{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #4
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج
بيت الله!...
من حول "بيت الله" التفت ثلاثمائة وستون قبيلة وهى تلاقٍ منها حوله تشابكت الفروع من عدنان، حِلة وحِمْسًا، ومن ثم انحسار العصر القريشي عن عقيدة دينية مشتركة تربط بين القبائل من عدنان محورها الله ومركزها مكة أو بيت الله.. عقيدة دينية فى الطوية العربية منذ العهد الجُرهميّ غُـرست فجعلت العرب فى العصر القريشي، رغم انعدام وحدتها السياسية، ذات وحدة عقيدية فلا تتنافر القبائل، تنافرها في أصول عقيدتها السياسية، فى أصول عقيدتها الدينية القائمة علي الاعتراف بألوهية "الله" ومن ثم انحسار التفكير الديني للعصر، بهذه العقيدة المشتركة، عن دين له شريعة تقوم على أصول والأصول منه تنقسم إلى:

عقائد وأعمال..
أهم أصل من أصول الدين فى العصر القريشى أو هذه الدين الذى نعرفه بالصابئي كان: الاعتقاد بالله، وأما الأصول المهمة التى تمثل من هذا الدين الأركان فتنحصر فى:
الاعتقاد بالملائكة ووحى السماء بالتنبؤ والجان والسحر، والإيمان بالبعث، والخلود، والثواب، والعقاب، الأخرويين.
الأصول إنما الأصول من الدين الصابئي فى العصر القريشى.. فالعقيدة بألوهية الله كإله


واحد إنما عقيدة لا يمسّها من الشك مساس ولا يخدش من قدسية صورتها وجود الوسطاء بل علي النقيض كان اتخاذ الوسطاء كما قد رأينا، إمعاناً فى إجلال هذه الصورة القدسية، فالدين الصبائي إذ يقر بألوهية الله كإله واحد لا شريك له فى ألوهته فليس إلا ليحفّ هذه الصورة القدسية بإطار من المنعة والصون حتم عليه الاقتراب منها عن طريق الوسطاء من الملائكة إلي جانب الأقدمين من الشفعاء، ومن هنا كان الاعتقاد بوجود الملائكة يمثل ركناً فى صرح الإيمان الصابئي، كما أن علي أسس هذا المعتقد قام الإيمان بالخبر الآتي من السماء وجاء الاعتقاد بأن من أفواه الملائكة يمكن أن يستطلع ما قد كتبه القلم الإلهي فى لوح القدر من أقدار!.. ومن هنا كان الإيمان بأن من السماء إلى الأرض، بواسطة هذه الأرواح العلوية، يأتى النبأ بما قد كُتب فى لوح السماء من أقدار الكون والكائنات، فللجبرية فى التفكير للعربى كانت الأرجحية علي عقيدة الاختيار... أما على من يتنزل الخبر ومن باستشفاف ما يجول فى ضمير الغيب من أحداث عنها ستنفض طيات الآتي يتنبأ، فليس إلا من عنه كانت قد رسخت فى العقلية العربية العقيدة بأن له وحده القدرة على الاتصال بالملأ الأعلى، وهذا إنما أمر كان مقصوراً علي أفراد طبقة السدانة أو الكهانة، فليس إلا السادن أو الكاهن من كان يقف موقف المستنبئ فالمتنبئ فالمنبئ ومن كانت قدرته علي الاتصال بالملأ الأعلي أو الملائكة من ساكني "العالم العلوي" تمكنة من الاتصال بالملأ الأدني أو "الجان" .. فعن "الجان" كان قد رسخ فى المخيلة العربية، مذ كان هذا العقل يحبو علي مدارج الحداثة، الاعتقاد بها كائنات نارية العنصر ومسكنها "العالم السفلي" ولها القدرة الخارقة علي قضاء الحوائج وعلي الائتمار بأمر هذا الكائن الذى يسخرها لإرادته فيما شاء ومن هنا كان الاعتقاد بالسحر!.

بيد أن عن السحر، والسحر إنما نفث فى العقد ولا يأتى إلا بشر، يجب الابتعاد إن لم يكن مخافة العقاب فى هذا العالم فمخافة العقاب فى عالم آت موعده:
"يوم البعث"!..
بالبعث أو "بيوم قيامة" تُجزى فيه النفس بما عملت عن خيراً فخير وإن شراً فشر، آمن العصر القريشي مؤمناً بأنه: "يوم الحساب"!..

ويوم الحساب؟ .. يوم الحساب إنما يوم فيه سينتشر لكل امرئ "كتاب" فيه قد سطرت كل ما قد أتاه الإنسان فى دنياه من أعمال، وعن هذه العقيدة يأتينا الدليل عبر بيان أحد الثلاثة المقدمين علي سائر الشعراء، الذبياني، وامرؤ القيس، وهذا الذى من ألقابه المعترف له بها فى الإسلام "شاعر الشعراء" فإن هذا المتأله المعتقد بأن الله عالم بالخفيات والسرائر وأن



ما يصر عن الإنسان من عمل مدخر ليوم الحساب لنا يقول:
فــلا تكـــتمن الله مـا فـى نفــوســـكم
يـؤخـر فيـــوضـع فى كـتـاب فيدخـــــر ***
*** ليخـــفـى مـهـمـا يكـــتم الله يعــــــــلم
ليـــوم الحـسـاب أو يعـجــــل فينـــقــــم
زهير ابن أبي سلمى
يقينًا إن الله يجازى يوم الحساب:
وعــلمـــت أن الله يجـــــازى عــبـــده *** يــــوم الحـسـاب بأحـســن الأعــمــــال
علاف بن شهاب التميمى

ويسترسل للعشر العربى بيان به نتبين مدى إيمان العصر القريشى "بيوم القيامة" واعتقاده بأنه: "يوم الحشر"!..

وعن "يوم الحشر" يأتينا من الشعر العربى التوكيد فمن أشعارهم، وقد كانت للعرب عادة أن تدفن مع الثاوى راحته حتى يركبها "يوم البعث" وإلا سار الرجل راجلاً نسمع:
يا سعد أما أهلكن فإنني
لا تتركــــن أبـــاك يعـــثر راجـــــــــلاً ***
*** أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب
فى الحشـــر يصـرع لليـــديـــن وينكـب
جريبة بن الشيم الأسدى
ويستفيض شعرهم فيسجل:
أبنـى زودنــــــــــي إذا فـارقـتنـــــي
للبعـــــــث أركـــبها إذا قيل اظعــــــنوا ***
*** إلـــــــى القــبر راحــــلة برحـل فاتــــر
مســــتوثقـــين معـــاً لحشــر الحاشــــر
عمرو بن زيد التيمى

وهكذا تأتينا الأدلة جلية بأن العقل القريشى قد آمن بأن هناك فيما بعد هذه الحياة الأرضية حياة أخروية فيها المثوبة وفيها العقاب ومكانها عالم طبيعته الخلود!
ولكن!... إلي عيشة سعيدة فى عالم الخلد تعترض شروط هى لئن كان التمسك بالقيم الأخلاقية يأتي فى أساسها فإنما نتلخص فى الحرص علي الالتزام بأداء أعمال دينية هي، كالعقائد الأساسية الدينية، أساسية وهذا تشتمل علي:
الحج والصلاة والصوم
الحج إلي بيت الله، كعبة الدين الحنيف والصابئي، فريضة حولية فرضها التقليد وشرعتها، منذ العصر الجُرهمي، العادة وعلى أدائها حرص العربي، صابئيًا وحنيفيًا وحضرياً ومضرياً وحِلة وحِمْسًا، فمن كل فجٍّ من أرجاء شبه الجزيرة كانت تُقبل الأفواج يملأها اليقين



بأنّها إنما تقبل إلي "بيت عتيق" إليه شوقًا كانت تصبو منها الجوانح وبلفحات حب "صاحبه" هي أبدًا تتلظي!..

من أعماق الصحاري وأطراف البوادي كان العربي فى غضون هذا العصر يقبل ساعياً يسعي بالبيت ويطوف به سبعاً تتركه العقيدة بأنه إنما قد أقبل للإله زائراً ومن ثم كان حرصه علي أداء أصول الزيادة.. ولما كانت أصول هذه الزيارة تنحصر فى اتباع ما قد شرعه السلف من شعائر تنحصر فى الإحرام والوقوف بعرفة والمزدلفة وهدي البدن وسائر المناسك حتي المناداة والتلبية فقد كان العربي يحرص علي القيام بأداء هذه الأحكام التى كان يختتمها بالتهليل وبالتلبية التى تحتم عليه، إذا كان صابئياً، أن ينادى:
لبيك إن الحمد لك
إلا شـــــــريــــــــــك هــــــــــــو لــك ***
*** والملك لا شريك لك
تمـــــــــلكــــــه ومــــــــــا مــــــلــك( )

فإذا ما أدي الحاج مناسك الحج، سواء أكان صابئيًا أم حنيفيًا فليس إلا ليتحول منه الوجه شطر وادى "مُناة". وليس إلا ليجمع جموعه وإلى هذا الوادى فى اليوم العاشر من الشهر يرتحل لينحر فيه الكباش ضحية لله وقرباناً ولنفسه فداء، اقتداء بأرومته من بسيرته كان يروح رأوياً: إن إبراهيم كاد أن يضحى للإله بإسماعيل لو لم ينزل الله كبشاً من السماء وكان فى ذبحه فداء "للذبيح"!. وبذلك قد شرع الله استبدال القربان البشري بالقربان من الكباش.. فليس إلا اقتداء بالسلف واتباعاً، كما كان يعتقد، لشريعة إبراهيم عرف العربي فى العصر القريشي طقوس القيام بالحج بما تشتمل عليه هذه الطقوس من تلبية وطواف وسعي ووقوف بعرفة ونحر للكباش فى اليوم العاشر( ) من شهر ذي الحجة لتبدأ بذلك للعرب أيام: العيد الأضحى!

الحج إلى "بيت الله"، هذا البيت الذى جددت قريش بناءه ومحمد ابن خمس وعشرين سنة ورفعت بابه حتي لا تدخله إلا بسلّم، وذلك لتستطيع منع من تشاء من دخوله، فريضة حولية علي أدائها حرص العربي تمام الحرص يدفعه إلي القـيام بها، كلما استطاع سبيلاً، إيمان راسخ ترتد عنه شبهات الشك في أنه قد اتي الله زائرًا، ولما كان العربي من عاداته الاجتماعية قد عرف للزيارة معناها الكفيل الغض عما قد سلف من المساءات فليس
بمستغرب أن نجد هذه العادات الاجتماعية قد أوجدت فيه شعورًا دينيا إليه لا يتسرب شك بأنه بزيارته الله قد منح منه، على كل ما قد سلف من ذنب، الغفران!



بيد أن لئن كان للقيام بهذه الزيارة موعد ولأدائها كان يضرب ميعاد فإن للتأهب والاستعداد لها كانت هناك أشهر معلومات، المحرم ورجب وذو الحجة وذو القعدة( ) ومن ثم عرفت هذه الأشهر الأربعة بالأشهر الحرام وتبعاً لحرمتها ولدت فى المعتقد العربي عنها العقيدة بأن من الدين تعظيمها والإقلاع فى غضونها عن مستجد العداوات وموروث الخصومات والكف عن القتال، ومن ثم كان الحجيج يقبل فى غضون هذه الأشهر ومن حيث أقبل كان يروح عائداً يملأ جانبيه الأمن وتسكن الطمأنينة منه القلب، فطيلة هذه الأشهر الأربعة كان جناح السلام يرفرف علي أرجاء الصحراء!.. لا قتل ولا قتال ولا تعد، ولا عدوان.. كلا!.. كفت الحرب وفى صمت كف فى الأشهر الحرم صليل الحراب!
أجل.. الحرص التام حرص العربي علي تعظيم هذه "الأشهر الحرام" التى نسأها "القلمس" بن حذيفة بن عبد فقيم المتحدر من كنانة( ).. وقط لم يجرؤ من العرب مجترئ علي الإخلال خلالها بقواعد السلام إلا مرة وصمها العصر القريشي "بحرب الفجار" أما بعد ذلك فقد سارت الأيام فى غضون الأشهر الحرم، كقبلها من الأيام، هادئة مستقرة خلالها كان الحجيج من أطراف بواديه يقبل ويطوف "بيت الله" سبعاً يهلل لله ويلبى ومتضرعاً إليه يناديه متشفعاً بمن إليه قد اتخذ من وسطاء ومن فى "بيته" لهم كان قد وضع تماثيل بل وليدفعه فيض من وقدة الشعور وحدة الإيمان إلي تحسس أستار الكعبة بها متبركان ليروح بعد طواف بتمثيل شفعائه، ناحية وذلك النصب الذى تجله قريش وله تقديس وفى اقتداء بها يهوي فى شغف لاثمًا "الحجر الأسود"!..
هذا هو الحج فى العصر القريشي فريضة فرضها التقليد وشرعتها العادة كما أن بجانب هذه الفريضة التى قد توارثها العرب عن السلف ومن مظاهرها القيام بسائر مناسك الحج وليضاف إلى هذه الشعائر شعيرة جديدة جاءت بعد "عام الفيل"، فإلي "المغمس" حيث يرقد أبو رغال دليل أبرهة الذى أقبل من صنعاء ليهدم البيت العتيق ثائراً للبيت الذى كان قد بناه فى صنعاء كان هناك ذلك المظهر الآخر من مظاهر الحب للمعبود والتعبير العاطفى المصور عاطفة الإجلال التى تأتينا منها الصورة فى العصر القريشى واضحة جلية. فقد عرف العصر:

الصلاة..
فى الدين الصابئي صلاة، وصلوات الدين الصابئي خمس صلوات، خمس كانت تؤدى




فى اليوم نهارًا وليلاً( ).. ثلاث منها كانت تؤدى فى غضون النهار واثنان ليلاًً ليرتفع فى اليوم الواحد، عبر الركوع والسجود، التسبيح بحمد الله بين طرفى النهار وظهراً وفى العشي والإبكار!

لا ثمة شك فى أن الصابئ حينما كان يؤدى هذه الصلاة إنما كان يؤديها علامة علي إيمانه ودليلاً علي تقواه ومن هنا كان حرصه علي ما تفرضه عليه هذه الصلاة من شروط تنحصر فى التطهّر الجسديّ، فإنه إذا كان من شعائر الدين الصابئي حتماً ألاّ اقتراب من المسجد الحرام إلاّ بعد اغتسال من الجنابة فقد كان حتماً أيضاً الاغتسال قبل هذه الصلاة التى كان يؤدّيها العربيّ الصابئيّ مولياً وجهه شطر "بيت الله" فبيت الله إنما فى العصر القريشي قد غدا فى الصلاة إلي الله قبله!..

وأما إذا كان بعيداً فهو يتخذ منه الحجر الذى حمله معه من حجارة الكعبة، بديلاً، يعضه متمثلاً الكعبة فيه.

أجل .. عن هذا المظهر من ألوان التعبير العاطفي لله تنحسر طيات التاريخ العربي فى غضون هذ1 العصر لتنحسر طيات هذا التاريخ نفسها عن مظهر آخر من مواجد الوجدان عرفه العصر، ألا وهو:
التصوف..
لقد عرف العصر القريشي فى فجر تاريخه ألواناً من التصوّف كان الزهد من أول مظاهرها، فالزهد إنما أول درجة فى سلم التصوف ومن هنا كان حتمًا أن يجئ فى غضون هذا العصر الزهد وما يتبع الزهد من تنسّك والواقع إن التنسّك كان معروفاً فقد كان يُطلق علي صاحب هذه النزعة التنسكية نعت "الديان" فليس الديان إلا المتنسّك فى الدين( ) ومن ليس إلاّ بسبب تكاثر فئاته كانت هذه النزعة قد غمرت هذا العصر واغتمرته لتنمو وتتخذ مرحلة متقدّمة في تطوّرها بقوم كان يقال لهم "صوفة" انقطعوا إلي عبادة الله وقطنوا الكعبة، ومن هؤلاء بل بالحري كان رأس هؤلاء "الغوث بن مر" فلم يكن أولئك المعروفين "بصوفة" إلا أتباع الغوث..

بيد أن إذا كان العصر قد عرف هذا اللون من ألوان مجاهدة النفس معرفته لذلك اللون الآخر من ألوان التعبير العاطفي فإذا بجانب هذين المظهرين المصورين من تعابير



العاطفة للعاطفة بعض مشاعر وشعور، يأتي ذلك المظهر الآخر العائد بمصدره إلى النفس ألا وهو:
الصوم..
فى الدين الصبائي صومٌ لكنه صوم كتبته علي النفس النفس، فالصوم رياضة نفسية وجد ووجدت حينما وجد الزهد ومحاربة الشهوات والعربي غضون العصر القريشي لم يجهل الزهد ولم يتجاهل محرابة النفس، فالعصر إنما كان عصراً قد عمرت منه الأرجاء بالمتحنثين والموحدين والزهاد ممن تركت خطاهم الأثر بعد الأثر علي شعـب مكة ومهابط حِراء ومُعتلياتها.. بل إنَّ الصوم بمعناه الاصطلاحي من الامتناع عن أشياء محدّدة فى أوقات محدّدة كان فى الدين الصابئي عُـرفاً معـروفاً وشعـيرة يجب تأديتها مرات ثلاث فى العام الواحد كان أقلها يوماً واحداً وهو يوم عاشوراء وأما أبرها فشهراً كاملاً هو الذى كان العربي الصابئي، فى مستهل مجاهدته نفسه، يؤديه خلال "الرمضاء".. عندما يتأبت النهار وتهبُّ من شدق الرمال لوافح الرمض تلفح شدق الصحراء!.
والرمضاء؟ .. الرمضاء إنما هى نفس الكلمة التى اشتقت منها كلمة رمضان، فإذا العـرب حينما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة، وهى لغة العاربة، سمّوا الأشهر بحال الأزمنة التى وقعـت فيها عند التسمية، فإتفق أنه حينما أرادوا تغـيير اسم شهر "ناتق"، "وناتق" كما تنتشر عنه اللغة فى مادة "نتق" إنما كلمة تعـني الصوم وكان الحـر علي أشده والرمض فى أشدها فسموه رمضان.. من ثم، والعلة الحقيقية هى هذه "العلة" التى يجئ من نفس مصدر العقيدة الإسلامية عنها اليقين بأن علي المسلمين من كتب الصوم كما كتب على الذين من قبلهم، فإن العرب كانت فى العصر القرشى تصوم شهر رمضان!
هذه هى الأصول فى الدين الصابئي عقائد وأعمالاً كما يتنفس عنها صدر التاريخ ويعلنها للعصر القريشى ديناً له قد توارث عن السلف الخلف فتوارث له شعائر وطقوس نسك تمثل منه القواعد والأركان وتربط بين الفروع المتفرعة من عدنان بوحدة عقيدية وتصمنها بتشاريع الكون:

الشريعة فى الدين الصابئي..
حكومة منتظمة لم تكن العرب، من ثم فلا قانون مدوّن ولا سلطة تنفيذية تتناول التشريع فى مرافق الحياة سواء فى الأمور المدنية والجنائية والأحوال الشخصية، كلا، فلم يكن هنا إلاّ الخضوع للعُـرف وإلاّ مراعاة التقليد القبليّ الذى كان قد توارثه الأبناء عن الآباء كما استنه كل أب قبيلة لقبيلته، بيد أن مما قد ناولته إلينا الأجيال من مظاهر الحياة العقلية





فى غضون العصر القريشى تحت اسم "المذهبّات" و "المفضليات" و"الحوليات" و"الاعتذاريات" ومما قد ناولنا إياه الزمن "كديوان الحماسة" لأبى تمام والبحترى ومن "الأغاني" للأصفهاني ومن "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ومما قد اختارته "مختارات الشجرى" ومما قد أوردته "جمهرة أشعار العرب" لأبى زيد القريشى تطالعنا جلية الشريعة فى الدين الصابئي فليس إلا مما قد ناولته لا الأجيال عن مظاهر الحياة العقلية فى غضون العصر القريشي وخلال تاريخ زمني لا يتجاوز القرن والنصف قرن قبل الإسلام، نتبين بوضوح أنّ للدين الصابئي كانت شريعة وإن تكن شريعة لم تصبغها صبغة التنزيل!.. فهي شريعة قد أوحتها علي العربي طبيعـته وعليه قد أملت موادها له جبلة صاغـت ما يضمه قاموس الأخلاق من مبادئ ومثل.. فالناحية الأخلاقية إنما تتجلي، فيما قد ناولته إلينا الأجيال من مظاهر هذه الحياة العقلية، متينة وقوية وقويمة مترعة مظاهر القيم الأخلاقية من مكارم الأخلاق كالعدل والإحسان والوفاء بالوعد ففى "الأمور الجنائية" استنت هذه الشريعة:
الرجم لمقترف الفاحشة( ) قطع يد السارق( )..

وفى الأمور المدنية" شرعت هذه الشريعة:
المساواة في الحقوق بين الأفراد والعدالة فى المعاملة وهذا تشريع يسجله "حلف الفضول" ففى هذا الحلف، الذى سيطلعنا بأسبابه بعد قليل، قد أخذت قريش علي نفسها ردّ كل مظلمة إلي أهلها لا فرق فى ذلك بين قريشي وغير قريشي!.. بلى وإلى ما قبل "حلف الفضول" يأتينا الدليل على تلك الناحية القوية التى كانت تمتاز بها قريش بسبب وجودها بجوار "بيت الله"، فإن العصر القريشي، الذي كان قد توارث عن العصور الأول احترام "بيت الله" والذى كان بجانبه قد سنّ استقاء "العسل المصفي" عادة وكسوته بأفخر الثياب وألا يقربه إلا المتطهرون وأن لا يقربونه دماً ولا ميتة ولا محائض، إنما بحرمة هذا "البيت" قد بني ناحية قوية من أخلاقه، فهذه سبيعة بنت الأجب، وكانت عند عـبد مناف، تقول لابنٍ لها تعظم عليه حرمة "البيت" وتنهاه عن البغي فى "بلدالله":
أبني لا تظلم بمكة
واحفظ محارمها بني
أبني من يظلم بمكة
أبــــــــــــني يضـــــــــــرب وجــهــــه ***
***
***
*** الغير ولا الكبير
ولا يغرّنّك الغرور
يلق أطراف الشرور
ويلـــــــــــج بجـــنبيـــــــــه الســعـيــر





ابـــنـي قـــــــــد جـــربتهــــــــــــــا
الله آمــــن طـــــــــيرهـــــــــــــــــا ***
*** فــوجــــــدت ظـــــــــالمها يبــــــــور
والعــــصم تــــــــــــــأمــن فى ثـــبير

وأما فى "الأحوال الشخصية" فقد شرعت هذه الشريعة وحرمت ما قد شرعه الإسلام من بعد وما قد حرمه من القرابات فى الزواج فهي لم تحلل من أوان الارتباط الجنسي لونًا جعلته شرعيًا وبه اعترفت إلا ما قد حلله من بعد الإسلام واقره شرعيًا..
يقينًا! لقد تعفف العصر القريشى فى المناكح وعف ساداته عن الانغماس فى اختيار واحدة بعد واحدة أو الجمع بين الاثنين، فتاريخ العصر يطالعنا بأن السادة فيه قد اقتصروا علي واحدة فى نفس الوقت الذى يحدثنا فيه هذا التاريخ بأن هذا التعفف قد امتد مداه الذى به تراجع عن الأخت وبنت الأخت وبنت الأخ مما أقره، أيضاً من بعد الإسلام( ).
كما أن هذه الشريعة قد شرعت الطلاق، فقد كان العرب يطلقون مرة واحدة ثم يرجعون فيطلقون الثانية فيرجعون أما الثالثة فلا رجعة فيها. وقد يجمعون بين الطلاقات الثلاثة مرة واحدة( ) وهذا إنما نفس ما قد أقره الإسلام من بعد.. وأما أقبح ما كانوا يعتبرون فهو أن يجمع الرجل بين أختين أو يخلف عيى امرأة أبيه أو امرأة ابنه أو ربيبة الذى يكون قد تبناه. فلقد بلغ من شدة استمساك قريش بالقيم الأخلاقية أن كان للمتبني كل اعتبارات الابن وحقوقه!.
أما "الوأد" فقد نهت عنه قريش وحرمته، كما سيطالعنا ذلك بعد صفحات، وإن لم يكن شائعاً إلا فى قبيلتي أسد وتميم وعلى الأصح لم يكن إلا فى هاتين القبيلتين معروفاً وبالتحديد بين الدهماء فيهما من تلك الفئة التى كانت قد اشتدت بها رقة الحال.. مخافة سبة قد تصيب من عار قد يلحق لن تزيله إلا إراقة الدم( )!.
وهكذا نرى أن العرب فى العصر القريشي كانت تحلل أشياء وتحرم أشياء هي نفسها التى أقرت من بعد ومن بعد حرمت ومن بعد حللت.. وإن وحيها فى هذا التحريم والتحليل لم يكن إلا مستمداً من الينبوع الداخلى وإلا عملاً بسنن ومقتضيات للقيم الأخلاقية، فمن شريعة العصر القريشي نرى أن القيم الأخلاقية كان الاعتبار الأول الذى اتخذ مظهره فى الطهارة بنوعيها: المادى والروحي. فأما "الطهارة المادية" فهي أنهم كانوا يداومون على طهارات الفطرة وهى "الكلمات العشرة" التى توارثها عنهم الإسلام وقررها من السنن المرعية كما توارث عنهم تعريفهم لها فقال قولهم بأنّها خمس فى الرأس خمس فى الجسد،



أما التى فى الرأس فهي المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك. وأما التى فى الجسد فالاغتسال من الجنابة وغسل الموتى والصلاة عليهم وهذه الشعيرة الأخيرة كانت من أوجب الشعائر، فقد كان من عادة العرب عند الدفن أن يقوم خطيب فيذكر محاسن الثاوى ويقول عند مواراته التراب "عليك رحمة الله". وأما أبرز مظهر من مظاهر هذه الطهارة الجسدية فقد كان: الختان.

وأما "الطهارة الروحية" فقد كان من أهم مظاهرها التسامي إلي بلوغ السمت من قمم الأخلاق ومن هنا كان تمسكهم بمكارم الأخلاق كالتعاون والوفاء بالعهد والزكاة وصلة الأرحام والكرم وتحريم الكذب تحريمًا أدى إلى تحريم كل عامل يؤدى إلى التفريط فى هذه القيم. ولما كانت الخمر لا فحسب رأس هذه العوامل وإنما العامل الأول فى حل رابطة الأخلاق والوسيلة الأولى إلى التحلل من القيم الأخلاقية وإلى الانحلال فالانزلاق فى مزالق الهوى فقد حرم الكثير من ساداتهم على أنفسهم الخمر..

كلا!.. لم تتجنب الخمر طائفة من عقلاء العرب وإنما حرّمها علي نفسها وأوثقت هذا التحريم بالقسم بالله. وأول عربي حرّمها على نفسه في العصر القريشي كان ذاك الذى أعطي الله عهدًا ألاّ يشربها أبداً:
فـوالله لا أحـســو بــذا الدهـــر خمرة *** ولا شــربــة تــذرى بــــذى اللب والفخر
قس بن عاصم التميمي
وصنو قس كان ذاك الذى ما زال الصوت منه يتحدّر على مقاطع الأيام رنينًا:
وتـركـت شــرب الــراح وهي أثــــرة
وعـفـفــت عـنه يـا أمــــيم تكـــرمًــــا ***
*** والمــــمـســـات وتـــرك ذلـك أشـــــرف
وكـذلــك يفعـــل ذو الحـجــى المـتعفـــف
الأسلوم اليامى
وصنو الأسلوم فـذاك الذى كان أول من قـرعـت له العصا:
أقسمت بالله أسقيها وأشريها
تــــورث القـــوم أضغانًا بـــلا إحسن ***
*** حتى يفوق ترب القبر أوصالى
مـــــزرية للفـــتى ذى النجـــدة العالى( )
عامر بن الظرب العدوانى

وإلى جانب العدواني، هذا الذى كانت العرب تسند إليه الفصل فى أمورها، يجئ ذلك الآخر:



رأيت الخمر صالحة وفيها
فــــلا والله أشــــربهــــــا حــياتـــــي ***
*** مناقب تفسد الرجل الكريما
ولا أشـــفى بـــهـــا أبـــداً سـقـــيـــمًــــا
صفوان بن أمية الكنانى
وصنو صنوان كان شرحبيل المعروف بعفيف:
فلا والله لا ألقى فوماً
أبـــى لـــــى ذلــــك آبــــــاء كـــــرام ***
*** أنازعهم شراباً ما حببت
وأخــــــــوال بعــــــــــــــــزهم ربيـــت
عفيف بن معدى الكندي
وكعفيف، عف عن "أم الفواحش" هذا القائل:
رأيت الخمر طيبة وفيها
فــــلا والله أشــــــربهـــا حــياتــــــى ***
*** خصال كلها دنس ذميم
طـــــوال الـدهـــر ما طــلـــع النجـــــوم
مقيس بن قيس السهمي
وأما أبرز هذه الطائفة فإنما ذاك الذى ياتينا صوته عبر الأجيال عبيراً يقول:
وإنى لأرجـــو أن أمــوت ولــــم أنـــل *** مــتاعــًا من الدنيا فجــورًا ولا خــــمــرًا
حاتم الطائي

من شفاه أكثر من واحد من سادة العصر القريشى يأتينا اليقين بأن ما من أحد من حكماء العصر إلا وترك الخمر استحياء مما فيها من الدنس( ) وفى هذا ما يدلنا لا فحسب علي مدي الرقي الذى كان طابع العصر القريشي وإنما يمدنا بما به نستطيع أن نحكم علي المجتمع القريشى قبيل الإسلام. فإن بين المجتمع والأخلاق علاقة وثيقة فبين المجتمع والأخلاق تجاوب وتفاعل وكلاهما مؤثر ومتأثر فى وقت واحد فكل منهما إنما مرآة تنعكس عليها صورة الآخر والأخلاق لا يمكن بحال أن تنشأ وتتكون وتنمو وتتطور إلا فى مجتمع، والمجتمع بدوره رهين فى سيرة وتقدمه واتجاهه وتحوله بأخلاق الأفراد التى تكيفه بكيفية خاصة وتوجهه وجهة معينة، ولهذا الارتباط الوثيق بينهما تبرز الحياة الاجتماعية القريشية واضحة المعالم جلية الصفات من خلال الشعر العربي الذى قد سجل الحياة الخلقية تسجيلاً رائعًا رسم طهارة المجتمع العربي وعفته وصورة كرمه ووفاءه وغير ذاك من حميد الأخلاق التى كادت أن تكون واقفاً علي هذا العصر.. كما أننا نلمس من ثنايا هذا الشعر شيوع الروح التقية واتقاد والعاطفة بوقدة الورع فعلينا يهب من مضامين هذا الشعر لهب العاطفة





الدينية كميزة فيه واضحة!. ولاشك فى أنه إلي ما كانت تشتمل عليه مكة فى العصر القريشي من أماكن مقدسة وحرمات ظاهرة وإلي ما كان يؤدي فيها شعائر العبادة ومناسك الحج وإلي البيئة الدينية السائدة فيها يعود الأثر الأكبر فى إضرام هذه العاطفة وفى إنماء هذه القيم، بل إن من مظاهر ذيوع العاطفة الدينية أن نرى من هذا الشعر وضوح الإيمان بالفضائل والمثل العليا والدعوة إليها حتى المدى الذى أورث اتزاناً فى التفكير وسلامة فى المنطق وقوة فى الحجة وصحة فى النظر إلى الحياة، فهو فضلاً عن بلاغته وروعته، غنى بالمضامين الحية وبالروح الإيجابية والثورة على الخرافة والأوهام التى كانت، شأنها فى كل زمان ومكان، طابع العقل الجماعى..

ثم.. ثم إنه إذا كان من ثنايا هذا الشعر يطالعنا الروح الإيجابية وعلينا يطلع بالمضامين الحية فإن من ثناياه، أيضًا، نري مظهرًا آخر وهو الاتجاه إلي ثراء الروح فمن بطون التاريخ العربي للعصر القريشي تنحسر هذه الحقيقة وهي أن ثراء النفس كان لديهم المطلب والغاية، فالمال فى نظرهم غادٍ ورائح وليس من باقٍ علي الدهر إلا طيب الذكر وحسن الأحدوثة ومن هنا كان تحايلهم بالوسائل علي إنفاق المال فى سبيل رفاهية المجتمع بالترفيه عن المعوزين حتي المدي الذى تسجله لهم الكتب الإسلامية فتقول بأن من بواعث ذلك لدى أثريائهم كان إقبالهم علي الميسر فى زمن الجدب لينحروا الجزر للمحتاجين والجائعين، وأما الوفاء فهو السجية الأصلية فى العرب عامة وفى القريشي خاصة والكلمة عهد مبرم واجب الوفاء وخاصة إذا كان هذا العهد قد أوثق بالقسم بالله!..

وهكذا.. من ثنايا الشعر العربى لهذا العصر تأتينا هذه الأدلة على مواد الشريعة التى شرعها لنفسه بنفسه الدين الصبائي، فهذا الشعر إنما يهدينا إلي أن نلقي نظرة علي الروح التقية التى كان عليها المجتمع العربي فنتبينه، فى ضوء اليقين، مجتمعاً قد صح منه الجسم وسلمت منه الأطراف وليس علي ذلك أدل مما قد تقدم من أدلة تقف فى مقدمتها سنة الوفاء بالعهد حتي المدي الذي اعتبرت فيه قريش أن الغدر ثلم للشرف وهذا إنما أمر بسببه كانت قريش ترفع فى سوق عكاظ لواء التشهير الغادر الناكث العهد، فالعهد واجب الوفاء حتب ولو طرأ ما يوجب النقض!

هذه هي الشريعة التى يطالعنا بها الدين فى العصر القريشي وهذه هي القيم الأخلاقية فى هذا العصر كما أملتها علي العربي الفطرة العربية بوحي من طبيعة له طبيعتها الإباء وبدافع من جبلة له صيغت من الأنفة والحمية والشرف والكبرياء، فالدين الصابئي لا يستند فى مبادئ شريعته إلي مصدر قدسي أو بالأحري إلي وحي هابط أو كلم منزل ولا يقول إن




تشاريعه قد دلفت إليه من السماء. كلا. فتشاريعه لم يجئ بها نبيّ أو رسول إلهيّ كان سجل صدقة كتابًا مقدسًا كشرائع الديانات الأخرى التى كانت منتشرة عهد ذاك والتى كانت فى غضون هذا العصر تنساب إلى مكة وفيها تتوغل عبر تياراتها التى استرسلت فى امتداد من البقاع الخاضعة سياسيًا للإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية الشرقية وتتدفق صاخبة من مصدرين أحدهما تلك الإمارة التى قامت على حدود بادية الشام وتلك الإمارة الأخرى التى قامت على ضفاف بحيرة النجف حيث تمر فروع من نهر الفرات... إمارتان الحيرة وغسان اللتين بهما يطالعنا:
أثر إمارتيّ الحيرة وغسّان في التفكير الدينيّ المكّيّ
مما لا ثمة شك فيه أن العرب لم تكن، بسبب مركز مكة الجغرافى الذى جعل منها منذ سحر التاريخ طريقاً مطروقاً للتجارة ومهبطاً للتعامل الاقتصادي، في أي عهد مضي قط عن العالم عن عزله، ولكن .. بهاتين الإمارتين العربيتين، اللتين أنشأهما الفرس والرومان في الأراضي القريبة من حدود إمبراطوريتهما واستعاضوا بهما عـن جنودهم بجنود أقيالٍ من العرب لحد السطو القبلي ولردّ غارات السلب والنهب التي كانت بعض القبائل البدوية تشنها علي قوافلهم التجارية باسم الغـزو صيغـت حلقة جديدة ربطت بين قلب الصحراء بسبب هذا الاتصال السياسي والتجاري بالحضارات المجاورة المتاخمة، تتصل فكرياً بفارس وبيزنطة أو الروم الشرقية، ويمسها من خضابيهما، ففى تقليد راح العقل العربي، وهو فى أعماق هذا القلب من صحرائه، يقلد ما قد اصطبغ به عبر هاتين الإمارتين عن طريق الحاكمي ممن كانوا معهم قد ارتبطوا بمعاهدات وليولد فيه هذه التقليد ذلك التوثب السياسي الذى ستطالعنا به الأيام وهي تسير من قُصيّ إلي محمّد غداة هدف أن تكون للعرب وحدة سياسية تسلخ الوحدة القبلية ويقوم بها للعرب ملك.. كملك كسرى وكملك قيصر!...
فى أفق المخيلة العربية يطالعنا هذا الأثر الذى احتل من تفكيرها السياسي الأرجاء عن طريق تخضيب هذه المخيلة بالتفكير الديني المناسب إلي القلب من الصحراء من هاتين الإمارتين.. وعلي صفحات التاريخ السياسي نراه جلياً ونحن نستعرض أثر إمارتي الحيرة وغسان فى التفكير الديني للعصر القريشى....

ففى الحيرة من هذه الإمارة التى تعود بتاريخها إلي القرن الثالث الميلادى وتعود بنشأتها إلي أردشير بن بابك مؤسس الطبقة الرابعة من ملوك الفرس المعروفين بآل ساسان أو الأكاسرة من علي أيديهم انتقلت الحضارة الفارسية إلي بلاد العرب عن طريق المناذرة من




اللخميين الخمسة والعشرين الذين تعاقبوا علي إمارة الحيرة وكانوا واسطة فى نشر العلوم والمعارف فى شبه الجزيرة، يطالعنا الأثر الفارسي فى تخضيب التفكير العربي عامة والمكي خاصة، فإن أسواق الحيرة كانت للتجارة العربية مقصدًا وقصور أقبالها كانت للشعراء منهم منزلاً ومدرستها، مدرسة "جنديسابور" التى شيدها سانور بن أردشير التابع للدين الزرشتى( )، كانت للعلم كعبة ترسل إليها الطبقة الثرية من قريش أبناءها، وليس هذا فحسب وإنما كان الظلال الفارسي علي العرب الحيريين أنفسهم قد انبسط وصبغهم بصبغة التحضّر الفارسي فحيثما المتجه من الحيرة كان، كانت الروح الفارسية ترفرف وترفّ غامرة القصور والأسواق باتباع الـ "زند" من مانوية يُعرف أصحابها بالمجوس ومن زردشية يُعرف القصور أتباعها، نسبة إلى الكتاب المقدس "الزند" بالزنادقة، كما أن إلى جانب أتباع لزردشت وأتباع لمانى كان ينتشر ليسوع أتباع من مسيحية نساطرة.. وكل هذه العناصر غير المؤتلفة من مسيحية وزنادقة ومجوس تؤلف بمجاميعها تيارات دينية تموج بها أرض الحيرة وتنساب عبر القوافل الرائحة والغادية، إلى القلب من الصحراء وفى مكة تستقر ليدوى فيها الهدير من هذه التيارات هادراً بأن كل، من زنديقى ومجوسى ومسيحى، إنما أتباع نبي رسول وحملة كتاب مقدس!...

وفى غسان وكالحيرة كانت غسّان ففى هذه المنقطة من بادية الشام، حيث إليها كان قد هاجرت قبيلة أزد من اليمن علي إثر انكسار سد مأرب وذهب بطن منهم إلي الشمال عرف بأزد غسان فولي الرومان منهم أمراء علي عرب الشام ألمعهم علي التاريخ كان الحارث ابن جبلة أول أمراء بنى جفنة الذى رفعه جستانيان إلي مرتبة ملك وبسط سلطته علي كل القبائل العربية فى بلاد الشام فتولي ملك الغساسنة من سنة 528م إلي 569م، يطالعنا الأثر الرومانى فى تخضيب التفكير العربي قاطبة. فإن غسان كانت للعرب من مكة مقصداً ومنزلاً فإليها كانت العرب تجارتها وبشعرها تشد إلي قصورها وأسواقها الترحال فتشد ترحالها إلى حيث كان يترامي الظل الروماني الشرقي وإلي حيث كانت تتفيأ فئ ذلك الدين الذى انبثق فى أرجاء العصر الهلليني الروماني ونما علي أرض الإمبراطورية الرومانية حاملاً اسم المسيحية وحلّ فى غسان بمن كان قد حلّ فيها من اليعاقبة..

وهكذا... بالمناذرة من اللخميين فى الحيرة الذين استعان بهم الفرس علي الرومان وعلي العرب معاً وبالغساسنة فى الشام الذين استعان بهم الرومان علي الفرس والعرب معاً نفث الزمن روح التحضّر فى أعماق الصحراء!...




ولكن !... لئن كان فى أعماق الصحراء قد نفث الزمن روح التحضر فليس إلا لينفث عبر هذه الروح فكرًا دينية عن رسل وأنبياء وكتب مقدسة وليس إلا ليلفح الوعي العربي بلهب الافتقاد إلي رسول ونبي وكتاب مقدس وليس إلا ليذكّي ضريم هذا اللهب ويرسل له هصيصًا بمن كان يأتى علي هاتين الإمارتين ومن عنهما كان عائدًا يروح إلي مكة ليحفحف هذا اللهب ويندلع من الشفاة فى صورة القصص عن الأنبياء والرسل والكتب المنزلة. ومن هنا تحوّلت مكة فى العصر القريشي إلي مصبّ ديني لتيارات دينية شتي فهي بعد أن كانت طريقاً للتجارة حركة دفعها إليها، بالإضافة إلي هدف سياسي عنه سينحسر التاريخ بعد صفحات، ميلها للسلام فهي، وللسلام محبة وجل أفرادها من دعاة التعايش السلمي لا يقاتلون إلا إذا اضطروا للقتال، اشتغلت بالتجارة وما كان اشتغال القريشيين بالتجارة إلا تعففاً عن السلب والنهب، فقد كان بعض القريشيين، كما تذكر ذلك صدور الكتب الإسلامية، إذا أجدبوا ولم يجدوا ما يحفظ رمقهم ينتحون مكاناً قصياً مؤثرين الموت علي حياة يصمها عار السرقة والنهب باسم الغـزو!..

بهذا الدافع، دافع مشكلة المحافظة علي الكيان السياسي والاقتصادي الذي اتخذت قريش الوسيلة لحله عن الطريق السلمي الذى يعتمد علي المعاهدات السياسية والتجارية التى تؤمن الشريان الحيوي لتجارتها عبر الصحراء فى اتجاهها إلي أعماق الجنوب حتي اليمن وإلي أقاصى الشمال حتي الشام، عملت في الوعي العربي العوامل الدينية الشتي فى إنماء فكرة نبي ورسول. فلقد تزعمت قريش حركة التجارية زعامة بلغ من اهتمامها بها أن عقد أبناء عبد مناف الأربعة مع جيرانهم معاهدات أمن وسلامة، فمع الإمبراطورية الرومانية ومع إمارة غسان عقد هاشم معاهدة مودة وحسن جوار وحصل فمن الإمبراطور الرومانى الإذن لقريش بأن تجوب الشام فى طمأنينة وأمن، ومع النجاشى عقد عبد شمس معاهدة تجارية ومع فارس ومع حمير فى اليمن عقد نوفل والمطلب معاهدات تجارية. . وبهذه المعاهدات التى نظمت قريش شأن تجارتها وأمنت بها علي قوافلها بقيامها بها مرتين من كل عام إلي اليمن شتاء وإلى الشام صيفًا تكون فى مكة مجتمع كاد أن يكون سويًا! لا يحس فيه أحد بألم العوز وذلّ الحاجة ومذلة الإدقاع. فالأغنياء والقادرون علي العمل والكسب الذين كانوا يعملون فى التجارة طوال العام فى رحلة الصيف والشتاء إنما قد انتعشت بهم الحياة الاقتصادية وارتفعت نسبة الدخل القومي ارتفاعًا تضاءلت به نسبة الفقراء، فإذا بقي بعد ذلك فقير أو عاجز عن العمل كان له فى الزكاة حظ من أموال الأثرياء، فقد شرعت قريش الزكاة كي تخلط فقيرها بغنيها فإذا الكل سواء!. وبذلك حلت قريش مشكلة لا تزال أكثر الحكومات





الحديثة تشكو منها ويستبين عجزها من حلها.. فقد حلت قريش هذه المشكلة، مشكلة العوز والفقر وحققت العدالة الاجتماعية فى المجتمع المكي بأسلوب مهما قيل فى بساطته فإنه قد كفل القضاء علي الإدقاع إذا ألزمت الأغنياء بكفالة الفقراء وفرضت علي الغني أن يقسم ربحه بينه وبين الفقير وبذلك رفعت من ذوى الحاجة غائلة الخصاصة وأصبح من يمتلك المال زمن لا يمتلكه فى ميزان الحياة علي السواء، فقد غدا هذا التكافل الاجتماعي أمراً مرعـياً وسنة من سنن المجتمع المكي حتي مجيء الإسلام( ).
ولكن.. لئن كانت رحلة الصيف والشتاء وسيلة إلي غاية سياسية ولئن كانت بهذه الوسيلة قد انتعشت الحالة الاقتصادية وبلغ من عناية قريش بالتجارة ما قد رأينا من اقتسام بني عبد مناف الأربعة الاتجاه إلي مختلف البلاد واشتراعهم هذه السنة التي أمست بها مكة قبلة أنظار العرب جميعاً فإنما لهاتين الرحلتين، رحلة الشتاء والصيف، كان التاثير المعنوي والأدبي والديني الذى ترك طابعه فى العقلية العربية، ففي الصحبة القرشية، وللقرشيين حيثما حلوا حرمة ولهم لا يتعرض أحد إذ هم لا فحسب السادة وإنما هم من تنعتهم العرب كافة "أهل الله"، كانت القوافل العربية فى حمي "أهل الله" تسير وتقفل على بلادها قافلة بما تحمل فى ذاكرتها صورة البون البين بين حضرها وتلك الحواضر وبين بساطتها وذلك السؤدد والسلطان لأمم تعود بأسباب سؤددها وسلطانها إلى وحدة سياسية تقوم على أسس وحدة دينية مادتها: "نبي رسول" و "كتاب مقدس"!...

يقينًا ليس إلا علي أسس وحدة دينية مادتها نبي رسول وكتاب مقدس تقوم الوحدة السياسية التي للفرس والتي للرومان وهذه حقيقة لا يحملها العائدون إلي مكة إلاّ وعليها يصادق المقيمون فيها من الرومان والفرس، فمكة فى العصر القريشي إنما مترعة بالفرس وبالرومان بما قام بهم فيها من المبيعات التجارية التى أنشأتها فيها هاتان الإمبراطوريتان ليزداد بهذه المبيعات التجارية هدير التيارات الفكرية والعقائد الدينية والمعتقدات المذهبية فى مسمع مكة مُغـتمرة العقلية العربية بألوان شتّي من المعتقدات والعقائد والفكر.

من الأجزاء الخاضعة سياسيًا للفرس، حيث كانت الزردشتية تخيم دينًا رسميًا، كان يمتد إلي بطون شبه الجزيرة عامّة وإلي مكّة خاصّة التيّار الزردشتيّ متوغـّلاً بدينٍ المحور منه "نبيّ رسول" عـنه رسخت في المُعـتقد الفارسيّ العـقيدة بأنّه جاء آخر الزمان وأنّ عليه تنزّل وحي السماء بواسطة "الروح" أو كبير الملائكة الذي أسري به إلى السماء ليعود إلى الأرض بشيرًا بالدين الحقّ.. وهادرًا امتدّ هذا التيار لينصب من جوانب من القلب القريشي حيث استقر



فيها هذا الدين الذي عرف، نسبة إلى الكتاب المقدّس، "بالزنادقة" وعرف أصحابه بالزنادقة، ومن هنا علّق بالوعيّ الزمنيّ أنّ في قُريش قد انتشرت "الزندقة" لتسطر يد الزمن أنّ قريشًا قد تزندقـت!..

أجل .. إلي "الزندقة"، والزندقة كما نرى ليست كلمة مرادفة للمعنى من كلمة إلحاد وإنما هى فى حقيقتها دين قام علي الاعتراف بالتوحيد ويعتبره أتباعه منزلاً، هفت من القلب القريشى جوانب وإليها شد من هذا القلب الوثاق بتلك الطائفة التى كانت قد تعلمت فى مدرسة "جنديسبور" كالحارث بن كلدة وابنه النضر بن الحارث من أطباء العرب وممن بهم كانت قد راحت الأبحاث تدور فى الأفق العقلي بأبحاث تقترب من الرحاب الفلسفة لاتصالها بما وراء الطبيعة وقدم العالم وحدوثه وأمر الخلود والبعث ليتراجع منها اليقين عن الإقرار بالبعث الجسدي مؤمنًا بأنّ العظام لن تحيا من جديد بعد أن تمسي رميمًا... ومن ثم فبينما استقرت الزندقة فى جانب من الجوانب القريشية فإنما عن قبول عقيدتها القائلة ببعث جسدي فى "يوم قيامة" ينصب فيه "الميزان" ويحاسب فيه المرء علي ما قد أتي فى دنياه من أعمال ليسير بعد ذلك علي "الصراط" الذى يمتد فوق هاوية الجحيم إلي "الفردوس"، تراجعت ناحية من الطبقة المفكرة ووقفت بطبها حائرة تتساءل حيري عن ماهيّة النفس فى نفس الوقت الذى جاء فيه رفضها قبول عقيدة البعث الجسدي مؤيدًا لمذهب كان حتمًا أن يتكون بتلك الناحية الأخري من العقلية العـربية التى كان قد خضبها التيار المجوسي الذي قد امتد من الأجزاء الخاضعة أيضًا للفرس ليستقر فى بطون شبه الجزيرة عامة وفى "تميم" خاصة يحمل دينًا محوره، أيضًا، نبي رسول وعنه قد صاحب المعتقد المجوسي الإيمان بأنه: "بُشري عيسى"( )!..

أجل.. ليس إلاَّ كأثر لهذا التيار الدينيّ القائم علي نظام "الإمامة" والهادر بألوهة "الواحد" فى غـير اعتراف ببقاء الدهر تولد فى أرجاء من التفكير العربى:
المذهب الدهري..
بديهيًا أنّه لا فرق بين الطبيعـيّين والدهريّين إلاّ أنّه من الثابت أن أصحاب المذهب الدهري من العرب أو الدهريّين فرقـتان مختلفتان وإنْ كان علي كليهما يُطلق نعت: "المعطلة" ولكن لا يهمنا من هاتين الفرقتين إلا تلك التى رفضت رفضاً باتاً عقيدة البعث الجسدي ومن ثم فإذا كانت فرقة من هاتين قد قالت





بأن الخالق قد خلق الأفلاك متحركة ولم يقدر علي ضبطها وإمساك حركتها فدارت عليه وأحرقته فإنما هناك تلك الفرقة الأخري التى قالت بقدم العالم وعدم حدوثه واستدلت علي ذلك بأن الأشياء إنما تخرج من القوة إلي الفعل فإذا خرج ما كان بالقوة إلي الفعل تكونت الأشياء، مركباتها وبسائطها، من ذاتها لا من شىء آخر.. والعالم لم يزل ولا يزال ولم يتغير ولا يتغير ولم يضمحل ولا يضمحل ولا يجوز أن يكون المبدع يفعل فعلاً يبطل ويضمحل إلا ويبطل هو نفسه ويضمحل مع فعله وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التى فيه، ومن ثم فالجامع هو الطبع والمهلك هو الدهر وما هي ألا الدنيا نموت ونحيا فيها وما يهلكنا إلا الدهر..

بثالث فحول الطبقة الأولي من شعراء العصر القريشى تتجلى واضحة هذه النزعة التى تركت تأثيرها فى ناحية من التفكير الديني للعصر، فمن هذا الآتي من مزينة من قبائل مضر يتحدر إلينا الصوت مرجعًا فى مسمعنا هدير الدهر هادرًا:
ألا ليت شعــري هـل يرى الناس ما أرى
بـــدا لـــى أن النــاس تفــني نفـوســــهم ***
*** مـن الأمـــر أو يبــد لـهـم ما بــدى ليا
وأمــــوالهم ولا أدرى الـدهـــــر فـــانيًـا
زهير بن أبي سلمى
ومتلقيًا فى يومه بين أمسه وغـده يسترسل:
رأيت المـــنايـــا خـبـط عـواء من تصب *** نطــوف بـذلـــك البيت والخـبر حـاضـر
وهابطًا فى الأرض أثرًا، يسترسل:
وإني فتى أهبط فى الأرض تلعة
أرانــــى إذا أمسـيـت أمسـيـت ذا هــوى ***
*** أجد أثرًا قبلى جديدًا وعافيًا
ثــم إذا أصبحــت أصبحـت غـــاديـــــــًا

ولكن .. هذه النزعة لا تلتمع علي تربة التاريخ الديني لهذا العصر إلا كسراب ترَهْرَه! فنحن لا نقترب منه إلا ونراه قد تلاشي في لا شيء وليس علي ذلك من دليل أدلّ من أن نري هذا الآتي من مزينة يعود عـن الميل إلي المذهب الدهري فلا يلحق "بالمعطلة" وإنما يلحق "بالمحصلة"، وهى تلك الطبقة التى أقرت بوجود الله كموجد للوجود بما فيه من موجودات فيقول:
بدا لى أن الله حق فزادى
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى
ومـــا أن أرى نفــسى تقــيها مــــنيـــتي ***
***
*** إلى الحق تقوى الله ما كان باديا
ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً
ومـــا أن تفـــى نفــس كــرائم مـاليًـــا!..

كالرياح الرامسات التى تغطي آثار الديار هبت "المحصلة" فغيبت "المعطلة" حتي لم يبقَ من الأثر المجوسي إلا القول "بالواحد" وإلا القول ببقاء الدهر بيد أن ليتكشف لنا علي الباهت من صفحات التاريخ العربي القديم الأثر الذى تركته المجوسية إلي جانب الأثر الذى


تركته الزردشتيّة أو الزندقة عبر تيارها الذى انساب إلي مكة من الحيرة ولنري أن في مجري هذا التيار قد أقبلت أيضًا من الحيرة المسيحية وراحت في توغـل تتغلغل إلي القلب من الصحراء العربي ليزيدها في هذا القلب تغلغلاً وتوغلاً تيارها الآخر المقبل من الأجزاء الخاضعة سياسيًا للروم، أو بالأحري غسان.. فمن غسان، حيث المسيحية كانت قد أمست الدين الرسمي، انسابت المسيحية إلي مكة انسيابها من الحيرة ودخولها إلى الجنوب من شبه الجزيرة عن طريق الحبشة دخلت الشمال عن طريق سوريا وشبه جزيرة سيناء وضفاف الفرات ولكن!.. ليتلاقى علي هذه الناحية من الأرض فى اصطدام منها التيار بمتنافر العقائد المذهبية.. فإنه إذا كانت من غسان قد أقبلت المسيحية فى صورتها اليعقوبية وتحت هذه الصورة المنتشرة بها في غسان وسائر بلاد الشام انتشرت في قبائل تغلب وقضاعة ونجران فإنها من الحيرة كانت قد أقبلت فى صورتها النسطورية.. وكلتا الفرقتين إنما تتنافران تنافرًا جوهريًا من حول عقيدتهما الدينية فاليعقوبية تقول بألوهة يسوع وإن مريم أم الإله بينما النسطورية تستنكر استنكارًا قاطعًا إلاّ الاعتراف بالوحدانيّة المطلقة لله حتي المدى الذى تكفر فيه القول بتأليه يسوع وتأليه مريم فليس يسوع لدى النساطرة إلا "كلمة الله" ألقاها "الروح القدس" إلي مريم، وليست مريم لدي هذا المذهب إلا عذراء بتول وقع عليها الاصطفاء الإلهي من بين نساء العالمين،ولكن!. ولئن تنافرت اليعقوبية والنسطورية من حول معتقدهما المذهبي فإنما قد اتحدتا علي التهادن من حول محور واحد كلاهما بوجوده يعترف ، فإنهما من حول الاعتراف بألوهية الله كواحد لا يتنافران وليس إلا حاملة هذا الاعتراف قد أقبلت النسطورية وأقبلت اليعقوبية مع القسس والرهبان الذين كانوا يردون أسواق العرب يعظون، ومن ألمع هؤلاء على التاريخ ذكراً كان: عد بن زيد، وحكيم العرب وحكمها قس بن ساعدة أول من اعتلي "الصفا" وعلا الصوت منه فى أرجاء مكة سجعاً ونثرًا يجلجل:
هــــــــو الله الـواحــد المـــعـــــــــبــود *** ليـس بــوالـــــــــد ولا مــــولـــــوده! ...

بل ويسترسل هذا الصوت يلقى كلما له فى المسمع نغمة ولنغمته فى الفكر رنة يقول:
"هو الله إله واحد، ليس بولد ولا والد، أعاد وأبدي، وإليه المآب غـدا"!.

كالريح الريّا عندما تهب علي عين ريّة هـبّت المسيحية علي شبه الجزيرة العربية فأنعشتها!. وهذه إنما حقيقة علينا تطلع ويأتينا عـ
05-23-2005, 05:57 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أبكار السقـّاف(( بنت اليمن))-تلميذة العقاد المنسية- أهدي هذا الموضوع لكل بنات الخليج - بواسطة إبراهيم - 05-23-2005, 05:57 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  هل من ردود لهذا الموضوع؟ الوطن العربي 11 1,181 05-16-2014, 02:40 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  موضوع : غير المسلم في القرآن + حوار مع الاخت "سوسنة الكنانة" حول الموضوع .. الــورّاق 0 609 04-18-2013, 10:35 AM
آخر رد: الــورّاق
  لماذا سنة الخليج يختلفون عن سنة العرب ؟ SH4EVER 56 12,734 08-28-2011, 03:09 AM
آخر رد: على نور الله
  تعامل دول الخليج مع الاحتجاجات الشعبية العربي الحر 0 910 05-14-2011, 01:42 PM
آخر رد: العربي الحر
  أرجوا من يستطيع تعميم فكرة هذا الموضوع على المنتديات مؤمن مصلح 11 2,715 10-26-2010, 09:17 AM
آخر رد: مؤمن مصلح

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS