{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
سلامآ... خليل حاوي
skeptic غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,346
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #9
سلامآ... خليل حاوي
[B][CENTER]الرومنطيقية

[B]كما رآها خليل حاوي

كانت العصور التي تقدّمت عصر الرومنطيقية توفّر للأدب إطاراً موضوعياً من مسلّمات الفكر ومعطياته الاجتماعية الكونيّة، وفي مقدّمتها فكرة الثبات في طبائع الأشياء واستقرار الأشياء على نظام مرتبي يتدرّج من الجماد إلى اللّه ويتوسّطه الإنسان لما في طبيعته الثنائية من عنصر الألوهة وعنصر المادّة. وكان من المفترض أن يسيطر على المجتمع نظام طبقي يعكس نظام الكون ويماثله. ولئن أفاد الملوك من هذا الافتراض فاستندوا إليه في ترسيخ حقهم الإلهي واستبدادهم، فقد ظلّت تُداخله صفة التصوّر المثالي لما يجب أن يتحقّق في الواقع. وقد عرفت تلك العصور آثاراً أدبية كثيرة نتجت من التوتّر بين التصوّر المثالي وامتناع الواقع عن مطابقته. ومَثَلُنا عليه ذلك الصراع على السلطة بين حزب الملك وحزب أرموند والبنات الشريرات في مسرحية [شكسبير] الملك لير. ويقضي اللّه بالعدل في الأخير فينصر الملك على المتمرّدين ويثبّت أركان ملكه ونظامه. غير أنّ المسرحيّة تكشف كذلك عن احتقار الحزب المتمرّد للنظام المثالي احتقاراً لا تلغيه هزيمته ولا انتصار الملك.

وكان العقل أداة الأدب في تصوّر النظام والتعبير عنه، وفي ضبط الشعور وتوجيهه، والعقل لا يخضع خضوع الشعور والإحساس للاختلاف والتغيّر، وبذلك تمّت للأدب شروط الموضوعية في الأداة والموضوع والدلالة، فكان موضع اهتمام عام يتخطّى فوارق الذوق والثقافة والبيئة.

وكان من المسلّم به في تلك العصور أنّ العقل ملكة عليا في الإنسان، تنهض به عن طبيعة الحيوان إلى طبيعة الملائكة، وأنّ الخيال يناقض العقل، فيعبّر عن الشهوة ويشيع الشرور والعواطف المشوّشة، وأنّه يتلقّى الوحي من الشيطان فيظنّه وحياً سماوياً.

وتستمر الحياة والأدب على هذه الحال إلى أواسط القرن الثامن عشر، ثم يأخذ التفاوت يتعاظم بين الواقع والمثال، فيفرغ المثال من معناه إلى حدّ لم يعد يُستفاد منه ما يُستفاد عادة من أسطورة قديمة. نمت الطبقة الوسطى واشتدّ نفوذها بنموّ الصناعة والتجارة، وانحطّت الملكية والأريستوقراطية، وكانتا من قبل مصدر السيادة والقوّة، وشاعت المفاهيم الديموقراطية وانتهت إلى غايتها في الثورة الفرنسية وفي دعوة غودوين (1562 - 1633) إلى مجتمع أمثل تشيع فيه فوضى خيّرة سعيدة، ويحكم فيه الفرد ذاته بذاته.

وحلّت محلّ النظام الموضوعي دعوات متعدّدة مختلفة لكنّها كانت تتلاقى وتجتمع على مبدأ أساسي يقرّر "أن تحقيق الفرد لذاته هدف ينبع من صميم الديموقراطية"، وكان غودوين وروّاد الرومنطيقية من دعاته.

وأطلّ عصر جديد يرفض النظام الطبقي واستناد الدولة إلى عقيدة دينية، ويلحّ في طلب المساواة وحكم الشعب لنفسه بنفسه. كذلك انزاحت الصفات والمراتب القديمة عن عالم الطبيعة فاستجدّت ظواهره وتغيّرت قيم أشيائه. وبعد أن تحطّم النظام، بإطاره الموضوعيّ، راح الشاعر يبحث عن مبدأ للنظام في عالم ذاته ويحاول أن يكتشف فيه طريقاً توصله إلى اللّه. أصبح الفرد محور الشعر الرومنطيقي والمجتمع بما هو مجموعة أفراد، وليس متّحداً تنتظمه الطبقات. فكان النظام الذي أقرّه الشاعر الرومنطيقي مستمداً من عالمه الداخلي ومن ثقته بالخيال أداة فضلى في الكشف عن الحقائق وفي التعبير عنها. ليس بالعقل والتعقّل الذاتي نستطيع الوصول إلى اللّه، بل بحدس الذات لذاتها، مصدر جميع المعارف ومبدئها.

وبديهي أن تنتج من هذه النظرة الجديدة في المجتمع والكون أوضاع نقدية جديدة ومعايير نقدية جديدة تستهدف الدفاع عن الشعر الرومنطيقي وسبر أسراره وتوضح دقائقه. ونال الخيال في مفهومه الجديد أصفى تعبير وأدقّ صيغة في مذهب كولريدج (1772 - 1834) فكان يرى فيه ملكة الشاعر العليا، ووسيلته الوحيدة التي تُحطّم وتُذيب لتُوحِّد وتبدع، أو تُسبغ على أشياء الواقع المألوف صفات الغرابة والمثال.

بهذه الوسيلة حاول الشاعر الرومنطيقي أن يُعيد النظام والصور المنسجمة المتناغمة إلى عالم لم يعد يمدّه كما أمدّ شكسبير وبوب بأشكال جاهزة مكرّرة. ولمّا كان المجتمع الإنساني قد استحال إلى أرض خراب وفوضى وجفاف روحي وجحيم فقد تحتّم على الشاعر أن يتّجه إلى عالم الطبيعة يستمدّ منه معاني الخير والصفاء والتكرار المنتظم الأزلي ويستعيض بها عن فساد المجتمع وتقلّب الحياة وزوالها. غير أنّ الرموز الطبيعية ظلت تفتقر إلى إطار موضوعي عام يجعل مراميها قريبة واضحة. ومن أمثلة سوء الفهم للشعر الرومنطيقي مقالة في نقد [قصيدة كولريدج] (البحار القديم) ترى في (القصيدة أغرب حكاية عن الديك والثور). وللتغلّب على هذه الصعوبة انتهج الشاعر [الرومنطيقي] منهجين مترابطين أحدهما استخدام صور مستمدة من التأثيرات الحسيّة، والآخر استخدام مجموعة من الألفاظ القيمية. وكان على الصور والألفاظ أن تتساند وتتداخل لتؤلّف إطاراً موضوعياً عاماً يقيم عليه الشاعر عالمه الذاتي. إنّ الصور المستمدّة من الطبيعة مشتركة صاحبت تراث الإنسان وتجسّدت فيه. وكانت ولا تزال مجالاً للتأثّر المباشر والملاحظة العامّة. وقد أثبت لها الشاعر قيماً رمزية فعدّ الوردة مثلاً رمزاً لنوع خاص من الجمال، والجبال رمزاً للتشوّف والرفعة. كذلك استعان في السيطرة على الفوضى وتأكيد نظام مثالي ثابت بصور انطباعية كانت أعمّها وأرحبها صورة النور، رمزاً للإشراق، والرؤيا المتعالية، وعمل الخيال، ومثالاً يتسامى إليه الشاعر. وقد عُدّت الشمس والقمر والنجوم كائنات مقدّسة وصوراً للنّور في ينابيعه الأزلية; فكتب كيتس (1795 - 1821) قصيدة في إله الشمس، هيبيريون، وأخرى في إنديميون، الكائن البشري الذي أحاله حبّه للقمر إلى روح خالدة. وكانت النجمة، في نظره، رمزاً للثبات والبقاء. وقد أفاد من هذا الرمز صديقه شلي (1792 - 1822) فتصوّره يستحيل بعد موته إلى نجمة ثابتة خالدة. وتهيمن صورة النّور على قصيدة تنيسون (1809 - 1892) (الذكرى). ولما كانت نجوم المساء تغيب لتشرق من جديد في غسق الفجر جعل منها الشاعر رمزاً لانبعاث الإيمان بعد انطوائه. وتلي صور النور في الأهميّة والقيمة صور الأشكال الطبيعية، وقد عدّت أسباباً فعّالة في إصلاح النّفس وتصفيتها وإخصابها.

أمّا الألفاظ القيمية فكانت وسيلة الشاعر في تأكيد نظام ثابت موضوعي من القيم المطلقة كالجمال والحق والحرية، كذلك كانت وسيلته في تأكيد حنينه الأكبر وتعاليه على ذاته. وتعبّر الألفاظ في هذا المجال عن القوّة والقدرة والرهيب والجليل. ثم كان على الألفاظ القيمية، وهي مجرّدات، أن تتفاعل مع الصور الانطباعية الحسيّة تفاعلاً يمدّها بالحيوية والحركة ويربطها بعالم الواقع. وينتج عن تفاعل الألفاظ والصور وتآلفها إطار موضوعي يحيط بعالم الشاعر وينتظم رموزه فيزيح عن مراميها كثافة الالتباس والغموض. هكذا استطاع الشاعر الرومنطيقي أن ينطلق من ذاتية عدّها محور الوجود، إلى موضوعية في نظرته إلى الوجود وفي دلالة رموزه. غير أنّ الصور الحسيّة كانت في الغالب، جزئية جامدة لا قدرة لها على النماء والتطوّر فكانت وافية بأغراض القصيدة القصيرة غير وافية بأغراض القصيدة الطويلة. ومعلوم أنّ رؤيا الشاعر الرومنطيقي كونية المدى، وأنّ غرضه تأكيد القيم المطلقة وتوفير المجال لتفاعل الألفاظ القيمية والصور الانطباعية، وهذه جميعاً تستتبع نظم القصائد الطوال.

كان على الشاعر إذن أن يكتشف صوراً بنائية كليّة للقصيدة الطويلة تتّسع لأغراضها المتعدّدة بقدر ما تسيطر على معانيها وصورها الجزئية، فتكون عامل انطلاق بقدر ما تكون عامل انضباط. وهذه الصور موفورة في التراث الإنساني وفرة الصورة الانطباعية. وكان أكثرها شيوعاً في الشعر الرومنطيقي صورة الرحلة في الزمان، رمزاً لحياة الإنسان وصورة الحب بما هو اتحاد ذاتين وتسامٍ بهما إلى عالم المثال.

يعبّر روّاد الرومنطيقية، في أفضل آثارهم عن اعتقاد راسخ بوجود مبدأ للنظام والثبات في الكون، وعن اتحاد الفرد بحقيقة تتخطى عالمه الذاتي. وقد يكون اتحاد الذات بالمطلق غبّ الإشراق، كما في [قصيدة] The Prelude لوردسورت (1770 - 1850) أو بالمثل العليا للحياة بعد الموت كما في (أدونيس) [لشلي] أو اتحاد ذاتين في الحب، كما في ([ليلة] سانت أجنس) [لكيتس] أو ما يشبه الاتحاد من تنبّه في حياتنا الحاضرة إلى الحقيقة التي قرّرها كولريدج:

He Prayeth best who loveth best
All things both great and small

غير أنّ الرؤيا الكونيّة والتأكيد على القيم المطلقة أخذا يتضاءلان في الشعر الرومنطيقي ويحلّ محلّهما التعبير عن التفسّخ والانحلال. وقد انتهى هذا التحوّل إلى غايته في أواخر القرن التاسع عشر. ويبدو التدرّج إلى الانحلال والتفسّخ واضحاً في تطوّر الشعر الرومنطيقي من وردسورث إلى طومسون (1859 - 1907).

كانت الرحلة في قصيدة The Prelude رمزاً لانتصار الفرد على بحر التجارب وتساميه إلى آفاق من الجلال الروحي لا تتناهى، حيث تتجلّى له وحدة الحياة في الكون فينجذب إليها ويتّحد بها. وفي شعر تنيسون وبراوننغ (1812 - 1889) تعبير عن رحلة يتخلّلها بعض النّـور وبعـض الأمـل بلقـاء بعـد فـراق والوعـد بالوصـول إلى غـاية مـرجوّة. أمّا فــي شـعر آرنولـد (1822 - 1888) فالرحلة سياحة عمياء تستضيء بأمل غامض دامس لا يشير إلى هدف ولا يطلب غاية. لقد انحلّت الرؤيا الكونيّة وانحلّت معها وحدة الوجود فتمزّقت روابط المحبّة والانسجام، وأصبح النّاس جزراً متباعدة تفصل بينها بحار مالحة لا يُسبر غورها، بل حطاماً يسوقها التيّار فما تلتقي إلاّ لتفترق، دون أن يهدم اللّقاء عزلتها المغلقة، ودون أن يوجعها الفراق. إنها تعاني جحيم الانحلال والتفسّخ وتغوص في ليل رهيب هو ليل المدينة كما يتصوّره طومسون، إنّه ليل الموت في الحياة، دون الأمل بالانبعاث.




سلام عليك وقد عبرت جسر الموت حيآ خفيفآ(f)


06-14-2005, 05:14 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 04:54 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 04:56 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:01 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:03 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:04 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:08 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:09 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:12 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة skeptic - 06-14-2005, 05:14 PM
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة حسان المعري - 06-14-2005, 10:37 PM,
سلامآ... خليل حاوي - بواسطة حسان المعري - 06-14-2005, 10:40 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS