" لا أظن بأن مشكلة الأقليات هي مع "الديموقراطية" .. ولكن تخوف الأقليات - كما أحسبه - ناتج من وصول ديكتاتورية أخرى شمولية تتنضد على أغلبية دينية طائفية وحكم أصولي ثيوقراطي ... "

بشكل عام ، هذا صحيح ، وهذا شكل من الخوف يشترك فيه قطاع كبير من الأغلبية مع الأقلية كل حسب هاجسه من هذا الوصول .
لكن الحالة السورية تختلف قليلا ..
قلنا كثيرا ، وكتبنا كثيرا أن المعارضة السورية ليست (( إخوان مسلمين )) فقط ، بل معارضة تنطلق من قواعد عدة وتجمع كلها على معارضة نظام طائفي ، قهري ، دموي شمولي ، هذه الشمولية لم تجلب النكبات للأغلبية بإسم الحق المهدر الذي تكلم عنه أوارفي ، بل مارست طائفية وتضييق بحق كل الطوائف السورية ، حتى بعض القبائل العلوية التي لا تنتمي بنسيجها الإجتماعي والديني لطائفة النظام السوري ، فالمعلوم أن الطائفة العلوية نفسها تنقسم إلى عدة مذاهب وقبائل وشرائح إجتماعية .
إذن التخوف من أن يوكل السنة أمرهم (( المذهبي )) لجماعة الإخوان المسلمين غير مبرر لأنه ينطلق من دعاية سلطوية غير صحيحة من الأساس .
يبقى البعد الأشمل ، وهو الطائفة السنية كأغلبية .
لا شك أن ضيما ( دينيا ) وظلما إجتماعيا وقع على الأقليات في سوريا ، وهذا شأن أي أغلبية في العالم ، إلا أن إقتسام الوطن بكامله للهم الوطني أثناء فترة الإستعمار الفرنسي ، وفشل فرنسا في لعب ورقة الطائفية ، أدى في النتيجة إلى قيام نظام وطني علماني ديموقراطي حقيقي حتى في ظل الإنقلابات ، ولم تكن فيه للطائفة السنية الغلبة ( القهرية ) بحكم حجمها الديموغرافي ، بل على العكس ،فقد عادت المعضلة الطائفية للظهور على يد طالبي الثأر التاريخي بعد سنوات من الغزل السياسي ، وقام الإنقلاب البعثي عام 1963 على يد ضباط من الأقليات ، ثم ما لبث الأسد أن تنكر لهؤلاء وأقصاهم كجماعة سليم حاطوم الدرزي ، لتعود الحالة الطائفية على أعنف ما كانت حتى في قرون الظلام !!.

عودة للإخوان المسلمين ..
القول بأن المعارضة للنظام السوري تنطلق من أسباب مذهبية هو قول ( إستهلاكي ) بحت ، ومحاولة تصوير المعارضة السورية بكافة أطيافها على أنها إخوانية – سنية قول لا يدعمه الواقع السوري ، ناهيك عن إعتياش النظام وأمثال البعض هنا على هذا القول ( طائفيا ) ، لذلك لا أرى مبررا حقيقيا لتخوف الأقليات من الديموقراطية التي ستنصفها حتما حتى لو استطاعت حركة أصولية كحركة الإخوان المسلمين أن تصل إلى السلطة .
" من هنا فإن الكرة -عندي - ليست في ملعب الأقليات، بل هي في ملعب الأغلبية السنية السورية "
إنطلاقا مما سبق ، فالعكس هو الصحيح !!
حاليا ، تعيش بعض الأقليات حالة من النشوة التاريخية بسبب تسلط فئة منها على رقاب الأغلبية ، وها أنت تقرأ وتشاهد بنفسك من هي الأصوات التي تدافع عن (( طائفية )) النظام وإلى أي الشرائح السورية تنتمي ، وليس أقسى على النفس ( السورية ) أن يتشفى هؤلاء بمجزرة حماة التي أودت بعشرات الآلاف من السنة كونهم قاعدة جماهيرية لحركة الإخوان ، مع أن واقع الحال يقول أن تلك المجزرة لم تفرق بين مسلم ومسيحي من أهالي حماه ، ولم تفرق بين مسجد وكنيسة رغم التأليب الطائفي – العلوي الذي مارسه رفعت الأسد في تلك المجزرة الرهيبة .
حاليا ، وبعد عقود من الحكم الطائفي ومن الضيم والقتل والإبعاد الذي مارسه النظام بحق الأغلبية ، فإن الآية انعكست وأصبحت الكرة في ملعب الأقليات التي تنظر إلى الأمر بكثير من التشفي ، وهي نفسها من يقاوم أي تغيير قد ينتهي إلى نتيجتين :
- إما حرب أهلية ثأرية كعادة المجتمعات الشرقية .
- أو تغيير ديموقراطي حقيقي سيجد كل من ساند النظام أنفسهم خارجه لنفس الأسباب ، مما ستحرم حتما هذه الفئات من إمتيازاتها ( المحدودة ) التي حصلت عليها في ظل نظام طائفي ، ويبقى السؤال :
هل ستكون الديموقراطية خطرا على الأقليات فعلا ؟؟!!
لننتظر نتائج النموذج العراقي المشابه !!

تحياتي لك

المعري