{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
كتب أحتاج إليها وأريد لها أنا تكون في المتناول مع الشكر العميق
الواد روقه غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,170
الانضمام: May 2007
مشاركة: #2
كتب أحتاج إليها وأريد لها أنا تكون في المتناول مع الشكر العميق
مرحبا اخي ابراهيم

ساحاول البحث عن الكتابان في اقرب فرصه وساضع تنويه بذلك حال الحصول عليهما



قراءة في كتاب ناجية الوريمي بوعجيلة : حفريات في
الخطاب الخلدوني : الأصول السلفيّة ووهم الحداثة العربيّة


د. محمد العادل لطيف 22 نوفمبر 2008

صدر عن سلسلة «معالم الحداثة» التي يشرف عليها المفكر عبد المجيد الشرفي، كتاب للدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة أستاذة الحضارة بالمعهد العالي للغات بتونس، وكان تحت عنوان “حفريات في الخطاب الخلدوني : الأصول السلفيّة ووهم الحداثة العربيّة”؛ وقامت بنشره دار الجنوب خلال الثلاثية الثانية من هذه السنة (2008) في 354 صفحة.

من موقع المهتمّ بتاريخ الفكر في المجال العربي الإسلامي، وبالذات في فكر ابن خلدون، فقد ابتهجت كثيرا بظهور هذا الكتاب في المكتبات التونسيّة، ليس لأن الدراسات الخلدونيّة في حاجة إلى المزيد من البحوث، بل لأنني اطّلعت على الكتاب الأوّل للمؤلفة والذي صدر لها سنة 2004 عن دار المدى بدمشق تحت عنوان : “في الاتلاف والاختلاف : ثنائيّة السائد والمهمّش في الفكر الإسلامي القديم”؛ والذي يمثّل محتوى أطروحتها في الدكتورا التي ناقشتها سنة 2003 بكلية الآداب بمنوبة. ولا أخفي انشراحي عند مطالعتي لهذا الكتاب الأخير الذي عبّرت المؤلفة من خلاله عن انبلاج تيّار جديد من المفكرين التونسيين الذين يعملون بجديّة ويولون البحث المعمّق كل اهتماماتهم رغم كل العقبات.

يأتي هذا الكتاب الثالث1 للمؤلفة حول فكر ابن خلدون كي يثبت جدارتها في طرح افتراضات وقناعات ثابتة كثيرا ما ظلّت غير معرّضة للتساؤل، وأصبحت منسّقة ضمن نظام فكري متوارث في الدراسات الخلدونيّة التي لم يُقدّم أغلبها سوى أفكار جاهزة ومقولات بدت بديهيّة لكثرة ما ألِفها القرّاء وعاشوا على الجهل بما يخالفها.

وعلى عكس المئات ممن تنطّع للكتابة والنشر في الفكر الخلدوني شرقا وغربا، لم تكتف المؤلفة بدراسة المقدّمة فحسب، بل قد عبّرت من خلال المواضيع المطروحة بالكتاب عن اطّلاع عميق ومثمر بكامل أجزاء العبر بما فيه القسم المخصّص للتعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا. ذلك أن العديد من الباحثين قد تساءلوا عن موقع “المقدّمة” (الكتاب الأوّل) و”التعريف” من كتاب “العبر”. واعتبر بعضهم أن هذه “الكتابات” منفصلة عن السرد التاريخي أي الكتاب الثاني والثالث، لذلك اكتفى بعضهم بدراسة “المقدّمة” فقط. وعمّق بعضهم أبحاثه حول أنماط كتابة المفكرين في المجال العربي الإسلامي لسيرهم الذاتيّة، واعتبروا “التعريف” جنسا أدبيّا وأنموذجا بالغ الأهميّة جدير بالدراسة وليس في حاجة لربطه ببقيّة أجزاء العبر. وانطلاقا من هذه الاستنتاجات، سمحوا لأنفسهم “بتحقيق” ونشر “المقدّمة” أو “التعريف” بمعزل عن التأليف الجامع. لكنّني أعتقد أنه لا يمكن الوصول إلى أي استنتاج كان إلاّ إذا اعتبرنا أن كتاب العبر2 بأجزائه السبعة وبكتبه الثلاثة إضافة إلى التعريف،هي وحدة متكاملة غير مجزئة على المستوى المعرفي، بعض عناصرها تسند البعض الآخر. ورغم وضوح التقسيم المتّبع من قبل ابن خلدون للجزء الأوّل من العبر، فإن بعض الدراسات قد قُدّمت على أساس انفصال كلّي لهذا الجزء الأول وللتعريف عن بقيّة الأجزاء المحتوية على الكتاب الثاني والثالث. في حين أن القراءة المعمّقة لكامل كتاب العبر ولا سيما لقسم “التعريف”، لا تمكّننا من أيّ مبرّر منطقي لهذا العزل الذي أوقع العديد في أخطاء ما كان بإمكانها أن تقع إن لم يكتف أصحابها بقراءة ودراسة الكتاب الأوّل فقط. وذلك ما يفسّر في الحقيقة تضخّم الدراسات الخلدونيّة3 التي لم تعتن إلاّ بـ”المقدّمة” فحسب، ولم يقع التفطّن إلى هذه الحقيقة المنهجيّة لدى ابن خلدون في كتابه العبر إلاّ القليل النادر من الباحثين، من بينهم عزيز العظمة4 وناجية الوريمي بوعجيلة.

لذلك تؤكّد المؤلفة على أن “المقدمة” « مثّلت فرس رهان بالنسبة إلى القراءات الحداثويّة للتراث… أما كتاب العبر في حدّ ذاته، فهو إما أن يُقصى تماما من هذه القراءة أو تلك، أو أن يُكتفى في بعضها بالإشارة إلى أنه لم يكن في مستوى المشروع النظري الطموح الذي أرسى أسسه ابن خلدون في علمي العمران والتاريخ. وبعبارة أخرى، إنه “ لم ينجز ما وعد ”». [ص 261]. وتحوصل الباحثة مختلف الآراء المنشورة حول هذا التقصير الخلدوني وتستنتج أن أصحابها لم يقرؤوا إلا “المقدمة « أو بالأحرى مقاطع منها، قراءة كانت قابلة لعمليّة توجيه دلالي معاصر، قوامها بتر العلاقة النسقيّة ـ فكريّا ونصّيّا ـ بين المقاطع المؤوّلة وسياقها الابستمولوجي العام؛ فضلا عن السياق التاريخي، وجعلوها حمّالة أوجه ودلالات منفلتة من تاريخيّتها.» [ص 262]. ولإثبات « التوافق الدقيق »[ص 263] في الفكر الخلدوني، رفضت الباحثة هذه الاستنتاجات المتسرّعة وعمّقت البحث بين مقدّمات الكتاب الأوّل (المقدمة) وما ورد من سرد تاريخي في بقيّة أجزاء العبر.

ولتسمح لي الأستاذة أن أضيف أن كل الدراسات الخلدونية ليست على اتفاق حول ما الذي سبق في الكتابة : التاريخ أم المقدّمة؟ وهي إشكاليّة هامشيّة ومفتعلة تدلّ على سطحيّة مبتذلة تندرج في إطار التهافت المخزي على التراث. إذ تشير إحداها إلى سابقيّة الأجزاء التاريخيّة على المقدّمة : « فمعروف أن ابن خلدون قد ألّف الأجزاء التاريخية لكتاب العبر قبل كتابته للمقدّمة.»5 وهذا الرأي لم يكن بنفس الجزم القاطع لدى محمد عبد الرحمان مرحبا القائل : « … لعلّه [ابن خلدون] وضع مؤلفه التاريخي أوّلا ثم أتبعه بكتابه «المقدمة» بعد ذلك على عادة المؤلفين، وإن كان المشهور غير ذلك، وعندئذ يكون من الصعب استدراك ما فات. ومهما تكن بواعثه على هذا التقصير [التناقض بين النظريّة والتطبيق] فذلك لا يعفيه من المسؤوليّة.»6

شخصيا، أعتقد أن لا فائدة علمية من البحث في هذا الموضوع والأجدر هو الأخذ بما صرّح به ابن خلدون نفسه وبكيفية وضعه لتأليفه في صيغته النهائية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن المتصفّح للأجزاء التاريخية يجد عديد الإحالات التي صاغها ابن خلدون وتشير إلى ما كتبه بالكتاب الأوّل.7 وبالتالي فإن هذه الإحالات تقطع بأنه قد كتب العبر على المنوال الذي بين أيدينا حاليّا، والذين يعتقدون عكس ذلك لم يتفطّنوا إلى هذه الإحالات أو لم يقرؤوا تاريخ ابن خلدون واكتفوا بدراسة «المقدمة» فحسب. أم أنّ قراءة كافة كتاب العبر تتطلّب الجرأة كما أشار إلى ذلك جورج مارسي8 وسانده في رأيه جورج لابيكا؟9

من هنا تساءل العديد من الباحثين في العلاقة القائمة بين نظرية ابن خلدون في التاريخ التي وردت بالكتاب الأوّل، وبين التاريخ الذي ألّفه بالكتابين الثاني والثالث؟ فاستنتج جلّهم أن هذه العلاقة مفقودة، في حين أن الباحثة ناجية الوريمي بوعجيلة رأت عكس ذلك :

يقول كراتشكوڤسكي مثلا «… وجميع هذه البحوث تتفق في جوهرها على أن ابن خلدون لا يرتفع في القسم التاريخي من مصنّفه إلى مستوى تلك النظريّات التي يعرض لها في المقدّمة…»10 وأشار محمود أمين العالم إلى أن « كل فلسفة التاريخ هي في تقديري فلسفة أكثر منها تاريخا. فهي أحيانا تكون أقرب إلى الفكر المثالي منها إلى الفكر الموضوعي العلمي.»11 لكن حامد نصر أبو زيد يرى « أن تطبيق المنهج أشدّ خطورة ودلالة على أصالة المؤرّخ من المنهج النظري نفسه. فكم من تصوّرات نظريّة ذهنيّة تتجاوز إطار الواقع وتعلو عليه لكنها سرعان ما تنهار أمام صلابة الواقع.»12 في حين أن علي أومليل يشير إلى عدم إمكانيّة الفصل منهجيّا بين الكتاب الأوّل وكتاب التاريخ بدعوى عدم التطابق، ذلك أن المسألة لا تعني التطابق بقدر ما تعني الإحالة التي قد تكون صريحة كالأمثلة التي يوردها في الكتاب الأوّل ليوثّق نظريّاته، فالإحالة تظل أساسا ضمنية.13 وهو نفس الاتجاه الذي سلكه محمد القبلي الذي عمّق دراسة هذه الرؤيا التي تفسّر حسب رأيه التعارض بين عمق وتفرّد «المقدّمة» و«ضحالة» بقيّة كتاب العبر، باستثناء ما كتبه عن تاريخ بلاد المغرب. فيشير القبلي في هذا الصدد إلى أن «المقدمة» هي « مجرّد أداة وضعت لغاية معيّنة هي فرز الأخبار وتمحيصها قبل الأخذ بها أو التخلّي عنها. وهذه الأداة، وإن بلغت ما بلغته من الأصالة والإتقان، تظل داخل المشروع العام مجرد جهاز وظيفي بالنسبة لصاحب المشروع.»14 فوضع الأسلوب يختلف عن إمكانية استعماله أو الاستفادة منه، « فطبيعي إذن أن يأتي التاريخ مغايرا للمقدمة شكلا ومضمونا ومنهاجا»15 ولا يمكننا بالتالي مطالبة ابن خلدون بتنفيذ مشروعه المستحيل. ويؤكّد محمد المزوغي أن « قارئ المقدّمة ينتظر من ابن خلدون …ذلك التوجّه المنهجي العلمي وتلك النزعة الموضوعيّة المتجرّدة في سرد أحداث التاريخ. لكن الرجل عند مباشرة عمله وتفعيل مبادئه حقيقة، يخيّب آمالنا بشكل رهيب، فهو يدمّر ما افترضه وينقض أسس منهجه ومقاصده العلميّة حينما ينزل من التخطيط المنهجي النظري إلى الواقع العيني.»16

أما الباحثة ناجية الوريمي بوعجيلة فإنها تتجاوز كل هذه الآراء وترفض الاكتفاء بتسجيل الفارق بين “المقدمة” والتاريخ وتقدّم لنا طرحا مغايرا حريّ أن نأخذه بعين الاعتبار قائلة أن إحالات ابن خلدون بالكتاب الثاني والثالث على الكتاب الأوّل لا تقوم « بمجرّد الربط الشكلي بين مختلف أجزاء الكتاب، بل وظيفتها الأساسية الاستدلال المزدوج على صحّة كلّ من المقدمة والتاريخ في استنادهما لبعضهما البعض. فالأولى تقدّم الاستدلال النظري على الكيفيّة… والثاني يقدّم رسما لجريان الأحداث بهذه الكيفيّة تحديدا، مستندا إلى المسلّمات التي سبق الاستدلال على صحّتها… إن المرجعيّة الفكريّة التي صدرت عنها المقدّمة، هي نفس المرجعيّة التي صدر عنها التاريخ.» [ ص 265-266.] وتثبت الباحثة رأيها هذا بعديد النماذج السرديّة الواردة بكتاب العبر. [ص 267-270.]

ورغم تخصّصها الأكاديمي في الحضارة العربيّة وليس في التاريخ أو في علم الاجتماع، فقد عملت الباحثة على اتّباع منهجية متعددة الأبعاد حاولت من خلالها المزج بين التحليل الاجتماعي والتحليل التاريخي والتحليل اللغوي لعديد المفاهيم والاصطلاحات الخلدونيّة، فوفّقت في ذلك إلى أبعد الحدود. وقد آن لنا أن نستوعب هذه المنهجيّة لتفادي المغالطات والإسقاطات والجدل العقيم الذي يؤدّي في نهاية المطاف إلى عدم استخلاص العبرة من الأخطاء، ويجعلنا محبوسين ضمن دائرة مفرغة لا طائل من ورائها إلاّ العبث بفكر الأجيال الحاضرة والقادمة التي سوف لن تستطيع التمييز بين الفكر الأسطوري والسياسي والإيديولوجي من ناحية، والفكر التاريخي من ناحية أخرى. « والتاريخ إنما هو علم وضعي وأرضي يتناول فعاليّات الأفراد والمجتمعات البشريّة في الماضي، ويخرج عن دائرة الإيمان والمعتقد. فهو يطرح موضوعا ويتخذ مناهج خاصّة وقع ضبطها من قديم ويرنو إلى المفهوميّة.»17

تتوزّع الدراسات الخلدونيّة بين ثلاث قراءات أساسيّة أفرزتها توجهات حضاريّة وسياسية وعلميّة مختلفة، تطوّرت زمنيّا منذ أوائل القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين.

القراءة الأولى وهي القراءة الإستشراقيّة التي دامت إلى منتصف القرن العشرين، وقد تزعمها سيلفاستر دي ساسي (Silvestre De Sacy) سنة 1810 وصولا إلى فرانز روزنتال (Rosenthal Franz) سنة 1958.
الثانية وهي القراءة العربيّة التضخيميّة والتبجيليّة التي ظهرت مع بداية استقلال الدول العربيّة، وكان رائدها ساطع الحصري وعلي عبد الواحد وافي.
الثالثة وهي المحاولات السطحيّة لنقد الفكر الخلدوني، ظهرت منذ سبعينات القرن الماضي مع محمد عابد الجابري ومحمد الطالبي وعلي أومليل، باستثناء عزيز العظمة الذي يعتبر حالة شاذّة تثبت القاعدة.
واليوم، أؤكّد أننا نشهد منعرجا فاصلا في البحوث المتعلّقة بابن خلدون، كما أشار إلى ذلك الأستاذ عبد المجيد الشرفي في تقديمه لهذا الكتاب. [ص 12]
لقد صدرت المئات من الدراسات حول حياة ابن خلدون وفكره وشملت جميع المواضيع التي طرحها أو لم يطرحها صاحب العبر، فتمّت مقارنته بما وضعه مفكّرون وفلاسفة في الفكر المعاصر والحديث ولم تكن لتخطر على باله خلال ذلك العصر الوسيط الذي شهده. من علم الاجتماع إلى فلسفة التاريخ، من علم النفس إلى علم الاقتصاد، ومن العلوم الطبيعية إلى العلوم الفقهية، فأصبح « لكلّ دارس ابن خلدونه »18 إلى أن حاول بعضهم تمرير الفكرة القائلة بأن ابن خلدون قد نظّر إلى التفريق بين السلطات الثلاث قبل مونتيسكيو (1689-1755) في كتابه “روح القوانين”، وقبل جون جاك روسّو (1712-1778) مع كتاب “العقد الاجتماعي”. فالشهرة الواسعة التي أحاطت بابن خلدون هيمنت على إمكانيّة التعرّف على حقيقة ما أتى به فعلا في “العبر”.19

إن التضخّم الواقع في الدّراسات الخلدونية لم يكن ناتجا عن وعي بضرورة دراسة الفكر الخلدوني بكل جدّية وموضوعية بل هي في أغلبها محاولات اعتباطية متسرّعة عبّرت عن حركة تسعى لاحتكار التراث، لها هدف تبريري إيديولوجي اقتضته إرادة سياسية تبحث عن المشروعية والهوية في خضم صراعات يعتقد أصحابها في ضرورة التميّز عن الآخر بمرجعيّة نموذجية مثالية لا يمكن أن نجدها لدى الغير.20 وقد تفطّن محمد أركون منذ سنة 1979 إلى هذا الاستغلال التوظيفي لما كتبه ابن خلدون، فيقول : «… أصبح ابن خلدون، بل مقدمة ابن خلدون بصفة خاصة سلاحا إيديولوجيّا أكثر منه موضوعا تاريخيّا فكريّا للتعرّف على حقيقة الحركة الفكريّة في المجتمع المغربي».21

إنه التهافت على التراث الذي أدّى إلى تقويل ابن خلدون ما لم يقله، إنه التسرّع الذي أفضى إلى حصول عديد المغالطات والغلطات التي « ذاعت وشاعت وتناقلها الطلبة والباحثون خلفا عن سلف… وإذا كانت الغلطات تحدث بمقادير هيّنة حتّى للباحثين المحقّقين المدقّقين، فإنها تتكاثر وتستفحل على نحو لا يجوز السكوت عنه… مع ما ينجم عن هذا بالضرورة من تهافت وهرولة وعجلة، أي لكل ساع (وما هو بقادر) إلى التهام التراث وأكله أكلا لمّا.»22

لقد تعرّضت الباحثة ناجية الوريمي بوعجيلة إلى البعض من هذه “الدراسات” المسقطة على الفكر الخلدوني وأثارت خاصّة ما ورد لدى محمد الطالبي و محمد عابد الجابري وعلي أومليل وفهمي جدعان وعبد السلام شدادي وناصيف نصّار23… كي تثبت بالحجّة المعرفيّة اختلافها مع تأويلاتهم الحداثويّة وتشير إلى « عدم انتباههم إلى خطورة الرهانات الإيديولوجيّة التي كانت توجّه [الكتابة لدى ابن خلدون]، وهي رهانات تبعده تماما عن صفة العلميّة وتُجذّره في حقل الصراعات المذهبيّة.» [ص 49 هامش 59.]

يعترف صاحب العبر أن مصادر “إلهامه” هي كتب الفقه (1/50).24 ويعترف بتأثّره أساسا بالغزالي25 وبمن سبقه ومن أتى بعده من الشافعيين والأشعريين، ثم بكل من كان أو أصبح على مذهب مالك. فعَمِل مثل غيره من مفكري المجال العربي الإسلامي « على البحث عن أجوبة نهائية مغلقة لا عن أسئلة تحرّك الهمم دائما نحو المزيد من البحث والفتوحات المعرفيّة.»26 واعتبر « العلم هو هو أينما ومتى حلّ [فكان] العقل الفردي مجرّد وعاء له، [هذه الذهنيّة] تؤدّي بالضرورة إلى حدّ العقل الفردي ليكون موافقا لمعقوله، ولا تجعل منه أبدا منبع أو منشأ المعقولات»27 وما التاريخ إلاّ آلة من بقيّة الآلات التي يجب تطويعها لمصلحة الفقه والسلطة السياسيّة، أي لتثبيت مواقع النفوذ.

هنا يطرح كتاب ناجية الوريمي بوعجيلة عدة أسئلة : هل كان ابن خلدون مؤرّخا أم فقيها سنّيّا أشعريّا؟ هل اقتصر دوره في كتابة التاريخ على البحث في حقيقة الأحداث بالعودة إلى الأسباب الموضوعيّة، واستعراض مختلف الرؤى، أم عمل على بلورة نظريّة خاصّة به مكّنته من إعادة النظر في دور هذا الصنف من الكتابة؟ وبالتالي هل سعى إلى توظيف معارفه المستقاة من أجل صياغة التنظير، أم أن للكتابة دور يدعم التنظير المسبق؟ أي هل أن معارفه أدّت إلى إقامة التنظير وطُبِّقت؟ أم هل كانت لديه افتراضات نظريّة التجأ ابن خلدون إلى تبريرها؟ هل استغلّ ابن خلدون مصادره لتدعيم بنائه النظري أم لتحقيق أبعاد مذهبيّة وسياسيّة؟

لقد أجابت المؤلّفة نسبيّا على جملة هذه التساؤلات وأبانت واستنتجت في نهاية المطاف أن “عِبر” ابن خلدون لا تعدو أن تكون إلا « من أخطر النصوص التي تؤسس للاستبداد وتوفّر له الشروط النظريّة المبرّرة.» [ص 339.] وكل المحاولات الواهية لتبرير الخطاب الخلدوني وجعله مصدرا لحداثة عربية إسلاميّة محتملة هي محاولات مرفوضة « لأن الثوابت التي يكرّسها هذا الخطاب تتنافى وشروط الحداثة والعقلانيّة في مختلف أبعادها.» [ص 336.] « وعلم العمران بالمعايير والقوانين التي كرّسها ابن خلدون، لا علاقة له بعلم الاجتماع والفلسفة، ولا بالأنتروبولوجيا والتاريخ الحديثين كما يجتهد البعض في إثبات ذلك.» [ص 337.]

وتسمح لي المؤلّفة بإضافة ما لم تتطرّق إليه من ضرورة المقارنة بين استحالة القبول بما يسمى “علم العمران الخلدوني” وعلم الاجتماع الحديث. فمن يعتقدون في حداثة ابن خلدون لم يتفطّنوا إلى معطى في تاريخ الفكر يتمثّل في أن النزعة الإنسانية وفكر النهضة ما كان له أن يقوم إلاّ بعد تقويضه للمنطق القديم القائم في العصور الوسطى على الفكر اللاهوتي، وكان ذلك بفضل البولوني نيكولا كوبرنيك Copernic Nicolas (1473-1543) والألماني كيبلارKepler Johannes (1571-1630) والأنجليزي فرنسيس بيكون Bacon Francis (1561-1626) والفرنسي رينى ديكارت Descartes René (1596-1650) ثم كذلك الألماني إيمانويل كانطKant, Emmanuel (1724-1804).

ولم يكن بإمكان ابن خلدون أو غيره من مفكّري القرون الوسطى المتأخّرة أن يتفطّن إلى ضرورة تجسيد التنظير بالممارسة المحسوسة، الواقعيّة والموضوعيّة، لأن سياق الثقافات القديمة لا زال مهيمنا على الأذهان، بل إن هذا الفكر في حدّ ذاته قد تراجع عمّا حقّقه الوعي الإنساني من تقدّم مقارنة بما تمّ الوصول إليه من وعي جماعي هادف إلى تركيز حياة أفضل للإنسان رغم الاختلافات العرقيّة واللغويّة والجغرافيّة. وذلك ما تفطّنت إليه الباحثة رافضة القول أن ابن خلدون يعكس مرآة عصره، [ص 106 هامش 177] لأن إقراره بتثبيت الخرافي واللاعقلي « متعلّق باختيار واع ومقصود من قبل المفكّر – ونقصد هنا ابن خلدون – عندما يجد أمامه موقفين متقابلين معرفيّا، فيختار بمحض إرادته وبمطلق وعيه الموقف اللاعقلي.» [ص 103]

لم تحاول الباحثة حجب اعتقاد ابن خلدون في الفكر الخرافي، ولم تسع إلى إيجاد تبريرات واهية كتلك التي قدّمها الجابري والطالبي، الأوّل مدافعا عن إيمانه بالسحر، والثاني عن موقف ابن خلدون من الفلسفة. يقول الجابري : « … لا مجال إذن للطعن في فكر ابن خلدون وفي عقلانيته بخصوص هذه المسألة، ولنغضّ الطرف عن اعتقاده بالسحر، ما دام يدرج ذلك في نطاق الأمور الخفيّة…» 28 ويؤكّد الطالبي أن ابن خلدون « يُعْرَف بعدواته الشديدة للفلسفة ويعتبر موقفه من الفلسفة من الظلاميّة … غير إننا لا نرى هذا الرأي ولا نشاطره ونعتبره سطحيّا… لا يبطل ابن خلدون الفلسفة عداوة لها من حيث هي فلسفة. ولا من باب الظلاميّة، وإنما يبطلها لهزالها الذي أصبحت عليه ونحن على وفاق تام معه في ذلك… يبطلها لأنها ليست من العلوم الصحيحة التي تثبت أمام التجربة، وإبطال الفلسفة في حدّ ذاته، كما كانت تمارس في عصره يُعَدُّ من بوادر الحداثة.»29 !! عنز ولو طارت. وبتحليل معاكس، يصبح السحر من العلوم الصحيحة لدى ابن خلدون ومحمد الطالبي، « « فعقليته [ابن خلدون] عقيليّة عصره تماما من حيث كثير من المعتقدات التي كانت رائجة في عصره ومنها السحر مثلا…»30

شخصيّا، لا أجد أي مبرّر لصاحب العبر عندما أقرأ له هذه الكلمات : « من شأن كل مدرك إنكار ما ليس في طوقه إدراكه، ويكفينا في ردّ ذلك مشاهدة العمل بهذه الصناعة [السحر] والحدس القطعي، فإنها جاءت بعمل مطّرد وقانون صحيح لا مرية فيه عند من يباشر ذلك ممن له ذكاء وحدس.» (1/148) وأردّ بالتالي كل محاولات الدفاع عنه في مجال اعتقاده في الخرافي والأسطوري. فهل أصبح السحر والطلسمات من بين مقاييس من له القدرة على توظيف الحدس والذكاء؟

وبما أن حفريّات ناجية الوريمي بوعجيلة في الخطاب الخلدوني لم تكن بالعمق المطلوب حسب رأيي، فلتسمح لي بهذه الإضافات التي لا يمكن التفطّن إليها إلاّ بقراءات في مصادر موازية لكتاب العبر :

إن اعتقاد ابن خلدون في السحر والطلسمات يبرز كذلك من خلال سلوكياته التي أفادنا بها تلميذه المقريزي. إذ قد قام بتمرير هذه الاعتقادات الخرافيّة إلى طلبته بجامع الأزهر.

يشير المقريزي إلى رواية سمعها مباشرة عن شيخه، فيقول : « حدثنا أبو زيد أنه خرج من تونس في سنة أربع وثمانين وسبع مائة وبها امرأة مشهورة بالسحر، يأتيها المسافرون في البحر ويبتاعون منها الهواء لمدة معينة بمبلغ مال، فتدفع إليهم إناء مجوّفا مسدود الفم، وتقول : إذا توقّف الريح فافتحوا هذا الإناء، فيسيرون بمراكبهم إلى أن يقف الريح، فيحلّون الإناء فتخرج لهم ريح تسير مراكبهم مدة ما شارطتهم.»31 وهكذا يساهم ابن خلدون في تثبيت المثل الشعبي السائر : « يبيع في الريح للمراكب»!!

من خلال التعمّق في تطوّر فكر ابن خلدون، يبدو لنا أن صاحب العبر لم يكن مقتنعا خلال فترة شبابه بالشروحات المعتمدة على الغيب والرؤيا، لكن معطيات العصر ما فتئت تجلبه نحو الاعتقاد في الفكر الخرافي وهو أسهل السبل لشرح ما لم يستطع العقل تفسيره آنذاك.

فعند دراسته لبعض المعطيات التاريخيّة التي حاول بعضهم تفسيرها بواسطة الزايرجة، أفادنا هنري بول جوزيف رينو في دراسته حول التخمين بشمال إفريقيا خلال القرن الرابع عشر، إلى حادثة وقعت بين ابن خلدون وصديق له يُدعى جمال الدين عبد الملك بن عبد الله المرجاني صاحب تأليف في كيفيّة استخلاص الإجابة من أيّ سؤال يطرح على الزايرجة، وضعه خلال شهر صفر من سنة 773 هجري ( سبتمبر 1371). وقد ذكر المرجاني هذه الحادثة في كتابه ومفادها أن ابن خلدون قد أنكر عليه مرجعيّة الزايرجة للرسول، أو أن هذا “العِلم” قد مكّنه النبيّ من أحد أصحابه وهو حذيفة بن اليمان.32 ويحدّد المرجاني تاريخ الواقعة خلال سنة 773 ببسكرة. أمام هذا الاستنكار الخلدوني، اقترح المرجاني على ابن خلدون القيام بتجربة فوريّة بإلقاء السؤال على الزايرجة وهو التالي : هل الزايرجة علم قديم أم حديث؟ فكانت الإجابة أنها تعود إلى عصر النبيّ إدريس الذي مكّنه الله من التحكّم فيها!! هذه الإجابة دفعت بابن خلدون إلى الرقص والدوران على سطح منزله.33

تفيدنا هذه الحادثة أن ابن خلدون لم يستنكر الوسيلة في حدّ ذاتها بل عزوها إلى الرسول، وعندما قام بالتجربة رفقة صديقه، “تيقّن” من صحّة المعلومة التي أثبتت الإجابة قِدَمَها، فاطمأنّ قلب ابن خلدون، بل وعبّر عن ابتهاجه بالرقص على سطح المنزل وهو في العقد الرابع من عمره. إنه يرى في الزايرجة منظومة مركّبة ومنسّقة خاضعة لقواعد لا يمكن أن يتفطّن إلى إمكانية استعمالاتها إلاّ اللبيب، وهي تحمل في طيّاتها كل إجابة عن كل سؤال يمكن طرحه، وما المستوى المعقّد للزايرجة إلاّ ضمان نفساني يسمح بتبرير الجواب الخاطئ وتأويله على أساس نسيان تفاصيل كانت تبدو ثانويّة، أو عدم الإلمام بكل المعطيات بجزئياتها الدقيقة.

ويشير المقريزي إلى عدّة روايات سمعها مباشرة عن شيخه ابن خلدون، وهي روايات تنسجم مع الإطار الفكري العام الذي تبنّاه صاحب العبر، ومن بينها نذكر الرواية التالية : « حدّثنا أبو زيد قال : جزت ببلد المريّة عام خمس وستين وسبع مائة، فسمعت أهلها يذكرون أن عندهم واديا فيه نوع من الطير فوق الجبل، إذا وقف أحد تحته وقال كم أعيش من العمر؟ صاح عدّة أصوات بعدّة سنين عمره، وإن ذلك لم يخط قطّ. فمضى غلام كان معي إلى ذلك الوادي، ثم جاء وذكر لي أنه لمّا سأل كم يكون عمري؟ صاح طائر تسعة وثلاثين صوتا ثم سكت. فسرنا عن المدينة وأقمنا ما شاء الله، إلى أن كنّا في بادية، فاعترض بعض الأحياء قوم يريدون أخذهم، فنفر إليهم طائفة من أصحابي وفيهم ذلك الغلام، فدافعهم عن الحيّ ساعة وهم يقاتلونهم، فأصاب الغلام مزراق خرّ منه ميتا، فحسبت عمره فكان تسعا وثلاثين سنة سواء.»34 ولا نعلم لماذا لم يقم ابن خلدون بإلقاء السؤال على هذا الطائر لمعرفة مدى طول عمره الشخصي!! وكيف كان بإمكانه تصديق مثل هذه الظواهر؟ ذلك أنّ مجرّد روايته لها لتلامذته دليل على اعتقاده فيها. وعندما نفكّر في اعتقادات ابن خلدون هذه ونقارن موقفه بمواقف سابقة لبعض مفكّري القرن الرابع والقرن الخامس هجري، ومماثلة لها من حيث الشكل والمضمون؛35 فإنّنا نستنتج تردّي العقل إلى غياهب العصور الساحقة. وما هذه الحكاية التي رواها ابن خلدون لتلامذته إلاّ خرافة مسيحيّة قديمة تناقلتها وعدّلتها عديد الكتب الدينيّة وتبنّاها الفكر المسيحي خلال منتصف القرن الرابع ميلادي مع القديس أبيفانيوس (†403 م) أسقف جزيرة سلاميس.36

كان بإمكاني التعمّق أكثر لمساندة هذا البحث المتميّز للأستاذة ناجية الوريمي بوعجيلة، لكن المجال لا يسمح بذلك، لهذا سأكتف بما ورد، ملفتا الانتباه إلى بعض الملاحظات الجانبيّة :

الملاحظة الأولى : ذكرت الباحثة أن « حركة أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة [كانت] ضدّ الحفصيين» [ص189]، لكنني أعتقد أن هذه الثورة لم تكن ضدّ الحفصيين بل تندرج في إطار الصراعات على السلطة في صلب العائلة الحفصيّة.
لقد قدّم ابن خلدون هذا الثائر على أساس أنّه أحد مغتصبي السلطة سنة 678ﻫ(1279م)، في حين أن ابن أبي عمارة تقدّم بدعوته باسم الفضل بن أبي زكرياء يحيى الواثق الحفصي المخلوع (676-678á / 1277-1279م). وقد كذّب ابن خلدون انتسابه للواثق الذي قُتل مع بقيّة أفراد عائلته خلال نفس السنة. ويبدو أن رواية ابن خلدون قد تأثّرت بمقتل والد جدّه من قِبل مغتصب السلطة هذا، فهو أوّل من سجّل هذا المعطى حول شخصيّة ابن أبي عمارة المذكور،37 رغم أن “الدّعيّ” قد ظلّ بالسلطة لمدة تقارب السنة وخمسة أشهر (681-683á / 1283-1284م)؛ ويصبح من غير المنطقي أن يتولّى الحكم طوال هذه المدّة دون أن يلقى المساندة والدعم من قِبلِ العائلة الحفصيّة الموسّعة، إذ يشير الزركشي إلى مختلف القبائل والمدن التي عبّرت له عن طاعتها وأرسلت بيعتها إليه، مثل قبائل ذباب وغيرها من قبائل العرب، ومدن طرابلس وقابس وجربة والحامّة ونفزاوة وتوزر وقفصة وسائر بلاد قسطيلية والمهدية والقيروان وصفاقس وسوسة.38 فهذا الدعم هو دليل على الانتماء الفعلي إلى نسب الحفصيين.

ثانيا : أشارت المؤلفة إلى « أن العصور والتجارب البشريّة لا تختلف في شيء عند ابن خلدون، إنها تتشابه “تشابه الماء بالماء” كما قال في المقدمة.» [ ص 199 و319].» فهذه الفكرة المتداولة في القرون الوسطى ليست من وضع ابن خلدون، بل نجدها لدى الطرطوشي في “سراج الملوك” حيث يقول : «… ورُوِيَ أن الحجّاج قال في خطبة : أيّها الناس، أن ما بقي من الدنيا أشبه بما مضى من الماء بالماء.»39 هنا نكتشف التحجّر المعرفي المتواصل لدى فقهاء السلطة منذ القرن الأوّل للهجرة إلى عصر ابن خلدون. وعندما نعود لمفهوم الدولة والمُلك لدى الطرطوشي فإنّنا لا نجد أيّ إضافة أو ابتكار جديد، بل إننا نستنتج نفس المفاهيم والمصطلحات والأبعاد التي هيمنت على الفكر السياسي الإسلامي منذ قرون خلت.
إن جوهر الكتابة التاريخيّة الخلدونيّة يعبّر عن إرادة تثبيت فكر إيديولوجي يبرّر عزيمة القوى الضاغطة والفئة الاجتماعيّة المهيمنة على كل دواليب الحياة بواسطة منظومة مرتدّة دائما إلى الوراء قامت بسدّ كلّ منافذ المستقبل، وجسّدت انعدام القدرة على التجديد، وما كان بإمكانها أن تفكّر في هذا الجديد المنشود لأن حركتها هي حركة جذب لا حركة دفع، فابن خلدون لم « يبحث عن الأسباب الدّافعة بل عن الغايات الجاذبة، فكل الحركات إلى الأمام، هي في نفس الوقت حركات نحو الانحلال والتفكك.»40 إنها أسس رخوة فاترة، غير قادرة على إنتاج رؤى استشرافيّة لأنها ناتجة عن معارف مستقاة من معطيات سابقة متعالية اعتبرت حقيقة نهائية ناجزة مقدّسة أو مؤسطرة.

الملاحظة الثالثة : صنّفت الباحثة متقبّلي الخطاب الخلدوني إلى صنفين : الخاصّة من ناحية، والعامة والمثقّفون من ناحية أخرى[ ص 320]. لكنني أعتقد أن الصنف الثاني كان مغيّبا تماما لدى ابن خلدون باعترافه وهو القائل : « أنشأت في التاريخ كتابا رفعت به عن أحوال الناشئة حجابا، فهذّبت مناحيه تهذيبا، وقرّبته لأفهام العلماء والخاصّة تقريبا»(1/09) وبالتالي فان تأليفه ليس للعامة، بل هو للعلماء والخاصّة الذين يتوجّه إليهم بعديد الإحالات لكتب المؤرّخين الذين سبقوه، مكتفيا بالاختصار الشديد لعديد الأحداث، والمُخِل بالمعنى أحيانا. كما انه يعترف أن السلطان الحفصي أبو العبّاس قد كلّفه بإنهاء هذا الكتاب، إذ يقول : «… وقد كلّفني بالإكباب على تأليف هذا الكتاب لتشوّقه إلى المعارف والأخبار واقتناء الفضائل»(7/640). فما حاجته إلى العامّة التي عبّر عن ازدرائه لها؟ إذ لم يكن بإمكانه الكتابة عنها أو لها، لأنها عدم العدم، لا شيء، وبالتالي فهي خارج دائرة المفكّر فيه حسب تعبير محمد أركون. ثم أن الكتابة التاريخيّة بالمجال العربي، كانت ولا زالت إلى عهد قريب، مختزلة في، ولصالح “الخاصّة”، مثلها مثل الثروة والكرامة والكبرياء والمُلك والفقه والحركة والسعي، وربّما الجنّة. إنّها تعبير صارخ عن مدى القطيعة المتأصّلة بين أصحاب السلطة والنفوذ من ناحية، وبقيّة الخلق من ناحية أخرى. فلا مجال للاستغراب أو للتنديد بابن خلدون، إذ أن المنظومة الفكريّة القديمة لا زالت تعتقد أن هنالك صنفان من الناس : « صنف خُلِق لينتج ماديّا ومعنويّا، وصنف ثان خُلِق ليتصرّف في من تحته ويتمتع بمزايا الجاه.»[ص 227] حسب اعتقاد ابن خلدون.
أخيرا، لا يسعني إلاّ أن أعترف، أنه من الخطأ أن نكتم المديح عندما يكون مستحقّا، ذلك أن الصلة بين التعصّب الفكري والجمود الثقافي والطغيان السياسي يمكن أن تكون وثيقة جدا، وذلك ما سعت إلى تفكيكه الباحثة ناجية الوريمي بوعجيلة في الخطاب الخلدوني، فاستحقّت هذا المديح من قارئ لكتابها./.
02-27-2009, 04:22 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
كتب أحتاج إليها وأريد لها أنا تكون في المتناول مع الشكر العميق - بواسطة الواد روقه - 02-27-2009, 04:22 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  كتب قد تحتاج إليها الشهيد كسيلة 0 966 10-24-2009, 06:16 PM
آخر رد: الشهيد كسيلة
  أحتاج لهذه الكتب .. خوليــــو 23 6,408 04-09-2009, 02:34 PM
آخر رد: anass
  ** أحتاج مساعدة لأستاذ تربية إسلامية*** إبراهيم 7 1,456 11-12-2007, 02:33 PM
آخر رد: طارق الطوزي
  من الناس من يكون اعتقاده تابعاً لأخلاقه ومنهم من تكون اخلاقه تابعه لاعتقاده قس بن ساعده 3 1,022 10-31-2007, 09:52 PM
آخر رد: قس بن ساعده
  *** إلى الشباب المسلم واللا ديني المثقف؛ أحتاج لمساعدتكم*** إبراهيم 18 3,121 09-26-2007, 06:49 AM
آخر رد: دايم ناصر

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS