طقوس تقديم القهوة في الأجهزة الأمنية السورية
هيام جميل -النداء
10/ 07/ 2010
"فنجان قهوة" هو الاسم المستعار للاستدعاء الأمني في سورية، حيث أصبحت الأجهزة الأمنية هي المكان الأبرز لتقديم فناجين القهوة ضمن غرف مغلقة وعبر طقوس خاصة لا يعرفها إلا السوريون "المحظوظون"،
فناجين قهوة سادة، بالحجم العادي، اكسترا، مع سكّر أو بلا سكّر، بهال أو بدونه، وفي معظم الأحيان "قهوة مرّة".
ومنذ اللحظة التي تتم فيها دعوة الناشط أو الكاتب أو المواطن العادي للاستدعاء الأمني يبدأ الرعب،
حيث غالبا ما يكون التبليغ عن طريق الهاتف، رقم غريب ومتصل مجهول يتحدث بلهجة آمرة طالبا الحضور في الموعد المحدد إلى الفرع رقم "..." المكتب "..."، وبالطبع فإن الأمر ليس أقل توترا في حال قيام العناصر بثيابهم المدنية وسياراتهم "الاستيشن" بنشر الرعب في حارة المستدعى وصولا لصبه فوق رؤوس ذويه، ليوقع على التبليغ بيد مرتجفة مرددا بصوت مستنكر "خير انشالله".
هنالك طريق طويل قبل الوصول إلى الإدارة المحاطة بسور عظيم ينتشر على أطرافه عناصر أمنيّون مدججون بالسلاح، حتى لتحسب أن الجبهة هنا، وفي أعلى المبنى الضخم يخفق علم الوطن ولكن بألوان مشبعة بالألم.
يطلب من المستدعى أن يبرز هويته الشخصية ليقوم شخص جالس في "الكبين" المغلق بنقل المعلومات آمرا إياه أن ينتظر مع مجموعة من الأشخاص الذين يعلو وجوههم الوجوم، شخص يحمل ورقة هامة جدا تؤهله للعبور بصحبته إلى الداخل، ممر طويل يجهل تفاصيله يقوده عبره، هنالك صالة كبيرة للانتظار، أدراج وطوابق أعلى وتحت الأرض، لكنه سيشرب القهوة في الغرفة التي يريدونها هم، حيث يجلس منتظرا إياه من دعاه إلى فنجان القهوة.
يستقبله بوجه متجهم حتى وإن كان مبتسما، هو صيده الثمين، العنصر الأمني دعاه ولكن عليه هو أن يدفع على حساب أعصابه ثمن هذا الفنجان الذي سيشربه.
يبدأ الترحيب بالمستدعى عبر استمارة معلومات عامة، يجلس ليجيب عنها شفهيا أو كتابيا وسط الأثاث الكئيب
والحيطان المثقلة دوما بالصور الكبيرة للثلاثي الرئيس الخالد والرئيس الحالي والشهيد الباسل.
بعدها يبدأ التحقيق يكشف عن وجهه الحقيقي المخيف، الأسئلة تحاصر المستدعى لتضعه في زاوية الاتهام دوما.
درجة ذكاء الأسئلة تختلف من محقق لآخر، ودرجة المتابعة أيضا تختلف من فرع لآخر.
القضية ذاتها قد يستدعى الشخص من أجلها من قبل أكثر من أربعة أفرع مما يدلل على حالة الفوضى وعدم التنسيق التي تعيشها الأجهزة الأمنية السورية، ومما يجعل المستدعى يشعر برعب إضافي لأنه يعرف أنه لا يتعامل مع مؤسسات دولة يحكمها نظام واضح.
من جهة أخرى فإن التحقيق الذي يشمل القضية المطروحة غالبا ما يزحف إلى الشؤون الشخصية للمستدعى، رجلا كان أو امرأة وهو شكل من أشكال الابتزاز للحصول على المعلومة التي يفترضها المحقق ويريد أن ينطقها المستدعى.
يتم التهديد داخل التحقيق بالاعتقال التعسفي والإخفاء وبالتعذيب الجسدي والنفسي، وبهدف إحكام جو الإرهاب النفسي كثيرا ما يتم نقل المستدعى إلى منفردة ضيقة مليئة بالقوارض يسمع بعد أن يغلق بابها صراخا وأصواتا مرعبة، ليبقى هناك لساعات.
وكثيرا ما يرتفع صوت المحقق مرددا خطابا قوميا وطنيا على مسامع من يحقق معه، تتراوح اللهجة فيه مابين الترغيب والترهيب، ممجدا وضع البلاد الاقتصادي والسياسي وقائد الوطن الممانع مهيبا به ألا يكون عونا للخونة الذين يريدون السوء بهذا الوطن، الجنة، التي نعيش فيها.
كما أن لفنجان القهوة طعم الترهيب حين تتكرر الدعوة دون أن يكون هناك مبرر واضح، ويتم التهديد بالاعتقال في حال عدم الامتثال والحضور في الموعد "المقدس" المحدد.
وبالتأكيد فإن هنالك إرهابا مضاعفا يمارس على المرأة دون الرجل، نتيجة العادات والتقاليد وثقافة المجتمع، لتمارس الأسرة دور فرع أمني يرهب المرأة لتتوقف عما يجعل الأفرع الأمنية تطلب حضورها ويجعل من الأسرة كلها عرضة لغضب الأمن، ولألسنة الناس.
وبينما مازالت النكات تطال الأفرع الأمنية وممارساتها فإن الرعب لازال مستحكما عند المرور من أمام أي فرع أمني، مما يدفع أقدام المارين الصامتين للإسراع.
وبالتأكيد فإن طقوس تقديم القهوة في الأفرع الأمنية تتطور كل يوم، وتتأثر بالوضع الدولي، كما بالمناخ الإقليمي، لكنها تبقى دوما بلمسة رعب محلية مميزة، لا تتذوقها في أي مكان آخر.
هيام جميل -النداء