بخصوص الـ كرامي

د. م. معلوف GMT 15:15:00 2005 الخميس 10 مارس
(بالإذن من فيروز وزياد الرحباني)



عندما صدح صوت الفنانة العظيمة فيروز (قلـْتـِلـُّـنْ بـَلـَدْنا عـَمْ يخـْلـَق جـْديد لبنان الكرامة والشـَّعب العنيد) تحرك اللبنانيون وقد أثقل (النار والبارود) كاهلهم: (مالذي نفعله بأنفسنا ويفعله الشريرون ببلد الأرز والعيد؟) ولما لم يجد الباحثون عن الحقيقة جواباً قالوا مع فيروز (عـَمْ يخـْلـَق جـْديد).
عنما أذاعت وكالات الأنباء بأسى خبر اغتيال ابن بيروت وعاشق لبنان (بشماله وجنوبه ..بجباله وسهوله) وراعي التصالح والتسامح واستعادة الفرح والعمران، تذكرت فيروز والشعب العنيد وجنون المبدعين .. وتذكرت أيضاً حقد أعداء الحياة ومافعلوه وما يمكن أن يفعله الظلاميون ممن لا تروق لهم سعادة الناس وفرحهم ولا يشفي غلـَّهم إلا الدمار والفوضى واقتتال أبناء الوطن الواحد وانتشار الفقر والبطالة والتخلف فتلك هي البيئة التي يستطيعون فيها البقاء والسيطرة.
بعد ساعات من تأكد أهالينا من الخبر المفجع تقاطروا إلى المكان نهراً بشرياً لم يتوقف هديره متخطياً ثلاثة أسابيع وكأن الفاجعة حدثت اليوم والحزن لم يخفّ.
حزن أهالي (بلد العيد) لا يقتصر على فقدانهم صانع الأعياد وخالق الأمل في عيونهم إنما هو حزن على مسيرة بناء واستقرار وتنمية لم يرد الظلاميون لها الاكتمال ..
ويعزي الحزينون أنفسهم (عـَمْ يخـْلـَق جـْديد)!
ولكن (الشعب العنيد) لم يكتف هذه المرة بالبكاء .. لن تـُنهي حزنه هوامش التسامح الواسعة التي يتحلى بها والتي نمت في العهد الحريري .. فالقضية أصبحت تمسّ حياتهم ومستقبلهم وكرامة هذا الشعب وكرامة لبنان أصبحتا في مهب الريح.
في ساعات الحدث الأولى كان رمز الإهانة الأول حكومة (الكرامي) التي لاتبالي بالكرامة .. فأصرَّ الشعب العنيد قبل كل شيء على إسقاطها .. ونجح في ذلك لأنه على حق.
قال الجميع قبل سقوط الحكومة: لو عندها أدنى درجات الكرامة لاستقالت ..
لم تستقل طوعاً .. لم تستفد من الفرصة التي منحها إياها الشارع ..
أُسقطتْ !! أسقطها شارع لبنان الكرامة .. أسقطها الشعب العنيد الحريص على لكرامته بعد أن سجل رقماً قياسياً في التسامح والتروِّي والصبر وطول الأناة ..
ومازال الشارع الراقي منتفضاً .. ومازال الشعب العنيد واقفاً يتساند شبابه مع الأرز الراسخ في تراب لبنان الطيب الغني بعرق أبنائه العنيدين ودماء شهدائه الأبطال، شباب مستقبله الباسم رغم أنوف العابسين والزاهر بألوان ورود لبنان وفاكهة لبنان وحـِسان لبنان.
ومازال رافعوا العلم النضر مصرِّين على مطالبهم الإنسانية المشروعة يدعمهم في ذلك كل عشاق الحرية والحياة في أصقاع العالم: أن يسقط المجرمون قبل أية مفاوضات وأن تبقى راية لبنان التقدمي العلماني الحر الصامد مرفوعة بسواعد أبنائه نقية بفكرهم النيـِّر.
والشعب العنيد الذي أسقط حكومة اللامبالاة والاستهتار والعبثية صوناً لكرامته لن يرضى عودتها .. والكرامي الذي رضخ لإرادة الشارع المنتفض اعترافاً منه بفشل حكومته ويقيناً بأنه ليس على (قدّ الحـِمل) لا يعود إلا في حالة شديدة الاستثنائية والخصوصية تبدأ بالتخلي عن الكرامة الشخصية وتمر بوعود رئاسية ووصائية بالحماية والدعم من مدمني الموالاة العمياء ولا أحد يعرف كيف ستنتهي.
ولا أظن أن الادعاء بتطوع كهل متقاعد صحياً وسياسياً لانتشال البلد من مأزقه و (فراغه) ينطلي على أحد .. فقد طرحت الجماهير اللبنانية المنتفضة حلولاً عقلانية وعادلة وشديدة الحرص على السلم الأهلي وعلى انتشال البلد من مآزقه المتراكمة والمستمرة والمتوجة بالخروقات الدستورية وبالتبعية المثبطة لأبسط مقومات الاستقرار والبقاء والتطور.
سيكون أول أشكال الطعن للسلم في (لبنان الكرامة) عودة من أسقطه الشارع النزيه الصادق إلى سدة الحكم رغماً عن أبناء الوطن [SIZE=6]ولن يكون هناك تفسير لعمل أحمق من هذا النوع سوى الغباء السياسي عند بعض أصحاب العقول في (عين التينة) أو النوايا السيئة عند الآخرين (الموالين) .. وفي كلتا الحالتين سيعيد هؤلاء المقامرون بلدنا الجميل إلى خانة (عـَمْ يخـْلـَق جـْديد).


:nocomment: