يقول Daniel Nettle: " لااعتقد بوجود منطقة خاصة في الدماغ مسؤولة مباشرة عن خاصية " التفتح"، ولكنها مرتبطة بكيفية تعاون مناطق عديدة. الاشخاص المتفتحين للغاية يكون من الاسهل لديهم ربط العديد من اجزاء الدماغ، وهذه القدرة تنعكس بدورها على شخصيتهم".

الان اصبحت لدينا ادلة على ان شخصيتنا تعكس مدى قدرات دماغنا على ربط شبكته العصبية ببعضها. والسؤال: لماذا تمكن بعض الاشخاص من تطوير بعض مناطق دماغهم اكثر من البعض الاخر؟ وقد يتساءل اخر : لماذا لم يتمكن التطور من الوصول الى الشخصية الوحيدة التي ستكون الاكثر تطابقا مع الهدف من الهوموسابينس؟ غير ان الامر ليس على الاطلاق بهذه السهولة، من وجهة نظر نظرية التطور.

بعض العوامل تشير الى ان الاطياف الخمسة للشخصية لها الاسبقية في مختلف البيئات. وجهة النظر هذه توصل اليها المرء بمساعدة دراسات على الحيوان. عالم الاحياء الشهير Niels Dingemans, من جامعة غرونينغين الهولندية، قام بإجراء بضعة دراسات مابين عام 1999 وعام 2001، اظهرت كيف ان "خصائص شخصية" الطيور هي التي تحسم حظوظهم على البقاء في مختلف البيئات.

الباحث وفريقه تابعوا مجموعة من عصافير (Parus major) على مدى ثلاث سنوات لمعرفة الى اي درجة تمكنوا من النجاح بالمقارنة مع سلوكهم. الدراسة اظهرت انه كلما كان الطائر عدائي ومُحب للاطلاع، كلما تحسنت حظوظه على البقاء في الفترات التي يكون فيها قلة بالموارد الغذائية. في الفترات التي يكون فيها الغذاء متوفر بكثرة، تتزايد حظوظ الطائر الحذر. من الواضح انه، وبوجود كمية كافية من الطعام لاتوجد مبررات للمجازفة بحب الفضول، في حين تكون هذه الخاصية مفيدة عندما يكون هناك نقص بالطعام.

لهذا السبب لايمكن القول ان هذه الشخصية افضل من الاخرى، إذ ان البيئة التي يتواجد فيها المرء والعوامل الاجتماعية هي التي تقرر لمن ستكون الافضلية. من هنا، وحيث ان البيئة هي التي تختار الاطياف المطلوب ان تدخل في الشخصية، ومن حيث ان البيئات الانسانية كانت على الدوام متغييرة عبر عصور تطور الانسان، لهذا السبب لم يحدث تطوير وحيد الجانب للشخصية .

يقول دانييل نيتله:" اعتقد ان خاصية التفتح تطورت تحت تأثير العلاقات المتغييرة، إذ عندها يكون المرء مضطر للبحث عن طرق جديدة لحل معضلاته ويتحتم عليه تجربة مختلف الاساليب لحماية مصالحه".

لهذا السبب يمكن ان نتصور ان خاصية التفتح مفيدة للغاية عند الاضطرار للهجرة الى مجتمع اخر او إذا تغيرت العلاقة تحت تأثير اسباب خارجية. وكما اشارت الدراسات العصبية، تكون ردات الفعل العصبية لدى الاشخاص " المتفتحين" قوية عند معايشة مشاعر ايجابية. هذا يعني ان الشخص المتفتح يسعى على الدوام للوصول الى مشاعر ايجابية من اجل معايشة ردود فعل عصبية قوية، وهذا يتم من خلال اقامة شبكة من العلاقات الاجتماعية ليكون في مركز الاهتمام ويحقق النجاح والمال وحتى الجنس. على العكس، يكون التفتح ليس خاصية جيدة لبناء عائلة مستقرة في علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، ولكنها فعالة في بعض الثقافات حيث الاحترام المتبادل غير مطلوب، وانما الخضوع. الاحصائيات تشير الى ان الاشخاص الذين يملكون شخصية ذات قيمة عالية لخاصية التفتح، يتعرضون لمخاطر الطلاق اكثر ولمخاطر الحوادث.

إذا كانت البيئة التي يعيش فيها المرء خطرة، فمن الافضل ان يكون المرء ذو شسخصية حذرة، متحفز ومستعد، وليس متفتح. الخصائص التي تمييز الشخصية المتحفزة والحذرة، حسب نظرية العوامل الخمسة، انهم منتبهين وحذرين عند اقل ظهور للمشاعر السلبية مما يعني عمليا انهم سيقومون بتفادي الاحداث التي تبعث لديهم هذه المشاعر السلبية. هذا الامر له افضلياته عندما يكون هناك خطر حقيقي ما. ولكن، إذا كان الامر مجرد اوهام، سيكون هذا الشخص مجرد عبء كبير، والاشخاص الذي يملكون نسبة عالية من الحذر والتحفز يتعرضون لنسبة عالية من الاصابة بالكآبة والاحباط. غير ان الكثيرين منهم ناجحين في الحياة العملية، بسبب حذرهم والتهيئ للمخاطر.

عندما يتعلق الامر بخاصية " الجاذبية والتفهم" فقد دلت الابحاث على انه كلما زادت الجاذبية، كلما زاد الدعم الاجتماعي الذي يحصل عليه المرء. الدعم الاجتماعي امر مهم عندما تاتي ظروف تتطلب الحصول على حماية الجماعة. الباحثين Daniel Nettle & Bethany Liddle اشاروا في مقالتهم الى ان النساء على العموم يتمتعون بخصائص جاذبية اكبر بكثير من الرجال، من حيث ان النساء تاريخيا كانوا في حاجة اكبر الى دعم الجماعة، حيث كان على عاتقهم الاهتمام بالاطفال، الامر الذي ربى لديهم هذه الخاصية. وبينما تقوم النساء بتحسين حظوظ البقاء على الحياة لدى الجماعة، يكون من مصلحة الرجال العكس تماما. هناك الكثير الذي يدل على ان الرجل يحصل على الكثير من خلال الوصول الى موقع السلطة والنجاح المادي، حيث يصبح في موضع جذاب للعديد من النساء، الامر الذي غالبا يتطلب شخصية بالضد من من شخصية الجاذبية.

يتبع..