يصرح المعلم اسحق بأن الله هو من زرع الاحتياج إلى الأمان في الإنسان، وهذا التصريح لعمري خبطة فلسفية لم يحققها مؤمن قط ، فهاهو المعلم يعلن مسؤولية الله المباشرة عن انعدام الأمان في المجتمع.
فما السبب في هذه الفعلة الشنيعة يا ترى؟، من الواضح أن الجواب هو أن الله باستخدام سياسة الخشبة والفجلة يريد السيطرة على بني الإنسان بسبب النزعة الأبوية وعقدة النقص المستفحلة في "الأقنوم الأول"، وهي طريقة ناجعة كثيراً ما استخدمتها الحكومات البشرية –بوحي رباني- كي تعدم الأمان في المجتمع وتوهمه بحاجته إلى سلطتها وهيمنتها.
ألم يجد هذا الإله العظيم وسيلة أفضل من زعزعة الاستقرار الاجتماعي لجذب البشر إليه؟، وكم يجب على المرء أن يكون غبياً كي يفوته ذلك؟.
إن كل هذا هراء طبعاً تقودنا إليه أطروحات المعلم، لكننا نستنتج منه أن المعلم لا يعرف ما هي الأسباب الحقيقية لانعدام الأمان في المجتمعات البشرية، فهاهو يلقي بالسبب على الله تارة، وتارة على إبليس، كعادة المؤمنين الأبدية في تبسيط وتسخيف أسباب الظواهر الاجتماعية والعلمية وغيرها ونسبها إلى الله أو نقيضه إبليس، وذلك لإراحة أنفسهم من عناء التفكير في أسبابها، وهذا ذر للرماد في العيون يا معلم، وللتنصل من مسؤولية التصدي لهذه الظواهر غير الإنسانية ومن يقف وراءها... وهذه إن لم تكن خيانة فهي اصطفاف حيادي غير معلن في صف الباطل.
إن كل من ينسب أسباب ظاهرة غير إنسانية إلى غير أسبابها إنما يقف في صف واحد مع مسببيها، فهو إما غبي لا يعرف الحق من الباطل، أو جبان وخائن لأنه يعرف ولا يتدخل.. كلامياُ على الأقل... علينا أن نختار ماذا نكون، ونحن نتحمل مسؤولية كل ما هو قائم من خير أو شر، شئنا أم أبينا وهربنا إلى الله أو إبليس أو غيرهما.
أما الهرب إلى الخمور من أجل الإحساس بالأمان، فليس صحيحا..ً والأصح أن انعدام الأمان يدفع الإنسان إلى الإدمان أياً كان نوعه –بما فيه التدخين- رغبة في النسيان والهرب من الواقع، ولكن يا لسوء حظ المعلم، إذ أن الملايين مصابون بهذا المرض بمن فيهم المعلم اسحق نفسه، وهم لا يدمنون على المشروبات الروحية، بل وعلى الروحانيات الدينية أيضاً ذعراً من قلة الأمان، ولعمري لم تمر على البشرية من ظاهرة خدرت عقول البشر وأنستهم أوضاعهم المؤسية ومنعت ثورتهم عليها بالقدر الذي فعلته المخدرات الدينية، والتي صبرتهم مقابل وعود كاذبة بعالم آخر أفضل.. وعود كاذبة لا أكثر استفاد منها الظلمة عبر التاريخ ليعيشوا جنة الله على الأرض.
هاهو المعلم يصرح بكل وضوح أنه على المرء أن يتجنب المال والسلطة كيلا يسقط في حبائل إبليس، بدلاً من أن يوضح أن صراع الظلمة والمظلومين عبر التاريخ يقف وراء ارتباط فكرة سوء السلطة والمال، وربطها بالمسكين إبليس الذي يتهم دائماً بأوساخ البشر وعلاقاتهم الاجتماعية غير الناضجة إنسانياً..مع أن السلطة والمال يفترض أن يكونا في خدمة البشر
مشكلة انعدام الأمان ليست في مكائد إبليس.. بل في كثير من الأنانيين –لا أقول جميع- الذين يديرون أقفيتهم لمجتمعاتهم ومشكلاتها، ويولون شطر دور العبادة طلباً لأنهار الخمر والعسل واللبن.