إلى رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد

ميشال عون GMT 9:45:00 2005 الثلائاء 10 مايو


يصعب علي استلهام العاطفة وانا لا اعرف كيف طعمها لاسرد لك حكاية شاب ورث حلما وحملا يقطع ظهرالرجال وذلك حين كنت بعمر لا اتمكن بعد من لفظ كلمة بابا بالكامل، وحلما لا اجرؤ على التفكير به ولكنه قد رسم في مخيلتي صورة والدي الذي سيعود يوما ما من خلف القضبان... ومنذ ذلك الحين لا استطيع حتى ان اؤمن بان الشمس ستشرق علينا من تلك الناحية..انهم عشرون عاما تارة احسبهم دهرا وأخرى احصرهم بجيلين من البشر استثنيت من حسابهم...عشرون عاما وتفكيري لن يتجاوز باب زنزانة والدي وقد اصبح الزمن بالنسبة لي بحجم مساحة جدرانها، وتوقيتي المحلي يعمل وفق رغبة سجانه.

حضرة الرئيس عندما توقفت الحرب وعاد الآلاف من المتقاتلين والقاتلين لبيوتهم وبنوا حياة جديدة وفرتها لهم اتفاقيات ومصالح وظروف سمحت لهم بالوصول الى اعلى المناصب كنت حينها في عمر لا يتجاوز عدد اصابع يدي... وان اسكات المدافع واعادة الاعمار وتحرير الجنوب وانسحاب الجيش العربي السوري ليس دليلا كافيا اقله بالنسبة لي على نهاية الحرب اللبنانية التي يرفضها كل انسان لديه ذرة عقل.

لا لم تنته الحرب اللبنانية الا بعودة جميع المواطنين اللبنانين المعتقلين في السجون السورية والاسرائيلية وبالاخص في السجون السورية... فعلى الرغم من تعدد الأدلة والبراهين الحثية التي تؤكد على وجودهم في تلك السجون وأهمها لقاء ورؤية العديد من الامهات لأولادهم... فانه ولغاية الآن ترفض السلطات السورية المعنية الاعتراف بوجودهم على غرار ما فعل العدو الاسرائيلي!!! وان هؤلاء المعتقلين هم بالنسبة لنا الجرح اللبناني- السوري المفتوح والمؤلم والذي كان السبب بمرارة عيش تلك العائلات اللبنانية التي لا ذنب لها أن تبقى هي وحدها الشاهد الوحيد على حرب كلنا ودون استثناء نريد المشاركة في تشييعها ودفنها للأبد ومن غير عودة.

انه لامر معيب ومؤسف بحق سورية التي أعطت للتاريخ غنى وقيما أن تكون قد تحولت سجونها ومعتقلاتها رمزا معاكسا وصورة سلبية لكل أوجه الحضارة ويصبح سجن أبو غريب في العراق وكأنه فندق بخمس نجوم مقارنة مع السجون السورية... فان هذه المعتقلات هي معيبة بحق الانسان وكرامته. وان وجود من اللبنانين في المعتقلات والسجون السورية حتى دون ارتكاب أي ذنب هو امر مؤلم...

فخامة الرئيس بشغف اصغيت الى خطابك التاريخي الاخير امام مجلس الشعب واحترمت جرأتك حيث أعلنت وبالفم الملآن عن الاخطاء التي ارتكبت بحق لبنان وشعبه وذلك من قبل الدولة الشقيقة السورية وقلت في نفسي حقا انه كلام حكيم فقد حدد اسباب الألم وحتما فهو يعرف الدواء الشافي وسيعمل على معالجة الألم وبلسمة الجراح... رجاؤنا منك ان تعمل على بلسمة جراحنا ونحن مدركين تماما بأنك تعرف الداء وتملك الدواء وانك قادر على شفاء أوجاع المئات من العائلات حيث تعيد لهم أروحاهم وفلذات أكبادهم التي لا يعرف ثمنها الا الأهل وانت منهم.

أخيرا حضرة الرئيس ان الله حين خلق الانسان على صورته أراد له أن يعيش بنفس وروح وجسد حرا يروي روحه من الفكر الصحيح ويغذي جسده بالعمل والسيرة الصالحة ليبرهن للجميع بان للانسانية معنى ودورا اساسيا في هذه الدنيا... ارحم من في الأرض ليرحمك من في السماء... ونحن كلنا أمل بأن يتم قريبا وقريبا جدا الافراج عن اهالينا المعتقلين لديكم وذلك لنعاود بناء العلاقات الصادقة والخالية من أي حقد أو كره بين بلدينا.... وان وجود المعتقلين اللبنانيين خلف جدران النسيان لا يمحي حقهم في الحياة رغم حبر بيانات التمويه والتصاريح المغايرة للحقيقة فاعادة العلاقات الطيبة مرهونة بفك أسر كل اللبنانيين المتواجدين في السجون السورية... ونأمل منك وحدك تضميد هذه الجراح ولتكن الاخيرة وشكرا.

ميشال عون( ابن ناجي عون المعتقل في السجون السورية منذ العام 1985