نعم أتفق معك تماما أن الخداع هو اتفاق صامت بين طرفين ، ولا يمكن أن ينخدع الإنسان دون موافقته الضمنية .
اعتدت أن اكتب عبارة اليانور روزفلت بخط كبير و أضعها تحت زجاج المكتب

" .No one can make you feel inferior without your consent"

"لا أحد يستطيع أن يجعلك دونه بدون موافقتك" ، لا يمكن للمصري أن يشعر أنه دون العربي عندما يعمل في الخليج ، ولا للمسيحي أن يشعر أنه دون المسلم في مصر ، أو ان يشعر الشيعي أنه دون السني أو العكس ، دون أن يكون مستعدا لقبول ذلك ، فالبشر متساوون جميعا ،و لا يمكن لدين أو عرق أو لون أن يعطي إمتيازا لأحد سوى للبلهاء بين المغفلين .
ربما سيبدوا غريبا أن هناك مثال يحضرني لرجل رفض الدونية التي ألصقت به دون إرادته فسما في قومه ، هو سيدهم " عمرو بن العاص " . كانت أم "عمرو بن العاص" من طرائف ( بغايا ) العرب، فقدمت مكة ومعها بنات لها فوقع عليها نفر من قريش منهم: أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، والعاصي بن وائل في طهر واحد، فلما ولدت عمرا، اختلفوا فيه واختصموا، ثم تركوا الخصام إلى أبي سفيان والعاصي بن وائل، فحكما أمه فقالت: هو للعاصي، فقيل ويلك ما صنعت وأبو سفيان أشرف من العاصي؟ فقالت: إن العاصي يعول بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان، لم ينفق على شيئا" (القرط على الكامل –ابن سعد الخير-ص171) ، و رغم أن الفسوق كان فضيلة بدوية ، " فقد عيره بذلك علي وعثمان والحسن وعمار بن يسار وغيرهم من الصحابة" (السيرة الحلبية ص 40) . و لكن عمرا كان قوي الشخصية ، فلم يقدم موافقته الضمنية لأصله الوضيع ،و لكنه استطاع بذكائه و سعة حيلته أن يصبح من كبار رجال تاريخ الإسلام ، فهو القائد البارع متحجر القلب ، وهو السياسي المناور الذي تلاعب بكل أشراف عصره بين أصابعه ،وهو الذي غير مصير الصراع بين علي و معاوية لصالح الأخير ، هو الذي سخر من المصريين و اهانهم فأطلقوا عليه " سيدنا" حتى اليوم .. هذا هو الفرق .. الفرق بين من رفض الدونية رغم أصله الوضيع فأصبح هو أصلآ ينسب إليه ،ومن يتمسك بالدونية رغم تاريخه المجيد ، فيتبرأ منه التاريخ و يصبح نكرة يبحث عن نسب في خيام بدو الجزيرة !.
كل شيء يبدأ من العقل .. الرفعة و الضعة .. النصر و الهزيمة .. الفكر و البلاهة .
وهذا تحديدا ما نريد تغيره .. العقل .
نحن في غمار عملية جراحية تاريخية لزرع عقل في جماجم افتقدته طويلآ .