هو الإنسان العاقل ولم يتغير، كل ما هنالك أن الإنسان قد باتت حياته أسهل، وسير النظام أسرع.


أما عن حديثك عن إله البدو فهو حديث استفزازي، فالله هو إله البدو والحضر، وقولك فيما سبق يشير إلى عدم معرفة دقيقة بماهية البدو فضلا عن حديث الإله، والله هو إله العالمين، وزيادة ليس هذا الشريط بمحل إثبات الخالق، فليس محمودا عندي حين النقاش أن تستحضر أمور لم يتم البت فيها في غير مكان ثم حشرها في وجه المحاور لإرباكه، وانت تعلم أني رجل مسلم لا أقر وجهة نظرك في الإله والبدو والكون والإنسان والحياة.

أما عن القول الحكيم الذي علقت عليه بالأمثال، فهو قول لمعاوية في الفتنة لملك الروم، وقد أتى أكله، وشخ معاوية على قبر ملك الروم واشياعه، ولم يشر على دماغه أي قرب مخرومة.

ووجه الاستشهاد ليس ما علقت عليه، بل هو أن العدو عدو الجميع، وحين البأس الأصل أن نتذكر جميعا هذا، ولا نغفل أن العدو لا يقبل منا صرفا ولا عدلا، ولا يرقب فينا إلا ولا ذمة، ولا ينتظر أن نصير عالمانيي التوجه، ليبراليي النزعات، بل هو يعادي الجميع ولا يحتاج حجة للوجود في ارضنا، ولا للعدوان علينا، ولا يقال للضحية المضروب لا ترد فتعطي ضاربك حجة لمزيد من الضرب، هذا قول خال من المروءة لا محالة، فالأصل أن يرد المضروب، والأصل أن يقاتل ضاربه، وقد ضرب لنا العالم مثلا في ذلك قديما وحديثا، فما بالنا قبلنا الأمثال ورفضنا التمثل بها؟

لست محتاجا أن استعرض عمليات المقاومة في طول التاريخ وعرضه، بل وعمليات الاستسلام وأثرها، وآخرها استسلام الهنود الحمر.

قارن إن شئت استسلام الهنود الحمر، واستسلام قرطاجة، بمقاومة الفرنسيين للألمان، ومقاومة البولنديين للألمان والروس، ومقاومة الفرس للاغريق، ومقاومة المسلمين للمغول.

أقول ما قلت وكلي اسف.

نحن كطاعن ردفه ليقتل نفسه، ولم يكن حكيما من أرجف بعدو عدوه، إن لم نقل بأخيه.