الأخ ساير .
يا صديقي .. الأمر أبسط كثيرا .
أعتقد أن هناك خلط مبدئي يؤدي إلى تشابك بين فكرتين في حاجة لفك اشتباك ، لدينا عربيان مختلفان جد اختلاف ، العربي الغازي القادم من الجزيرة ، و عربي العصر الحديث . الأول قام بعملية غزو واسعة للحضارات المجاورة و دمرها ، أما الأخير فهو منتج بشري لعملية دمج هائلة لشعوب الشرق الأوسط القديمة التي تم غزوها و فرض الإسلام عليها . الأخير هو من أعني بقولي نحن .. نحن عرب العصر الحديث ، العربي المعاصر ليس مطالبا أن يرى نفسه امتدادا لجنس بائد لمجرد أنه يحمل نفس الإسم ، ليس مطالبا أن يقدس أصنام قريش ، أو أن يرى تاريخ عربي الجزيرة القديم دينا منزها عن النقد ، بل هو في حاجة إلى البحث عن ذاته بعيدا عن أساطير الماضي التي كبلت عقله ،و التي تقوده الآن إلى هوية إسلامية أحادية حاكمة .
إننا في حاجة لفك الإشتباك مع الماضي ، للتحرر من كل ما يكبل عقولنا و يستأسر أرواحنا ، نحن في حاجة للتحرر من التاريخ الحكومي و من علم الأنساب ، نحن في حاجة للتحرر من " سيدي " عمر ، و " سيدي " عمرو و من كل السادات . نقبل بالتاريخ العربي كغيره من تاريخنا ،و لكن ليس هو كل تاريخنا ، مرحبا به في حجمه و سياقه ، فالعربي الحديث هو وارث لكل حضارات المنطقة ، بما فيها حضارات بين النهرين و حضارة مصر القديمة و حضارة الفينيقيين . إننا ندعوا لفهم الغزو البدوي لمصر و حضارات المنطقة في نسقه الطبيعي ، فالتاريخ القديم يكاد يكون تكرارا لنفس القصة ، قبائل بدائية تعيش على أطراف حضارات كبيرة ، و في لحظة تاريخية فارقة ، تبدأ تلك الحضارات في التحلل ، بينما تتجمع القبائل البدائية تحت قيادة قوية ، فتقوم بغزو الحضارة أو الحضارات المجاورة و تحل محلها . هذه القصة تكررت دائما ، الغزو العربي لا يختلف في شيء عن غزو الهكسوس لمصر الفرعونية ،و غزو قبائل الفرس الأخمينيون لبابل و بلاد بين النهرين ، و غزو المغول للصين بقيادة جنكيزخان ، أو غزو قبائل الهون بقيادة أتللا Attila ثم غزو القائد الألماني Odovacer للإمبراطورية الرومانية الغربية .
إذا الحقائق التاريخية واضحة .. العرب توحدوا خلف زعيم قبلي هو النبي محمد ، و تمكنوا في عهد خلفائه من غزو الفرس و مصر و الشام و غيرها ، ثم فقدوا نفوذهم في الإمبراطورية التي أنشأوها ،و عاشوا على حدود العمران أو عادوا لمعتزلهم الصحراوي ، و تمكن الفرس ثم الأتراك من السيطرة على الإمبراطورية و حكمها حتى العهد الحديث ،و هكذا نجد أنه حتى الدولة العربية عانت من نفس الآلية التي صنعتها ، فسقطت فريسة لغزوة تركية ، جعلت من كل الشعوب المستعربة رعايا في دولة يقودها الأتراك .
مشكلة المسلمين أنهم يرون التاريخ دينا ..و ذلك نوع من العماء الثقافي يؤدي إلى أصوليات دينية خانقة تكاد تقتلنا .