وظهر ناصر، وامتص التحفز للنهضة الذي كان يتوثب في صدور العرب، وافرزه جميعا في عسكرتاريا إستبدادية قمعية، وفرغه في ظاهرة صوتية كرعد دونما صواعق، ثم احتمل الجمل بما حمل، وألقى كل من تصدى للسياسة في غياهب السجون، لا فرق بين حزب إسلامي أو آخر عالماني أو ثالث شيوعي.

ثم وعد السمك وتوعد اليهود، وبينما نحن بين وعد ووعيد، وامر بينهما شديد، وصوت معركة لا يعلى عليها صوت، ومن فعل فهو خائن يستحق الموت، إذ انكسرنا ذلك الإنكسار الفادح، الذي كان يعلمه كل من عاقر السياسة ومارسها منذ 1964.

ولا ننسى أن سوريا كانت دولة تتتحفز للصناعة، وفيها صغار رساميل تباشر التوثب الإقتصادي، مشفوعا بصوفية وطنية ترى أن "زوان البلد ولا قمح الجلب"، فأتى ناصر واغتصب أموال الناس، فسعى الناس لكسر الوحدة، وكان طلاقا بائنا بينونة كبرى. لا يعود بسبب الاستبداد.

يقولون ناصر، وماذا أعطانا ناصر غير خطابات وهتافات وشعارات، وانهيار الاقتصاد المصري، وانهيار التحفز النهضوي الذي أنهى عهد الإستعمار. ثم يقولون لقد قال ناصر " إرفع رأسك يا أخي فقد انتهى عهد الإستبداد"، ليت شعري وكيف انتهى والحكم للعسكر، وما حسنة عسكر يحكمون؟
وكيف انتهى والناس تتكوم في أبي زعبل بسبب كلمة قيلت، أو مشروع نهضة يخالف مشروع ناصر على افتراض وجود مشروع لديه.

كان ناصر ليكون قدح زناد النهضة لو أنه عاد إلى ثكنته، وسلم السلطان لأصحابه، بعد تنظيف البلد ممن يثبت عليه التعاون مع الانجليز بحكم محكمة مدنية. إلا أن شيئا من ذلك لم يتم، وتساقطت أحلام النهضة على مخدع العسكرتارية، وانتهكت هناك عذرية أن السلطان للأمة، وضاعت كل فلسطين، ودخل الناس في مغاور اليأس، وفي كهوف القنوط.