أعزائي ألبرتو و الحكيم .. تمهلوا قليلا

فهناك سوء فهم من نوع significant و ليس بسيطا

فحين قلت أنا "تتكلم من برج عاجي" فهذا لا يعني أنها مغرورة أو متعالية بشكل شخصي و بالتالي يكون الرد علي ببساطتها في المأكل و الملبس (حسب رد الحكيم) و تهمة التعالي حسب ردك.

البرج العاجي يعني عدم استيعاب الواقع و الانطلاق منه و البناء عليه بأدواته. فمثلا المثقفين الذين يتكلمون في الديمقراطية و العلمانية ليل نهار لا يرون الواقع جيدا برأيي. فهذا الواقع يقول أن 90% على الأقل من شعوبنا غير معنية بتلك المفاهيم ولا تطبيقاتها و لا هي من همومها! أغلبية شعوبنا تريد رفع مرتباتها لتشبع و تتزوج و تعيش مستورة. هل أبالغ؟ و الا فلماذا هذا الطلاق للسياسة و لماذا هذا الضعف و الانيميا في شعبية الأحزاب السياسية و غير ذلك من مظاهر تقول أن المثقف في واد و الشعوب في آخر.

بالنسبة للدكتورة نوال -التي أحترمها و أكن عالي الاعجاب بدماغها و ما قدمته لغلابة الأمة من فكر و جهد- في مقالتها تتكلم عن مفاهيم لا تسمح بها شراسة الواقع كالضمير مثلا. كيف سيعيش الضمير في مجتمع غاب jungle ? و هؤلاء الذين تخلوا عن الضمير و الأخلاق المثالية ليس لسوء فيهم بالضرورة و لكن لأنهم سيموتوا جوعا لو بقيوا أنقياء و دغري. و لذلك و من قبيل التكيف نجد الخداع و النصب و الاحتيال و الرشوة و المحسوبية الخ تستشري في المجتمع. اذن المحيط هو الذي دفع الجائع للنصب من أجل قوت عياله و دفع تلك الصحافية للاحتيال لان الترقية لا تكون للجهد النظيف بل ربما لسلعنة نفسها و هكذا
و كما ترى المدرسة السلوكية ان نحن غيرنا المحيط أو المنبه تتغير الاستجابة. و كما يقول الماركسيون ان الاخلاق جزء من البنية الفوقية و تتغير بتغير البنية التحتية. لماذا لا نجد كل مظاهر فسادنا في الدانمرك حيث الوفرة و الديمقراطية مثلا؟ لماذا حتى عندنا زمان كان العريس هو ابن الاصول و المتعلم بينما اليوم هو الكسيب و الراجل ما يعيبه الا جيبه؟ اذن ان غيرنا الواقع السياسي و تحسنت ظروف البشر و ساد القانون وووو الاخلاق نفسها ستتحسن. أما ان كنا سنلوم كل يوم جماعة من المذنبين و المذنبات فعمرنا ما رح نوصل لحاجة! لأن الواقع كل يوم يجر المزيد من الناس الى وحل الفساد.

أرجو اني أكون وضحت قليلا .. أما موضوع "النص" فسأفرد له موضوعا مستقلا حتى لا يضيع موضوع الهجمة على الدكتورة نوال في زحام الافكار و الحوار ... لو معندكش مانع يعني.

بالمناسبة يا حكيم

كل ما كبر الدماغ زاد التواضع والبساطة بينما الفقر الداخلي هو الذي يحتاج ديكورات خارجية لتغطي عليه.