رؤية شخصية:

أغرب ما في الموقف المصري من قضية "خلية حزب الله" الاستعراض الزائد عن الحد، الذي يصور الأمر كمعركة "سيادة ووجود".
معلوم أنه (الحزب) لديه وجود وخلايا في عدة دول، وهذا ليس ابتداعا أو كشفا جديدا، فكل القوى "الواعية" لديها وجود استخباراتي قوي في محيطها ولا خلاف على ذلك، ولا أدري هل التجييش الحاصل لدى الإخوة في مصر مرده شيفونية زائدة أم جهل واسع؟!
المخابرات الإسرائيلية، السعودية، الأردنية، اللبنانية، الأمريكية، ألخ.. لها وجود في مصر، مع اختلاف في تأثيرها وقوتها
كما للمخابرات المصرية وجود في إسرائيل، السعودية، الأردن، لبنان، أمريكا، ألخ .. مع اختلاف في تأثيرها وقوتها
طبعا هناك من سيقول أن هذه الأجهزة "رسمية"، ووجودها يدخل في إطار التنسيق، ولكن وبالتأكيد ورغم رسمية هذه الأجهزة في مصر او وجود الأجهزة المصرية في مكان آخر فهي تعمل أيضا لصالحها الخاص، ولا تكشف إلا ما يستلزم الكشف ضمن إطار التنسيق، وهناك الكثير مما لا يدخل في هذا الإطار.
لو أردنا حساب مقدار السيادة حسب وجود أو عدم وجود خلايا استخبارية أجنبية في الدولة، لاكتشفنا أن جميع دول العالم لا تملك أي سيادة على أراضيها، لذا لا أفهم تضخيم قضية "خلية حزب الله" وتصويرها كأنها باقعة البواقع إلا ضمن إطار التحريض الذي لن يعود بنتائج كبيرة.

أستغرب أكثر من صدمة الشعب المصري أو من سمعتهم على الأقل من الإعلان عن وجود نشاط استخباراتي لحزب الله في مصر؟!
فالنظر إلى المقدمات سيقود إلى هذه النتيجة، انكفاء داخلي، تدخلات خجولة، قبول بالتبعية للمال النفطي، تقليص متعمد للمجال الحيوي المصري، فشل في استغلال الموقع المصري "التاريخي" في ذاكرة الأمة، فشل في إدارة القضايا العربية أو التدخل فيها، وجود وتأثير ضعيف جدا في لبنان، قطيعة مع سوريا، غياب عن السودان، تجاهل للمغرب العربي والدور التاريخي المصري فيه، تبعية ومراعاة زائدة غير معروفة الثمن لدول الخليج، "انكسار" في "عراق ما بعد صدام"، غياب موقف مصري مؤثر من القضية الأهم في المنطقة (القضية الفلسطينية).
عندما يقوم النظام المصري بكل هذه التصرفات وفي ذات الوقت يناصب جهات أخرى العداء فليس من المستغرب أن تنقل المعركة إلى أرضه، فهو ألغى مسبقا أي وجود له في أي أرض أخرى.

وننظر إلى التحقيق، وإعلان نتائج التحقيق.
لم أسمع "حديثا" عن كشف خلية مخابراتية يقوم بعدها النظام الذي قبض عليها بإعلان نتائج التحقيق في الجرائد بدلا من الاستفادة مما حصل عليه من معلومات بشكل استخباراتي إلا في تحقيق "خلية حزب الله" والسبب بذلك على الأغلب هو انعدام أهمية المعلومات المكشوفة فهي معروفة سلفا، حزب الله له وجود استخباراتي في دول عربية وغير عربية ، وحزب الله يدعم حماس لوجستيا، هل هذا كشف يستحق الإعلان عنه؟
عندما يتم الإعلان بشكل رسمي عن تحقيقات من هذا النوع فبالتأكيد الهدف دعائي لا أمني، تطبيل للنظام فهو "حامي البلاد من الشيعة الأوغاد" وفي ذات الوقت تسخيف للحزب الذي انحدر نحو زعزعة استقرار الدول العربية.
أمر أخير، في موضوع التحقيق كان مثيرا للدهشة جدا، قيل أن الخلية تم القبض على عناصرها في ديسمبر او نوفمبر الماضي، وفي ذات الوقت لم تقم الجهات الأمنية بتحرك واسع على أرض سيناء لملاحقة بقايا هذه الخلية إلا منذ أيام وفي شهر إبريل، كيف ؟
لديك معلومات عن خلية متواجدة في البلاد من 4 أشهر وتحجم عن التحرك ضدها طوال هذه الفترة مخاطرا باستمرارها في "زعزعة الأمن" أو بهروب أعضائها وتنتظر حتى تعلن عن القبض والتحقيقات لتبدأ حملة مطاردة "هوليوودية " في سيناء.
هذا يبدو لي تخبطا شديدا سواء في التخطيط أو التنفيذ، نضيف عليه التسريبات حول الرغبة في توجيه الاتهام لنصر الله شخصيا والطلب من الحكومة اللبنانية تسليمه كمتهم لنجد أن مجرد التفكير في الأمر هو من ضروب المستحيل فمجرد قرار من حكومة السنيورة للتحقيق حول شبكة اتصالات حزب الله أدى لاشتعال لبنان خلال أيام فكيف بقرار القبض على أمينه العام، إنه تقديم لبنان هدية لحزب الله أو تمهيد خلق فراغ سلطوي في لبنان لن يعود إلا بمضار لا حدود لها على النظام المصري نفسه.

الأسوء مما سبق هو توقع النظام المصري، إن كان صادقا فيما يقول، أن لا يكون هناك تواجد لإيران في غزة
النظام الإيراني عبقري "استراتيجيا" وهو احترف منذ وقت طويل البحث عن أي مناطق تعاني من غياب او شبه غياب للسلطة وزعزعة في الأوضاع ليزرع لنفسه تواجدا فيها، لبنان (ولم تنجح سوريا في منعها)، العراق وأفغانستان (ولم تنجح الولايات المتحدة في منعها)، باكستان (ولم تنجح الحكومة في منعها)، جرز القمر (حقيقة لا مزاح)
والطبيعي عند قراءة تصرفات النظام الإيراني استنتاج أنه سيعمل بجهد وعن طريق حلفائه أو أدواته، ورغما عن معارضيه على تكوين وجود له في غزة سواء كان قويا أو ضعيفا، وسيطرق ألف باب، ويستخدم ألف وسيلة لتوصله إلى هدفه، فنحن أمام أقوى أوراق المنطقة استراتيجيا في وقت غاب فيه اللاعبون، أو اختاروا الغياب.
وتصرفات النظام المصري الحالية لن تمنع هذا الاتجاه ولن تنجح في وقفه فقرار مواجهة العمل الإستخباراتي بحملة إعلامية يبدو طفوليا جدا.

الاستنتاج:
خيار النظام المصري لإدارة معركته مع النظام الإيراني غير موقف حتى الآن
انتقال المواجهة إلى الأرض المصرية تطور طبيعي لغياب أي فعل مصري في أي مكان آخر
الدعاية لن تواجه العمل على الأرض
المواجهة مستمرة وستزداد شراسة

وكما قلت بداية هي رؤية شخصية