اقتباس:منذ يومين للأسف تحدث الزميل العاقل عن العلمانية كأيدولوجية هي ليست كذلك.

طبعا ، فأنت لا تريد التعريف .

بل أنك تحبذ أن يكون الحوار على النحو التالي :

طارق : العلمانية ليست أيدولوجية .
العاقل : بلى ، هي كذلك .
طارق : لا لا ، هي ليست علمانية .
العاقل : يبدو أن هناك سوء فهم ، ماذا تقصد بالايدولوجية ؟
طارق : لا تتكلم عن التعريفات ، نحن لسنا في مدرسة ، العلمانية ليست أيدولوجية .
العاقل : يا طارق ، يا صديقي . الحكم على الشيء فرع تصوره . ربما أن تصورك للفظة " الايدولوجية " يختلف عن تصوري ، وتصورك للفظة " العلمانية " يختلف عن تصوري ، فكيف تريد ان نثبت وننفي ما لم نتفق على ماهيته ؟
طارق : العاقل ، أنا عارفك ، انت تحب تخلي الموضوع : طالب ومدرس ، قلنالك : تعريفات مافي .. ماكو ، أهم شي : العلمانية ليست أيدولوجية .
وحتى لا يضيق صدرك ، الإسلام أيضا ليس أيدولوجيا .


انتهت


نحن ، عندما نطالب بتعريف ، فهذا لأننا نسعى إلى حوار مثمة . والمطالبة بالتعريف مطالبة منهجية ضرورية ، في عصر يفهم كل واحد ما يريد من ألفاظ فضفاضة ، كالعلمانية والديمقراطية والثقافة ..إلخ .



أما بالنسبة للموضوع . فالعلماني ، رحمه الله ، تكلم عن تاريخ العربي ، بكلام لا يمت للتاريخ بصلة ، هو أقرب لنقل كلام المستشرقين منه إلى مقاربة الواقع الذي كان .

كمثال على " التخبيص التاريخي " يصور العلماني : المعتزلة وابن رشد ، كأفراد راموا الخروج على ما يسميه " العقلية الدينية " . وهذا كلام باطل لا يمت إلى الحقيقة بصلة .


المعتزلة ، أبتدأوا من المسجد ، من البصرة ، من حلقة الحسن البصري . واصل بن عطاء إمام المعتزلة ، أصل الأصول الخمسة : التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، المنزلة بين المنزلتين ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهذه كلها أصول " دينية " .

واصل ، والمعتزلة من ورائه ، يقولون أن فاعل الكبيرة ، خالد مخلد في النار . واصل ، والمعتزلة من ورائه ، يعودون بجذورهم إلى غيلان الدمشقي الذي كان ثائرا على بني أمية . الجاحظ ، المنتمي للمعتزلة ، في البيان والتبيين ، يتكلم عمن يسميهم : الناتئة ، يصور هؤلاء الناتئة على أنهم قوم بدلوا العقيدة ، وغيروا الدين ، ويعود ببدايتهم إلى معاوية بن سفيان .

القاضي عبد الجبار ، علم من أعلام المعتزلة ، في كتابه " شرح الأصول الخمسة " يعقد فصلا مطولا عن " جليل الكلام ، ويتكلم عن " الله " و " أسمائه وصفاته " . ويرد على " الثنوية " و" المسيحية " ...إلخ .

هل بعد ذلك يمكن تسمية المعتزلة بانهم قوم راموا الخريج على ما يسميه العلماني " العقلية الدينية " ؟


ننتقل لابن رشد ، يستشهد العلماني بكتابه " فصل المقال " . وهذا الكتاب حجة على العلماني لا حجة له . عنوانها وحده كافي بالرد عليه ، " فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من اتصال " . في هذا الكتاب يذكر ابن رشد أن " الشريعة " أخت الحكمة الرضيعة " . ولندع كلامه هنا ، ولننتقل لابن الرشد الفقيه ونطالع كتابه " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " ، هل يشقي نفسه بتتبع أقوال القاء في كل تفاصيل حياة الإنسان من يروم الخروج على هذه العقلية الدينية ؟

ننتقل لكتاب آخر : " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة " ، في هذا الكتاب يتحول ابن رشد إلى متكلم ، يناكف الأشاعرة ويطارحهم الأدلية من العقل و" النقل " . فهل يفعل ذلك من يروم الخروج على العقليد الدينية ، إنما هي إدعاءات يستسهلها البعض منا ظنا منه أنه لن يجد من يرده .


ومن بنا كلامه على قاعدة تاريخية باطلة ، فهل يستقيم بنيانه ؟


وهل نقد العلماني للدين ، ليس شيئا ، سوى أنه يثبت عدم علمه فيه ؟



عموما ، أهلا بعودتك يا عميد .