يقدم لنا النموذج العراقي على انه " ديمقراطي". ومع اتفاقي على ان الحكومة العراقية تمثل الشعب العراقي اكثبر بكثير من اي حكومة عربية اخرى، عدا لبنان، ومع اعترافي انه من غير المشروع مطالبة انتاج ديمقراطية في فترة زمنية قصيرة، الا انه يبقى التساؤل قائما: هل اننا في طريقنا لانتاج نظام " الديمقراطية الديكتاتورية"؟

بغض النظر عما تعنيه الكلمات في اللغة اللاتينية، فإن النظام العراقي يظهر وكأنه في طريقه لانتاج نظام من نوع جديد ولكنه ليس ديمقراطيا بأي حال.

ان التعويل على انتاج الديمقراطية من خلال عملية انتخابات فحسب، هو امر متعسف للغاية، إذ وكما هو واضح ينتج لنا مراكز قوى محلية تعمل كل واحدة منها على الاستئثار بالسلطة لذاتها وفرض توجهاتها على " مواطني" المنطقة التي حصلت تفويض سكانها.

قد يعتقد البعض ان الامر طبيعي، وان الديمقراطية تعني بالذات ان الكتلة الفائزة لها الحق " بفرض توجهاتها"، وإلا ماقيمة الوصول الى السلطة وصرف كل هذه المبالغ اذن؟

في حين ان الديمقراطية تعني ليس فقط حق الاغلبية بإختيار برنامج الكتلة السياسية التي تناسبها، وانما ايضا في ان هذه الكتلة من واجبها احترام الاقلية والقانون، واحترام الحقوق الاساسية التي لايجوز التعرض لها بالمساومة اصلا.

بمعنى اخر، فالكتلة الفائزة عليها دائما ان تضمن حق الاختيار وحق التعبير وحق الاعتقاد. مما نراه على ارض الواقع، فإن القوى الفائزة تقوم بتعيين اعضاءها في جميع مفاصل الدولة لتتحول الدولة الى اجهزة حزبية. ثم تقوم بعزل من لايروق لها، وفرض برامجها الايديولوجية على جميع القطاعات التي تحت سلطتها.
المناهج يجري اسلمتها. ويفرض على الطلاب الازياء. ولايكتفون بذلك، بل ان المعلمين يتعينون حسب ولائهم. إضافة الى ان المناهج تؤسلم حسب مذهب كل منطقة. ورجال الدين اصبح من حقهم الدخول الى المدارس والجامعات والوزارات والقاء المحاضرات كما يروق لهم.
ويجري تسريب حكم الشريعة الى المجتمعات من خلال ميليشيات غير ظاهرة ولكنها معروفة، ويجري اخافة منظمة للمواطن وشل ممارساته الحرة.

ومع ازدياد اسلمة ومذهبة المجتمع، اصبح للمؤسسة الدينية نفوذا هائلا ماديا ومعنويا واصبحت لها مشاريعها الخاصة، واصبح رجالها يسيطرون على العديد من الاعمال التجارية مع الحكومة، في حين تخضع القوى العلمانية للتميز..

ونجحت القوى الدينية من تقليص تمثيل الاقليات الدينية بعد ان كانت قد حاولت الغاء التمثيل تماما. وتتزايد روائح الفضائح وعمليات الفساد الاقتصادي والاخلاقي للمؤسسات الدينية، التي يجري اخفائها وكبح محاولات التحقيق فيها..

ومن المعروف ان هذه الطبقة التي تنشأ اليوم بالفساد، هي التي ستسيطر غدا بعد ان تقوم بتنظيف وتبيض ثرواتها، لتمنع نموجيل جديد من الاغنياء والمتسلطين ينافسها على السلطة، لتصبح " مافيا البيت الديمقراطي"..

الايعني ذلك ان نموذجنا الاول عن الديمقراطية سينتهي بخلق طفل مشوه لديكتاتور في وجه ديمقراطي؟