ليبرمان وأوباما
الجمعة, 04 يونيو 2010
حسام عيتاني
عندما يهبط عناصر القوات الخاصة الاسرائيلية في المرة المقبلة، على سفينة مساعدات انسانية في المياه الدولية، يتعين على طاقمها وجميع الركاب التزام الهدوء والتسمر في أماكنهم خشية تهديد أرواح الجنود الذين يقومون بواجبهم في حماية امن إسرائيل.
أي خروج عن السنياريو هذا يبرر للجنود إطلاق الرصاص الحي دفاعاً عن النفس. ومعلوم أن سلامة الجنود الإسرائيليين تعلو اي اعتبار آخر. هذه عيّنة من سيل البلاهات التي ملأ المسؤولون الإسرائيليون موجات الأثير بها وساندهم عدد من الصحافيين والمنافحين عن «حقوق إسرائيل» التي هددتها مجموعة «متطرفة مرتبطة بالجماعات الإرهابية» حملت معها إلى السفن أسلحة من طراز المقلاع والسلاسل الحديد.
والحال أن الهجوم الإسرائيلي يكشف أكثر من الاعتماد المتزايد على العنف والافتقار إلى الخيال والتجديد في القيادة الإسرائيلية، على ما أفتى دافيد غروسمان (في «هآرتس» امس الأول) وأكثر، أيضاً، من وقوع إسرائيل ضحية صورتها التي رسمتها لذاتها كدولة صغيرة يحيط بها من كل جانب أعداء من صنف الجبابرة، وتعاون الإعلام الأميركي معها على ترسيخ الصورة تلك (مقالة جامايكا كينكايد في الصحيفة عينها)، ويصل إلى حد القول أن الحكومات الإسرائيلية – المنتخبة ديموقراطياً- باتت عاجزة عن وضع جدول بسيط بالأولويات السياسية.
فعندما يصبح الحفاظ على موقع أفيغدور ليبرمان وحركة «شاس» في الإئتلاف الحكومي أهم من الاستجابة للمطالب الأميركية بوقف الاستيطان ولو وقفاً شكلياً، نكون أمام حالة خطيرة من الاختلال في تقدير الموقف. صحيح أن ما صدر عن الإدارة الأميركية في شأن السفن المتجهة إلى غزة لا يرقى إلى حد أدنى من الحرص على القانون والنظام في المياه الدولية (فيما ترسل واشنطن سفنها الحربية لمكافحة قراصنة الصومال البائسين)، إلا أن الاتجاه العام في السياسة الأميركية يشهد في الأسابيع الماضية انكفاء عن متابعة محاولات إحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني.
سبب الانكفاء هو ما يوصف بالتعنت الاسرائيلي، أو بكلمات أخرى،
تحول ليبرمان إلى العامل المحدد لسياسات الحرب والسلم في الشرق الأوسط، طالما ان مصير الحكومة الاسرائيلية أهم، في عين نتانياهو، من العلاقة مع أوباما ومن مصير مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة ومن مستقبل السلام في المنطقة بأسرها.
ومقابل التخبط والإفلاس العربيين، وتصاعد الدورين التركي والإيراني في الشرق الأوسط والعالم (على ما تدل خريطة انتشار المسؤولين الأتراك لحظة وقوع الأزمة، على سبيل المثال)، يتفاقم الانغلاق الإسرائيلي على الذات المريضة والنرجسية والعمياء عن رؤية كل ما يتجاوزها. فيصبح الحرص على سلامة الجنود الإسرائيليين واجباً أخلاقياً عالمياً وتصبح كل الدول التي أدانت الجريمة الإسرائيلية ضد سفن التضامن والمساعدة، «منافقة». والنفاق، ايضاً، هو التهمة التي وجهتها حكومة نتانياهو قبل أيام إلى الأسرة الدولية لمطالبتها إسرائيل بالانضمام الى معاهدة حظر الانتشار النووي.
ولئن كانت الصورة على ما تقدم، فاحتمالات الصدام العنيف تبدو أكبر بأشواط من احتمالات التسوية. المحزن أن
محوري الصدام يتشاركان في العديد من الصفات، أهمها الإنغلاق على الذات المعصومة عن الزلل، ما يؤدي إلى وضع العالم كله في معسكر الأعداء.