ابراهيم حميدي: العلاقات السورية – الاميركية
GMT 21:30:00 2005 الأربعاء 8 يونيو
الحياة اللندينية



--------------------------------------------------------------------------------


الحياة اللندنية: الخميس: 09 - 06 - 2005

العلاقات السورية – الاميركية ومشروع »دمقرطة» الشرق الأوسط (2 من 2):

نشر الديموقراطية جزء من «الامن القومي» ونقاش«الاستشراقيين» يطاول الحركات الاسلامية



تناولت حلقة امس الـ»لا «علاقات السورية - الاميركية. هنا حلقة ثانية واخيرة، تتناول النقاشات الاميركية عن نشر الديموقراطية والانخراط مع الحركات الاسلامية.

بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)، صارت «موضة ثقافية» ان تكون مختصا في شؤون الاسلام والشرق الاوسط. ومن المؤشرات الى ذلك، ان مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون كان يتلقى سنويا 80 طلبا لاختيار 22 طالبا. لكنه بات الان يتلقى 300 طلب، اضافة الى قيام الاف الشباب بالسفر الى العالم العربي لدرس اصول الدين واللغة العربية.

هذه الصورة تبدو «مؤلمة» لكريس تونسنع من «ميريب» لان مركزه مختص بشؤون الشرق الاوسط منذ تأسيسه قبل 34 سنة لـ»ايجاد العدالة والسلام في الشرق الاوسط وتغيير السياسة الاميركية»، اذ قام على «دعم القضية الفلسطينية ورفض التدخل احادي الجانب ودعم حل بدولتين، اضافة الى معارضة الانظمة الشمولية والوقوف الى جانب قضايا حقوق الانسان». اما «الموضة» الثانية، التي فيها الكثير من الجدية النظرية لدى «المدرسة التقليدية» والمدرسة العقائدية و»المحافظين الجدد»، فهي «نشر الديمقراطية» باعتبارها جزءا من «الامن الاستراتيجي العام والامن الشخصي».

قامت السياسة الاميركية تاريخيا على ثلاثة مبادئ: دعم اسرائيل، استمرار تدفق النفط باسعار منخفصة، استقرار الانظمة الشمولية والاستقرار بما يدعم المبدأين الاوليين. وتوضح جوليان شويدر من «ميريب» في مقر المركز: «ان المحافظين الجدد، غيروا المبدأ الثالث في رفض دعم الانظم الشمولية». هذه الصورة ببدو فيها «نفاق» لدى شويدر، اذ تقول: «اذا كنت تحارب الارهاب مثلنا فانك تمارس ديمقراطية، كما هي الحال في الاردن والمغرب واليمن»، الامر الذي يعزوه اخرون الى «توأمة المصلحة والعقيدة» لدى ادارة بوش. وبعدما يقول تونسنغ ان «الاصلاح في العالم العربي يجب ان يأتي من الداخل» وان التجربة اثبتت ان «تغيير الانظمة يجلب الكارثة»، يشير الى ان القضية الفلسطينية «على اهميتها، استخدمت ذريعة كي لا يحصل أي اصلاح». لكن مسؤولا في الخارجية يقول: «نحن المنخرطون بالاصلاح ونشر الديمقراطية نفهم العلاقة بين قضية فلسطين والاصلاح، لكن اشخاصا على مستوى اعلى يتخذون القرار». ويزيد: «نفهم العلاقة، لكن هل المقصود ان نتوقف عن دعم نشر الديمقراطية الى حين حل الصراع العربي –الاسرائيلي». وكل من تتحدث اليه في واشنطن، يشير الى خطاب بوش الذي قصد من ان يأخذ من لندن منبرا كي يقر بـ»خطيئة» اميركا ويعلن التراجع عن سياسة عمرها 60 سنة في دعم الاستقرار والانظمة الشمولية. ويقول خبير في «مبادرة الشرق الاوسط الكبير» ان احد اسباب «دفع الناس الى الانضمام الى تنظيم القاعدة، هو نقص الحرية وعدم سماع صوتهم في النظام السياسي. ثلاثية الفساد ونقص الديمقراطية والحرية سهلت للقاعدة اجتذاب اعضاء شباب»، لذلك فان المبادرة ركزت على محاور»توسيع المشاركة السياسية، واصلاحات اقتصادية، وتطوير التعليم، وتمكين المرأة».

ويقترب من هذا التحليل «الحلفاء» على الضفة الاخرى من الاطلسي، وان كانوا اقرب الى الميل الى الاستقرار بحكم القرب الجغرافي. ولاحظت ايثر برنير نائبة مدير «مركز العلاقات عبر الاطلسي» ان اهم تغيير حصل في السنوات العشر هو انتقال «الامن من المفهوم الجغرافي الى الاجتماعي» على خلفية مواضيع الهجرة الشرق اوسطية الى اوروبا والارهاب وتفجيرات ايلول، قبل ان تلاحظ مدى «تعمق قضايا حقوق الانسان في النقاشات عبر الاطلسي»، مع ملاحظة وجود «فرق بالاسلوب لتحقيق الديمقراطية» بين اسلوب استخدام القوة من قبل اميركا والدبلوماسية من قبل اوروبا. ولا شك ان اميركا واوروبا هما «في مرحلة طرح الاسئلة لكيفية دعم التغيير في الشرق الاوسط».

ويقول توماس كورثير من «مؤسسة كارنيجي» ان واشنطن سعت الى «انخراط اوروبي في الاصلاح الشرق الاوسطي» بعد احتلال العراق. لكن مارينا اوتاوي من «وقفية كارنيجي للسلام» تقول: «ان الخطأ في ان تدفع اميركا واوروبا اكثر لفرض نموذج ديمقراطي. المهم ان نقول ان الاصلاح ضروري في الشرق الاوسط، ثم تقوم كل دولة بتحديد سياساتها تجاه هذه المنطقة»، قبل ان تشير الى فرق بين الاسلوبين بين «اسلوب عدواني ونقدي وضاغط» لدى واشنطن واسلوب «معقد وتدرجي وحذر» لدى الاوروبيين.

وبعيدا من هذا التوجه، تقدم الباحثة كيبر رؤية اكثر قربا من»المحافظين الجدد» وتقول: «كنا نعتقد ان وجود انظمة قوية تمسك بالشعب هو مصلحة لاميركا، اكتشفنا ان هذا خطأ» فانها تدعو الى «ان نكون حذرين بحيث لا نبدوا اننا نفرض الديمقراطية فرضا. الديمقراطية تمس «غراس روت». بوش قاس مع الرؤساء في الجلسات المغلقة. اذا لم تحصل استجابة، يظهر الضغط الى العلن وبالاقنية الدبلوماسية».

ويوضح باتريك كلاوسون: «هناك عدد كبير من الناس كان لديهم شك حول نية الرئيس بوش نشر الديمقراطية في المنطقة. بوش مقتنع ان الديمقراطية جزء من الامن القومي لاميركا»، اما ماركوس نولاند من»معهد الاقتصادات الدولية» فانه اجرى بحثا علميا دحض الاعتقاد بان «العرق العربي لا ينسجم مع الديمقراطية وان المسلمين لا ينسجمون مع الديمقراطية»، اذ ان هناك في «الشرق الاوسط حالة فريدة. اذ يتعايش استقرار والانظمة الشمولية». ويضيف انه كان هناك اعتقاد مفاده»ان الثقافة العربية شمولية وان العرب ذوو ارث شمولي»، لكن دراسة ميدانية مقارنة «اثبتت» له ان «نخبة شمولية تستثمر في الكثير بالامن الداخلي بما يعكس خيارات هذه النخبة. أي ليس كل عربي ولد شموليا».

لكن الصورة ليست بهذه البساطة لدى خبراء الشرق الاوسط، اذ يقول هيدسون ان بوش ذو «افق ضيق وليس ذكيا، لذلك فانه كان من السهل ان يكون تحت تأثير المحافظين الجدد». ويزيد ميشيل كولن دونن رئيس تحرير «مجلة الشرق الاوسط» التابعة لـ»معهد الشرق الاوسط للسلام» (مديره ادوارد ووكر) ان اشارة الرئيس بوش الى «الحروب الصليبية» دليل الى مدى ضعف الخبرة بالشرق الاوسط لانه كان يقصد انه «يفعل شيئا نبيلا، بينما كان صدى ذلك العكس».

ويقول ويقول مكرم عويس من «المعهد الديمقراطي الوطني» ان خطأ ادارة بوش هو اعتقادها انه «يمكن الانتقال بليلة واحدة من نظام شمولي الى نظام ديمقراطي»، واضاف: «عندما قال بوش ان بلاده قررت التوقف عن دعم الانظمة الشمولية كان صادقا, وان هذا كان خطوة في الطريق الصحيح، لكننا نحن نؤمن بالتغيير المتدرج القائم على هامش اوسع للاعلام والمجتمع المدني وحصول انتخابات بشفافية ونزاهة».


الحركات الاسلامية

جديد الجدل «الاستشراقي» الاميركي في اوساط خبراء مراكز الابحاث، يتناول كيفية التعامل مع الاسلاميين، ذلك ان الحوارات تزامنت مع فوز «حماس» بنسبة كبيرة في الانتخابات البلدية وتحرك «الاخوان المسلمين» في مصر وتعديل «الاخوان المسلمين» السوريين ميثاقهم ومشاركة «حزب الله» في الانتخابات البرلمانية في لبنان. ويقول عويس ان واشنطن «لا تعمل مع الاحزاب التي تدافع عن العنف.»حماس» منظمة مهمة، لكن لا بد ان ترسم «خطا فاصلا» بين الجناحين السياسي والعسكري. وبالتالي فان الجناح السياسي، يجب ان ينبذ العنف بالتزام مؤكد».

وفيما يقول عويس ان «حزب الله» منظمة ذات شعبية واسعة، لكننا لا نتعامل مع منظمات تحمل السلاح لاسباب سياسية، تاركا الباب مفتوحا لـ»المستقبل. اذ يجب ان ننتظر لنرى ما اذا كان سيعيد تموضعه في المشهد السياسي. لاننا نراقب الواقع كي نعيد النظر بمواقفنا على المدى الطويل»، يسأل مسؤول اميركي :»هل تقبل اميركا حماس والجهاد في حال فازتا بانتخابات حرة؟»، ثم يجيب :»هذا احتمال. اذا كانت الانتخابات حرة وحقيقية ممكن ان تنتهي بنتائج غير مرحب بها من قبلنا. لكن نحن اقتنعنا انه على رغم هذه المخاطرة، فان التغيير الديمقراطي هو الخيار المثالي».

ويضيف: «لانحاول فرض أي حزب، بل تشجيع العملية. والامر يعود الى كل دولة كي تقرر أي حزب يقبل اللعبة الديمقراطية». نريد تشجيع عملية التغيير وليس قيادتها.

وبدا قطوف في ندوة عقدت في «لجنة مناهضة التمييز» عن العلاقات السورية - اللبنانية انه من مؤيدي نزع سلاح «حزب الله» لاسباب كثيرة بينها «ان المسيحين سيشعرون بالامان وان ذلك سيؤدي الى الاستقرار والامان في لبنان. اما ان تكون لديك دولة مستقلة او لا. لا ارى سببا لوجود ميلشيا خارج اطار الجيش اللبناني». وماذا عن التهديد الاسرائيلي؟ يجيب: «لا ارى سببا كي يقوم شارون بالذهاب الى لبنان»، قبل ان يقول احد الخبراء ان ادارة بوش «لا تعرف الى الان ماذا تفعل في هذا الموضوع». وتقول كيبر ان الحكومة اللبنانية «ستصدر قانونا يحرم حمل السلاح سوى للصيد. حزب الله منظم ويمكن ان يكون جزءا من الديناميكيات اللبنانية. كل الميلشيات ستتخلى عن اسلحتها. هناك تهديد اسرائيلي وتهديد سوري وتهديد داخلي. لا احد يمكن ان يتوقف عن السير قدما بسبب وجود تهديد».

وفي حين لاحظ كولن دونن رئيس تحرير «ميدل ايست جورنال» ان «هناك انفتاحا اكبر للتعامل مع الاسلاميين من قبل المحافظين الجدد»، قالت اوتاوي ان النقاش بين الاميركيين والاسلاميين «لم يصل الى حد التعاون»، لكنها تضيف انه «لامعنى للحديث عن نشر الديمقراطية دون التفكير بكيفية التخاطب مع الاسلاميين». وتسأل: «هل ان تغيير الاخوان السوريين للميثاق خطوة تكتيكية ام حقيقية؟ هل هناك علاقة بين تحرك الاخوان في مصر وسورية؟» قبل ان توضح: «للاسلاميين دعم كبير. الاسلوب الوحيد لاستبعادهم هو الضغط، وهذا يعني انه يجب ان نتوقف عن الحديث عن نشر الديمقراطية وعن الحديث مع الليبراليين. اذا كنا جادين في نشر الديمقراطية فيجب ان نتكلم الى هؤلاء الاسلاميين اكثر. واذا فتحنا الباب امام الاسلاميين، فانهم سينشقون بعد فترة. واذا اردنا نشر الديمقراطية ليس هناك خيار اخر».

ويسير مارتن انديك مدير «مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط في «مؤسسة بروكنغ» في الاطار الفكري ذاته، اذ يقول: «يمكن ان يشارك بالديمقراطية جميع الاطراف السياسية، لكن دون اسلحة»، ويقول عمر تاشبينر مدير برنامج تركيا في «مركز اوروبا واميركا» ان «الدولة هي التي تخبر الاسلاميين عن الخطوط الحمر» مع الاشارة الى امكانية تاسيس «مجلس امن قومي» يرعى شؤون «اللعبة الديمقراطية».

وبين النظريات الاميركية والواقع العربي فجوة كبيرة. اذ فيما يشير قطوف الى ان «مجلة ميدل ايست جورنال» قالت ان المنطقة العربية تشهد «ربيعا عربيا»، فان تونسنغ يرى ان مسؤولين اميركيين «لا يمانعون بالفوضى في اماكن بعيدة عن اميركا». ويذهب البروفسور جون كول الى القول ان رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري كان «َضحية الفوضى البناءة» التي ارادها بوش.