الرأسمالية المضاربة والبروليتاريا الشيوعية
يشكل النموذج الرأسمالي النموذج الأعم المطبق في العلاقات الاقتصادية لمعظم شعوب العالم ، وإن كان لدى بعض الدول رأسمالية حقيقية وبعضها الآخر يسير على درب الرأسمالية وأخرى تحاول عبثاً تقليد هذا النموذج كدولنا ...
ومن نافلة القول أنه عندما يصبح النظام الاقتصادي رأسمالي أو يحاول تقليد الرأسمالية فإن العلاقات الاقتصادية التي تحكم الأفراد في ما بينهم في هذا المجتمع تصبح علاقات رأسمالية ... ويبدأ مفهوم الملكية بالتبلور بشكل أعنف وأشرس بحيث يقدم نموذج صراع حقيقي على التملك بين أفراد المجتمع أفقياً وعامودياً ..
وبغض النظر عن الطبقة المنتجة المسحوقة واتساع طيفها تدريجياً من الطبقة الوسطى لصالح الطبقات الفقيرة ، وطبقة الرأسماليين وتركزهم في مجموعة ضيقة ، وشريحة السماسرة التي تستفيد من الرأسمالية ، تعمل لصالح طبقة الرأسماليين على حساب الطبقة المنتجة وتستفيد مادياً ولكن بنسب لا تخولها اللحاق بالرأسماليين وتظل شريحة السماسرة تدير الأعمال للرأسماليين دون أن تكون طبقة منتجة حقيقية ..
والحقيقة أنه بدأ مفهوم الرأسمالية يصبح أكثر ضبابية وتشتتاً بين مفهومي الرأسمالية المنتجة و الرأسمالية المضاربة ...
فدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بأكبر حجم اقتصاد عالمي ، ونسبة دخل عالي للفرد ، وهي لا تنتج حالياً بقدر استهلاكها وحسابات الواقع لو أريد لها أن تطبق عليها بشكل فعلي بالنسبة لإنتاجها واستهلاكها ، لكان دخل الفرد أقل من ذلك بكثير ..
ودولة مثل الصين تطبق نظام بروليتارية رأس المال ... تنتج أكثر مما تستهلك ودخل الفرد متدني فيها ..
وعندما ندقق في هذا النموذج وذاك بغض النظر عن الهابط والصاعد أو المتغير والثابت ، فإننا سنرى أن مفهوم الشركات المتعددة الجنسيات هو المفتاح لهذا اللغز ...
إن مفهوم المتعددة الجنسيات يذكرني بشعار لطالما كان وردياً إلى مدة قريبة شعار " يا عمال العالم اتحدوا " ...
واليوم بعد أن طغى التوجه الرأسمالي على عقول الاقتصاديين وغيرهم كتوجه لا مفر منه لبناء نظم اقتصادية ومجتمعية متطورة ... لا بد لنا من أن نقف وقفة المتأمل في شعار لطالما رددناه ولم ندرك أبعاده ألا وهو العولمة ...
لا تبتعدوا بفكركم كثيراً ولا تستحضروا مفهوم عولمة الثقافة ... الظاهر أنه ليس الأهم ، فالثقافة سوف تعولم بفعل الاتصال والتواصل الطبيعي بين الشعوب ..
لكن استحضروا مفهوم عولمة الاستهلاك ، وقد يقول بعضكم أن الاستهلاك كمفهوم يندرج تحت مندرج الثقافة "ثقافة الاستهلاك" ...
إن عولمة الاستهلاك هي الهدف الحقيقي والرئيسي للرأسمالية التي تسعى لخلق أسواق جديدة في سبيل الربح وجعلها سوق واحد كبير دون حواجز وبالتالي عولمة السوق .
ففي حين سعت الشيوعية لتوحيد الطبقة العاملة المنتجة لخلق نظام عالمي جديد وفشلت في ذلك ظاهرياً ...
نجحت الرأسمالية في كسر الحواجز بين الدول تحت مفهوم عولمة الاستهلاك وأزالت العوائق الماثلة أمام الشركات المتعددة الجنسيات كالنظم السياسية المختلفة التوجه والبناء (ديمقراطي - دكتاتوري - اشتراكي - رأسمالي ..إلخ)...
وبقي أن تتوحد الطبقة المنتجة العالمية تحت راية رأسمالية المتعددة الجنسيات ...وبذلك تفعل ما عجز عنه الشيوعيين ... ولكن هل تحقيق هذا ممكن دون الشيوعية ... ؟
إن النموذج (الاقتصادي -السياسي) الصيني يبعث على التأمل بوصفه نموذج المستقبل المخيف والقاتم ..
فالرأسمالية بعد أن تحولت لرأسمالية "مساهمة مغفلة" لسهولة جني الأرباح تحتاج إلى نماذج إنتاجية غير مكلفة من اليد العاملة أو تحويل مصانعها للاعتماد على الآلة لتخفيف كلفة الإنتاج وبالتالي زيادة الأرباح .
وهنا يبدأ النموذج الصيني لعب الدور الأساس في إنجاح الرأسمالية المضاربة بتوفير اليد العاملة الرخيصة لها تحت شعارات البروليتاريا البراقة ...
نموذج اقتصادي يعتمد على الشركات المتعددة الجنسيات الرأسمالية من جهة وعلى طبقة العمال الشيوعية من جهة أخرى في النمو الاقتصادي ... وهذا الوحش المهجن القادم الذي لم أكن مقتنعاً حتى فترة بسيطة مضت أنه يستطيع النهوض في وجه الرأسمالية ... قد تبين أن هذا النموذج الغريب صنيعة الرأسمالية المضاربة وأحد مفرزات اتحاد الرأسمالية المضاربة مع الشيوعية العاملة ..
وأغلب الظن أن العالم في المدى المنظور يتجه نحو بروليتاريا متحدة من أجل الإنتاج ... ورأسمالية مضاربة متعددة الجنسيات من أجل إدارة السوق والاقتصاد العالمي ...
والسؤال الأكبر كيف سيكون شكل مجتمعاتنا ...؟
هل سيكون رأسمالياً في قمة الهرم شيوعياً في أسفله أما ماذا ..؟
ملاحظة : إن مصطلح البروليتاريا الشيوعية (على سبيل المثال) غير دقيق بالمعنى الاصطلاحي البحت ، لكني فضلت إعادة إنتاج فهمه إلى جانب مصطلحات أخرى خاصة بي في النص ..
انتهى