الهولى كراسة ( كتاب سلنتوحة المقدس )
لربما تسأل من بداية قصتى , هو انا عندى كام سنة ؟ ؟ او على الاقل هى الحكاية دى حصلت سنة كام ... ؟.. أسئلة كتيرة أكيد هتيجى فى ذهنك وهتفضل تفكر فيها , وعشان انت انسان كويس انا هردلك على السؤال الاول يا سيدى .. أما باقى الاسئلة هتلاقيها من غير ما تسأل جوه الاحداث ..
تحت امر سعادتك ...عايز أجابة السؤال الأول ( انا عندى كام سنة ؟ )
بصراحة انا عايش بقالى كتير ... أيوه كتير ..
صحيح ان الانسان من فجر التاريخ كان قادر يحدد الايام والاسابيع والسنين .. لكن مش فاكر لو كان قدر يحدد عمره باللحظات اللى عاشها ولا لا ؟ يا ترى لو طلعت تتمشى على البحر , ولقيت واحد زانق واحدة فى لحظة رومانسية– يا ترى هتكون ايه اجابته لو سألته : اللحظة دى تساوى كام من عمرك ؟ ... دقيقة ولا يوم ولا اسبوع ولا سنة ؟
عشان كده بقولك ... انا عشت كتير , لحظات كتير – لو اكتشفوا طريقة يحسبوا بيها عمرى بالطريقة دى , ابقى قولى عشان انا نسيت انا اصلا كان عندى كام سنة !
خلينا فى الحكاية وأصبر وانت هتعرف كل اللى انت عايزة , بقى يا سيدى اول ما دخلت الملجأ لقيت اطفال كتير اغلبهم كانوا فى سنى , وكان الملجأ مقسوم الى أربعة اقسام:
( الاول : للاطفال الصغيرين من سن 1 الى 4 سنين , والثانى من 4 الى 10 والثالث من 10 الى 13 والرابع من 13 الى 18 ) ولما جاهم يسجلوا ورقى فى الملجأ مكنوش عارفين يحطونى فين لانى كنت أزيد من الـ12 بشهر , فيبدو انهم قرروا يكبروا دماغهم ويحطونى فى قسم أربعة ... لكن لما الاخصائى الاجتماعى اخد الورق وخدنى وراح يختمه من المدير , قالى :
- اقعد هنا يا يلا , وأوعى تتحرك
ودخل الاخصائى غرفة المدير وساب الباب مفتوح – متوارب , و سمعت المدير بيقوله :
- هو فى حالات جديدة جت عندنا ولا ايه ؟
- أيوه يا فندم , طفلين.
ويبدو انه شاف ورقى , فقال للاخصائى : بس ده عنده 12 سنة ... الله يخرب بيتك أزاى تحط عيل عنده 12 سنة فى قسم اربعة ( انت عايزينى اروح فى داهية ) ..
وهنا لمح المدير ان الباب مفتوح – وبص منه فوجد عينى مبحلقة فيه وكأنها هتأكله .. أصله كان شكله راجل عجوز قوى , وتحس ان ده اللى ابوك يبعتلك ليه ( لما تعمل حاجة وحشة ! ) , وبسرعة الصاروخ بصيت قدامى وبعدت عينى عن الباب ( حسيت انه ممكن يأكلنى او يعضنى !).
لكن الاخصائى قفل الباب , ولم اعرف ما دار بينهم حتى اليوم – لكن يبدو ان الاخصائى كان رجل ذكى , لانهم خرجوا سوا بيضحكوا وارتسمت ابتسامة على وجهى بينما ارى ان كل شئ على ما يرام , وان أصحاب عمى مبسوطين .. وانا ماشى بعينى وراء المدير والاخصائى اللى خرجوا من المكتب وماشين فى الطرقة , لمحت بطرف عينى الطفل اللى قاعد جنبى ...
كانت بنت جميلة وقمورة قوى , بشعرها الاشقر الطويل وعيونها الخضراء , وسألتها :
- أنتى اسمك ايه ؟
بكلمات رقيقة وحنان , قولت أسالها عن اسمها – لكن لم ترد على .. كل اللى عملته انها وبصت فى عينى , وبأبتسامة صغيرة على بقها ظهرت منها سنانها البيضاء - طلعت كوتشينة من جيبها وقعدت تقلب ورقها – وفضلت تقلب الورق وتقلب .. وانا نسيت كل حاجة وبصيت على عينها الخضراء بابتسامة معتوه على وشى ... وفى لحظة وقفت تقليب الورق وفرشتها كلها على أيديها -– قالتى :
- أسحب ورقة !
بفرحة طفل لما يشوف حاجة جديدة لاول مرة – ارتسمت على وجهى أبتسامة معتوه , وقولت : ها ها
- أسحب ورقة
قالتها هذه المرة بضحكة جميلة , والظاهر ان سبب ضحكتها هو ابتسامة المعتوه اللى كانت على وشى ...
و أخترت الورقة
فرفعت عينها عن الكوتشينة – وقالتى ( أحفظ رقمها ورجعها فى ايدى ... )
بصيت فى الورقة ورجعتها فى ايديها الصغيرة , وقعدت تقلب الكوتشينة تانى – ووقفت عند ورقة معينة ... ومدت ايدهاعشان تكشف الورقة لى – وانا قلبى هيقف من المفأجاة ولسة هتقلب الورقة ... سمعت حد بينادى على : أنت يا يلا تعالى هنا
كان الاخصائى الاجتماعى بينادى على من بعيد , فشلت الشنطة على كتفى وطلعت اجرى ناحيته :
يلا يا بابا روح مع ميس نعمة , وعايزك تبقى مؤدب وشاطر وتسمع الكلام ..
فلقيت سيدة واقفة جنب الاخصائى بتقولى : أيديك الحلوة فين ؟
قولتها : أهى يا ميس
قالتى : أمسك فى أيدى كويس و تعالى معاى
ومشيت معاها وعينى بتبص وراء على تلك الساحرة الصغيرة – لكن مبصتش , عينها كانت مرميه على الكوتشينة وقاعدة بتقلب فيها وببتسم .. بينما ذهب الاخصائى الاجتماعى ونزل على ركبته وقعد يتكلم معاها...
وفضلت ماشى وماشى مع " ميس نعمة " واقلع هدومى والبس فى هدوم , ويدوينى حاجات يقوللى شيلها واوعى تتضيعها ( كراسات , قلمة , كتب , و و و و اشياء لا اتذكرها .. شايل كل ده على كتفى الصغير وميس " نعمة " ماسكة ايدى - كأنى حرامى ، وكانت بتجرنى ورائها وانا عمال اعدى على أوض أشكال وألوان , فيها عيال واقفين قدام مكن او ماسكين فرش وعمالين يلعبوا بالالوان , أو اوض مقفولة سامع صوت عيال بتجعر بـ ( قل هو الله احد , الله الصمد , لم ... ) وعيال تحس انهم بينافسوا الاولانيين فى التجعير ( أيى , بى , سى , دى ... ) , وعيال قاعدة فى غرفة وعمالين يطلبوا ويزمروا وينافسوا العيال الثانية فى التجعير لكن بـ ( دو , رى , مى , فا .... ) واصوات واصوات ولا مولود السيدة !
فضلت ماشى مع ميس " نعمة " وانا عمال ابص يمين وشمال ووقدامى وورايا , ولا كأنى فى حديقة حيوان – بس مش زائر بيتفرج على الحيوانات , ده أنا كأنى راكب عربية جيب – وحضرة الجنرال " نعمة " سايقة العربية وعاملة تجرى وتجرى وانا بتفرج واسمع ستين صوت فى مليون صورة داخلين فى بعضهم ...
بس عارف يا فندم – على الرغم ان انطباعى الاول عن الملجأ – انه مكان قاسى , بس ممكن تتعجب براحتك لو عرفت انى فى اليوم الاول وانا ماشى مع ميس " نعمة " كنت مبتسم وفاتح بقى على الأخر من المناظر اللى كنت شايفها , وبعضها كان كوميدى الى حد فظيع .. يعنى وانا واقف مع ميس نعمة وهى بتقولى ( انا عايزاك تكون مؤدب , اهم حاجة عندنا النظام ... ) ولسة الغلبانة بتكمل في كلامها , لقيت عيل صغير بيجرى ورائى بلبوص -زي ما امة ما ولدته- وعمال يجرى حواليا ويعمل سرينة الهنود الحمر – الاهبل محدش قاله ان الاوروبيين ابادوا الهنود الاحمر, وان شاء الله الميس هتبيد أمه بالعصاية ! بس الظاهر انه كان فرحان قوى وهو بيجرى عريان وماسك مصدر رجولته وذكورته – مش شنبه يا فندم عشان متفهمش غلط – وقاعد يحاور الميس ويزقنى عليها شوية ويهرب منها لما تحاول تمسكه! وانا منهار على نفسى من الضحك , بس فى الاخر يا حرام نطوا عليه مساكوه , كأنه فرخة تحاول التملص من مصيرها النهائى ...
- انت بتتضحك ليه ؟ ( ميس نعمة طلعت فيا كأنها هتأكلنى ).
وتابعت : اتنيل أقفل بقك!
وتابعت كلامها – بعد المقاطعة من الكتكوت الصغير ( أنا عايزك تكون مؤدب , أهم حاجة عندنا النظام وأ .. . .. ) وهنا قاطعها صوت جه من الفصل اللى جنبها عيال بتغنى (أدلع يا عريس يا أبو ساعة نيلو ... وأدلع يا عريس يا ابو نيلو ) وعيال تصقف وعيال تصفر , وعيال تزغرط , واصوات الطبل والزمر – تقولش " كيتى ولا سهير رمزى " كانت هى اللى بتدرس للعيل .
وعادت الابتسامة المعتوه على وشى تانى...
- أنت بتتضحك ليه يا غبى ؟ مش قولتك اقفل بقك يا متخلف ( مش محتاج تخمين مين اللى قالها ).
وجريت الحجة نعمة ناحية الباب وهبدته حتى أهتزت الحائط , وقالتى بسرعة ( انا عايزاك تكون مؤدب , أهم حاجة عندنا النظام وأنك تكون ... ) المرة دى بقى اللى قاطعها عيل عمالة تتطبل وتزغرد فشر النسوان ويغنوا ( انت يا واد يا ور ور ) والفصل الثانى يرد عليهم ( وادحرج واجرى يا رمان , وتعالى على حجرى ... )
لكن دعنى اقولك على اول شئ عرفته عن " ميس نعمة " انها عندها حنجرة ولا أم كلثوم – لو قالت بس " يا ليل " هتلاقى مصر كلها نامت فى السكون قبل ما توصل لـ " عين " . بس بيقولوا السبب انها لم يتم اكتشافها انها كرست مجهودها لعمل الخيرى فى الملجأ ولتسكيت العيل .. أذ ان بعد ما ميس " نعمة " فاض بيها ومل من مولود السيدة اللى بره , فتحت الباب وصرخت بأعلى صوتها ( سكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوت! ).
وسرى صدى الصوت يتخبط فى حوائط الغرف وكأنه نهر النيل العظيم – اللى بيكتسح كل ما امامه ويدوس عليه بجزمته . وأول ما انتهى صدى الصوت , لم اسمع صوت حى يتنفس – وكأنها اطلقت بكتيريا سامة من فمها على الملجأ قتلت كل اللى فيها ..
هذا كل ما اتذكره فى ليلتى الاولى فى ذلك المكان – اللى مكنش ليا فى حد ولا اعرف فيه حد , وحطيت رأسى على المخدة وسرحت بأيدى تحت المخدة عشان أنام .. فأزاى بيدى تخبط شئ , كأنها ورقة ! فرفعت المخدة لقيتها ورقة كوتشينة مقلوبة على ظهرها .
فمسكت الورق بخوف وبقلق – كيف وصلت الى سريرى ؟
وتملكنى الخوف أكثر لما قلبت الورقة , ولقيتها " الأس " - فقد كانت هى الورقة اللى انا اخترتها ..
البنات بتنام فى مكان تانى ومش مسموحلهم يدخلوا عنبر الصبيان .... كيف وصلت الى سريرى ؟ كيف وصلت .. ؟
لابد أنها الساحرة , أكيد هى !
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 01-08-2009, 06:56 PM بواسطة بهاء.)
|