أنت تسأل و قداسة البابا شنودة يجيب
س14 : هل يجوز نقل عضو من جسد إنسان إلي إنسان آخر سواء إن كان حيا أو ميتا ؟
وهل في نقل الأعضاء عبث بالأجساد وعدم كرامة لها ؟
وهل انه ليس من حق الإنسان أن يتبرع بجزء من جسده , لأنه لا يملك هذا الجزء ؟
ج :
المسيحية لا تمنع نقل عضو من جسد حي أو من جسد ميت
إن الكتاب المقدس – بعهديه القديم والجديد – لم يأمر ولم ينه بخصوص نقل الأعضاء , لان هذا الموضوع لم يكن واردا وقتذاك . ولكن روح الكتاب تدعو إلي العطاء والبذل , والي إنقاذ الأخريين , والحرص علي حياتهم قدر الامكان ..
ومن تعليم الكتاب المقدس , يجوز نقل عضو من جسد إنسان حي , أو من جسد إنسان ميت , لمنفعة إنسان آخر
ولا تري المسيحية في ذلك عبثا بجسد المعطي , أو إتلافا له , أو تمثيلا به , أو خدشا لكرامته
فإتلاف الجسد يكون بالخطيئة , وبالعادات الرديئة , وبإهمال القواعد الصحية , أو بالانتحار , أو ما شابه ذلك .
أما فقد عضو من اجل عمل نبيل , كالدفاع عن الوطن ... أو منح عضو لإنقاذ إنسان في عملية جراحية , فهو نوع من التضحية والبذل , يرفع من كرامة الإنسان , وليس هو ضد الدين في شيء ...
وهذا ما فعله الشهداء , سواء في ذلك شهداء الوطن أو شهداء الدين , كانوا يعرضون حياتهم للموت , ويعرضون أجسادهم للقطع أو التشويه { من معذبيهم } , ونحن نكرم الشهداء الذين تقطعت أعضائهم { من التعذيب } وتشوهت أجسادهم ونكرمهم .... ونري أنهم بفقد أعضائهم قد زادوا كرامة عند الله والناس , ولا نسمي ذلك تشويها لأجسادهم , بل كرامة لها
يماثل ذلك بدرجة معينة , بذل الأعضاء من اجل إنقاذ حياة الناس , أو بذلها بعد الموت لمنفعة الطب والعلم بصفة عامة
إذن التبرع بعضو من الجسد , ليس ضد كرامة الجسد , لان كرامة الجسد ليست في شكله , وإنما في بذله
وهذا البذل يدعو إليه الإنجيل , إذ يقول السيد المسيح :
" ليس لأحد حب أعظم من هذا , أن يضع احد نفسه عن أحبائه " ( يو 15 : 13 )
فان كان الإنجيل يدعو إلي بذل النفس كلها لأجل الغير , فبالأولي بذل عضو واحد من أعضاء الجسد .
واهتمامنا بأجسادنا , لكي تكون أداة لخدمة الروح , وتزاملها في رحلة الحياة , ليس معني ذلك أن تسودنا الأنانية في حفظ هذه الأجساد !!! بل علي العكس , في تبرعنا بجزء من الجسد , تسمو الروح بالأكثر
وقد ورد في الكتاب المقدس " المحبة لا تطلب ما لنفسها " ( 1 كو 13 : 5 ) كما قال بولس الرسول لأهل غلاطية
" لأني اشهد انه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني " ( غل 4 : 15 )
غير أن مثل تلك العملية لم تكن ممكنة منذ عشرين قرنا . نرجو أن يساعد العلم علي إتمامها , وتساعد المحبة علي تنفيذها ......
وهذا يمكننا أن نقول :
ايهما أفضل أن يعيش إنسان واحد بكليتين , أو أن يهب أحداهما لغيره فيعيش بها اثنان ؟ وبالتضحية والحب يساعد إنسان علي حياة غيره , وعلي إنقاذه من الموت ومن عذاب المرض ..
ونفس الكلام يقال بنسبة ما : في نقل الدم , وفي نقل أي عضو من إنسان إلي غيره .... وفي الإنسان ذاته , نلاحظ انه في بعض الأحيان تنقل أعضاء منه واليه , في بعض العمليات , كنقل شريان , أو جلد أو عصب أو نسيج , دون أن يحتج احد أو يناقش الفكرة
أما عن الإنسان الميت , فنقل عضو منه لا يضره في شيء , بينما يكون قد أنقذ غيره .
والإنسان الذي لا يشاء نفع غيره بعضو من أعضائه بعد موته , أتراه يستطيع أن يمنع الدود عن أكل جسده الميت ؟! أو أتراه يستطيع أن يمنع العفن أو التحلل عن هذا الجسد بعد موته ؟! وأين في هذا التحلل ما يقال عن كرامة الجسد , وعدم العبث به ؟!
وفي الكتاب المقدس قيل للإنسان منذ البدء " تعود إلي الأرض التي أخذت منها , لأنك تراب والي تراب تعود " ( تك 3 : 19 )
وقيل أيضا " يرجع التراب إلي الأرض كما كان , وترجع الروح إلي الله معطيها " ( جا 12 : 7 )
ومادام الجسد سيعود إلي التراب بعد الموت , إذن ليس ضد كرامة عضو منه أن يلصق بجسد آخر , وتكون له استمرارية حياة !!!
لا خوف علي الجسد الميت , مهما أخذت أعضاؤه , لأننا جميعا نؤمن بقيامة الأجساد بعد الموت
أنني أؤيد فكرة إنشاء بنك لأعضاء الإنسان , وليس الدين ضد هذه الفكرة في شيء
الدين يأمر بعمل الخير , وما أجمل أن يعمل الإنسان الخير في حياته , متبرعا بعضو لا يفقده الحياة .
كما يعمل الخير أيضا بعد مماته , بتبرعه ( عن طريق وصية مكتوبة أو شفاهية ) ببعض أعضائه لإنقاذ غيره أو لفائدة العلم , والغير يرد هذا الجميل , بان يوصي بأعضاء منه بعد موته لإنقاذ أخريين ....
وهكذا تدور عجلة الخير , بيد الأحياء والأموات علي السواء
وينال كلا منهم أجرا من الله علي ما قدمه للغير من خير ....
أما عن القول بان أجسادنا ليست ملكا لنا , حتى نهبها لغيرنا .....! , فنرد عليه بان أنفسنا أيضا ليست ملكنا , ومع ذلك نحن نضحي بأنفسنا لأجل الآخرين , بدافع من الحب وبأمر من الدين .... وتكون تلك لنا فضيلة ... فمن باب أولي نضحي بعضو من الجسد , أو بجزء من عضو ...
نقول أن أنفسنا ليست ملكا لنا , إن كنا نضيعها بالانتحار مثلا ... ونقول أيضا أن أجسادنا ليست ملكا لنا , إن كنا نضيعها بالمخدرات مثلا....
أما بذل الجسد والنفس في مجال الخير ونفع الآخرين , فهو أمر يباركه الدين, ويوصي به الله تبارك اسمه
|