الصور التي سترغب اسرائيل في نسيانها
جاكي خوجي
19/01/2009
بلا شك، معركة 'رصاص مصهور' هي الحرب الاكثر نجاحا. اكثر من حرب لبنان الثانية، التي فرضت فيها قيود على التصوير في معظم المناطق، وبالتأكيد اكثر من كل سابقاتها. ولما كانتa هذه الحرب قد دارت على شاشات التلفزيون، فانها ستحسم ايضا في المعركة الاعلامية. في هذه المعارك يعرف كل طرف قيمة صورة 'النصر'، تلك اللحظة الساحقة التي ستنطبع في الذهن على مدى الاجيال، في شكل صورة المظليين في المبكى في حرب الايام الستة، او العلم الذي رفع في ايلات في حرب الاستقلال.
يجتهد الطرفان جدا لتحصيل مثل هذه الصورة، وفي هذه الاثناء يقومان بنصف عمل: حماس تنشر افلاما قصيرة توثق نار القناصة نحو جنود الجيش الاسرائيلي، وان كانت لا تثبت بان الجنود قد اصيبوا بالفعل. اما الجيش الاسرائيلي من جانبه، فيوثق المعركة من البحر، من الجو، ومن البر، غير انه لا يكفي النار من السفينة نحو اهداف على الشاطىء او دبابة تنثر في الظلام القذائف في كل صوب، دون دليل ملموس على انه في الجانب الاخر العدو هو الذي اصيب، وليس مجرد فلاح ما في مزرعته.
البحث عن صورة النصر في معركة غزة هو مهمة مخيبة للآمال جدا بالنسبة للاعلام الاسرائيلي. وبقدر ما يبدو هذا غريبا، لا يوجد في واقع الامر ما ننتصر فيه هناك. الجيش الاسرائيلي خرج لمعاقبة حماس وليس لتحرير اقداس اسرائيل. وليس لحماس، مثلما لحزب الله في حرب لبنان، دبابات يمكن توثيقها بعد ان تكون ضربت او طائرات يمكن تدميرها.
في هذه الظروف، صورة النصر ولدت من اليوم الاول. وهي تتشكل من قصاصات عديدة، ومن يحتفظ بها ليس الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي. في الاسابيع الثلاثة الاخيرة منذ اندلاع المعركة في غزة امتلأت شاشات التلفزيون في ارجاء المعمورة بتوثيق متواصل يومي، لاطفال جرحى وممزقي النظرات، لنساء ينزفن ويصرخن بكاء ورضع في ثلاجات الموتى. هذه الصورة سيتذكرها عشرات الملايين في ارجاء العالم، وهكذا ستسجل هذه الحرب في الوعي، مئات القصاصات هذه، التي تبث لكل العالم على اساس يومي، تلاحق الواحدة تلو الاخرى وتخلق لدى المشاهد صورة ملموسة، صلبة، عن انغلاق حس الجيش الاسرائيل.
من ناحية الاعلام الاسرائيلي، صورة الاطفال الاسرائيليين في الملاجىء او النساء المصابات بالهلع لا تقارن مع شدة الدمار والقتل في غزة. هذا التشبيه ينضم الى حقيقة معروفة في انه في اوساط سكان غزة لا توجد اغلبية ساحقة لمؤيدي حماس، بل انهم اخذوا رهائن لديها.
الواقع المشوه الذي صورت فيه الحرب يجعلها تجلب لدولة اسرائيل مشكلة اخلاقية حادة اذ تأتي للادعاء بان حملة 'رصاص مصهور' كانت دفاعا عن النفس وسيسأل الجميع كيف انطلق الجيش الاسرائيلي للدفاع عن اطفال الجنوب من خلال قتل اطفال غزة؟ وقد وجه هذا الزعم لحماس وباقي الفصائل في الايام الفظيعة للعمليات التفجيرية في المدن الاسرائيلية. فقد سئل رؤساء الحركات هذه كيف تطالبون بحقوقكم السليبة من خلال سلب حياة الاخرين؟
في هذه الظروف، توجد 'صورة نصر' واحدة ووحيدة يمكن لاسرائيل ان تطلبها لنفسها جلعاد شاليط، الذي ينقذ من آسريه ويقاد بأمان الى بيته. في ظل غياب مثل هذه الصورة، فان ما سيملأ الذاكرة للاجيال بل اكثر من حرب لبنان الثانية، هو الصور التي سترغب اسرائيل في نسيانها.
معاريف 18/1/2009