للاسف ان يصل بنا الحال الى هذا المستوى. في العراق لم يكن هناك ابدا مواقف تمييز طائفي قبل صعود الاحزاب الطائفية الى السلطة.
وفترة الهدوء النسبي التي كانت سائدة قبل التفجيرات الاخيرة برهان على ان الطائفة السنية بذاتها ليست هي التي تقف خلف التفجيرات، وانما القوى المنظمة الوحيدة التي كانت موجودة بفضل سياسة صدام وسياسة الاحزاب الطائفية التي استولت على السلطة ووضعت اسس اللعبة السياسية.
ان ظروف مابعد الحرب جعلت الطائفة السنية فجأة بدون قوة سياسية منظمة تمثلها او تحميها ، واصبحت مكشوفة امام العهر الطائفي من جميع الاطراف، بما فيه الوهابية المسلحة وهيئة علماء المسلمين السنة الذي فرضوا انفسهم ممثلين للطائفة السنية والناطقين بإسمها. واعطاء الصراع وجها طائفيا سيقدم لهم مصداقية على انهم ممثلي السنة.

ولاننسى ان هذه الخطة كانت تتطابق تماما حتى مع تصورات ايران ومباركتها، حيث قامت بتقديم مساعدات لوجستية للقاعدة في العراق في البدايات الاولى، على امل تطور الامور بهذا الشكل تحديدا ، الامر الذي يعطي لها الفرصة لخلط الاوراق، وتحفيز الكراهية وتبرير وجود الميليشيات الشيعية الطائفية وجمع الاتباع لها وترسيخها كقوة في الحياة السياسية والضغط على الامريكان ، والاهم يؤدي الى تفكيك الاخوة التاريخية بين الشيعة والسنة في العراق، الامر الذي يجعل الطائفية خيارا وحيدا ممكنا لمستقبل الحكم السياسي في العراق.

ان توجيه الاتهام اليوم الى الطائفة السنية، عملا غير اخلاقي. من جهة لكون السلطة في يد القوى الشيعية الطائفية تحديدا، وهم الذين يتحملون مسؤولية معالجة هذا النوع من الجرائم والتعامل معه كجريمة حسب قوانين الدولة، وليس تحويله لمبرر من اجل تحفيز الكراهية والقيام بجرائم حرب جماعية.
وحكومة " دولة القانون" هي التي قامت بإطلاق المجرمين من السجون الامريكية بدون شروط، كما انها هي التي قامت بإعتقال قادة من قيادات الصحوة، بعيدا عن الشفافية في ظهار الادلة والتقديم للمحاكمة مع حق الدفاع، الامر الذي اقلق بقية القيادات، في ظل تراجع الحكومة عن تنفيذ تعهداتها في استيعابهم ضمن الجيش والدولة، على خلفية الفصل الطائفي والاستيلاء الطائفي على مفاصل الدولة العراقية، لتنفيذ برنامج سياسي طائفي.

من الواضح ان المشكلة العراقية هي مشكلة ثقة بين الاطراف، وهي مشكلة مشروعة. ان الشعب العراقي لديه خبرة طرية في الاذهان، عندما قام صدام حسين بالتودد للقوى المعارضة لتهدئتهم، وعندما تمكن من الامور قام بتصفية جميع معارضيه جسديا. واليوم يمكن الاعتقاد ان سياسة الاحزاب الطائفية (الشيعية والسنية على السواء) تصب في هذا المسار، بحكم طبيعتهم التي لايمكنهم الافلات منها.. ان حزب طائفي لايمكن ابدا ان يمثل جميع العراقيين حتى ولو وصل الى السلطة بطريق الانتخاب الديمقراطي. وهنا مكمن الازمة التي لااحد يرغب برؤيتها.

ان الحل الوحيد للمعضلة العراقية هو في منع البرامج السياسية على اساس الانتماء المذهبي او القومي، والتي تحفز انتهاك الحقوق على اساس الجنس او المذهب او القومية او الدين حيث رجال الدين الطائفيين اصبح لهم القول الفصل على السياسيين .. والا فسيكون من الصعب مطالبة الاطراف الاخرى بالولاء وهي تشعر نفسها عرضة للتمييز والانتقاص بالحقوق بعد ان اصبحت الدولة لطرف ضد الطرف الاخر.

ان الاحزاب الدينية والقومية لايمكنها ان تقدم انظمة حكم تحوز على ولاء جميع المواطنين، مما يجعل الانتهاك هو العمود الفقري الذي يميز هذه الانظمة حتى لو كانت تحت تعبير " الديمقراطية"، إذ ان الديمقراطية الحقيقة لاتسمح بإنتهاك حقوق الاقليات او الحقوق الاساسية والاستفراد بالدولة.