هل رحب الأقباط بالغزو العربى الإسلامى؟

الفتره ما بين 603م-644م

يروج المتأسلمون أسطورة مفادها ؛ أن المصريين القدامى استقبلوا الغزو العربي بفرحة شاملة ، و أنهم لم يكفوا عن الرقص و الغناء إحتفاءا بالمحرر العظيم "سيدنا عمرو بن العاص" ، بل ربما يعتقدون أن المصريين خرجوا لإستقبال المحرر العظيم بالأناشيد و سعف النخيل ، و هم يهزجون و ينشدون باللغة العربية التي تعلموها إلهاما كأهل الجنة :"
" طلع الموت علينا من دياجير الظلام
وجب الشكر علينا ما غزا مصر اللئام .
أيها الملعون فينا .. جئت بالموت الزؤام
جئت دمرت الحضارة ..مرحبا يا ابن الكرام !"
و قد أطاحت الفرحة العارمة بالعقول ، فلم يكد يشاهد المصريون البطل الهمام ، حتى ذبح النصف أنفسهم ثمنا بخسا لرؤية أنواره البهية ،واصطف الباقون طوابيرا طويلة ، ثم أسرعوا بالذهاب إلى المدينة لمشاهدة قبر النبي و التبرك به ، قبل أن يسلموا أنفسهم – بكل سرور- عبيدآ لخليفته العادل ، خلال ذلك كله يشنفون آذانهم بصراخ بناتهن و هن يغتصبن من جماعة "خير القرون" .
خارج تلك الأساطير التي يروجها السفهاء ولا يقبلها سوى الأغبياء . يقول المؤرخ الشهير صمويل بتلر ( الذي برأ المسلمين من حرق مكتبة الأسكندرية ) : " والحق أننى ألفيت نفسى مضطراً إلى مخالفة جل ما أستقرت عليه الآراء فى موضوع الفتح العربى ، فإنك تجد تاريخ الغزو حتى فيما كتبه أحدث المؤرخين وأقربهم عهداً لا تزيد فى مجملها عما يلى : " أنه قبل غزو العرب ودخولهم فعلاً فى البلاد كانت مصر قد وضعت عليها الجزية مدة ثلاث سنين أو تزيد ، وضعها قيرس ( المقوقس) ثم منع منويل تلك الجزية فجاء العرب يغزون البلاد من أجل ذلك ، وأن المقوقس كان من القبط وإنضم إلى العرب وأن القبط عامة رحبوا بالغزاة ورأوا فيه خلاصهم وقدموا إليهم كل مساعدة ، وأن الإسكندرية فتحت عنوة بعد حصار طويل ملئ بالحوادث العجيبة والمخاطرات المثيرة " .
مثل هذا التاريخ هو ما أثبته المؤرخون ، ولعل القارئ يظن أننا نغالى ونبالغ إذ نقول أن تلك القصة لا حقيقة لها من بدئها إلى ختامها ... . ولا شئ أدعى للنظر ولا أروح للنفس من أن نفحص تلك الحقائق ، ونرى كيف حورت حتى أمكن أن تلفق منها قصة تاريخية كاذبة وإن شئت قلت خرافة ". وفى ص 42 قال بتلر : " بدأنا درس هذا التاريخ وكان الإعتقاد السائد أن القبط ساعدوا العرب ورحبوا بهم ، غير أننا أضطررنا إلى أن نعتقد أن التاريخ قد ظلم القبط فى ذلك ظلماً فاحشاً " .
وقال بتلر أيضا : ( نستبعد أن يكون القبط قد أظهروا شيئا من الموده للكفار الذين كانت أيديهم ملطخه بدماء إخوانهم فى الدين فى أنطاكيه وبيت المقدس ) ، ومن الادله البديهيه والمنطقيه أنه إذا كان الاقباط قاوموا أباطره القسطنطينيه وأبوا أن يقبلوا إعتناق مجرد تحوير لفظى فى عقيدتهم ؛ هل يعقل أنهم يرحبون بأمه جديده ودين جديد ؟ ، كما أن غزو الفرس( 617-627 م) لم يكن بالمثل البعيد ، حيث خسر الاقباط حوالى 80000 رجل فى مدينه واحده ، ودمر الفرس620 ديرا وكنيسه .
يمكن بصفة عامة ان نقسم مقاومة أقباط مصر الغزو العربي إلى نوعين من المقاومة :
1- المقاومة السلبية: في مواجهة جشع الحكام الجدد وفرضهم لصنوف الضرائب، وتعنتهم في أساليب الجباية، لجأ القبط إلي أساليب المقاومة، مثل الهجر الجماعي للمزارع والهرب من مكان لمكان فرارا من التعسف، بعد ما أصبح الإلتجاء إلى الأديرة لا يعفيهم من الالتزامات المادية. لكن الحكام قابلوا هذا بشراسة وفظاظة تليق بهم، فلم يعد مسموحا أن يترك الفرد موطنه للسفر أو الاستيطان في منطقة أخرى بدون تصريح محدد (جواز سفر!) لضمان دفع جزيته. وكانوا يستولون على أراضي من لا يعودون ويعطونها لقبائل الأعراب ثم يجبرون الفلاحين القبط على زراعتها دون مقابل! أما الأرض التي يزرعها العرب فقد كانت “عشرية” أي لا يدفع عنها خراج، بل الزكاة فقط.
2- لمقاومة الإيجابية: بسبب زيادة الضرائب الظالمة بشتى الطرق (بما في ذلك إجبار الأحياء على دفع جزية الأموات!)، وتعاظم أساليب القهر في جمعها، أخذت المقاومة شكل «الثورات» ودامت لأكثر من قرن وشملت الوجهين القبلي والبحري وأُخمدت كلها بالقوة. وكانت أولى الثورات أيام الأمويين في (٧٠٦م)، واحدة في الدلتا وأخرى بالصعيد. وقامت ثورة ثالثة (٧٣٨) ثم رابعة (٧٤٠م) وخامسة (٧٤٩) في آخر أيام الأمويين، قُمعت بعنف مما دعا القبط لمساندة العباسيين. ثم كانت ثورة الشموريين (٨٣١ م ) التي انتهت بمذبحة وحشية وتهجير جماعي للباقين على قيد الحياة إلى مستنقعات الأهواز بجنوب العراق، وذلك على يد الخليفة العباسي عبد الله المأمون، الذي تُخلِّد الدولةُ المصرية ذكراه العطرة بإطلاق اسمه علي واحد من أكبر شوارع “مصر الجديدة” (!)
وقد كانت تلك الفترة استثناء لم يعد بعده القبط لمواجهة العنف بالعنف، والتزموا بالمسالمة التي دعت إليها وشجعت عليها الكنيسة.
.......................
لمنع الإسترسال سأضع تفاصيل المقاومة المصرية في مداخلة منفصلة لمن يريد .