[SIZE=6]قضايا النهار


09.05.2005..Monday
'الصحافي العميل': نُظْلَمْ مرتين


قرأت باهتمام بعض الكتابات التي علقت على مقالة "كتّاب المقال أهم بكثير من أعلام الثقافة" المنشورة في "قضايا النهار" (14/4/2005) ، وبغض النظر عما ورد فيها من تفاصيل، وربما اتهامات مبطنة للصحافيين السوريين على خلفية علاقاتهم المتشعبة مع المؤسسات الأمنية في سوريا، لا بد من التوقف عند النقاط الآتية منطلقين مما قاله الأستاذ جهاد الزين في 28/4/2005: "إن تقدم المحتوى الآن وأفكاره الخلاقة، هو التحدي الكبير للكتابة السياسية (السورية)".

ليس هناك إشكاليات، أو مسافات أو "عداوات" تفصل بين العمل الصحافي والثقافي في سوريا، والمقالة التي تحدثت عن أهمية كتّاب المقالة، لم تقصد الإساءة للمثقفين السوريين والتقليل من شأنهم بقدر ما أرادت الوقوف عند أهمية هذا النوع الصحافي بشكل خاص، وأهمية الإعلام بشكل عام في هذه المرحلة الدقيقة. وكان لافتاً أن من انبرى للرد وتوجيه الانتقادات وهما "الشاعر والصحافي!!" ابرهيم الجبين والعامل في التلفزيون فراس كيلاني محسوبان على القطاعين، أقصد على الثقافة والصحافة في آن واحد. لكن بالتأكيد هما ليسا محسوبين على الصحافة الحقيقية، فالزميل الجبين لم يعش الصحافة كحالة يومية وهاجس مقلق ومتعب، بقدر ما كانت انشغالاته الصحافية تتعلق بحال الثقافة السورية والعلاقات الداخلية التي تحكم المثقفين، وأخبارهم الشخصية، وهذا مختلف عن الهاجس الصحافي، لذلك من الصعب عليه أن يقدر حجم معاناة الصحافي السوري الذي يشتغل ويكتب لصحافة عربية لها تقاليد مهنية. كذلك حال كيلاني، هو يعمل داخل التلفزيون، لكن عمله تقني، ومن الصعب أيضا أن يقدر حجم الأعباء المهنية.

من ناحية ثانية، وهذه نقطة في غاية الأهمية، يجب إيضاح أنه يحق للصحافي السوري مثله، مثل أي صحافي في العالم، أن تكون له علاقاته الخاصة ومصادره المتعددة، سواء كانت أمنية أم مدنية. فكما يعرف الجميع، سوريا بلد مغلق أمام الصحافيين والباحثين، أي لا توجد مصادر متوافرة للمعلومات، ولا توجد مراكز أبحاث، ولا توجد تقاليد في الوزارات السورية (الخارجية، الاعلام)، وحتى مؤسسة القصر الجمهوري، ومجلس الشعب، تساعد الصحافي في متابعة ما يجري وما يتخذ من قرارات. أقصد لا توجد مكاتب مهمتها منح الصحافيين ما يحتاجونه من أخبار ومعلومات. فما هو قائم مجرد مكاتب بائسة، تتعاطى ببيروقراطية كريهة مع الصحافيين. وهي رغم ذلك لا تملك ما يحتاجه الصحافي. كذلك هناك وزراء في سوريا لا يعرفون ماذا يجري حولهم من تطورات ولا يعرف بعضهم ماذا يجري حتى في وزارته. فهل يعقل أن يشكل هذا النموذج مصدرا للمعلومات؟ وقبل كل ذلك، هم لا يوافقون حتى على مجرد اللقاء مع الصحافي والبوح له بالشؤون العامة وما لديهم من معلومات، إن وجدت. ثم أين المشكلة في تلك العلاقات، ألم يكن لمحمد حسنين هيكل علاقاته ومصادره الأمنية، وما زالت؟ اليس لتوماس فريدمان علاقاته؟؟

ثم نحن نحتفظ بعلاقات مماثلة مع المعارضة السورية، وتتهمنا الأجهزة بأننا قريبون من المعارضة. لماذا لم يتوقف كلٌ من كيلاني والجبين عند علاقاتنا هذه؟ ألا يذكرا أنني دخلت السجن وأجريت لقاء مع النائب رياض سيف لـ"النهار" منذ أشهر، وأجريت لقاء مع رياض الترك يوم 9 آذار الفائت خلال الاعتصام الذي نفذته المعارضة في ساحة المرجة؟ وقبل ذلك اجريت حوارا مع المراقب العام لـ"الاخوان المسلمين" علي صدر الدين البيانوني عبر الانترنت وكدت أسجن بسببه. كذلك ألم ننشر كل كلمة وكل بيان يصدر عن كل الطيف المعارض رغم كل الاستهجان الرسمي من ذلك. وغيره الكثير؟!

كذلك يجب أن نعترف أنه نظرا الى اهمية الدور الكبير الذي تشغله المؤسسات الأمنية في عموم الحياة السورية السياسية والاجتماعية وغيرها منذ أربعة عقود ، والذي أتى على حساب مؤسسات أخرى، لا يمكن الصحافي أن يعرف ماذا يجري في سوريا إذا لم يكن يمتلك علاقات مع بعض العاملين في هذه المؤسسات الأمنية. فهذه المؤسسات هي من يملك المعلومات، وهي موجودة ومؤثرة ولها رأي في اتخاذ القرارات والسياسات العامة. وعلى سبيل المثال، هل يمكن فصل القرار والتوجهات السياسية السورية المتعلقة في الآونة الأخيرة في لبنان، عن المؤسسات الأمنية؟ هل كانت القرارات والسياسات السورية في لبنان وعنه، سياسية محضة؟ هل كان الرئيس الأسد والوزير فاروق الشرع ونائبه وليد المعلم بعيدين عن تقارير المؤسسات الأمنية ورأيها في المسألة اللبنانية؟

ثم أين المشكلة في علاقات الصحافيين مع أمنيين؟ لماذا هناك اعتقاد أن الصحافي السوري سيكون عميلا ومخبرا؟ أنا أرى أنه يحق للصحافي أن ينشئ علاقاته الخاصة التي تؤمن له مصادر معلوماته، مع كل الشرائح السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، مع السلطة والمعارضة، مع رجال الدين والراقصات والفنانين... مع الديبلوماسيين العرب والغربيين وحتى مع الارهابيين والمتطرفين. ومع الشياطين كذلك. لا يوجد أي مشكلة أخلاقية عندي في ذلك.

من ناحية ثانية، فإن تلك الإيحاءات بالعلاقة الملتبسة بين المراسلين الصحافيين والمؤسسات الأمنية، ربما يكون سببها الإرث الثقيل والقاسي لهذه المؤسسات في حياتنا اليومية، ومنذ سنين طويلة، وبسبب سعيها لنسج علاقات "عمالة" مع شرائح معينة مع المجتمع السوري.

المفارقة أن من يلمحّون ويغمزون لعلاقة الصحافي، ينسون أنهم لم يكونوا ليتوظفوا ويعملوا ويكونوا ما كانوا داخل مؤسسات الدولة دون موافقات أمنية ورضى بعض الأجهزة الأمنية. فمثلا فراس كيلاني، الذي يشكك بالصحافيين المراسلين، ما كان له ليدخل التلفزيون السوري، وهو الفلسطيني!! لولا تلك الموافقات، هو يعرف في قرارة نفسه أنه من الفلسطينيين الذين ترضى عنهم تلك المؤسسات الأمنية.

نحن الصحافيين الذين عملنا وكتبنا للصحافة الخارجية، وبالذات اللبنانية، لم تقبلنا مؤسساتنا الرسمية. يعاملوننا الى اليوم على اساس أننا عملاء لوسائل الإعلام التي نشتغل ونكتب لها، بعضهم قال لي مرة أنت تشتغل مع جبران تويني. كان يقصد أنه ليس لدي ولاء لبلدي!

المؤسسات السورية الاعلامية رفضتنا، وحين توجهنا الى الصحافة الخارجية دفعنا الضريبة، لقد استدعتنا هذه الأجهزة وحققت في كتاباتنا، وسجنت بعضنا. فراس كيلاني يعرف أني سجنت لمدة اسبوع منذ اربعة أعوام، وابرهيم الجبين يعرف أن زميلنا ابرهيم حميدي سجن لخمسة أشهر ظلما. لكنهما حاولا الايحاء بأن لنا علاقات مشبوهة. لم يحبذا الوقوف عند ذلك، لاعلان تضامنهما معنا، أرادا القول أننا سيئون!

إنه لمن المحزن أن يتم ظلم الصحافي السوري مرتين. مرة من قبل الأجهزة التي تتهمه بنشر الغسيل الوسخ في الخارج وتحاسبه وتلاحقه على كل كلمة ومقالة، ومرة ثانية من قبل أناس من المفترض أنهم يشبهونه.


شعبان عبود – دمشق