" وطن الإنسان هو حيث توجد نماذجه القياسية ،وزمن الإنسان حين نشأت أفكاره ." بهجت
ابن نجد
الأعزاء .
.....................................
توضيح مبدئي .. في أكثر من مداخلة أكدت أن هذا الشريط أو غيره ليس موجها ضد أحد من الشعوب العربية ،و بالأخص ليس موجها ضد الشعب العربي في الجزيرة العربية ( السعودية ) . أزعم أني من الذين يرون العالم العربي بل و العالم كله مقسما رأسيا و ليس أفقيا ، فالتنويري و الحداثي و الليبرالي و الهيوماني في جانب ،و في الجانب الآخر يوجد الأصولي و الإمبريالي و الرجعي و الطائفي . هذا يجعلني أشعر بالإنتماء إلى الليبرالي السعودي و ليس السلفي المصري ، إلى الهيوماني ( الإنسانوي) البوذي و ليس الطائفي المسلم ، إلى سلامه موسى و فولتير و نيوتن و كارل بوبر و طه حسين ، و ليس لإبن تيمية و ابن لادن و ابن باز و العهد القديم . " العالم قريتي " هكذا قال جوته ،وهكذا أشعر و أفكر . أن يكون الإنسان سعوديا أو شيعيا أو يهوديا أو هندوسيا أو مسيحيا أو مصريا أو كرديا أو ... لا يعني عندي شيئا إيجابيا أو سلبيا ، الإنسان بمواقفه .. بخياراته .. بانتمائه الإنساني .. بفكره الراقي .. بجديته وأخلاقه و سلوكه .أما الهويات الأحادية المتعالية ، أما الطائفية و الإستعلاء الديني ، أما التعصب القومي و الإقليمي و الجهوي ، فحقارة لا تليق عندي بالإنسان المتحضر .
.............................................
ثالثا : دور المصريين و العرب في الغرب .

اقتباس:اين دور المصريين العائدين من الغرب؟
لماذا علماء مصر الكبار يعيشون بالغرب منذ اكثر من 3 و4 عقود ؟

يتسائل صديقنا ابن نجد عن دور المصريين العائدين من الغرب .
أحب أن أعمم لأسأل عن دور العرب في الغرب .
1- في المجتمع المعولم المعاصر أصبح البعد الجغرافي بلا مدلول كبير ، فوطن الإنسان هو حيث توجد نماذجه القياسية ،وزمن الإنسان حين نشأت أفكاره . هناك من يعيشون في الدول العربية حتى في أبعدها عن العمران يشاطرون أرقى فئات المثقفين الغربيين قيمهم و أفكارهم و تصوراتهم عن العالم ، بينما هناك من يعيش في الغرب بجسده ، وعقله ما يزال يرتع في أكثر البؤر الأصولية تطرفا و انغلاقا في بلده الأصلية . عشت زمنا في الغرب ، فكان كل إهتمامي بالدراسة أو العمل و تفاصيل الحياة اليومية ،و لكني لم أتعمق الفكر الإنساني المعاصر سوى عندما كنت أعيش في مصر ! . هذه الحقيقة يمكنك أن تدركها ببساطة من متابعة نادي الفكر مثلآ ، فمعظم الأفكار العلمانية و الليبرالية يتبناها مقيمون في دول الشرق الأوسط ، وهناك بعض من أكثر الأفكار أصولية و انغلاقا و تقليدية يتبناها -و بحماس فائق - مقيمون في الغرب .
2- هناك نسبة محدودة من العرب في الغرب يمكن اعتبارهم علماء أو من الطبقة المثقفة العليا ( معظمهم مصريون أو فلسطينيون و شوام عموما ) ، و لكن أغلب العرب الذين يعيشون في الغرب من فئات الهجرة الإقتصادية ، أي الفارين بحثا عن لقمة العيش ، و هؤلاء عادة لا يقيمون أي تواصل ثقافي مع بيئتهم الجديدة ، بل على النقيض تماما يذهبون إلى الغرب بثقافتهم الأصلية ، و يعيشون حياة متدنية و منعزلة ، و بالتالي يشعرون بغربة تتحول في كثير من الحالات إلى عداء للشعوب التي استقبلتهم . الإحصائيات تقول أن هناك الآن أكثر من خمسة ملايين من أصل عربي في الولايات المتحدة، والهجرة العربية مستمرة طول الوقت إلى الولايات المتحدة. كذلك يزداد، باستمرار، العرب في كندا، وفي أستراليا. وفي كل دول أمريكا الجنوبية، هناك جاليات عربية، بعضها كبير ومؤثر في الحياة العامة، كما في تشيلي والبرازيل . يقدر كالدويل أن العدد الحقيقي للعرب وللمسلمين في أوروبا يصل إلى 20 مليوناً، وأن حجمهم سوف يتضاعف عام 2025. و لكن ماعدد العلماء و التكنوقراط الكبار بين كل هؤلاء ، وكم منهم في وضع يمكنه أن يصعد فوق هموم الحياة اليومية ،و يمد يده لمواطنيه في البلدان الأصلية ؟ ، هناك حالات نادرة للغاية مثل د. مجدي يعقوب و أحمد زويل . في المقابل لدينا سجل حافل من المسلمين الذين يعيشون في الغرب ، بل و حتى من ولدوا هناك و يسعون إلى الإنتقام من الغرب و تدميره . هذه الظاهرة على النقيض تماما من شعوب أخرى كان فيها المهاجرون إلى الغرب أداة تواصل بين الغرب و بلدانهم الأصلية ، كاليابانيين و الصرب و الهنود .
3- المصريون و العرب الذين يذهبون إلى الغرب عادة يذهبون في هجرة دائمة ،و ليس كمن يذهب للعمل في السعودية و غيرها من دول الخليج ، فتلك هجرة مؤقتة ، تنتهي وفقا لإرادة الكفيل و حاجته . و بالتالي غالبا ما يفقد المصري في الغرب علاقته ببلده الأصلي ، خاصة أنه عادة يكون إما مسيحيا ينقم على المصريين المسلمين في معظمهم تعصبهم ضده و ضد طائفته ، أو تكنوقراطيا يسعى لكسب عيشه و التأقلم مع مجتمعه الجديد .
4- المجتمع السعودي كالإله الوهابي متطلب شديد التطلب ، فهو لا يرضى دون أن يسلبك عقلك و قلبك و ملابسك و أفكارك ،و يبدلك عنها عقلآ أصوليا بدويا ممعنا في التقليدية و التحجر ، لهذا تأثيره طاغي على من أوقعه سوء مصيره أن يعيش هناك موظفا يكفله من يسومه سوء عذاب ، و لكن المجتمعات الغربية متسامحه كيسوع الناصري ، هي لا تطالبك سوى باحترام القانون العام ،و بالتالي لا تفرض عليك حتى ثقافتها الإنسانية المتقدمة .المجتمع السعودي يحيل المصري إلى حزام ناسف ، و إلى رصاصة تصيب الحضارة في مقتل ،و إلى سيف يذبح المخالف مكبرا مهللآ ، و لكن المجتمع الغربي لا يصنع من المصري و غيره سوى ما يريده الإنسان نفسه ، لهذا فمصري واحد متسعود قادر أن يفسد مالا يصلحه ألف مصري متحضر بحضارة الغرب .
5- من يمكن اعتبارهم أكثر الفئات التي يجب أن تكون واعدة للتواصل الثقافي مع مجتمعات المركز القائدة في الغرب ، هم المبتعثون من السعودية و دول الخليج للتعلم ، فلو عرفنا أن الربيع الليبرالي في مصر العشرينات و الثلاثينات من القرن الماضي صنعه ما لا يزيد عن 1000 مصري ابتعث للتعلم في فرنسا و بريطانيا أساسا ، فماذا نتوقع من أكثر من 120000 سعودي و خليجي ذهب إلى الغرب لنفس الغرض ؟، رغم هذا فالنتائج إلى الان غير مبشرة لأسباب تستحق الدراسة المتعمقة . أقترح في هذا المجال أفكارا مثل " أن المصري و الشامي مثلآ الذي ذهب إلى الغرب في بداية القرن الماضي لم يكن يحمل على أكتافه أصولية متغولة ناهشة كالوهابية التي يحملها السعودي على أكتافه إلى الغرب " ، هناك أيضا " الخطورة التي يمثلها تبني الفكر العلماني و التنويري في المجتمعات الخليجية خاصة السعودية " ، فنحن هنا لا نتحدث عن نظام ملكي شبه دستوري وحكام أتراك الأصل مثل إسماعيل و الملك فؤاد ، و لكن عن منظومة جهنمية من الطغاة و غلاة رجال الدين الأسوأ سمعة في العالم كله ، بل ربما الأسوأ في التاريخ الإنساني كله .