[CENTER][size=5]الحرب في الإسلام[/CENTER][/size]

إن مبدأ الدفاع عن النفس والدين والعِرْضِ والأرض قد كفلته القوانين والمواثيق الدولية ويحدثنا إنجيل لوقا أن يسوع المسيح لما شعر بما يُدَبَّر ويُحَاك ضده، قال لتلاميذه:
"من ليس له كيس فليأخذه ومزود كذلك. ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً ... فقالوا ... هو ذا هنا سيفان. فقال لهم يكفي" (لوقا 22 : 36 – 38).
ولقد عاش المسيح – من بداية دعوته – فترة قصيرة لا تُمَكِّنَه من جمع أتباع وتكوين جيش يدافع به عن دعوته. ولو عاش طويلاً لفعل كما خطط في لحظة يأسٍ أن يشترى سلاحاً يدافع به هو وتلاميذه عن أنفسهم. ولقد أيد بولس اللجوء إلى السيف للقضاء على الشر والفساد:
"السلطان ... خادم الله للصلاح ... لا يحمل السيف عبثاً إذْ هو خادم الله منتقم للغضب من الذى يفعل الشر" (رومية 13 : 3، 4)
وقد أدلى الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريجان" بتصريح أكد فيه أهمية القوة. فقال بشأن الدب الروسي (الاتحاد السوفيتي سابقاً):
"هناك دب سائب في الغابة ... بعض الناس يقولون أن الدب أليف، وغيرهم يقولون إنه ضار وخطير. ولما كان من الصعب أن نعرف أيهم على صواب، أَلا يكون من الفطنة أن تكون قوتنا مساوية لقوة الدب؟" (الصراع على القمة. لستر ثارو. ترجمة أحمد فؤاد بلبع. عالم المعرفة. الكويت. ديسمبر 1995م. ص 7)
ولم يفهموا المقصد أولئك الذين يتخوفون من الإسلام عندما يقرأون قوله سبحانه وتعالى:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظْلَمُون" (الأنفال 60)
إن رباط الخيل ليس لإعدامه، وإنما للسيطرة على تصرفاته الحيوانية واندفاعه بلا هدف. كذلك القوة تجبر الظالم على التصرف في حدود الأعراف والمواثيق الدولية، وتمنعه من التفكير في الاندفاع لظلم الناس. فالآية تريد من المسلمين أن يكونوا "مُرْهِبِين" لا "إرهابيين". وهذا ما عبَّر عنه – ولكن بمبالغة كبيرة – رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال "كولين باول" حين قال:
"إننا نريد أن يشعر العالم بالهلع حتى الموت من القوة العسكرية الأمريكية ولو بعد تخفيض نفقات الدفاع لأن هذه القوة سَتُطَمْئِن حلفاء أمريكا وتجعل أعداءها يرتعدون من الخوف" (كيف اغتلنا السادات. محمود فوزى. ط3. القاهرة. يناير 1993م. ص 51).
إذنْ لابد من قوة لأهل الحق تضفي عليهم احترام العالم الذي لا يحترم ضعيفاً. فلم يلجأ النبي إلى السيف إلاّ للدفاع عن حرية العقيدة بعد أن وقف في وجهه أعداء الحرية. يقول الكاتب البريطاني المرموق "كارليل":
"كانت نية هذا النبي قبل عام 622م أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة وقد بذل في سبيل ذلك كل جهد جهيد، ولكنه وجد الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته ودعوته وعدم الإصغاء إليها، بل عمدوا إلى إسكاته بشتى الطرق من تهديد ووعيد واضطهاد حتى لا ينشر دعوته ... وهذا ما دفعه إلى الدفاع عن نفسه والدفاع عن دعوته" (الإسلام وخرافة السيف. ص 64)
لم يكن الرسول يهدف إلى دنيا يصيبها، وإنما إلى مبادئ سامقة ينشرها. فلم يدخل مكة دخول الفاتحين المتكبرين، وإنما دخلها دخول الخاشعين الشاكرين. فقد دخلها يوم الفتح خاشعاً ساجداً على سرج راحلته. (البداية والنهاية. ج4. ص 254)
وقد أمر الله رسوله ومن دعا إلى الله أن يبلِّغوا رسالة الله حتى لا تكون لأحد حجة على الله يوم القيامة. وليكن نشر الدعوة باللين والإقناع:
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" (النحل 125)
ومع أن فرعون كان طاغية متجبراً، إلاّ أن الله أمر موسى وهارون باللين. فقال:
"اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليِّناً لعله يَتْذَّكّر أو يخشى" (طه 43، 44)
ويمكنك مطالعة القرآن الكريم ولن تجد نبيّاً واحداً لجأ إلى العنف في دعوته، وإنما كان منهجهم الدعوة إلى الله بأسلوب راقٍ متحضرٍ، والصبر على المكاره مهما بلغت حتى يحكم الله.
وامتثل الرسول لأمر ربه. فكان يبعث السرية للدعوة إلى عبادة الله ويوصى أميرها بقوله:
"إذا لقيت عدوك من المشركين فادْعُهُم إلى أحد ثلاث خصال. فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم وكُفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام ... فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ... فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" (حياة الصحابة. م1. ص 82)
وقد بعث النبي سرية فأغاروا على حي من العرب. فَسَبَوْا مقاتليهم وذريتهم. فقالوا: يا رسول الله. أغاروا علينا بغير دعاء. فسأل النبي أهل السرية فصدقوهم. فقال: "ردوهم إلى مأمنهم ثم ادعوهم" (المصدر السابق. م1. ص 84).
وكان النبي إذا بعث بعثاً قال:
"تألفوا الناس ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم. فما على الأرض من أهل مدر ولا وبر إلاّ تأتوني بهم مسلمين أحب إلىَّ من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم" (نفس المصدر. م1. ص 82).
ونهى الرسول جيشه عن اقتراف الذنوب والوقوع في الظلم. فقال:
"لا تغدروا، ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناءً" (الرحيق المختوم. ص 46)
ونفذ الصحابة تعليمات النبي حتى في المواقف التي يصعب على الإنسان أن يكبح جماح نفسه. ففي معركة أحد رأى الصحابي "أبو دجانة" فارساً من قريش يقاتل بحماس شديد. فحمل عليه بالسيف، ولكن الفارس ولول. فعرف الصحابي أنه امرأة فأعرض عنها وقال:
"أكرمت سيف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أضرب به امرأة" (البداية والنهاية. ج4. ص 15).
وسار الصحابة على درب الرسول في تبليغ المنهج. فلم تأسرهم الدنيا بزخرفها فيقاتلوا الناس لاحتلال أرضهم والعلو عليهم، وإنما جاهدوا لتصل كلمة الله إلى كل عبد من عباد الله. فإذا بلغته الرسالة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فقد أدوا ما عليهم، وحساب العباد على الله. وهذا ما طبَّقه "النعمان بن مقرن" خير تطبيق عندما أرسله "سعد بن أبى وقَّاص" في جماعة إلى كسري – ملك الفرس – يدعونه إلى الله. فقال النعمان لكسري:
"إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويُعَرَِفَنا الشرَّ وينهانا عنه ... فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين الإسلام ... فإن أبيتم فالجزية. فإن أبيتم فالمناجزة (أي القتال). وإن أجبتم إلى ديننا خَلَّفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن أتيتمونا الجزية قبلنا منكم ومنعناكم (أي قاتلنا من يعتدي عليكم) وإلاّ قاتلناكم" (المصدر السابق. ج7. ص 36، 37)
وقد لخَّص المغيرة بن شِعْبَة أخلاق ومبادئ الحرب في الإسلام وهو يفاوض "رستم" – قائد الفرس – قبيل المعركة. فقال له:
"إنّا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همُّنا وطلبنا الآخرة. وقد بعث الله إلينا رسولاً بدين الحق. عموده شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله. والناس بنو آدم. فهم إخوة لأب وأم" فقال رستم:
"أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال:
"إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلاّ في تجارة أو حاجة"
(نفس المصدر. ج7. ص 34، 35)
ولم يأمر الإسلام جنوده بالانتقام حتى من حيوانات البلاد التي يدخلونها، وإنما أمرهم بالرفق في كل شئ. وقد نهى أبو بكر – الخليفة الأول – قائد جيشه عن ذبح البهائم. فقال:
"ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلاّ لمأكلة" (الإسلام وخرافة السيف. ص 125)
ونهى الإسلام عن تدمير التراث الإنساني. ففي إحدى معارك المسلمين مع اليهود، وقعت في أيدي المسلمين بعض صحف التوراة. فطالب بها اليهود. فأمر الرسول بردها.
ولما كانت هذه هي مبادئ الإسلام في الحرب، فإنك لن تجد أكثر من 1018 رجل قتلوا في جميع غزوات الرسول من الطرفين: 259 من المسلمين و 759 من غيرهم. (المصدر السابق. ص 283)
ولما دخل المسلمون البلاد، لم يهدموا على الناس معابدهم، بل تركوهم أحراراً. فعندما دخل عمرو بن العاص مصرَ، كتب لأهلها كتاب أمان. جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبَرَّهم وبحرهم ... وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية ... وإنْ نقص نهرهم من غايته رُفِعَ عنهم بقدر ذلك" (البداية والنهاية. ج7. ص 88)
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يأمر قائد الجيش بالدفاع عن البلاد التي اختارت أداء الجزية فيقول له:
"فإن أقرُّوا بالخراج (أي الجزية) فقاتلوا عدوهم من ورائهم وفرِّغوهم لخراجهم ولا تكلفوهم فوق طاقتهم" (حياة الصحابة. م1. ص 181)
ولكن ما العمل إذا أخذ المسلمون الجزية ثم عجزوا عن الدفاع عن الناس؟ هذا ما حدث عندما جمع "هيرقل" الجموع لقتال المسلمين في المدن السورية. فقال قادة المسلمين للناس:
"إنّا كنا قد أخذنا منكم أموالاً على أن نحميكم وندافع عنكم، ونحن الآن خارجون عنكم لا نملك حمايتكم. فهذه أموالكم نردها إليكم"
فقال أهل المدن:
"ردكم الله ونصركم. والله لحكمكم وعدلكم أحب إلينا من جَوْر الروم وظلمهم" (الإسلام وخرافة السيف. ص 127)
إن المنصف ليقف مشدوهاً لا يملك إلاّ أن يحنى رأسه احتراماً إزاء ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز. فقد دخل جيش المسلمين مدينة "سمرقند" دون أن ينذروا أهلها مع أنهم نقضوا العهد. فغضب بعض علماء المسلمين وأوعزوا إلى أهل المدينة بإرسال شكوى للخليفة الذي نصَّب قاضياً مسلماً للنظر في الأمر. وحكم القاضي بخروج الجيش وأن ينذرهم قبل البدء في الحرب. وخرج جيش المسلمين ونبذ إلى أهل المدينة وأنذرهم. إلاّ أنهم خرجوا مكبرين مهللين لهذا الدين العظيم يرددون" لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله"
(منار الإسلام. عدد 2. الإمارات. ديسمبر 1982م. ص 52)
وهذا ما دفع جوستاف لوبون ليطلقها شهادة مدوية في التاريخ عندما قال:
"لم يشهد التاريخ حاكماً أعدل ولا أرفق من العرب، لا لأنهم عرب، بل لأنهم مسلمون يسوسون الناس بهدى الإسلام" (الوعي الإسلامي. عدد 48. الكويت 18 / 2 / 1969م. ص 68).
وإذا ألقينا نظرة تاريخية على خريطة العالم الإسلامي سنجد أن البلاد الإسلامية التي دخلها الإسلام بجيوشه هي الربع من مجموع الدول الإسلامية التي أسلمت اقتناعاً وطوعاً. فهناك دول كثيرة أسلمت عن طريق التجار المسلمين لما لمسوه فيهم من أخلاق سامية تتمثل في تقوى الله وأداء الأمانة وحفظ العهد. (الإسلام وخرافة السيف. ص 114، 115)
وهكذا يتضح بجلاء لا لبس فيه أن الإسلام انتشر بغير سيف إلاّ سيف العقل والبرهان الساطع على العكس من الأديان التي سبقته. فقد كانت شراً وبيلاً على البلاد التي دخلتها. يقول د. جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب":
"ولقد أكرهت مصر على انتحال النصرانية. وهبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي" (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين. ص 48).
واشتد الخلاف في طبيعة المسيح في القرنين السادس والسابع بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الأرثوذكسية المرقسية ووقع اضطهاد فظيع على يد قيروس في مصر استمر عشر سنين وقع خلالها ما تقشعر منه الجلود. فقد قتل حوالي 100 ألف مصري لرفضهم اعتناق مذهب الدولة الرومانية. وفر كثير من المسيحيين إلى قلب الصحراء وأقاموا فيها المعابد السرية. (المصدر السابق. ص 43، 44 + لمحات من تاريخ العالم. جواهر لآل نهرو. ص 184)
ولما فتحت مصر كان الفلاح المصري يدفع للدولة البيزنطية أكثر من 13 ضريبة، اختصرها المسلمون إلى ضريبتين متناسبتين مع الوضع الاقتصادي للفلاح المصري. (رسالة التوحيد. محمد عبده. ط3. مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر. الجيزة 1989م. ص 174).
فكان طبيعياً أن يسارع المسيحيون إلى مساعدة جيش المسلمين في بناء الجسور عند دخولهم مصر لِمَا سمعوه من العدل الذي يحكم به المسلمون كل بلد فتحوه، وما كاد الأمر يستقر للمسلمين حتى سارع كثير من المسيحيين إلي دخول الإسلام. (الإسلام وخرافة السيف. ص 115 + ما بعد عام 2000 د. ميلاد حنا. ص 13، 113).
ولم يكن الإسلام رحمة أهداها الله لمصر فقط، بل لكل بلد دخلها الإسلام في الشرق والغرب. تقول دائرة المعارف اليهودية العامة:
"إن فتح العرب للبلاد أنقذ يهود فلسطين من الدمار الكامل"
ويقول المؤرخ اليهودى "هيامسون":
"وعمليّاً فيما يتعلق بيهود فلسطين فإن المسلمين قد جاءوا كمنقذين وليس كمضطهدين"(منار الإسلام. عدد 9. الإمارات 21 / 1 / 1996م. ص 83)
أما أسبانيا فقد كانت تعانى من الحروب بين مدنها المتناحرة. وكان الكثير من أرضها قفر لا يسكنه أحد. وتحدثنا كتب التاريخ عن الشكل الذي كانت عليه في ظل الحكم الإسلامي حتى أن ملوك أوروبا كانوا مبهورين بالتنظيم الإداري والرقى العلمي في أرضها. (الشاهد. عدد 125. شركة الشاهد للنشر المحدودة. نيقوسيا. قبرص. يناير 1996م. ص 71 + العربى. عدد 446. الكويت. يناير 1996م. ص 166).
يقول "بول كولينز" في كتابه "العثمانيون في أوروبا":
"لم يكن العثمانيون استبداديين طغاة إذا ما قارناهم بما كان يدور في أوروبا وقتها، فرعاياهم الأوروبيون كانوا يتمتعون بأقصى درجات التسامح الديني، لهذا انتشر الإسلام بالبلقان، وكانت شعوبه تستقبل قوات الفتح العثماني كمحررين أكثر من كونهم غزاةً غاصبين" (منبر الإسلام. عدد 7. القاهرة. ديسمبر 1994م. ص 66)
ويقول القس الألماني "بيتر":
"كان انتشار الإسلام أسرع من انتشار المسيحية وكان التحول للإسلام يتم من خلال بلدان مسيحية كاملة في أفريقيا وآسيا وأسبانيا" (التاريخ الأسود للكنيسة. بيتر دى روزا. ص 113)
ولما انتهى حكم المسلمين في أسبانيا، تركت أعداداً لا حصر لها من اليهود البلاد لاجئين إلى بلاد المسلمين مفضلين حياة المغترب في ظل حكم المسلمين. (الحل الإسلامي للمشكلة العنصرية. أحمد ديدات. المختار الإسلامى. القاهرة 24 / 8 / 1992م. ص 78).
ولقد اعتصر المفكر الفرنسي "أناتول فرانس" حزناً وهو يقرأ أحداث المعركة التي هُزِمَ فيها المسلمون على يد الفرنسيين والتي لولاها لدخل الإسلام أوروبا كما دخل إفريقيا. فيقول:
"إن أسود عام في التاريخ الأوروبي هو العام الذي حدثت فيه معركة بواتييه التي اندحرت فيها الحضارة العربية أمام البربرية الفرنسية" (الشعب. عدد 1071. القاهرة 28 / 6 / 1996م. ص 12)
وصدق الرجل، فلم يكن المسلمون من ذوى الميول الدنيوية، وإنما كانوا ذوى مبادئ سماوية عشقوها وعشقوا نشرها بين الأمم فعَلَّمُوا الناس الإنسانية بكل معانيها والحضارة بكل فروعها. وهذا ما شهد به ملك أسبانيا "خوان كارلوس" حين قال:
"إن فترة الخلافة الإسلامية هي فترة عظيمة في التاريخ الأسباني" (المصدر السابق. ص 12)
لقد انتصر الإسلام بعقائده التي لا يجد حيالها العقل إلاّ التسليم، وبمبادئه الكريمة التي تغزو القلوب بنورها، وبالقرآن الكريم ذي الأسلوب المُعْجِزِ المحكم الرهيب. فبسط الإسلام أجنحة عدله ورحمته على مناطق شاسعة من العالم. ولم يستطع الشيطان أن يسكت وهو يرى علم الحق يرفرف عالياً. فحرض أتباعه على تنكيسه. فكانت محاكم التفتيش والحروب الصليبية التي عرضنا لها. وقد ارتكبوا جرائم حرب لا حصر لها كعادتهم في كل حين. وكان من المنتظر أن يكون للمسلمين رد فعل عنيف إذا واتتهم الفرصة. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث. بل قوبل الإجرام بالعفو والصفح والكرم. يقول المؤرخ "أيوركا":
"عَلِمَ صلاح الدين بمرض خصمه ريتشارد قلب الأسد، وبأنه في حاجة إلى بعض الفاكهة والثلج. فبعث إليه صلاح الدين بحاجته، وأرفقها بالدواء والشراب. ولم يكد ريتشارد يشفي من مرضه حتى عاد مرة أخرى إلى قتال صلاح الدين وحربه" (الإسلام وخرافة السيف. ص 168)
ولما استعاد صلاح الدين مدينة القدس أبقى على حياة 100 ألف صليبي كانوا في المدينة، واستوصى بهم خيراً. واكتفي بأن ضرب فدية عادلة، وعجز البعض عن دفعها. فأدى الملك العادل – أخو صلاح الدين – فدية عن ألف صليبي، واقتدى به صلاح الدين فأعفي كثيرين منها. (المصدر السابق. ص 167)
العجيب أن أسقف بيت المقدس تركه المسلمون يغادر القدس حاملاً كنوزاً من الذهب والمال ولم يُؤَدِّ الفدية عن صليبي واحد، مع أن الأساقفة هم الذين حرضوا شعوبهم على الحرب ورغبوهم فيها ملوحين لهم بالمكاسب المادية.
فلا غرو أن نفراً من الفرسان المسيحيين، قد بلغ من قوة انجذابهم إلى صلاح الدين أن هجروا ديانتهم المسيحية وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين. (ماذا خسر العالم. ص 20، 21).
إن قوماً هذه هي أخلاقهم، لابد أن يكونوا قد استظلوا بمبادئ سامقة وأخلاق رفيعة. ولكن هل يمكن للإنسان أن يصل إلى مرتبة كهذه هكذا؟ أم لابد من وجود منهج سامق رفعه من الحضيض إلى العلاء؟ إنه المنهج الإلهي المتمثل في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	لماذا التعنت يا إدارة ؟	Abanoob	2	1,007	10-31-2005, 03:17 AM آخر رد: المنسق العام
	لماذا لم تبت الإدارة بقضية الزميل جورجيوس بعد؟	كمبيوترجي	5	1,449	09-01-2005, 12:16 AM آخر رد: راسكولينكوف
	ماهو الاسلام وماهي المسيحية؟؟؟؟	محترف	21	3,849	06-28-2005, 09:00 PM آخر رد: البابلي
	لماذا تحب الفتيات العربيات الرجل الغربي الأشقر؟	the_collector	10	3,071	04-22-2005, 07:03 PM آخر رد: فاشن