دبي - عنتر السيد؛ زوريخ - رويترز

ألقى التصويت الذي أجري في سويسرا على حظر بناء مآذن جديدة، الضوء على الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة في الدولة الواقعة في جبال الألب ويمكن أن يكون مقدمة لزيادة المشاعر الشعبوية المعادية للمهاجرين.

وعزز التصويت غير المتوقع والاقبال الكبير في استفتاء الاحد الماضي، مواقع حزب الشعب السويسري وهو قوة سياسية جديدة نسبيا هزت النظام القائم على تقاسم السلطة تقليديا في البلاد. وقال كلايف تشيرش وهو خبير في السياسة السويسرية من جامعة كنت "يمكن ان يكون بداية زيادة جديدة في قوة اليمين".


مخاوف من التبعات

وأكد يوسف أبرام، إمام مسجد جنيف، أكبر مساجد سويسرا، في حوار هاتفي مع "العربية.نت" الثلاثاء 1-12-2009 أن تداعيات قرار منع بناء المآذن سيخلّف وراءه تبعيات وأصداء عكسية على الجالية المسلمة في سويسرا بشكل خاص ، وعلى دول أوروبية اخرى بشكل عام.

وأبدى تخوفه أن تكون هذه الخطوة بداية لخطوات أخرى "كمنع النقاب ومنع الحجاب، والطعن في المؤسسات الإسلامية ومصالح المسلمين".

وطالب الجالية المسلمة في سويسرا التحلي بالهدوء واعتبار أن هذا "ليس قرارا حكوميا أو قرارا برلمانيا، إنما تصويت شعبي، وبحسب التاريخ السويسري فإنه إذا صّوت الشعب يعتبرون أن قراره يجزم بالسيادة الكاملة، وان كنا لا نرضى بهذا القرار لا دينا ولا خلقا، ولكن يجب أن نحترمه، وينبغي أن نقابله بحكمة وتعقل واتزان".

واعتبر إمام مسجد جنيف أن هذه الخطوة ستأثر على الدول الأوروبية الأخرى "لأن الكثير من زعماء الأحزاب اليمينية هللّوا وكبّروا وطالبوا بأن يحدث هذا في فرنسا أو هولندا وإيرلندا ، وطالبوا بالاقتداء بالشعب السويسري في منع بناء المآذن".

ويواجه حزب الشعب السويسري الذي نما بسرعة منذ الثمانينيات ليصبح اكبر حزب في البلاد، اتهامات بالعنصرية بسبب حملاته الصاخبة المعادية للمهاجرين بما فيها ملصق يظهر شاة بيضاء تركل شاة سوداء قبالة العلم السويسري.

وقام الحزب بحملة ضد مد حق مواطني الاتحاد الاوروبي في العيش والعمل بسويسرا وهي دولة ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي وهو ما وافق عليه الناخبون في فبراير شباط على الرغم من ملصقات حزب الشعب السويسري التي كانت تصور ثلاثة غربان تبعث على الشؤم وذات مناقير طويلة تنقر خريطة صغيرة لسويسرا.

وحصل حزب الشعب السويسري على اكبر حصة من الاصوات في الانتخابات العامة لعام 2007 ولكن نفوذه تقلص منذ ذلك الحين حيث انشق عليه فصيل ليكون حزبا اخر وفي احد الاوقات فقد كل مقاعده في الحكومة كما لم يحقق نجاحا كبيرا في الاستفتاءات.


التوجه سيبقى محصورا في سويسرا

ونفى د. محمد البشاري، الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الأوروبي ويضم 21 دولة أوروبية، في حوارهاتفي من فرنسا مع "العربية.نت"، أن يكون لنتائج التصويت في سويسرا على الدول الأوروبية الأخرى "لأن هناك انتقادات من طرف المجتمع المدني، و منظمات أوروبية ومؤسسات دولية وأممية ضد القرار العنصري".

وقال إن قرار منع بناء المآذن في سويسرا صدر في جو مشحون بالعنصرية ضد العرب والمسلمين، وأبدى مخاوفا "من أن يتسع هذا الاستفتاء إلى قضية الوجود العربي والإسلامي ذاته".

وصور ملصق حزب الشعب في تصويت يوم الاحد علما سويسريا مغطي بماذن مثل الصواريخ وصورة امرأة ترتدي شادور ونقاب اسودين في مواصلة لادبياته الانتخابية المستفزة.

وبينما تعد الجالية المسلمة في سويسرا صغيرة نسبيا حيث لا تتجاوز 300 الف شخص الا ان هناك قلقا اوسع بشأن الهجرة في دولة يمثل فيها الاجانب اكثر من خمس سكانها الذي يبلغ تعدادهم 7ر7 مليون نسمة.


تحذيرات من ردود الأفعال

وقال صلاح الجعفراوي، الأمين العام المساعد للمؤتمر الإسلامي الأوروبي ورئيس المركز الإسلامي السابق بألمانيا، للعربية.نت "نحن لانريد تغيير الدين والثقافة، لأننا نعلم جيدا أن ثقافة أوروبا ثقافة مسيحية، ولكن نريد أن نعيش كأقلية لها حقوقها، وميثاق الأمن والتعايش الأوروبي ينص في أحد بنوده على ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية للأقليات الدينية والعرقية، ونحن نريد أن يحترم الأوروبيون هذه المواثيق والاتفاقات والقوانين والدساتير التي وضعوها".

وحذر من أن "الشعوب الإسلامية شعوب عاطفية ومثل هذا الاستفتاء سيؤثر بشكل كبير عليهم". وأضاف "أناشد من موقع المسؤولية المسلمين العاقلين ألا يندفعوا وراء أفعال تسيء إلى روح وسماحة الإسلام".


وكانت نسبة الاقبال على التصويت 53% وهي اعلى من النسبة المعتادة التي تتراوح بين 35 و45 وصوتت 22 من بين 26 من مقاطعات سويسرا او اقاليمها لصالح المبادرة وتخالف نتيجة التصويت
استطلاعات الرأي الاخيرة التي اشارت الى ان اغلبية بسيطة هي التي تعارض الحظر.

وكان هناك انقسام واضح بين المناطق الحضرية مثل زوريخ والمناطق التي تتحدث بالفرنسية والمقاطعات الريفية التي تتحدث بالالمانية مثل شافهاوزن حيث دعم نحو 70% من الناخبين المبادرة.

وقال خبير الشؤون السياسية والثقافية السويسرية جوناثان شتينبرج من جامعة بنسلفانيا "انها تمثل علامة انتصار ضد البلدات والاجانب والاقوياء والافضل تعليما وغيره ونمط التصويت يؤكد ذلك".


أزمة هوية

وتعاني سويسرا من ازمة هوية منذ جردت الحرب الباردة حيادها من القدر الاكبر من معناه مما ساعد على تغذية صعود حزب الشعب السويسري.

وعلاقات سويسرا بالعالم الاسلامي متوترة بالفعل بسبب احتجاز رجلي اعمال سويسريين في ليبيا بعد اعتقال نجل القذافي في جنيف في عام 2008 لاتهامات باساءة معاملة خادمين وتم اسقاط الاتهامات التي كانت موجهة الى نجل القذافي في وقت لاحق.

وقالت صحيفة لو سوار الجزائرية في افتتاحية بالصفحة الاولى ان سويسرا يتعين عليها ان تعالج انعدام التسامح الديني وليس المسلمين الذين يريدون ان يمارسوا طقوس دينهم في سلام.

وقالت الصحيفة "هذا التصويت يصيب بالصدمة لانه تم في دولة تدافع عن العلمانية وتباهي بانها تعامل كل الديانات على اساس من المساواة".

ومن المرجح ايضا ان يعقد التصويت العلاقات فيما يلي العالم العربي وابلغ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر الاذاعة الفرنسية ارتيال ان التصويت "يضطهد ديانة".

وجذبت الاحتجاجات ضد التصويت في زوريخ وبيرن قلة من الحضور بينما كان المؤيدون للحظر يحتفلون في ابتهاج.

وقالت نادجا بيرين التي حضرت حشدا يدعم الحظر "من المحتم اننا سنحتفل انه لكي نظهر اننا لانريد الاسلام السياسي في سويسرا ليس لدينا مشكلة مع الاشخاص الذين يصلون في المساجد".

http://www.alarabiya.net/articles/2009/12/01/92903.html