أخي العزيز كميل:

تحية مخلصة لك،

قرأت أنك تقول إن ما يميز الإسلام هو وجود براهين "علمية". هل أنت فعلا مقتنع بفكرة البراهين "العلمية" في الإسلام؟ لفظ علمي، كما تعلم أستاذنا، هو مصطلح حديث العهد ويعمد إلى الفحص والتحليل التجريبي ومعامل وتشريح و..... ودون الركون إلى جزئية ميتافيزيفيقية. يحلو لكثير من مشايخ الإسلام أن ينسبوا العقل للإسلام ويحصروه على الإسلام دون سواه. ولا أنكر أن العقل له مكانه ولكن لا أرى أن هناك دين في العالم بأسره مؤسس على العقل وإنما جميعها مؤسسة على "الوحي" أي على ما يوحيه الله في هذا الدين أو ذاك. اسمح لي أن أقترح عليك قراءة نص المناظرة بين الشيخ محمد عبده وفرح أنطون وقد تناولا هذه المسألة بشيء من التفصيل. أيضا هناك كتاب "موقف من الميتافيزيقا" وهو من أروع ما قرأت حول لصق العقل بالغيبيات بوجه عام. الكتاب صدر في البداية بعنوان "خرافة الميتافيزيقا" وتصفحته بهذا العنوان ثم تصفحته بالعنوان الجديد "موقف من الميتافيزيقا" والكتابان متطابقان حتى في رقم الصفحات! كتاب خرافة الميتافيزيقا صدر في الأربعينات وهو ركينة أساسية في تفكيري الشخصي في هذه المسألة وليتني أستوعبه بتمامه فهو كتاب دسم ويحتاج لقراءة مرات وملايين المرات.

نظرية التطور أنا مقتنع بها. زوجتي ممرضة وتملك عقلية طبية بيولوجية وأسعد كثيراً بالحديث معها في مسائل التطور وتأثيره على المايكروبيولوجي والبنسلين والمضادات الحيوية وكل هذه الموضوعات الشائقة. طبعا أنا مندهش من أفقها الواسع رغم أنها تلقت تربية تقليدية مسيحية محافظة ولكن مداركها تدهشني وتجعلني أحمد الله على نعمة وجودها في حياتي فلا طاقة لي على إمرأة ذات أفق ضيق. التطور أقبله من حيث هو الكلام العلمي الحقيقي ولا أراه يتعارض مع إيماني الشخصي بوجود الخالق بل الخالق هو المهندس الأكبر والكل يعمل في إطار تصميمه هو. عندي ولع دائما لمتابعة كل أبحاث التطور وما يقوله العلماء ولا أشبع من مثل هذه المعارف وأسعد بالحديث فيها مع ناس مستنيرين. أعرف أصدقاء مسيحيين انشقوا على بعض بسبب موضوع التطور حيث المجتمع هنا في الولايات المتحدة لا يزال بدائي بالمقارنة لأوروبا من حيث تطور الوعي وانطلاقه. ولكني متحفظ في الكلام عن مثل هذه الأمور معهم فلكل واحد كلام يليق بمستوى نضجه وتفكيره واتساع مداركه ويجب أن نكون نحن صبورين وننزل لمستوى الناس ونخاطب الناس على قدر عقولهم.


ويشرفني الحوار معك ولكن أرجو أن تعفيني من الدخول في أي مناقشات حول الإسلام فللإسلام أهله وخبراؤه وأنا قزم بالمقارنة إلى هؤلاء ولست أهلاً للحديث فيه.

وشكراً جزيلا على فرصة الحوار الأخوي معك.