ملاحظات حول مسودة الدستور العراقي
عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الحوار المتمدن - العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31
كل شيء في العراق الجديد يعاني من ولادة عسيرة، والدستور الدائم ليس باستثناء. المسودة التي نشرت قبل أيام على مواقع الإنترنت لا تبشر بالخير ولا تسر المثقفين المتنورين الذين يسعون لبناء نظام ديمقراطي يخرج العراق من تخلف القرون الوسطى ومخلفات وكوارث الفاشية البعثية. فما أن يتخلص هذا الشعب من فاشية قومية حتى يواجه فاشية من نوع آخر وهي الفاشية الدينية، والأخيرة أسوأ من الأولى لأنها تضفي القداسة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، إذ ترتكب هذه الفاشية أبشع الجرائم بحق الإنسان باسم الله والإسلام، فما بالك لو أصبحت هذه الانتهاكات من صلب الدستور الدائم. الله في عون هذا الشعب.
الملاحظات
أولاً، تسمية الدولة العراقية: الاسم مهم، فمن نافلة القول، أن كلما كان الاسم قصيراً وبسيطاً كان أفضل ومعبراً بشكل أوضح عن طبيعة تلك الدولة. فقد شاهدنا في العصر الحديث كيف استطاع السياسيون المؤدلجون في الأنظمة الشمولية، إطلاق أسماء رنانة على أنظمتهم تختلف تماماً عن جوهر تلك الأنظمة. فمثلاً، كانت معظم الدول الشيوعية في شرق أوربا تسمى بالديمقراطيات الشعبية. بينما في الواقع لم تكن تلك الدول ديمقراطية ولا تتمتع بأية شعبية. كذلك الأمر بالنسبة لاستخدام (إسلامية). فجمهورية إيران الإسلامية، مثلاً شعبها أقل التزاماً بالدين من شعب جمهورية تركيا العلمانية الديمقراطية. وهناك دراسات موثقة بهذا الخصوص.
لذلك فإصرار الإسلاميين على إطلاق اسم (الجمهورية الإسلامية) على الدولة العراقية سيلحق أشد الأضرار بالإسلام قبل أي شيء آخر لأنه سينفر الناس من الإسلام كما حصل في إيران والتسمية نذير شؤم وتثير الذعر في نفوس الكثيرين من الناس، داخل العراق وخارجه، خاصة في هذا العهد حيث تفشي الإرهاب الإسلامي الذي يعاني منه العراقيون أكثر من غيرهم. وهذه خطوة تمهيدية لحكم ولاية الفقيه الخمينية في إيران. كذلك زج الدين بالأمور السياسية سيعرقل تقدم الدولة وتطورها، لأن الدين ثابت والسياسة متغيرة. كما وإن أغلب الدول التي تبنت أسماء قومية أو دينية مثل: العربية، مصر وسوريا، والإسلامية مثل موريتانيا وإيران، توقفت تماماً عن التطور الحضاري وتراجعت في جميع الميادين. لذا فأملنا قوي بممثلي التحالف الكردستاني وبقية الأعضاء العلمانيين في الجمعية الوطنية برفض التسميات الدينية والقومية. كما أقترح اسم (الجمهورية العراقية) لأنه قصير ومعبر وكان هذا هو الاسم قبل اغتصاب البعث للسلطة، وكفى الله المؤمنين شر الجدال. أما المضامين الأخرى مثل: الاتحادية والديمقراطية والعلمانية وعلاقة الدين بالدولة، فيجب إدراجها في تفاصيل الدستور الدائم، كما هو الحال في الدول الغربية الديمقراطية.
ثانياً، جاء في المادة الثانية من المبادئ الأساسية ما يلي: الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه (ثوابته المجمع عليها) ويصون هذا الدستور الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي (بأكثريته الشيعية وسنته) ويحترم جميع حقوق الديانات الأخرى.
هذه المادة تعتبر المسمار الذي سيدق في نعش الدولة العراقية وعزل الشعب العراقي عن كل ما يمت لهذا العصر من منجزات حضارية حققتها البشرية في الديمقراطية والحضارة والحداثة والعلوم والفنون والآداب وغيرها. لقد حصل اتفاق مسبق بين القوى السياسية العراقية المعارضة قبل سقوط الفاشية وبعدها، أن يكون الإسلام (أحد المصادر وليس المصدر الأساسي للتشريع). فلماذا هذا الانقلاب على العهود والمواثيق؟ ولماذا الإصرار على ذكر (بأكثريته الشيعية وسنته). هذه الجملة هي العبوة الناسفة لتمزيق الشعب العراقي وتكريس الطائفية وإعطاء المبررات للغلاة الطائفيين من السنة والشيعة للاقتتال الطائفي وسيطرة الغرائز البدائية على العقل في تدمير العراق. لقد حكمت الحكومات العراقية السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية ومارست الطائفية ولكنها لم تتجرأ أن تذكر اسم الطائفة. فلماذا هذا الإصرار على الانتحار؟ وهل هناك دولة حضارية في العالم عدا إيران، ذكرت اسم طائفة دينية في دستورها؟
ومتى كانت القومية الفارسية من القوميات الرئيسية في العراق؟ إن الذي وضع هذا النص أراد به إعطاء ذريعة للطعن بعروبة شيعة العراق. فالشيعة عجم، وعرب الأهوار جلبهم محمد القاسم مع الجواميس من الهند!! كما أدعى البعثيون. فأين هم أبناء القومية الفارسية (الأساسية) في العراق؟ وأية شريحة من المجتمع العراقي مقصود بها بالفارسية؟ أفتونا يرحمكم الله!! إني استغرب من طريقة تفكير الذين وضعوا هذه الصياغة المقرفة والمفرقة في الدستور. على المخلصين المتنورين من أبناء الشعب العراقي التصدي لهذا العمل الطائفي الرجعي التخريبي اللامسؤول، وإلا فهؤلاء يعملون على تكريس الطائفية البغيضة إلى الأبد.
ثالثاًَ، جاء في المادة الحادية عشرة: "يحظر فكراً وممارسة تحت أي مسمى كان كل فكر يتبنى العنصرية والتكفير والإرهاب (أو يحرض أو يمجد أو يمهد أو يروج له) وبخاصة البعث الصدامي ".
أتفق مع مضمون هذه المادة، ولكن أقترح حذف عبارة (وخاصة البعث الصدامي). إذ لا فرق بين بعث صدامي وغير صدامي. فصدام حسين هو نتاج فكر البعث العفلقي، سواءً كان هذا البعث عراقي أو سوري أو من أي مكان آخر. إضافة إلى ذلك فإن ذكر اسم صدام في الدستور يعتبر تخليداً لاسمه وتدنيساً للدستور العراقي الدائم.
رابعاً، تنص المادة الخامسة عشرة على أن: " للمرجعية الدينية استقلاليتها ومقامها الإرشادي كونها رمزاً وطنياً ودينياً رفيعاً. (هناك تحفظ من البعض)."
هذا النص لا مبرر له، فالمرجعية الدينية هي نفسها ترفض أن تكون رمزاً وطنياً، لأن الدين الإسلامي دين أممي ولا يعترف بالأوطان وحدودها. ففي هذه المادة نوع من التزلف والمداهنة والنفاق الرخيص لرجال الدين، أقترح حذفها إذ لا مبرر لها ولا يحتاجها رجال الدين. في الحقيقة، إن الدولة الآن هي التي تحتاج إلى الحفاظ على استقلاليتها والتخلص من تدخل رجال الدين في شؤونها وليس العكس.
خامساً، الباب الثاني، الحقوق الأساسية والحريات العامة، م/6: " تكفل الدولة الحقوق الاساسية للمرأة ومساواتها مع الرجل في الميادين كافة طبقا لاحكام الشريعة الاسلامية وتساعدها على التوفيق بين واجباتها نحو الاسرة وعملها في المجتمع."
لا شك إن الذي كتب هذه الصياغة هضم بشكل جيد مكر عمرو بن العاص، فما أبشعها من كذبة مفضوحة. إنها عملية الضحك على الذقون ليس غير. إذ ليست هناك مساواة في الإسلام مطلقاً فيما يخص حقوق المرأة. فالنساء، حسب المفهوم الإسلامي، ناقصات عقل ودين، وللذكر مثل حظ الأنثيين. فإذا أردنا مساواة المرأة بالرجل (في الميادين كافة طبقا لاحكام الشريعة الاسلامية)، علينا أن نقرأ على هذه المساواة السلام. وكفى ضحكاً على الذقون يا تلامذة عمرو بن العاص رغم تظاهركم بالبكاء على الحسين ليل نهار. لنكن صريحين، الدين لا يعترف بمساواة المرأة بالرجل ولا بحقوقها الإنسانية. ولذلك عارض رجال الدين، الشيعة خاصة، قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 وتعاونوا مع أعداء ثورة 14 تموز وساهموا في ذبحها. وبعد انقلاب 8 شباط 1963، بعثوا برقية جماعية يهنئون فيها الانقلابيين بنجاحهم والمطلب الوحيد الذي قدموه هو إلغاء هذا القانون الحضاري. فتم تعديل القانون بإلغاء مساواة المرأة بالرجل في الميراث. وأول عمل قام به السيد عبدالعزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، إثناء رئاسته الدورية لمجلس الحكم الانتقالي هو إلغاء هذا القانون وسن قرار 137 سيئ الصيت، وشكراً جزيلاً للسيد بريمر الذي رفضه. والآن يحاول الأعضاء الإسلاميون في الجمعية الوطنية بالمادة م/6، إلغاء قانون الأحوال الشخصية وإحياء قرار 137 لإعادة المرأة إلى القرون الوسطى، مجتمع الجواري والحريم. إن أية مادة تخالف مساواة المرأة مع الرجل في الحقوق، تخالف المواثيق والقرارات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وهؤلاء يحاولون مرة أخرى إظهار الإسلام بأنه دين معاد لحقوق الإنسان. اتقوا الله يا عباد الله. هذه الفقرة لطخة عار في جبين من كتبها وصوت أو يصوت لصالحها.
سادساً، جاء في م/10: "يجب عرض الاوراق التحقيقية الابتدائية على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة من حين القبض على المتهم ولا يجوز تمديدها الا مرة واحدة وللمدة نفسها.".
يبدو أن العراق فاق في تطوره الحضاري واستقراره السياسي جميع الدول الأوربية الديمقراطية المستقرة. فقد تخلصنا من الإرهاب والجريمة المنظمة وصارت أجهزتنا الأمنية أقوى وأكثر خبرة وحنكة من جميع نظيراتها في العالم. أما خبراؤنا في علم الجنائيات، فيضعون شرلوك هولمز ومعظم الباحثين الجنائيين في خانة المتخلفين!!
في وضع العراق المزري الحالي حيث فقدان الأمن والخدمات بسبب الإرهاب وتصاعد الجريمة المنظمة، يريد المشرعون من الشرطة العراقية القبض على الجاني وتوجيه التهمة له خلال 24 ساعة وإلا إطلاق سراحه. بريطانيا العظمى، بإمكانياتها العظيمة وشرطة (النيو سكوتلانديارد) ومنظماتها الإستخاراتبة الفذة، مثل MI5 و MI6 والألوف من الكاميرات التلفزيونية المنصوبة في شوارع المدن والتكنولوجية المتطورة، تتمتع بقانون يمنح الأجهزة الأمنية حق توقيف المتهم لمدة 14 يوماً والآن وبعد التفجيرات الأخيرة في لندن، راحوا يطالبون بتمديد هذه الفترة إلى ثلاثة أشهر. في العراق يريدون من الشرطة إنجاز الأوراق التحقيقية خلال 24 ساعة!! لا شك فإن بريطانيا ستبعث شرطتها للدارسة وكسب الخبرة في علم الجريمة إلى جمهورية العراق الإسلامية، للاستفادة من خبراتها!! أيها السادة، رفقاً بهذا الشعب. لقد أصبح العراق قبلة للمجرمين ومرتعاً خصباً للجريمة بسبب التساهل مع المجرمين. إن ما يحتاجه العراق الآن هو صلاحيات أوسع للشرطة وتشديد أكثر على المجرمين، لا مضايقة الشرطة وتسهيل مهمة المجرمين.
سابعاً، ورد في م/16:". تحرص الدولة على النهوض بالعشائر والافادة من قيمها واعرافها الايجابية التي لا تتنافى مع مبادئ الدين الحنيف والقانون والقيم الانسانية النبيلة التي تهدف الى توثيق اواصر المجتمع واحلال الوئام والسلام بين افراده".
ومن هنا يحق لواضعي الدستور الإدعاء بحق براءة الاختراع، إذ لم يسبقهم أحد، لا في الماضي ولا في الحاضر، بهذا "الإبداع" الدستوري. من دراستنا لتاريخ تطور البشرية، نعرف أن القبلية كانت مرحلة من مراحل التطور قبل تكوين الشعوب. فكان العرب في العصر الجاهلي عبارة عن قبائل متناحرة وفي حروب وغزوات مستمرة. لذلك جاء في القرآن الكريم (وخلقناكم شعوباً وقبائل). والمقصود بالقبائل، العرب، أما الشعوب فيقصد بها الروم والفرس، لأنهم كانوا في مرحلة متقدمة حيث أقاموا إمبراطوريات. والإسلام حارب القبلية حيث سماهم (الأعراب)، ووصفهم بأنهم أشد كفراً ونفاقاً. وعمل المسلمون الأوائل على وحدة العشائر والقبائل وإذابتها في كيان الأمة وهكذا تكونت الشعوب العربية. أما في العراق وخلال حكم البعث البغيض فقد أعاده الفاشيست إلى مرحلة ما قبل تكوين الشعوب، فأحيوا القبلية والعشائرية. ولكن الكارثة أن المشرعين في عراق ما بعد صدام يريدون تكريس العشائرية وتثبيتها في الدستور وإضفاء الشرعية عليها وتمجيدها. استشهدت مراراً بمقولة المؤرخ البريطاني الكبير، أرنولد توينبي (البداوة حضارة جامدة). ولعل هذا هو سبب مقاومة العرب للتقدم والتحضر. فبتقنين العشائرية في الدستور العراقي يعني تخليد البداوة وتكريسها إلى الأبد ومقاومة التقدم والحضارة.
لذا لا أرى أي مبرر لذكر هذه الفقرة أبداً، إذ يجب حذفها. أما قيم العشائر الإنسانية، مثل الكرم والنخوة والدخالة..الخ فلا يمكن عزلها عن قيمها اللا إنسانية مثل الثأر والغزو والنهب والقتل وجرائم باسم الشرف وغسل العار وغيرها. فكل هذه القيم متلازمة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض كما يحلو للبعض أنهم يختارون الأفضل.. لقد جربها صدام حسين وكانت النتيجة حكم الريف على المدينة والعودة إلى البداوة. حيث راح البعثيون القياديون ولأجل تأكيد أصالتهم العربية، نصب كل منهم خيمة أما بيته على غرار خيمة القذافي، وحفر موقداً للقهوة وربط جملاً أمام بيته على طريقة البدو، ليثبت للناس أصالته العربية والتزامه بقيم الأجداد. ما هكذا تورد الإبل يا ناس، رفقاً بهذا الشعب.
ثامناً، تنص المادة م/17: "يتمتع العراقي فضلا عن الحقوق المذكورة في هذا الدستور بجميع الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات الدولية التي يكون العراق طرفا فيها بما لايتعارض مع احكام الاسلام."
الجملة الأخيرة (بما لا يتعارض مع الإسلام) تعني نسف كافة الحقوق التي تتعارض مع الإسلام. فالرق محرم في المعاهدات الدولية، وغير محرم في الإسلام. كذلك التعذيب وتشويه الجسد (قطع الأطراف) والتمييز الديني والجنسي (الجندري) محرم في المعاهدات الدولية ولكن ليس في الإسلام. وهذا يعني حرمان الشعب العراقي من الحقوق التي تتمتع بها الشعوب الأخرى وفق المعاهدات الدولية.
تاسعاً، جاء في الباب الرابع، عن صلاحيات مؤسسات حكومات الاقاليم "1ـ يجوز للمقاطعات ابرام اتفاقيات مع الدول الاخرى في مجالات اختصاصها او في الامور الادارية والمحلية ." والفقرة "3ـ يجوز للمقاطعات التعامل مباشرة مع الجهات الاجنبية التي في مستواها وفي الحالات الاخرى يكون تعامل المقاطعات عن طريق الاتحاد .". هاتان الفقرتان تخلقان حالة من الفوضى واللامركزية وربما تقاطع المصالح مع السياسة العامة للدولة في السياسة الخارجية. فالتعامل مع الدول الأجنبية يجب وبالضرورة أن يكون من خلال وزارة الخارجية المركزية في الدولة الاتحادية. فوظيفة مؤسسات حكومات الأقاليم تتركز على تمشية الأمور الإدارية المحلية فقط وليس التعامل مع الخارج الذي هو من مسؤولية الحكومة المركزية، كما أسلفنا.
عاشراً، صلاحيات رئيس الجمهورية: لقد كتب كثيرون وأنا منهم بهذا الخصوص، والاتجاه الغالب عند الأكثرية، كان التأكيد على كون منصب رئيس الجمهورية شرفي وليس تنفيذي، كما الحال في الهند وألمانيا وإيطاليا وغيرها، على أن تترك المهام التنفيذية إلى رئيس الوزراء. ولكن ما جاء في الفصل الثاني، السلطة التنفيذية، يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية تشبه النظام الرئاسي التنفيذي، كالنظام الأمريكي والفرنسي. إذ جاء في الفقرة (هاء) أنه من صلاحية الرئيس نقض أي قانون يصدر عن الجمعية الوطنية..الخ . هذه الصلاحية لا يتمتع بها إلا الرئيس التنفيذي، فالبرلمان هو المصدر الأعلى للتشريع وليس رئيس الجمهورية.
خلاصة القول:
1- يبدو أن الذين كتبوا صياغة الدستور يشبهون أهل الكهف، فهم بمعزل عن العالم، ولا يعرفون ما جرى من تطورات منذ سقوط جدار برلين إلى اليوم. فعهد الآيديولوجيات الشمولية قد ولى إلى الأبد، وبدأ عهد العلم والحضارة والحداثة والديمقراطية والليبرالية والعلمانية. ومن يصر على أفكاره العتيقة، كما يقول الوردي، يهلك.
2- هذا الدستور فيه نفس النظام الإيراني، وقد أساء نواب الكتلة الشيعية إلى سمعتهم بإصرارهم على زج الإسلام والطائفية بالدستور. فهذه الموجة الدينية التي بدأها صدام حسين بحملته الإيمانية المزيفة هي مؤقتة وسوف تزول بزوال أسبابها. فقد شهد العراق موجات مماثلة في الماضي لحملة آيديولوجيات أخرى ثم انطفأت. وهذه الموجة الإسلامية هي الأخرى ستزول، كما زالت من الشعب الإيراني. لذلك نرجو من المشرعين للدستور عدم تكريس أوضاع شاذة وطارئة في الدستور الدائم.
3- هذا الدستور فيه تكريس للتمييز الديني والطائفي والجنسي (جندري) وإحياء العشائرية والقبلية. هذه الأمور تشكل بمجموعها عقبة كأداء أمام التقدم والحضارة وتعيد الشعب إلى الوراء. ويجب أن يدرك نواب الشعب أنهم مهما تبجحوا وادعوا بأنهم هم الذين حرروا الشعب العراقي، فهذا كلام هراء. الذي حرر الشعب العراقي من الفاشية هو الجيش الأمريكي والبريطاني. وبانسحاب هاتين القوتين سيعود نظام الفاشية إلى الحكم بعد عشر دقائق من الانسحاب. وهذا يعني أن أمريكا التي ضحت بما يقارب من ألفي جندي من شبابها وصرفت ما يقارب مائتي مليار دولار لحد الآن على تحرير العراق ومحاربة الإرهاب، سوف لن ولا تسمح مطلقاً بإقامة نظام إسلامي متخلف على غرار النظام الإيراني ولو كره الكارهون!! وإذا أصر الإسلاميون على موقفهم الانتحاري هذا، فالشعب العراقي هو الذي سيدفع الثمن باهظاً من دماء أبنائه كما هو جار الآن.
4- الملاحظ أن أعضاء لجنة صياغة الدستور حرصوا كل الحرص على تجنب ذكر كلمة (الديمقراطية) فيه. لا شك أنهم اعتبروها كفراً والحاداً، أسوة بالمصطلحات الأخرى مثل العلمانية والليبرالية سامحهم الله. ولا أدري كيف فات ذلك الأعضاء الديمقراطيين في هذه اللجنة.
5- نأمل من السادة أعضاء الكتلة الكردستانية والديمقراطيين في الجمعية الوطنية التصدي إلى النقاط الانتحارية في مسودة الدستور وإلغائها واختيار البديل الإنساني الحضاري لها. فقد كفى هذا الشعب الدماء والدموع والخراب الشامل خلال العقود الماضية من الحكم القومي الفاشي الشمولي، وبعد كل هذا الصوم الطويل لا يريد أن يفطر على جريّة الفاشية الدينية.
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=42188