أنت تسأل و قداسة البابا شنودة يجيب
س7 : في أكثر من مرة في العظة علي الجبل , قال السيد المسيح \" سمعتم انه قيل للقدماء .... أما أنا فأقول لكم ...\" ( مت 5 )
فهل معني هذا , انه نقض شريعة موسي , وقدم شريعة جديدة ؟ كما يظهر من قوله مثلا : سمعتم انه قيل عين بعين , وسن بسن . وأما أنا أقول لكم : من لطمك علي خدك الأيمن , فحول له الآخر أيضا .. \" ( مت 5 : 38 – 39 ) .
ج:
السيد المسيح لم ينقض شريعة موسي , ويكفي في ذلك قوله : " لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل , فاني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء و الأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " ( مت 5 : 17 – 18 ).
إذن لا نقول فقط , أن شريعة العهد القديم لم تلغ ولم تنقض بل أن حرفا واحدا منها لا يمكن أن يزول .
إذن ما معني : قيل لكم عين بعين وسن بسن ؟
أن هذا كان شريعة للقضاء , وليس لتعامل الأفراد .
بهذا يحكم القاضي حين يفصل في الخصومات بين الناس , ولكن ليس للناس أن يتعاملوا هكذا بعضهم مع البعض الآخر
ولكن إن فهم الناس خطا انه هكذا ينبغي أن يتعاملوا !! فان السيد المسيح يصحح مفهومهم الخاطئ بقوله : من ضربك علي خدك , حول له الآخر أيضا .
وهكذا تابع الحديث معهم قائلا :
" سمعتم انه قيل تحب قريبك و تبغض عدوك, و أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم " ( مت 5 : 43 – 44 )
هنا لم ينقض السيد المسيح الشريعة القديمة , وإنما صحح مفهومهم عن معني القريب . إذ كانوا يظنون أن قريبهم هو اليهودي حسب الجنس . أما السيد المسيح فبين لهم أن قريبهم هو الإنسان عموما , ابن ادم وحواء .
فكل إنسان يجب أن يقابلوا إساءته بالإحسان . فالمفهوم الحقيقي للشريعة هو هذا . بل أن هذا يتفق مع الضمير البشري , حتى من قبل شريعة موسي ... وهذا ما سار عليه الآباء والأنبياء , قبل الشريعة وبعدها
مثال لذلك يوسف الصديق , الذي تآمر عليه أخوته وأرادوا أن يقتلوه , ثم طرحوه في بئر . وأخيرا بيع كعبد للإسماعيليين , فباعوه إلي فوطيفار ( تك 37 ) . يوسف هذا أحسن إلي أخوته , واسكنهم في ارض جاسان , وعالهم هو وأولادهم , ولم ينتقم منهم , ولم يعاملهم عينا بعين وسنا بسن , بل قال لهم :
" لا تخافوا لأنه هل أنا مكان الله , انتم قصدتم لي شرا أما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا, فالآن لا تخافوا أنا أعولكم و أولادكم فعزاهم و طيب قلوبهم " ( تك 50 : 19 – 21 )
أتري كان يوسف في مستوي اعلي من الشريعة ؟! حاشا
ولكن اليهود ما كانوا يفهمون الشريعة . فصحح المسيح مفهومهم .
ووصل إلي محبة العدو , والإحسان إلي المبغضين والمسيئين من قبل أن ينادي المسيح بهذه الوصية ....
مثال آخر مشابه هو موسي النبي : لما تزوج المراة الكوشية , تقولت عليه مريم مع هارون . فلما وبخهما الرب علي ذلك , وضرب مريم بالبرص , حينئذ تشفع فيها موسي , وصرخ إلي الرب قائلا : اللهم اشفها " ( عدد 12 : 13 ) . لم يقل في قلبه انه تستحق العقوبة لاساءتها إليه , بل صلي من اجلها ( عد 12 : 13 )
وهكذا نري أن موسي النبي الذي نقل إلي الشعب وصية الرب : عين بعين وسن بسن , لم ينفذها في معاملاته الخاصة
بل نفذ وصية المسيح قبل أن يقولها بأربعة عشر قرنا : صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم . انه المفهوم الحقيقي لمشيئة الله
نفس الوضع كان في تعامل داود النبي مع شاول الملك الذي أساء إليه , وحاول قتله أكثر من مرة . ولكن لما وقع شاول في يده , لم يعامله داود بالمثل . ولم يسمع لنصيحة عبيده بقتله . بل قال : حاشا لي أن أمد يدي إلي مسيح الرب . ووبخ رجاله ولم يدعهم يقومون علي شاول ( 1صم 24 : 6 – 7 ) . بل أن داود بكي علي شاول فيما بعد لما مات . ورثاه بنشيد مؤثر , وأحسن إلي كل أهل بيته ( 2صم 1 ) , ( 2صم 9 : 1 )
إذن شريعة الله هي هي , لم تنقض ولم تلغ .
إنما السيد المسيح قد صحح مفهوم الناس لشريعة موسي , ووصل بهم إلي مستوي الكمال , الذي يناسب الروح القدس فيهم .
قال " قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن , و أما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " ( مت 5 : 27 – 28 )
انه لم ينقض الشريعة . فوصية " لا تزن " لا تزال باقية كما هي . وكل إنسان مطالب بحياة العفة والطهارة . ولكن السيد المسيح وسع فهمهم للوصية . فليس الزنا فقط هو إكمال الفعل بالجسد , بل هناك نجاسة القلب أيضا . وشهوة الزنا التي تبدأ في القلب . وأمر بضبط حاسة البصر فلا تخطئ
ولعل هذا يذكرنا بما قاله أيوب الصديق ( في العهد القديم )
" عهدا قطعت لعينيّ فكيف أتطلع في عذراء ؟! " ( أي 31 : 1 )
بنفس السمو في الفهم , قال سيدنا يسوع المسيح أيضا :
" قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل و من قتل يكون مستوجب الحكم , و أما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم " ( مت 5 : 21 – 22 )
وصية " لا تقتل " لا تزال قائمة كما هي , لم تلغ . ولكن السيد المسيح حرم الخطوة الأولي المؤدية إليها , وهي الغضب الباطل .... فكل جريمة قتل تبدأ بالغضب , كما أن كل خطية زنا , تبدأ بشهوة في القلب . والسيد المسيح في عظته علي الجبل , منع الخطوة الأولي المؤدية إلي الخطية وحرم أسبابها لم ينقض الناموس بل أكمل الفهم ...
الشريعة الأدبية إذن لم تنقض , بل بقيت كما هي . وإنما أكمل الرب فهم الناس لها . فوسع مفهومها , وسما بمعانيها . ومنع أسباب الخطية , والخطوة الأولي المؤدية إليها .
بقيت نقطة هامة تخص بالرمز , وما يرمز إليه .
ومن أمثلة ذلك الذبائح الحيوانية , وكانت ترمز إلي السيد المسيح
خذوا الفصح مثالا : وكيف كان المحتمي وراء الأبواب المرشوشة بالدم , ينجو من سيف المهلك , حسب قول الرب :
"و يكون لكم الدم علامة على البيوت التي انتم فيها فأرى الدم و اعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين اضرب ارض مصر " ( خر 12 : 13 )
وكان الفصح رمزا للسيد المسيح , فيقول القديس بولس الرسول :
" لان فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا " ( 1كو 5 : 7 )
صار المسيح هو الفصح , وهو أيضا ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية وذبيحة الإثم وذبيحة السلامة . لم تلغ تلك الذبائح , إنما كملت في المسيح
وكذلك الأعياد ورموزها , وباقي قواعد النجاسات والتطهير .
دم الذبائح كان رمز لدم السيد المسيح . ولا يزال المذبح موجود في العهد الجديد , ولكن ليس لذبائح حيوانية , وإنما لذبيحة المسيح ودمه الذي يطهر من كل خطية ( 1يو1 : 7 )
والكهنوت الهاروني في العهد القديم , كان يرمز إلي كهنوت ملكي صادق كما قيل في المزمور " أنت كاهن إلي الأبد علي طقس ملكي صادق " ( مز 110 : 4 ) . وهكذا لم يلغ الكهنوت , ولكنه " قد تغير " ( عب 7 : 12 )
بقيت الشريعة . ولكن لما أتي المرموز إليه , حل محل الرمز
|