{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #3
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج
مناة، واللات، والعزى
مُناة ؟ .. مُناة ربّة دخيلة دخلت بادية الحجاز وفيها لم تولد، فإن من اسمها ما يحمل نفس معنى ما ورد فى التفكير الدينى الكلدانى حيث نشأت بين الرافدين لها ربوبة، فإن فى الدين البابلى كانت هناك ربة عرفت بأنها ربة المنية ومن ثم نعتت باسم "ما مناتو" قبل أن ترجعها أصداء أرجاء ثمود وقبل أن تسجلها أقدم النقوش النبطية تحت اسم "مناوة" وقبل أن ينساب الصدي إلى "أم القرى" وتتحول فيها من "ما مناتو" و "مناوة" إلى "مُناة".



واللآت؟.. اللات، أيضًا، ربة دخيلة دخلت بادية الحجاز وفيها لم تُولد، فإن فى اسمها من رجع الصدي المصري والبابلى أصداء!.. ففى اسمها ما يحمل نفس اللفظ الذى ورد فى سجلات التفكير الدينى المصرى القديم حيث نشأت على ضفاف النيل لها ربوبة عرفت بها تحت هذا الاسم لأن من معناه لغة الرضاعة، فإن ربه الحصاد والنمو كانت تعرف فى مصر القديمة تحت اسم "اللآت"!.
بيد أن وإن تجلت اللآت العربية مرآة انعكست عليها اللآت المصرية فإن فى هذه المرأة أيضاً ينعكس إلى جانب الأصل المصرى الأصل الكلدانى، لا فحسب بلون العبادة التى عبدتها تحتها ثمود وعبدها النبطيون وإنما لأن فى الدين البابلى قد عرفت ربة القضاء تحت اسم "اللآتو"!.

والعُزي؟ العُزي مصرية صرفة!.. عن "العُزي" تنفض أردية التاريخ فتتجلي هي هي تلك التى عرفتها مصر القديمة باسم إيزي أو إيزيس!.. فليس إلا إلى هنا فى خضم امتداد تياراتها فى أرجاء الشرق القديم كانت قد زحفت بعبادتها إيزيس، وليس إلا بامتداد هذا المد كان قد امتد مدّها الهادر علي هنا فكان صداه على الشفاء العربية؛ "العزى"!.

تحت أضواء التاريخ السياسي ومن مساند التاريخ الدينى والأدبى ينحسر الأصل من هؤلاء الربّات الثلاث اللواتي عن الشرق القديم توارثهن القلب العربي وتعلق بهن منه الرجاء يُرتجي شفاعتهن إلي الله!.. فليس إلاّ تحت شعاع من ضوء هذا التاريخ وليس إلاّ فى استناد إلي هذه المساند نتبع زحف مناة فاللآت فالعزى إلي هذه الناحية من الدنيا وحلولهن الواحدة بعد الأخري بألوان عبادتهن فى أرجاء القلب العربي لنحسر لهن تاريخ عن رسوخهن فيه بينما كان العصر الخزاعي يتهاوي نحو الغروب..

بيد أن أي لون من ألوان التعـبّد وأيّ صُور من الشعائر الدينيّة وأيّ نُسك كان يؤدّي خلال هذا العصر؟.. سؤال، الجواب عنه يأتي بالإيجاب من جوانب هذا الوادي الساكن بين أنجاد نجد وتهم تهامة وسهوب الجنوب وسباسب الشمال، وكالأرض الغور الراكد من ريحها الريح ليس بغور تاريخ الدين فيه وغير راكد من ريحه الريح والأيام بالعصور الأولي تسير ورياح الزمن تسفي علي العصر الخزاعي رمالها فتسفي علي ما قد حفرت الخطي الدينيّة علي هذه الرمال من آثار، كلا!. وإنّما واضحة وجليّة تبرز هذه الآثار فى ضوء التاريخ السياسيّ والدينيّ والأدبيذ غداة طوت الأيام لخزاعة عصرًا ونشرت آخر بذلك البطن من بطون كنانة المسمّي قريشًا الذى كوّنته بعض الأسر من فِـهْـر، والذى عـُرف والذى عَـبْره يُطالعنا:




التفكير الديني فى العصر القريشي (440م ـ 618م)
أو سنة الفتح المحمدي لمكة
الدين في العصر القريشي، والأيام تتجمع بانفراطها إلي قرابة قرنين من الزمن لتؤلف لقريش عصرًا، له فى سجل التاريخ الديني أهمية خاصة لأنه يمثل الفترة السباقة على الإسلام ولأنه المهد الذى ولد فيه الإسلام ولأن الإسلام فى أحضانه نشأ وبأدبه غُـذي وتغـذى..
عن هذا العصر، الذى استهلّ مشرقه بزيد بن كلاب المعروف بقُصيّ وبلغ مغـربه بالحفيد الخامس محمد، ينحسر الزمن منذ اللحظة التي أقصي قُصيّ فيها خزاعة عن "بيت الله" بسبب استيلائه علي "مفتاح" الكعبة.. كلا. ليس الصدد بصدد التحدث عن الوسائل التى اتخذها قُصيّ إلي بلوغ غايته المنحصرة فى سيادة هى حقاً شرعياً للقبضة الممتلكة مفتاح "بيت الله" فإنما هذا حديث ترويه أنفاس التاريخ الإسلامي وعلي صفحات سجلاته فى شرح منتشر وإن كنا نستطيع أن نوجزه باقتضاب وهو أن قُصيّاً قد أمضه أن يرى قومه العدنانيين من سلالة إسماعيل، تحت سلطان الأجانب من خزاعة فكان أن عوّل مصمّماً علي أن ينزع الأمر منهم ولما كان انتزاع الحكم من خزاعة إنما محصور فى الاستيلاء علي "مفتاح البيت" بدأ قُصيّ يرسم الخطة ولخطته بدأ ينفّذ بالتدريج ومن ثم دأب علي السعي والتجارة حتي كثر ماله وهيّأه هذا المال لأن يكون أهلاً لمصاهرة ملك مكة حُليل بن حبشية الخزاعى.. وتزوّج قُصيّ من حُبيّ ابنة حُليل أملاً فى أن يرث عن حُليل امتيازاته.. ثم إنه قد حدث أن حُليلاً عرض علي حُبيّ ولاية البيت من بعده فتنحّت عن تسلّم "المفاتيح" وكأنّ حُليلاً لم ينتبه أو أنه كان قد تغاضي عن المرمي من وراء هذا التخلي فلم يسلّم المفتاح لقُصيّ وإنما سلّمه لأبي غيشان الخزاعي وهنا ابتدأ قُصيّ يحتال علي أبي غيشان حتي صابح مكة يوماً وفى يده هذا المفتاح والصوت منه يعلن خزاعة أنه قد اشتراه من أبي عيشان!
ودهشة هـبـَّت خزاعة ومهتاجة انطلقت تصيح: إنّ مفتاح الكعبة لم يُبَعْ وإنما كان ما قد حدث بطـريق الرهـن.
ولكن....قُصيّ كان يعلم ما سيكون ولم يُؤخذ علي غِرَّة. فقد كان قد اتّخذ لهذه الحرب عـُدّتها بأن استعـدّ لها من قبل وجمع قومه من نواحٍ متعـدّدة وجاء بهم إلي مكة، ومن أجل ذلك سمى "المجمع"، وقام فيهم يوم الجمعة، ولذلك اتخذ يوم الجمعة من كل أسبوع يومًا مرعـيًا، أجاب صيحة خزاعة الفزعة بصيحة الحرب ومن ثم بدأ بين العدنانيين والخزاعيين علي مُلك مكة قتال صمد له قُصيّ ومن ورائه عـدنان حتي تمكن من إجلاء خزاعة عـن مكة



وبذلك استقر فى يده هذا المفتاح الذى به انتقلت السيادة من خزاعة إلى هذا البطن من بطون كنانة أو هذا البيت الذى جمعت به القبائل من "فِهْر" التى عُـرفت باسم قريش، وبذلك دان لقُصيّ مُلك مكة!

وأقام قُصيّ نفسه ملكاً لمملكة كانت من نوع الممالك المنتشرة علي صفحات التاريخ السياسي عهد ذاك فى أنحاء شبه الجزيرة العربية، ومن مظاهر هذا الملك أنه جدّد بناء الكعبة وشيّد "دار الندوة" فضمّ إلي الحكم الدينيّ الحكم الزمنيّ الذي تولاه بمهارةٍ عجيبةٍ؛ فإنّ من المرجّح بل والثابت أنّ قُصيّاً كان قد استفاد من ترحالاته التجارية التي حتّمت عليه أن يضرب فى جنبات الأرض ويستفيد من الأنظمة الاجتماعية والسياسية التى وجد عليها الفرس وخاصة الروم، فليست "دار الندوة" إلاَّ مرآة عليها انعكست تلك الصورة التى كانت عليها مجامع الروم الدينيّة والمدنيّة! فلم يشيّد قُصيّ هذه الدار التي جعل بابها يؤدي إلي الكعبة إلاَّ علي نمط وغـرار المجالس الروميّة عهد ذلك والتى لابد أن يكون قد شاهدها فى تردّده علي الممالك المتحضّرة كفارس ومصر وحينما كان الظلال الروماني يمتد فهو لم يُنشئ "دار الندوة" إلا ليجمع الرؤساء ويعـقدوا فيها مجالسهم تحت رياسة كانت له وحده فى هذه الدار التى وإن كان لم يحكم فيها إلاّ من بلغ الأربعين من العمر فإنما قد فتحت أبوابها لكل حكيم مُفوَّه ولو لم يبلغ الأربعين من العمر واستقبلت كل نابغة محنّك واستهدفت قوة الشخصية والنضج الفكري، ويقيناً إن هذه إنما ظاهرة من ظواهر الرُقيّ الاجتماعي الذى حققه قُصيّ بإنشائه هذه الدار التي جعل من اختصاصها حسم المشاكل وحل المعضلات وعقد الألوية والفصل فى الخصومات إلي جانب تختينهم فيها غلمانهم وعقدهم فيها عقود القران. .ومن ثم وحّد الحكم الديني بالحكم الزمني فى هذه المملكة الناشئة التى وإن كانت من نوع الممالك المنتشرة فى شبه الجزيرة عهد ذاك إلا أنها كانت تتميز عن سائر هذه الممالك بالطابع الديني لأن الأصول من هذا الملك كانت تقوم علي المعني الواضح من امتلاك مفتاح "بيت الله" وما يتبع هذا الامتلاك من مستلزمات واختصاصات تقف فى مقدمتها الحجابة أو السدانة أو الكهانة.
وهكذا تنحسر سجف التاريخ عن مكة فى عهد قُصيّ كحاضرة ذات حضارة علي نصيبٍ وافرٍ من الرقي السياسي والاجتماعي، ليس فحسب لأن فيها قد أصبح هذا النوع من الحكومة المنتظمة التى وضع قُصيّ أساسها لهذه السيادة التى استهلت فى القرن الخامس الميلادى لها تاريخاً، وإنما!.. لأن هذه الحكومة، كما تحدّثنا مصادر التاريخ العربي، لم تكن حكومة الأغنياء التى يسير فيها أصحاب رؤوس الأموال علي المرافق العامة وإنما حكومة اشتراكية استهدفت إقامة العدالة الاجتماعية وهدفت إلي القضاء على مشكلة الفقر( )


فالقريشيون لم يكونوا يستغلون نفوذهم السياسي للثراء المادي وإنما كانوا يشقون به السبل المشروعة لجمع المال ثم ينفقونه فى وجوه الخير الذى اتخذ مظهره فى مساعدة المتعفّف وفى إطعام الحاج متبعـين فى ذلك مبدأًً وضعه فى مستهل حكمه قُصي، فإن قُصيّاً بما قد جمع لنفسه إلي جانب السدانة من اختصاص الرفادة، التى استقرت من بعده فى نسله من بنى شيبة، إنما قد سنّ هذه السنّة التى تخرج فيها قريش من أموال نصيباً لحظة رفع صوته قائلاً: " يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته والحج ضيوف الله وزوراً بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام الحج حتي يصدروا عنكم، ففعلوا..".

وبجانب الرفادة كانت السقاية وكان اللواء؛ وهو راية الحرب – التى كانت لا تعقد إلا بيد قُصيّ قبل أن ينتهي أمرها إلي نسله من بني أميّة – وإلي جانب هذه الاختصاصات بالإضافة إلي الندوة أو رياسة الاجتماع كل أيام العام وتولية أمر المشورة والسفارة والحكومة والحكم الأخير فى الخصومات جمع قُصيّ فى يده كل السلطات المدنية والدينية فكان زعيم العـرب السياسي ورئيسها الديني وقائدها العسكري ورأس قريش التى أصبحت، بذلك، سيدة العـرب!.. لا تنافسها فى هذه السيادة قبيلة ولا تجرؤ قبيلة أن تناوئها وليس هذا فحسب وإنما تسعي القبائل طراً إلى تفـيؤ ظل هذه السيادة التى تبثها وعـزّزها اتخاذ قريش جزءاً من الأرض المجاورة "للبيت" أولته احترامها واعتبرته، بقدسية البيت، مقدساً ومن ثم عرف "البلد الحرام" تحت اسم: " بلد الله".

وفى "بلد الله" أمنت قريش جانب غيرها من القبائل وغـدا لها مركزا خاصا فى نظر القبائل العربية قاطبة حضرا ومضرا وليضاعف لها فى نظر هذه القبائل مكانة ويؤكد لها علي دنيا الصحراء سيادة النعـت الذى نعـتت به قريش نفسها والذى ما لبث أن عرفتها به القبائل طرا حتي أمسي علما علي قريش اسم: "أهل الله".

وأمام سؤدد "أهل الله" كان حتماً أن تنحصر سيادة كل قبيلة فى الدائرة الضيقة من محيطها وأن تخفق على الحضر والمضر "لأهل الله" ألوية ما رفت إلا ورفرفت حتي أظلت الأرجاء من الحجاز وتهامة طاوية القبائل المنتشرة من عدنان كافة بما تضم هذه القبائل من أصول تشابكت فى التفاف منها الفروع من حول قريش ليشتد منها الالتفاف من حول بناء تعتبره بيتاً للإله الذى بوحدانيته تدين وتناديه منها الشفاء بنفس النداء الذى تعودت أن تناديه به فى العصر الخزاعي وفى العصر الجرهمي من قبل، فإن الله، كإله واحد لا يقف بجانبه آخر،




إنما محور التفكير الإلهىّ وطابع المعتقد الدينيّ فى العصرالقريشىّ منذ بدئه حتى منتهاه والأيام بهذا العـصر تسير من قُصيّ بن كلاب إلي محمد بن عـبد الله..

أجل .. لقد طبع التوحيد العصر القريشى وقط لم يكن العصر القريشى إلاّ موحدًا وعلى مظاهر هذا التوحيد تتوالى الأدلة وتتضافر البراهين وتتضامن على انحصار التفكير القريشى فى الوحدانية، فنحن نري العصر القريشيّ يسند إلي الله وحده أمر الكون والكائنات فالله هو الأحد الذى إليه يعود أمر الجزاء من ثواب وعقاب وهو من عنده جزاء الصالحات:

أجــــرت مخــلــداً ودفـعـت عــــــــنه *** وعـــنـد الله صـــالــــح مــــاأتـيــــت
أبو قيس بن الأسلت
والله هو المعين على إحراز النصر:
وأحــــــرزنا المغـــــــــانم واستبحـنا *** حــــمى الأعــــــــداء والله المعـــين

والله هو القابض الباسط وهو الذى يعلم السر والجهر وهو المجازى:
إن الــذى يقــبض الدنيا ويبسطــــــها
الله يعــــلــمكم والله يعـــلمــــــــــنى ***
*** إن أغــــنـــــاك فــسوف يغـــــــــنى
والله يجــــــــــزيكم عـنى ويجـــزينى
ذو الصبع العدوانى
والله هو الخالق والمبدع الجمال:
قضى لهــا الله حـين صــورهـا الــــــ *** خــــــالــق ألا يكــنها ســــــــــــدف
قيس بن الخطيم

والله هو الذى يجزى على البر والإحسان:
إذا الله جـــــازى منعــمــــــاً بوفائـــه *** فجــــــازك عـــــنى يا قلمس بالكرم
هند بنت الخس

والله هو علام الغيوب ويعلم السر وما تكنه الصدور:
فــــلا تكتمــــن الله مــا فى نفوســــكم *** ليخـفى ومهما يكــــتم الله يعــــــــلم
زهير بن أبى سلمى

من صدور الكتب الإسلاميّة المعاصرة( ) يتنفّس التاريخ معلنًا أن العصر القريشيّ كان موحدًا وأنّ من مظاهر هذا التوحيد يجئ القسم بالله!



والله لـــو كــرهــت كـــفى مصاحبتى *** لقــلت إذا كرهــت قـــــربى لها بينى
العدواني
فــوالله أنـــــا والأحاليف هـــــــــؤلاء *** لــفـى حقــبة أظــفــارهـا لـــم تتقــلم
زهير
حــلفــت فـلـم أتــرك لنفســـك ريـــــة *** ولكــن وراء الله للنـفــس مــذهــــب
الذابيانى

عن التوحيد عَـبّر أنفاس الشعر العربيّ، والشعر إنّما موسيقى النفس الإنسانيّة الذى يطرد مع عواطفها وانفعالاتها المختلفة ويجانس حالاتها وتراوحاتها المتنوعة يأتينا البرهان علي إخلاد العصر القريشي وعلي أن الله كان اسماً معروفاً فى العصر القريشي ونغمة تختلج بها الشفاه فى كل أمر ومناسبة بل يجئ البرهان علي أن هذا الاسم، ولهذا الرأي سند من نفس القرآن ففى مصدر العقيدة الإسلامية، كما سنرى ذلك بعد صفحات، نجد أن استعمال العرب لاسم الجلالة يشير علي أنهم كانوا ينظرون إليه نفس نظرة المسلمين( ) فإن فى الله، كمحور للمعتقد الأساسى الديني، كان قد انحصر المعتقد الديني فى العصر القريشي وإن كان من حول هذا المحور قد اختلفت، كما فى كل عصر، ألوان العبادة تبعاً لمراتب التفكير التي ليس إلاَّ بسبب تباينها قد شقت هوة بين العقل الجماعي والعقل الإنساني، فبينما كان العقل الإنسانى قد ظل فى تمثله بالتفكير الحنيفي كما كان فى العصرين السابقين، الجرهمي والخزاعي، منتشراً فى غير ضياع فى أرجاء العصر القريشي كان العقل الجماعي قد استحكمت فيه الصابئية ومن ثم كان التجاؤه إلى الشفعاء يتخذهم زلفي إلى الله وهذا يقيناً إنما وثنية ولكنها وثنية لم يخل منها أى عصر ولن يخلو منها أى عصر وما دام هنا عقل جماعي وما دام هناك دهماء، فليس الالتجاء إلي الأولياء وليس الطواف بأضرحتهم إلا وثنية يصطبغ بها عصرنا ولها العقل الجماعي يخضع. ومن هنا يجب أنْ نتنبّه فنعلم أنّ الوثنيّة التي شاعت عـند العرب وخاصّة الدُهماء منهم لم تكنْ شركًا. كلاَّ!. فلم تُعبدْ الأصنام فى شبه الجزيرة بصفتها آلهة قائمة بذاتها وإنّما، وهى لا تمثّل إلاَّ تماثيل الشفعاء، لم تُعبدّ إلاَّ بصفتها شفعاء إلى الله.. ويقينًا إنَّ هذا، في ضوء الحقيقة ليس شِركًا فإنّ الشىء الذي يُتّخذ شفيعًا إلى شىءٍ آخر لا يُعدّ لهذا الشىء الآخر مساويًا!..

ومن ثمّ فإذا كان العصر القريشيّ قد ورث عن العصر الخُزاعيّ وعن العصر الجُرهميّ من



قبل عقائده وإذا كان قد صبغ العـقل الجماعيّ في العصر القريشيّ بل وطبعه طابع تعظيم الوسطاء إلي الله، وإذا كان ليس إلاَّ تحت اعتبار أنّهم إلي الله شُفعاء اتّجه إليهم بالعـبادة وبني لهم بيوتًا هي التي أسماها "الطواغيت" ومن ثمّ كان قيام "طاغوت" بجانب "طاغوت" ضمّت منه الأركان أحد الشفعاء إلى الله، وإذا كان بهذه البيوت قد طوف بشُفعائه متشفّعًا موقـنًا بأنّه لا يستطيع إلاَّ من خلالهم الاتصال بالله فإنّ العـقل العربيّ، في تفكيره الفرديّ وفيّ معتقده الجماعيّ، قط لم يشذّْ عن الاعـتراف بالتوحيد للموضوع الأول للعقل أو الإله!..

ويقينًا! ما شذَّ العـقل الجماعيّ في العصر القريشيّ عن طبيعته ودأبه في كلِّ عصرٍ!. فطابع العـقل الجماعيّ في كلِّ عصرٍ إنّما اتّخاذ الشُفعاء إلي الله والتوسُّط إليه بالوسطاء ودأبه أبدًا تشييد البيوت لهؤلاء الذين يظنّ أنّهم علي الله منه أقرب!. فليس إلاّ إبتغاءً التقرب من الله اقـترب هذا العـقل في العصر القريشيّ من هؤلاء الشُفعاء وليس إلاَّ إبتغاء مرضاة الله كان استرضاؤه لهؤلاء الوسطاء، ومن ثمّ فلئن كان العقل الجماعيّ في غضون العصر القريشيّ قد ورث عن العصرين السابقين طابع التوسّل إلي الله بالوسطاء والطواف ببيوت الشفعاء فإنما المحور الأساسي الذى كان تلتف من حوله سائر صيغ تعـبّده وألوان عبادته إنما ؛ الله!. فالله هو النهاية القصوي التى تناهي إليها العقل العربي والله هو المحور الذى استدار من حوله التفكير العربي قاطبة استدارة حفها بسياج التعظيم والإجلال حتي المدي الذي خضع فيه العقل الجماعي لمنطق العصرين السابقين القائل بأن الإنسان ليس أهلاً للاتصال بالله اتصالاً مباشرًا!.. فليس إلاَّ عملاً بهذا المنطق ورضوخًا لتسلسله اتخذ العصر القريشي الوسطاء واتجه إليهم يناديهم بنفس النداء الذى كان له قد ورث. وليس إلا من هنا كان نعـته لهم بالأرباب وهذه إنّما كلمة قد مررنا بها من قبل وعلمنا أنّها صورة لفظيّة أخري للمعني من كلمة سادة!.

من صدور التاريخ العربيّ يأتينا هذا اليقين بأنّه ليس إلاَّ تحت هذا المعنى وليست إلاَّ تحت هذه الصفة خيّمت علي العصر القريشيّ عبادة أرباب انفردت من بينهم تلك الربّات الثلاث بمكانة إليها لم يرتقِ شفيع من الشفعاء، فلهُنّ كانت تعظم قريش ومن ورائها سائر بلاد العـرب حتى أمست عبادتهُنّ في القلب العـربيّ مشاعًا!.

أجل .. رغم اختصاص خزاعة وهـذيل والأوْس والخزرج "بمُناة" فإنّ من حول تمثالها، الذى كان قائمًا علي ساحل البحر الأحمر بطريق يثرب، كانت قريش تطوف وتذبح ولعبادتها تتزعّـم ومن ورائها سائر العـرب.





ورغم اختصاص ثقيف "باللآت" فإنَّ من حول تمثالها، الذي كان قائمًا بالطائف في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم، كانت قريش ومن ورائها سائر العرب تطوف وتعظّم.
ورغم اختصاص غطفان "بالعُزي" فإنّ حول تمثالها، الذي كان قائمًا بالحراض، كانت قريش ومن ورائها العرب تطوف وتخصّها بمكانة تفرّدت فيها العُزي من بين مُناة واللآت بإعـزازٍ فـريدٍ فقد كان تمثالها أعظم التماثيل المقدّسة عند قريش.

ولكن! رغم انفراد هؤلاء الربّات الثلاث بمكانة إليها لم يرتفع من الشفعاء شفيع بإنهم قط لم يرتفعن إلي مرتبة الألوهية!. وهذه حقيقة أخرى تفصح عنها مصادر التاريخ الديني وعليها يأتى الدليل من الشعر العربي لهذا العصر نفسه وهو يجري مقسماً يقول:
وبالـــلات والعُــــــزى ومن دان دينها *** وبـــالله إن الـــــــــــــه منهم أكـــــبر( )
أوس بن حجــــــــر

يقينًا إنّ القلب العربي إنما بهؤلاء الربّات كان قد علق ويقينًا إنه بهن ولهًا كان قد طوف منه الخيال فتمثلهن تحت صورة فذة من الجمال ونعتهن "بالغرانيق"( )، ولكن!. ليس إلا ليعلق بهن وليس إلا ليطوف من حولهم كأطياف إلهية يقفن من الله تحت الصفة التى يسجلها نفسه منه اللسان وهو الذى قد تعود أن ينعتهن: بنات الله!.. ومن ثم فإذا كان القلب العربى بهؤلاء الربّات كان قد علق وبهن ولهًا كان الخيال منه قد طوف فليس ليطوف بهن إلا كأطياف إلهية وقط ليس لهن مؤلهًا!. كلا! فليس إلا رجاء شفاعتهن له وتوسطهن بينه وبين الله كان اتجاهه إليهن عابدًا، ومن خلالهن، الله!.. فلقد رسخ فى الذهن منه من أن شفاعتهن، واللسان منه ينعتهن "ببنات الله"، لترتجى.. وهذه إنما حقيقة عليها يأتى من مصدر العقيدة الإسلامية نفسه البرهان بأنهن لم يعتبرن إلا الغرانيق العلى ولم يعبدن إلا لأن عند الله شفاعتهن لترتجى!.

أجل.. من مساند التاريخ الدينيّ يأتينا هذا اليقين ليزيدنا على يقين يقينًا بأنّه في غـير انحرافٍ عن التوحيد وفى غـير تحوّل عن الاعتراف بالوحدانيّة كان اللسان العربي قد لهج في غضون هذا العصر بعـبادة هؤلاء الربّات الثلاث فليس إلاَّ علي هذه المساند نفسها نستند في استمدادنا البرهان علي أنّهن قط لم يُعبدْنَ كآلهات وإنّما اتُّخِذْنَ، لقُربهن الشديد من الله، شفيعات إلي الله فما كنّ في الاعتبار الدينيّ للعصر إلاّ مرآة عليه ينعكس الجمال الإلهيّ وجلاله ومن هنا كان تعـريفهـن بأنّهن: بنات الله!



ومن ثم فقد آن لنا أنْ نستبين بأنّه لم يكنْ إلاّ في غـير انحراف عن الاعـتراف بالوحدانية الخالصة لله كان العصر القريشيّ قد نعت مُناة واللآت والعُزي ببنات الله وإلي الله من خلالهن اتجه بينما كان قد غاب لهن أصول وبينما قد علقت فى أرجاء مخيلته منهن الأطياف كغـرانيق أو ذوات جمال يقفن لديه فى مرتبة الشفاعة علي رأس كل ما قد عرف من وسطاء وشفعاء كانت قد قامت لهم أيضًا أصنام أو تماثيل، ومن أشهر هؤلاء الوسطاء الذين قد قامت لهم تماثيل أولئك الذين ورد ذكرهم فى مصدر العقيدة الإسلامية وهم: سواع ويعوق ويغوث ونسر وود.

يطالعنا تاريخ هؤلاء الأرباب الخمسة جليًا إذا تذكرنا بأن العرب كانت تعظم من كان ينفرد بعمل فريد يولد من حوله الاعتقاد بأن دعوته قد أصبحت مقبولة عند الله ومن هنا كانت تصنع له تمثالاً أو هذا الذى تسميه صنمًا، ولم تكنْ العرب إلاّ مدفـوعة بحافز من هذه العـوامل حين صنعت لإبراهيم ولإسماعيل ولمريم ولعيسى تماثيل ووضعتهم فى فناء "بيت الله"، ومن هنا ندرك أنّ الشأن كان شأن هؤلاء الأرباب الخمس فإن "سواعًا" هذه التى يقف تمثالها شاهدًا على عنصرها النسوي، لم تكن إلا كنائله الجُرهمية شخصيّة تاريخيّة( )... ونحن إذا رأينا "ودا" يقف بتمثاله على صورة رجل فليس إلا لنذكر أن من العرب من كان يسمى ودًا، وليس إلاّ لتعود بنا الذاكرة إلى "أد" و "أدد" مَن إليهما كانت العرب العدنانية بنسبها تعود!...

من ثنايا التاريخ الدينى عند العرب الأول ومن خلال داكن غيمه تلتمع هذه الحقيقة وعلينا تطلع كبرق خاطف نتبين فى ومضته اللامحة أن هؤلاء الشفعاء الخمسة الذين كانت العرب قاطبة لهم تقدس لم يكونوا، رغم اختصاص قبائل حمير بنسر وقبائل مراد بيعوق ومذحج بيغوث وبود، إلاّ أربابًا قبلية أو بالأحري شخصيات تاريخية، لهم هذه القبائل كانت قد أجلّت وقدّست وبصنعها التماثيل لهم كانت فى الوعي العربي لذكراهم قد خلدت.. فليس هنا من بين هؤلاء الأرباب الخمسة واحد قد وقف فى الذهن القبلى إلهاً وإنما لله شفيعاً وصنوه صنو سائر الشفعاء أو بالأحري هذه الطائفة التى كان يقف علي رأسها "هـبل" هذا الذى عن العصر الخزاعي قد ورث العصر القريشي له عبادة ساعدت علي استمرارها طبيعة هذه الناحية من الأرض العطشي إلي الغيث، ومن ثم كان لتمثاله، المصنوع من العقيق الأحمر والذى له كانت خزاعة قد أقرت فى "بيت الله"، مركزًا وقف به بمثابة المحور من كل تمثال كانت قد أقرته كل قبيلة لشفيعها فى "بيت الله" اقتداء بالتقليد الخزاعى




الذى لم يكن إلا بسببه كان أن قامت، تمامًا كما تقوم اليوم فىالكنائس المسيحية الكاثوليكية تماثيل القديسين، فى بيت الله تماثيل الشفعاء لتقوم فى نفس الوقت شاهدة علي أن الأساس الذى استقر عليه صرح الدين فى العصر القريشي كان المعتقد بوحدانية الله وفى نفس الوقت الذى تجئ فيه شاهدة أيضاً علي أن "الطواغيت" لم تكن إلا بمثابة أضرحة الأولياء أو مراكز للعبادة وأنها قط لم ترتفع إلي المكانة التى كان عليها "بيت الله" فهو الذى قد انفرد، انفراد صاحبة، بمرتبة الإجلال!..

ولكن!. هنا تجئ حقيقة تاريخية أخري مستمدة هى من الانقسام المذهبي الذى كانت عليه العرب القرشية فى هذا العصر، فلقد كانت العرب علي مذهبين: حِلة وحِمْس، وسميت قريشاً حِمْسًا لتشددها فى دينها، فالأحمس، فى لغتها، هو المتشدد فى دينه والمعظم بيت الله وحده.. وليس إلا "الحِلة" من العرب هى التى كانت تعظم بيوت الشفعاء وأما "الحِمْس" منهم فقد تراجعوا إلاّ عن تعظيم "بيت الله" لصلته بالساكن السماء، فلقد كانت قريش لا تعظم شيئًا من الحل كما تعظم الحرم ومن مأثور قولها: "نحن الحِمْس أهل الحرم فليس ينبغى لنا أن نخرج من الحرم ولا نعظم غيره" من ثم فلئن كانت قد انتشرت على صفحة العصر القريشى "الطواغيت" أو بيوت الشفعاء إلي الله فإن أُس المعتقد الديني إنما الله وأهم بيت كان:
05-23-2005, 05:52 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج - بواسطة إبراهيم - 05-23-2005, 05:52 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  هل من ردود لهذا الموضوع؟ الوطن العربي 11 1,183 05-16-2014, 02:40 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  موضوع : غير المسلم في القرآن + حوار مع الاخت "سوسنة الكنانة" حول الموضوع .. الــورّاق 0 611 04-18-2013, 10:35 AM
آخر رد: الــورّاق
  لماذا سنة الخليج يختلفون عن سنة العرب ؟ SH4EVER 56 12,735 08-28-2011, 03:09 AM
آخر رد: على نور الله
  تعامل دول الخليج مع الاحتجاجات الشعبية العربي الحر 0 910 05-14-2011, 01:42 PM
آخر رد: العربي الحر
  أرجوا من يستطيع تعميم فكرة هذا الموضوع على المنتديات مؤمن مصلح 11 2,715 10-26-2010, 09:17 AM
آخر رد: مؤمن مصلح

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS