أخي وحيد:

حتى وقت خروجي من مصر كانت فرضياتي تقف عند هاتين الفرضيتين في مسألة التحول الديني من المسيحية للإسلام. ولكن عند مجيئي لأميركا اكتشفت أن الأمر أعقد من ذلك بكثير. النفس البشرية معقدة يا صديقي؛ والتحول الديني يلعب فيه العامل السيكولوجي دور ضخم جداً. أعرف شاب أردني درس المسيحية وتعمق فيها وحفظ آيات الكتاب المقدس وتشرب بها. في الوقت ذاته كان يدرس بالسعودية وتشرب بالإسلام ذاته. تشرب بالاثنين بشكل غير عادي. أتقنهما إتقان غير عادي. تحدثت أنا وهو في التلفون منذ سنوات. وفي حين أنه كان ينوي العمل في المؤسسات التبشيرية مع نداء الرجاء وغيرها دارت الدائرة وهو الآن مسلم سلفي.

لي صديق عمل دكتوراة في مارتن لوثر والإسلام. البروفسور الذي أشرف عليها اسمه يحيى ميشو. هذا مسلم سلفي فرنسي. من أقطاب رجال الحوار الإسلامي المسيحي.

خذ عندك الزميل "لوجيكال". هذا مثلا فهم المسيحية وتعمق فيها. والده كان يعمل في العمل الإرسالي مع المؤسسات الإنجيلية. الأمر ذاته مع بارت إيرمان عالم الكتاب المقدس والذي يحترف الآن النقد الحاد للكتاب المقدس وتوجيه مواده لبسطاء الشعب وهو رئيس قسم الدين في جامعة نورث كارولينا. اسمه أشهر من نار على علم. رجل في قمة الذوق. هذا مثلا فهم المسيحية وتعمق فيها بشكل أكبر مني ومنك. هل نقول إنه لم يفهمها وتم حرفه بسبب جهله؟ ليست هي قضية معرفة أو نقص معلومات بالمرة.

من خلال لوجيكال تعرفت بشاب كان يعمل في ترجمة الإنجيل في أفريقيا ومبشر. تحدثت معه ومع زوجته. هي مسيحية ومؤمنة وهو الآن ملحد بامتياز. تحاورنا في التلفون وسألني أسئلة واندهش أني لم أخاطبه بطريقة الوعظ وأقول له كلام مثل "يجب أن تتواضع وكيت وكيت..." ومثل كلام الدراويش هذا. قلت له إني نفسي عندي أسئلة مثله ولا أملك الجواب لكل سؤال.

وأعرف من هو مسلم سلفي ويدخل المسيحية ويصبح سلفي. هو ألعن من اللعنة ذاتها في أي مصيبة تحل به. استبدل سلفية إسلامية بسلفية مسيحية. رغم أنه يصبح مسيحي متنصّر ولكن شخصيته تكون زبالة مقرفة والتعامل مع الملحد أرحم منه.

التجربة الإيمانية- من وجهة نظري- ليست أفكار ولا هي عقائد وإنما هي experience خبرة وتجربة إيمانية وجدانية فيها يميل القلب بحسب عمل النعمة/ الهداية؛ وميكانيكية هذه الهداية وتلك النعمة معقدة ولا تفسير منطقي أو عقلاني يبررها أو يسوغها. كل تجربة فريدة ومميزة. مثلا عندما استمعت لقصة هذا الشاب الأردني الذي تحول من المسيحية للإسلام كنت مستمتع جداً بالتفاصيل وما يدور حولها وكيف أنه رجل كسر كل نمط متوقع ولم يكن على الإطار المألوف لنا جميعاً في توقعاتنا البسيطة الساذجة.


وأتفق معك في اعتراضي على تعاطي كثير من المسلمين مع مسألة التحول الديني كظاهرة هستيرية جماعية. ولكن هذه هي تركيبة المجتمع وهذا أقصى ما قد وصل إليه من وعي جماعي أو ما يمكن أن نطلق عليه هستيريا التدين الجماعي. شيء مثل هذا القبيل.


ودم بكل خير.