الـ "تايمز" ودبي: عودة الابتزاز الاستعماري

هذا الذي حدث هو في تقديرنا أمر في منتهى الخطورة، ولا يجوز ابدا الصمت عنه او تركه يمر من دون وقفة.

والذي حدث ان صحيفة الـ "تايمز" البريطانية نشرت في عددها امس مقالا كتبه الصحفي جيم ماكلين يتحدث فيه عن الازمة المالية في دبي. الذي طرحه بالمقال من آراء هو طرح خطير بكل معنى الكلمة. وآراؤه تتلخص في ان الأزمة في دبي هي ابعد ما تكون عن كونها مجرد ازمة مالية، وانما تتعلق بمصداقية دبي، وبمصداقية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي شخصيا. ويعتبر ان الثقة من جانب الاستثمارات الدولية في دبي لا يمكن ان تعود ابدا. وهو يرى انه لا حل الا بمغادرة الشيخ محمد بن راشد الحكم في الامارة، بل ووصلت بكاتب المقال الجرأة لأن يقترح اسم من يجب ان يخلف الشيخ محمد في الحكم.

وبداية، وقبل ان نناقش هذا الطرح الخطير، نتساءل : هل هذا الكلام مجرد رأي لصحفي بريطاني لا علاقة له بأي مؤسسات رسمية بريطانية، وان الـ "تايمز" نشرته من هذا المنطلق فقط؟ لا نظن هذا ابدا. لابد ان هناك جهات بريطانية وراء الترويج لمثل هذا الطرح.

وليس هذا بالأمر الجديد على صحيفة الـ "تايمز". هذه العلاقة بين الجريدة والأيادي الخفية البريطانية في دوائر الحكم ليست جديدة. هذه الجريدة كانت طوال تاريخها من الحراس المخلصين لمصالح الامبراطورية الاستعمارية البريطانية. ولعبت الـ "تايمز" دوما دورا كبيرا في المؤامرات البريطانية لإسقاط حكومات وفرض حكومات في المناطق التي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وقد لعبت الـ "تايمز" مثلا دورا أساسيا في التآمر البريطاني على الرئيس جمال عبدالناصر في مصر عندما امم قناة السويس، وكانت هي التي اطلقت على عبدالناصر "هتلر النيل" في اطار حملتها للتمهيد للعدوان على مصر والتحريض على اسقاط النظام الوطني المصري.

وعلى اية حال، بغض النظر عن الايادي الخفية وراء ما نشرته التايمز عن دبي، فان عددا من الامور الاساسية لابد ان نسجلها هنا:

اولا : ايا كانت الاراء والمواقف من ازمة دبي المالية وحدودها وابعادها الحقيقية، فمن حيث المبدأ، هذا الذي طرحه الصحفي البريطاني هو صفاقة عنصرية قبيحة وتعبير عن نظرة استعمارية بريطانية مضى زمانها منذ عقود طويلة.

من يكون هو هذا الصحفي البريطاني حتى يعطي لنفسه الحق في ان يطالب برحيل حاكم دبي، او حاكم أي بلد في العالم؟

ثانيا: لا شك انه امر مشبوه تعمد المبالغة الشديدة في تصوير الازمة المالية في دبي على هذا النحو، وكأنما هي كارثة عالمية كبرى بلا حل او مخرج.

من دون أي تهوين من شأن ما حدث فإنه في نهاية المطاف، وكما ذكرت في مقال سابق، فان الازمة في دبي لا يمكن ان تقارن ابدا بالأزمة الطاحنة الكبرى في امريكا وبريطانيا، والتي قادت العالم كله الى الكارثة التي نعرفها.

اغلب الخبراء الاقتصاديين المنصفين يجمعون على ان ما حدث في دبي ومن دون التقليل من اهميته، الا انه في النهاية ازمة سوف يتم احتواؤها وتجاوزها وليست بهذا التهويل في صحافة الغرب.

وبالأمس مثلا، قال روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ان مشاكل دبي المالية يجري احتواؤها وحلها.
وبالمناسبة، اذا كان مرور أي بلد بأزمة هو مبرر لأن تنبري الـ "تايمز" بالمطالبة برحيل الحكم فيها، فلماذا لم تطالب مثلا برحيل الحكم في امريكا او في بريطانيا عندما اندلعت الازمة الكبرى وعلى الرغم من ان الازمة في امريكا سببت كوارث مالية للعالم كله؟

ثالثا: اذا كانت الـ "تايمز" تظن انها بهذا الذي نشرته تحاول بحث الازمة واستخلاص الدروس منها، او حتى المطالبة بمحاسبة المسئولين عنها، فلماذا من باب اولى لم تحاسب المؤسسات والبنوك البريطانية على سوء تصرفها وعلى اندفاعها في تقديم القروض للشركات والمؤسسات في دبي؟
ان احدا لم يجبر المؤسسات والبنوك البريطانية على ان تفعل هذا. بل هي، وكما ذكرت في مقالي السابق، بدافع الجشع والسعي لتحقيق الربح السهل السريع، اندفعت فيما فعلته. وهذه المؤسسات والبنوك البريطانية كانت بالطبع على علم وفهم كامل للنظام السياسي في دبي والامارات، وكانت دوما سعيدة وفخورة بالتعامل معه.

رابعا: اما عن التساؤل عن الجهات البريطانية الخفية التي يمكن ان تكون وراء ما نشرته الـ "تايمز"، فالأمر في تقديرنا ان هذه عملية ابتزاز رخيص لدبي من جانب المؤسسات والبنوك البريطانية وبالطبع بعض دوائر الحكم هناك.

القضية هنا انهم يعلمون تمام العلم انه ليس من حقهم مطالبة حكومة دبي بالوفاء بأي التزامات بتسديد قروضهم التي منحوها، فببساطة لم يحدث في أي وقت ان كانت الحكومة ضامنة لهذه القروض. وهم بهذا الابتزاز السياسي الرخيص والعنصري القبيح يظنون ان بمقدورهم اجبار حكومة دبي على دفع قيمة قروضهم. أي انهم بعبارة اخرى، يريدون بهذا الابتزاز ان يدفعوا حكومة دبي الى ان تتحمل مسئولية اخطائهم وسوء حساباتهم وجشعهم.

خامسا: بقيت ملاحظة اخيرة:
في تقديرنا ان دولة الامارات، ومعها كل دول مجلس التعاون الخليجي، يجب ان تحتج رسميا لدى الحكومة البريطانية على ما نشرته الـ "تايمز" وان تطلب توضيحات رسمية.

حين يصل الأمر الى حد هذه الصفاقة بالمطالبة برحيل حاكم عربي، فلا يمكن قبول الصمت العربي الرسمي، ويصبح الأمر اكبر بكثير من مجرد رأي لصحفي اومقال نشرته صحيفة.

أنور عبدالرحمن
أخبار الخليج

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	غزة الجبارين التي أسقطت اسرائيل وأعوانها أخلاقيا ...	نسمه عطرة	23	3,748	02-19-2009, 03:24 PM آخر رد: Romeo
	الديكتاتورية العادلة	Firas	1	887	01-28-2009, 11:34 PM آخر رد: Firas
	تسقط الحرية .. الديكتاتورية هي الحل	المقاتل7	14	2,052	10-18-2005, 07:17 AM آخر رد: Truth