هذا الموضوع، مثل الكثير غيره هنا، يجعلني أتساءل عن "عقل المؤمن" وكيفية عمله؟ فعقل المؤمن تراه مخدّر مغيّب تماماً عندما يتعلق الأمر بإيمانياته هو، وتراه يقظاً متحفزاً عندما يتعلق بإيمانيات غيره.

الموضوع الذي يتعرض له "أتماكا" هنا هو موضوع يقع بين بين وفي منزلة بين المنزلتين - كما تقول المعتزلة في غير هذا السياق-. "فأتماكا" يستنجد بالعقل كي يسخر من فكرة "تجسد الإله" في المسيحية، وفي نفس الوقت يتغاضى عن فكرة "الحبل بلا دنس" في القرآن الكريم وجميع الصفات "غير الطبيعية وغير العقلانية" التي خلعها كتاب المسلمين المقدس على شخص "السيد المسيح".

يريد "أتماكا" من القراء أن يهزلو معه ويسخرو من "فكرة التجسد" غير العقلانية، وينسى أن "إيمانياته" نفسها تضمنت الكثير من مفارقة للعقل في نفس الموضوع الذي يريد الهزل فيه. "فأتماكا" لا يستطيع أن يبتلع فكرة "الله المتجسد في رحم عذراء" ويستنجد بقوانين الطبيعة والعقل البشري في سبيل دحضها، ولكنه يبتلع بلذة فكرة "كلمة الله وروحه" و"نفخ الملاك في رحم السيدة العذراء" ويعتبرها كلام لا يأتيه الباطل لا من خلف ولا من قدام. فما الذي يحصل حقاً في عقل الإنسان عندما يؤمن ويتديّن؟ هل هو بيت "أبي العلاء" القديم القائل:
إثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا
دين، وآخر ديّن لا عقل له ؟

لا أدري حقاً، ولكن الأكيد هو أن الدين لا يترك للعقل مجالاً إلا على هامشه البعيد. فوظيفة العقل في الدين هي "التبرير" "والترقيع": أعني العثور على "شواهد مادية عقلانية" تدعم بعض "المزاعم" الدينية من ناحية، ثم محاولة "ترقيع" الأفكار الغيبية من خلال بعض الحجج المنطقية. ويبقى الدين بعد كل ذلك عبارة عن "مخدرات" قل نظيرها من ناحية الجودة والنجاعة في تغييب الوعي الإنساني والفتك بالمنطق البشري.

-----------

على الهامش: أحياناً أقول لنفسي، هدفي في الحياة - بالنسبة لي على الأقل - واضح معروف قوامه أن أعيش حياة سعيدة (السعادة بمفهومها الشامل من حقوق ووواجبات). فهل من الضروري أن أكون منطقياً عاقلاً دائماً؟ وما الضرر لو اعتنقت شيئاً من الشعوذات الأسطورية (الديانات) إن كانت تستطيع هذه أن تدخل إلى حياتي بعض الأمل والألق في عالم مادي لا يرحم؟ ما الضرر من "المخدرات الخفيفة" اللطيفة؟ يا أنت الذي تحب السيجارة والكأس باعتدال ولا تريد عنهما بديلا.
لا مشكلة إلا واحدة هي "الطبيعة الشمولية للأديان" وقوة تخديرها التي تجعلها قريبة من "الهيروين والكوكايين" وليس من "السجائر الخفيفة والنبيذ الفرنسي". فآلهة الأديان آلهة متعبة متطلبة كثيراً، و"الخدر" الديني خدر قد يقتلعك من نفسك ويرمي بك على الأرجح إلى التهلكة إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد. وهذا ليس على الصعيد الفردي فقط، بل لعله على الصعيد الجماعي أيضاً .. والأمثلة كثيرة.

واسلموا لي
العلماني