عزيزي عدنان

لم أجد في ردك تعريفا جامعا مانعا ، أو مسطرة .. لأستطيع تصنيف هذا وذاك بأنه " سني متطرف " .

ماذا وجدت ؟

وجدت التالي : أنت تنطلق مما يحدث اليوم من تفجيرات في شتى بقاع الأرض . لتجعل لها كلها سببا واحدا هم " سنة متطرفون " . هؤلاء السنة المتطرفون : إرهابيون ، بمعنى أنهم يقتلون الأبرياء . وهم متطرفون ، أيضا ، لأنهم يقتلون الشيعي لمجر كونه شيعيا . وهؤلاء ، يفعلون الذي يفعلونه في الوقت الذي يقوم باقي السنة – على عادتهم – بتبرير أفعالهم ونفيها .

هنا ، تجد : نمطية ، تسطيح ، وعاطفية .

نمطية ، بمعنى أنك ترى السنة : كل ، متماثل الأجزاء .. التعبير عن جزء منه ، وصف حالته في جزء من الزمان ، هو أمر كاف لتمطيط الحكم على الكل ، وتغليفه به . نعم ، أنت لم تطلق عبارات عامة ، بل قلت ألفاظ كـ : " بالغالب" و " بعضهم " ، لكنها ألفاظ جاءت لا لتفرق نوعيا ، بل لتشير إلى تفاوت في الدرجة ، لا اختلاف في النوع .

بالمقابل : " السنة " ، مثله مثل " الشيعة " و " الإسلام " .. هو مفهوم . والمفهوم كالكائن الحي : له تاريخ واظوار . تطور مفهوم السنة تدريجيا ، وتفرع السنة أنفسهم إلى فرق شتى . ويكاد يكون المعنى الصحيح للسني : هو من ليس شيعيا . وهذا تعريف بالسلب ، مما يعني أنه يحتوي على اختلافات كثيرة .

عندما نقول عن فكر أنه متطرف ، فهذا يعني أننا نتهمه ذهب إلى أقصى طرف في دائرة ذلك الفكر . لنشرح هذا ..

الخوارج ، كمثال ، فرق متعددة . نجد هناك من يقول : أن " الأزارقة " أكثر فرق الخوارج تطرفا ، و " الاباضية " أكثرهم اعتدالا . بأي معنى يؤخذ هذا الكلام ؟

قائل هذا الكلام : سني ، يؤمن أن فاعل الكبيرة ليس بكافر . من خلال هذا الإيمان ، يحدد نفسه مقياس ، يحدد بعد وقرب الآخرين ، يضع هذا متطرفا وذاك معتدلا . الأزارقة يقولون بكفر فاعل الكبيرة وأن داره دار حرب ويجوز قتله وسلبه وسبي نساءه . أما الاباضية فهم لا يصرحون بكفر فاعل الكبيرة وان اختلفوا بشركه ، ولا يبيحون دمه . ولكنهم يجعلون دار السلطان هي دار الحرب ، ويبيحون دمه . من هنا ، يقول السني : الاباضي معتدل والأزرقي متطرف .

مثال آخر . نفس السني هذا يؤمن أن ابا بكر الأحق بالأمامة يتلوه عمر فعثمان فعلي . من هذا المقياس ، يصرح بالقول : " الزيدية " أكثر فرق الشيعة اعتدالا ، و " الإمامية " متطرفة . كيف ذلك ؟

الزيدي ، يؤمن أن علي أفضل من صاحبيه ، ولكنه ، أيضا ، يؤمن أن إمامة المفضول على الفاضل جائزة ، وبهذا تكون إمامة ابي بكر وعمر شرعية . الإمامي ، يرى أن علي أفضل من صاحبيه ، وأن إمامته جاءت بالنص ، ومخالف النص بالضرورة عاص . فهم لا يرون أي شرعية في خلافة ابو بكر وعمر . من هنا يأتي صاحبنا السني ، فيرسم ذاك بأنه معتدل ، وهذا بأنه متطرف .

ويستمر صاحبنا بنفس الطريق ، حتى يخلص إلى نتيجة أنه الوسط ، ومذهبه هو الوسطي ، وكل من حوله منجذب لطرف ما .

هل هذا يعني أن مسألة التطرف نسبية ؟ الجواب : نعم ولا. إذا كان المقياس هو ما تؤمن به الأنا ، أي ذاتي ، فهنا نقع في النسبية . وإن كان المقياس موضوعي ، فهنا نستطيع تحديد القرب والبعد موضوعيا . كأن تعرض العقائد على القرآن فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل . لكن القرآن ، لا يمكن تناوله كمعطى موضوعي مائة بالمائة ، إذ جزء كبير منه عبارة عن : فهم ، تأويل ، تفسير . وهنا نعود للنسبية .

أنت ترى أن كل من الزرقاوي وبن لادن سني ومتطرف . أنا هنا أتسائل حول أمرين اثنين :

من أين لك أن الإيمان بقتل الأبرياء هو " مفهوم سني " ، قام هؤلاء بسحبه للطرف فقط ؟
لاحظ أن معنى قولك " سنة متطرفين " ، يعني أن كل السنة مؤمن بأصل الفكرة ، لكن هناك من ابتعد بها وهناك من اعتدل فيها . والفكرة هنا : قتل الأبرياء .
فمن أين لك ذلك ؟

الأمر الآخر : مالمقياس الذي اعتمدته في تنصيب هذا سني متطرف وذاك معبر عن السنة الحقيقيين ؟ هل هو مقياس ذاتي ، أي بالنسبة لما تؤمن به ؟ أم إلى أمر موضوعي يمكن الاعتماد عليه ، بحيث لو اعتمده غيرك ممن لا ينتمي لذات الخلفية الفكرية التي تنتمي إليها ، لتوصل للنتيجة ذاتها ؟


أما كونه تسطيح ، فهذا أمر واضح . التسطيح ، يكون عادة باقتصار تفسير الظاهرة على ما يحدث في السطحها أو تأويلها بسبب واحد هو المفتاح السري لها .

أنت تجزم يقينا ، أن كل سيارة تتفجر في العراق وكل فرد يموت ، وراءه " السنة المتطرفين " . المرجع : الجزيرة ، العربية ، الجريدة الفلانية ، المنتدى الفلاني . هل الخبر الإعلامي دليل جنائي ، يمكن أن تقبله أي محكمة على وجه الأرض ؟

يأتي خبر يقول : " قام مسلحون من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بتفجير ستين منزلا شيعيا " . ما وقع فعلا ، هو أن ستين منزلا تفجرت . أما من فعل ذلك وكيف ، فهذا كلام ، لا يرتفع عن كونه : إشاعة ، لا تنهض كدليل في أي محكمة .

ثقافة اليوم ، أصبحت ثقافة شفاهية ، بفضل تطور التكنولوجيا . وهنا يجب أن نستعيد منهج تصحيح الخبر وتصديقه وتكذيبه . أذكر أني رأيت تصريحا لرامسفيلد يقول فيه : لو عشت فترة في الشرق الأوسط لرأيت أن أمريكا هي السبب في كل شر يحدث في العالم .

أحدنا ينجر خلف عاطفته ، يحب أن يجعل نفسه امتداد للتاريخ . السني والشيعي على السواء . الأول ينطلق من تراث ضخم مليء بالإستشهاد في سبيل الله وقهر أعداء الله .. ليجعل نفسه امتدادا لتاريخه المجيد ، فيفسر كل شيء ليتوافق مع امتداد ذاك التاريخ . والثاني ، ينطلق من تاريخ ممتلئ بالظلم والاستعباد .. فيؤول الأشياء كامتداد لذلك التاريخ .

فأنت حكمك للمسألة متأثر بكون أفراد من قومك يموتون هناك . دعني أقول لك : لي أًصدقاء كثر شربوا من كؤوس الإعلام حتى الثمالة ، فغطت عقولهم ، وراحوا يبحثون عن الموت في العراق ، وماتوا هناك قبل الوصول أو بعده بقليل.

آسف على الإطالة ..