وجهة نظر في العلاقات التركية العربية من مختص:
إسرائيل وجبهة الأناضول
ساطع نور الدين
عن سابق تصور وتصميم، عمدت اسرائيل الى استهداف تركيا ودورها العربي الجديد، وبطريقة وحشية تزيد من صعوبة التكهن في الرد الذي يمكن ان تلجأ اليه انقرة، وما اذا كانت ستقرر الانكفاء وسحب أساطيلها السياسية المنتشرة في شرقي المتوسط ام انها ستمضي قدما في المواجهة مع الاسرائيليين حتى تجبرهم على التسليم بمصالحها العربية الحيوية، التي لا تستمد شرعيتها من تحويل فلسطين مرة اخرى الى قضية تركية، انسانية في الغالب، بل ايضا من التغطية السياسية التي يوفرها الحكام الأتراك لكل من سوريا ولبنان..
ثمة ما يبرر الاعتقاد بأن اسرائيل استهدفت تركيا على النحو البشع، فقط لانها تريد ان ترد على الوساطة التركية المتقدمة في الملف النووي الايراني والتي كانت، قبل الهجوم على اسطول الحرية المتجه الى غزة، تقترب من لحظة الحقيقة وتنتظر إجابة اميركية نهائية على اتفاق طهران الثلاثي الايراني التركي البرازيلي الخاص بتبادل اليورانيوم. وهي اجابة يمكن ان تتأخر بعض الشيء، كما يمكن الا تصل ابدا الى انقرة ومنها الى طهران، وتعيد الامور الى نقطة الصفر القريبة من حافة الحرب.. التي يريدها الاسرائيليون ويلحون عليها.
وليس من المبالغة القول ان ما جرى في مياه المتوسط كان بمثابة اشارة الى ان اسرائيل التي اعترضت منذ اللحظة الاولى على اتفاق طهران واعتبرته خدعة ايرانية هدفها كسب الوقت، قررت توجيه انذار الى تركيا بأنها تخطت الخطوط الحمراء في وساطتها الايرانية، وأجبرت وزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو على التوجه الى مجلس الامن الدولي في نيويورك لمتابعة تداعيات المذبحة الاسرائيلية بحق ركاب اسطول الاغاثة التركي الى غزة، بدلا من ان يطير مباشرة الى واشنطن لسماع موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما من اتفاق طهران.
هناك اكثر من مؤشر على ان انقرة تلقت بوضوح الرد الاميركي على وساطتها الايرانية، عندما قرأت رد فعل ادارة اوباما على مذبحة المتوسط، الذي جاء من اللحظة الاولى ليغطي بالكامل الهجوم الاسرائيلي على سفن الاغاثة ويبرر سقوط القتلى والجرحى ويحول دون أي إدانة او محاكمة دولية لمنفذيه.. وهناك اكثر من تقدير بأن الدبلوماسية التركية ستضطر الى التراجع والالتزام بالحدود التي رسمها الاميركيون، هذه المرة بواسطة البحرية الاسرائيلية، التي كانت تنفذ توجيهات او على الاقل تمنيات اميركية، بإنهاء هذا الانتشار السياسي التركي الواسع الذي فاق التوقعات!
وبغض النظر عن حملة الإدانة التي اثارتها مذبحة المتوسط في اوساط الرأي العام العربي والغربي، والتي يمكن ان تنسى خلال ايام ،
فإن اسرائيل لم تغامر بسمعتها ولا بدورها، بل الارجح انها بدأت حملتها العسكرية والسياسية المضادة، التي تخرج جيشها من حالة الدفاع عن جبهته الداخلية، الى حالة الهجوم على الجبهة التركية التي تصيب إيران وسوريا ولبنان، وتبلغ الدول الثلاث ان الحرب لم تعد خيارا صعبا او مؤجلا بالنسبة الى الاسرائيليين الذين أنهوا للتو مناورات تشمل جميع الجبهات.. بما فيها جبهة الاناضول.
الدبلوماسية التركية ستضطر الى التراجع والالتزام بالحدود التي رسمها الاميركيون، هذه المرة بواسطة البحرية الاسرائيلية، التي كانت تنفذ توجيهات او على الاقل تمنيات اميركية، بإنهاء هذا الانتشار السياسي التركي الواسع الذي فاق التوقعات!
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1556&ChannelId=36260&ArticleId=254&Author=ساطع نور الدين