دفتر الغياب اليومي

{myadvertisements[zone_1]}

تقييم الموضوع:

5 صوت - 4.2 بمعدل
1
2
3
4
5

النظام الخطي

دفتر الغياب اليومي

تموز المديني غير متصل

عضو جديد دائما

المشاركات: 1,165
الانضمام: Jun 2004

مشاركة: #108

دفتر الغياب اليومي

غرامشي عبورك وسام و شمس على صفحاتي
لك هذا الفاصل من غياب مؤجل
(f)

فاصل من غياب مؤجل :

لم تكن ايطاليا في نهاية القرن العشرين سوى صورة حية للحلم الذي كن نرى به بلادنا في شرق المتوسط ..
تلك البلاد المتوسطية التي تتوغل عميقا في البحر الابيض و التي تحمل في طياتها عصر الحضارة الرومانية بكل تناقضاته .. كانت تخرج من أزمتها السياسية بعد سقوط أحزاب اليمين و فوز التحالف اليساري: الزيتون في مواجهة برلسكوني الذي خرج من رئاسته الاولى للوزارة مثقلا بالفضائح و التحالفات المشبوهة من المافيا الى اليمين الفاشستي المتطرف ..
موجة اليسار هذه التي غمرة ايطاليا في نهاية التسعينات اعادت للبلاد فسحات الأمل الذي كان معقودا على اليسار الايطالي التقليدي و خصوصا حين تبوأ ماسيمو داليما خليفة بيرلينغور اليساري الايطالي سكرتير الحزب الشيوعي المتتلمذ على يد المفكر غرامشي سدة الوزارة ..
صور تشي غيفارا و الكوفية الفلسطينية و حتى شعارات المنجل و المطرقة.. لم اكن اتصور انني سأراها ثانية في اوروبا بعد انحسار موجة المد الثوري و اليساري في نهاية السبعينات والتي عاشرها جيلنا بعد حين كذكرى لامل مفقود معلق على جيل سبق ...
هاهم شباب ايطاليا ومراهقيها في نهاية القرن العشرين وبعد سقوط الشيوعية الدولية يعيدون صياغة و استرجاع و اقتباس المفاهيم اليسارية التقدمية و برموزها التقليدية ... بينما غرق اليسار الاوربي الآخر في اجترار مؤسساته التقليدية المرتبطة بالتحالفات التقليدية مع اليسار الشرقي و خليفه السوفيتي .. و هاهو الآن يتناوس متحسرا على الشيوعية المنهارة بين الردة نحو اليمين المتطرف او الانعزال التام بعيدا عن العواصم الكبرى في ملاجئ الطبيعة و الحالة الريفية..
هذه الفرادة الايطالية كان للمفكر الايطالي الشيوعي الكبير غرامشي الدور الاهم فيها حيث أعلن و في حقبة المجد السوفيتي و الاشتراكية الاممية رفضه للنموذج الشيوعي الماركسي المطبق من قبل الدب السوفيتي و اعلن ان الماركسية بريئة من اللجنة المركزية و امتداداتها الاخطبوطية الاستراتجية و التكتيكية..
هذه البيروت الاوربية بيروت الستينات و السبعينات تتجسد حية في شوارع روما بهذا التقارب الكبير بين طبيعة الحياة و التركيبة الاجتماعية التي لم أجد في مجمل اوربا سواها قربا الى تركيبة بلادنا الشرق متوسطية ... بلاد شام تجدها في الحلم وفي التاريخ و في الاسطورة و في حب الحياة و ملذاتها تحت اشعة المتوسط الشمسية الناعسة ..

هذه الايطاليا المتوسطية التي بها شبها أقرب إلينا من شقيقاتها القاريات فتحت أوربا على عصر النهضة و مهدت طريق الثورة الصناعية التي قادها الغرب من زمامها الجامحة ليعلن سيطرته باسمها على العالم ... الغرب الحاكم ولد في ثنايا روما تاريخه و بطاقت ميلاده و مهد نشأتها المغمسة بالدماء و الدمار
تقف على دائرة مرسومة على الأرض في وسط ساحة الأوفيتشي: المكتب في فيرنزي: فلورنسة وتقرأ هناك : "هنا تم حرق أول كاهن في تاريخ الكنيسة من قبل عائلة ميدتشي الغنية.." ترى سقوط عصر الظلام هنا تبدأ النهضة حين تنتزع البرجوازية الغنية الناشئة التي تمثلها عائلة ميدتشي السلطة من يد الكنيسة و تنقلها الى البرجوازية الناشئة..
كتبت هناك في دفتر المكان عن حدائق قصر البيبولي في ماوراء الجسر العتيق في فلورنسة حديقة الفرسان لوحة تمثل التناغم المطلق بين عمل الطبيعة و فن الانسان الاشجار المنسقة و الحشائش المرسومة و التمائيل التي تبرز برأسها من بين الاشجار طرحت عليك سؤالها:
أيهما الاصل؟؟ التمثال ام النبات علاقة روحية شفافة بين اللمسة البشرية الابداعية وبين روعة الطبيعة و التناغم معها... لن يدوم طويلا هذا التناغم ستقوم الرأسمالية التي ستنتزع السلطة من البرجوازية بتدمير الطبيعة و التنافر معها هذا كله بعد الثورة الصناعية و نشوء القطاع الصناعي وخروجه عن المحترفات و الوورش العائلية التي كانت تشكل طبقة البرجوازية الصغيرة..
ترى ما لا ترى تصاب برعشة النور .. الفكر يفتح آفاقا أعلى لتقرأ به التاريخ الحقيقي الذي يجسده الفن و المعمار تقرأ التاريخ في تاريخه تقرا عن الكوليسيو الشهير و انت تفترش حجارته المضمخة بالدماء ..
كيف كانوا يصنعون القديسين الأوائل في المسيحية؟؟؟ هؤلاء المسيحيين الذين سالت دمائهم على حلبة الكوليسيو بين أنياب الاسود ورماح الجنود والمحاربين... كان القديس يثبت ولايته بمعجزة ليقف أمامه الوحش المفترس دون أن يهاجمه يدير ظهره ويبتعد لتتجسد بعد ذلك هالة النور المقدس على راس هذا القديس.. هذه المعجزات اليومية التي كانت تصنع القديسين الاوائل في الحلبات الرومانية يبوح لك الكوليسو بأسرارها ...
كان الاغنياء من المسيحين المضطهدين آنذاك يقومون برشوة الجنود و حراس الاسود فيطعمون هذه الوحوش الكاسرة ولا يهيجوها لتفترس هذا القديس اللطيف دافع الرشوة او ان رمح المحارب يحيد بسهولة عن جسد هذا الورع الذي أطعم اليد التي ستلقي برمحها..

أسرار صغيرة يبوح لك بها المكان تعيد تصحيح التاريخ و توضيب الجغرافيا وتعرفك تماما ان من هنا من روما ظهرت هذه الحضارة البشرية الذي تتحكم في كوكب الأرض في نهايات القرن العشرين..
ايطاليا تلك هل ستقرأها يوما في بلادك في سوريا في لبنان في فلسطين هل ستكون لجيلنا الريادة في قراءة ملامح الدولة الحديثة في بلاد الشام اقدم الدول و أعرق الممالك ؟؟؟
هل سيكون هناك غرامشي ما ينجب اجيالا من التفرد و الخصوصية و يعطي للمستقبل دفقا جديدا بعالم تسوده العدالة و المساواة؟؟

جميل ان يكون هنا في دفتر غيابي غرامشي شقيق:) يعبر على اوراق هذا الغياب اليومي المؤرِخ و الموثِق ليكون شاهدا ابن مرحلة تتدفق فيها طلقا اثر طلق مخاضات جنين جديد قادم

(f)

05-15-2005, 11:20 PM