عزيزي قرمطي, يبدو انك لم تفهم قصدي جيدا,
مثالي عن المانيا هو لاظهار ان الاقتصاد الذي يعتمد على الصناعة افضل بمئة مرة من الاقتصاد الريعي او الخدماتي او الزراعي او السمسراتي... و هذا الاقتصاد حتى لو تعرض لكوارث فانه ينهض من جديد و يمكنه التكيف مع اي ظرف سواء عسكري او مدني او غيره.. و المصنع الذي يصنع قطع الطائرات يمكنه ان يعدل و يصنع غسالات و مكيفات و هو حتى ان دمر و سوي بالارض يمكن لعماله و موظفيه ان يعيدو بنائه و تشغيله من جديد بسهولة لان المعرفة المتراكمة موجودة (و هي الثروة الحقيقية)... و اعتقد انك توافقني على ذلك...

الان كيف الوصول لبناء مجتمع صناعي؟ او على الاقل توسيع قاعدة التصنيع في البلد؟
هناك العديد من الامثلة عبر العالم: الصين, تايوان, سنغافورة, الهند, ماليزيا الخ...

و كلها اعتمدت على :

استيراد و جذب و شراء الخبرات و المعرفة الصناعية من الخارج
التقليد ( ما اطلقت عليه انت الكوبي بيست)
الهندسة العكسية (reverse engineering)
السرقة و التجسس الصناعي

و اعتمادا على اي من الطرق اعلاه او مزيج منها, تبدأ بذرة المعرفة الصناعية بالنمو (ذلك يحتاج لعشرات السنين و تصميم و عناد) , لكن في رويدا رويدا يصبح عندك في النهاية مثلا خبراء في المعادن, و قصها , و خبراء في المواد البلاستيكية و خبراء في ماكينات القولبة و اخرون في الكهرباء, و اخرون في كيفية تشغيل خطوط الانتاج, و اصلاح الاعطال الميكانيكية التي تطرأ على الماكينات, و اخرون في الادارة و الموارد البشرية, الخ...
و هؤلاء هم الذين يشكلون الثروة الحقيقية , لانكستصبح قادرا على الاستفادة مثلا من معرفة خبير المعادن في مجال الطائرات و الصواريخ كما السيارات و البرادات, و هكذا....


ما تقوم به ايران (مع وجود الحصار الدولي و الحرمان من الاستثمارات) هو مجهود في الاتجاه الصحيح, و في ايران يحاولون ان يصنعوا كل شيئ من قلم الحبر الى القمر الصناعي , مرورا بالسكاكر و صنابير المياه و الالات الحاسبة, و شيئا فشيئا سيتقنوا اصول اللعبة و يبدؤوا بالتحسين و الاختراع, و يصبحوا (خصوصا اذا ما اتيحت لهم الفرصة دوليا و سمح للاستثمارات بالدخول)..


طبعا قد يكون شراء قلم الحبر ارخص عندما تشتريه من الصين بدل ان تحاول ان تصنعه بنفسك, لكن الخبرة و المعرفة و التجربة, التي تكتسبها في مراحل تصنيعه هائلة لا تقدر بثمن... و هنا يكمن سر اللعبة...